هل تتذكر ليلة الثامن من أبريل/نيسان عام 2010؟ يومها جلس المصريون أمام شاشات التلفزيون منتظرين أحد أهم حلقات البرنامج الأشهر حينها «البيت بيتك». إنه اللقاء الأول بين شوبير ومرتضى منصور بعد أشهر من تبادل السباب والاتهامات والفضائح. انسحب يومها مرتضى وابنه من الاستوديو، واستمرت المانشيتات الصحفية الساخنة وحلقات التوك شو والمداخلات هاتفية ومحاولات الصلح التي لم تتوقف.

لم يكن الأمر مستساغًا حينها لدى عموم المصريين، وليس جمهور كرة القدم فقط. فليس من المعتاد أن يصل صراع في الوسط الرياضي المصري إلى هذا الحد من العنف والتشهير.

أما الآن، وحين تجدد الصراع منذ أيام قليلة، لم يصنع الحدث الزخم نفسه الذي صنعه منذ سنوات بين عموم المصريين، ولكنه اقتصر على جماهير القطبين. لماذا؟ لأن ما مرَّ به المصريون خلال السنوات الأخيرة جعل أغلبهم يتقبل تلك الأمور بصدر رحب، ودون قدر كبير من الاندهاش مثلما كان الحال منذ عشر سنوات أو أكثر. بشكل مبسط، لم يعد هذا الصراع هو أغرب ما يمر عليهم في الإعلام، لقد شاهدوا ما هو أغرب من ذلك بكثير.


انعدام الجمال

تعيش مصر الآن عصرًا يمكن أن نطلق عليه مجازًا «عصر محاربة الجمال». إن كنت تشعر بالغموض بعض الشيء الآن فدعني أشرح لك. كم مطربًا كنت تعشقه منذ سنوات وقلَّ شغفك وحبك تجاهه لأنه خذلك في موقف أو في آخر؟ هل تتذكر الممثل الذي كنت تنتظر مسلسلاته بقدوم رمضان ولم يعد قادرًا على الظهور بعد سيطرة إعلام المصريين على المشهد؟ مستوى الدراما المقدمة منذ عشر سنوات فقط، ما رأيك بها مقارنة بما تقدمه إليك الدولة الآن.

هدم المباني الأثرية، ومحاصرة الكورنيش بسياج حديدي يشعرك وكأنك في زنزانة، غلق أماكن عديدة لدواعٍ أمنية دون أي اهتمام بالتبرير للمواطنين. أشياء جعلت قطاعًا كبيرًا من المصريين يفقد ما تبقى لديه من حس جمالي. تشعر وكأنه أصاب أرواحنا شيء من القبح أحيانًا واللامبالاة أحيان أخرى.

ذلك القبح والشحوب تراه جليًا في القطاع المتابع للصراع الجديد هذه الأيام. صحيح أن هذا القطاع ليس بالحجم نفسه الذي كان عليه منذ عشر سنوات، ولكنه موجود وله حضور واضح على وسائل التواصل الاجتماعي.

نجح الصراع الإداري العنيف بين الأهلي والزمالك هذه الأيام في سحب أزمة شوبير ومرتضى من مساحة الرأي العام مثلما كانت عليه منذ سنوات إلى مساحة أكثر تحديدًا وخصوصية، مساحة ملاعب كرة القدم المصرية.


مراحل الصراع الجديدة

مر الصراع بين شوبير ومنصور بثلاث مراحل بعد الصلح الذي تم بينهما برعاية عبد الفتاح السيسي في لقائه الأول برياضيي مصر عقب توليه رئاسة مصر رسميًّا.

المرحلة الأولى يمكن أن نطلق عليها مرحلة «الاصطناع». حب مصطنع، ابتسامات مصطنعة، عبارات ود متبادلة مصطنعة. كل شيء غير حقيقي بما فيهم اللقاء الذي عقده أحمد موسى بينهما على أبواب قناة صدى البلد.في هذا اللقاء قال شوبير إنه لا يوجد خلاف من الأساس، ولكن هناك أناسًا أرادوا إشعال النار للاستفادة من ذلك! شوبير رأى أن السب والقذف والتشهير به وبأسرته ليس خلافًا، بل مجرد سوء تفاهم!

المرحلة الثانية هي مرحلة دق «طبول الحرب». مرتضى يخرج ليلمح إلى تجاوزات شخص محدد في اتحاد كرة القدم يدعم منافسه المباشر. تركي آل الشيخ ينشر تغريدات بها هجوم مباشر على حارس النادي الأهلي السابق، فيتجرأ مرتضى أكثر. على الجانب الآخر قرر شوبير أن يسلك طريق التغاضي عن التجاوزات ومحاولة خطب الود لتفادي تجدد الصراع مرة أخرى، فحافظ على ابتساماته على الشاشة عند الهجوم عليه من مرتضى منصور. اهتم بتلقيبه بالسيد أو المستشار مرتضى منصور.

الغريب أن شوبير وهو واحد من أباطرة الوسط الرياضي في مصر بصفقاته واتفاقاته قد ظنَّ أن تلك الطريقة ستجدي نفعًا مع مرتضى منصور! ألم يشاهد الحكم الدولي جهاد جريشة وهو يدعم مرتضى في أحد مؤتمراته الانتخابية لمجلس الشعب في ميت غمر، ليخرج بعدها مرتضى بأيام قليلة ليسبه هو وعائلته ويتهمه في ذمته كحكم دولي!

المرحلة الثالثة هي التي أيقن فيها شوبير أن الحرب قامت مرة أخرى بالفعل، وأن المواجهة حتمية، فتجددت حرب التصريحات مرة أخرى بين الطرفين بشكل صريح، والمتوقع لها أن تتطور في الأيام القادمة.


عين على شوبير وأخرى على مرتضى

الآن دعنا نعود إلى مسحة القبح التي صارت سمة واضحة لنظرة قطاع ليس بالقليل من جماهير قطبي الكرة المصرية لكل من مرتضى منصور وأحمد شوبير.

لنبدأ بالمستشار الزملكاوي. نظريًّا ودون النزول إلى أرض الواقع ستجزم بداخلك أن جماهير الزمالك تكره مرتضى منصور ولا تتمنى وجوده داخل النادي. لكن عند النزول إلى أرض الواقع ستجد أن جماهير الزمالك تكره نصف مرتضى منصور فقط. هم يكرهون نصف مرتضى الذي يهاجم جماهير ناديه، ولكنهم يفضلون نصفه الآخر الذي يهاجم اتحاد كرة القدم والنادي المنافس ورموزه. هم يرون أن وسطًا رياضيًّا ملوثًا مثل هذا الذي نعيشه في مصر لن يستطيعوا أن يأخذوا منه حقهم إلا بتلك الطريقة.

على الجهة الأخرى وفي الجزيرة، فإن أغلب جماهير الأهلي لا يهمها شوبير بشخصه، فشوبير ليس من الذين صاروا رموزًا للنادي بحب الجماهير كالخطيب وأبو تريكة، ولكنه صار أحد رموز النادي بألقابه فقط، مثل عصام الحضري ومصطفى يونس. لكن جماهير الأهلي يحبون نصف شوبير الذي يهاجم مرتضى فقط ويقف بجانبهم في صراعات واتفاقات الجبلاية؛ لأنهم كجماهير منافسيهم يرون فساد الوسط الرياضي، ويؤمنون أيضًا أن سلاح شوبير ضروري في تلك المعركة.

هل تتذكر انعدام الجمال الذي حدثتك عنه في بداية الموضوع؟ يظهر هذا القبح في النصف الذي يؤيده جماهير كل نادٍ في شوبير ومرتضى منصور. هذا النصف الذي لم يُوجد إلا بسبب عشوائية وفساد اتحاد كرة القدم المصري وصفقاته واتفقاته المشبوهة. لو لم يُوجد كل هذا الفساد لما اضطرت الجماهير إلى أن تدعم أي تصرف من تصرفات هذين الشخصين.

أما إذا اتهمك أحدهم بادعاء الحيادية وحدثك عن أن تلك الحرب موجودة في كل مكان في العالم، كحرب التصريحات التي كانت بين جيرارد بيكيه وألفارو أربيلوا قبل كل كلاسيكو، أو أي تعثر لأحد الفريقين مثلًا، فقط أخبره أن يدي جيرارد بيكيه وألفاروا أربيلوا لم تكن ملوثة بدماء جماهير ناديهم!