من اليسير الآن أن يعثر المريد على كتاب يحكي عن أحوال المسلمين العرب قبل قرن أو قرنين من الزمن، فالمكتبات العربية تعج بمئات العناوين التي تتناول هذا الموضوع وتقلبه على مختلف أوجهه. أما أن يجد القارئ كتابًا بالعربية يتناول أوضاع المسلمين في مختلف أنحاء آسيا قبل 100 عام، فهو أمر من الصعوبة بمكان.من هنا تنبع أهمية كتاب «نصوص من رحلة عبد الرشيد إبراهيم.. أحوال المسلمين قبل مائة عام» الذي صدر عن دار «عالم الأدب»، وهو عبارة عن مقتطفات اختارها الأستاذ سالم بن محمد القحطاني من كتاب ضخم للداعية الإسلامي والرحالة عبد الرشيد إبراهيم، سجل أحداثه خلال رحلة قام بها إلى اليابان، ومر فيها على العديد من دول آسيا (الصين وكوريا وسنغافورة والهند ودول أخرى)، راصدًا أحوال المسلمين في تلك المنطقة، قبل ما يربو على 100 عام.


من هو عبد الرشيد إبراهيم؟

قبل أن يدخل الكتاب في موضوعه، يفرد مساحة لا بأس بها للحديث عن الشيخ عبد الرشيد إبراهيم، مقدمًا ترجمة مختصرة لسيرة حياته الشيقة التي اتسمت بكثرة الأسفار والترحال.والشيخ عبد الرشيد إبراهيم القرمي القازاني التتري. ولد في سيبيريا بروسيا عام 1846، ورحل عنها إلى الحجاز طلبًا للعلم وهو ابن 12 عامًا. مكث في جوار الحرمين زهاء 20 سنة حفظ فيها القرآن ودرس الفقه والحساب والحديث ونال الإجازة. شغل منصب رئيس المجلس الروسي لمسلمي روسيا عام 1892. سجن لبعض الوقت في أوكرانيا عام 1904 بسبب نشاطه السياسي وفضحه واستنكاره القمع والاضطهاد الذي تمارسه البعثات التبشيرية الأرثوذكسية. وأنشأ بعد خروجه من السجن مطبعة نشر فيها كتبًا دينية وسياسية ومقالات تهدف إلى جمع كلمة المسلمين.قضى الشيخ جل حياته في الترحال. ففي عام 1897 بدأ من إسطنبول برحلة استمرت 3 سنوات وشملت: مصر والحجاز وفلسطين وإيطاليا والنمسا وفرنسا وبلغاريا والهند ثم تركستان الصين ومنها إلى مسقط رأسه في سيبيريا. وفي عامي 1908 و1909 قام برحلته إلى شرق آسيا (وهي موضوع كتابنا). وفي عام 1911 شارك عبد الرشيد في الجهاد مع الليبيين ضد إيطاليا، ثم عاد إلى روسيا وعاش بها حتى قيام الثورة البلشيفية عام 1917، فسافر إلى تركيا ومكث في قونية حتى عام 1934، ثم سافر إلى اليابان واستقر فيها. قرر إبراهيم الدعوة إلى الإسلام في اليابان وكان من أوائل من أدخلوا الإسلام إليها. وأنشأ لهذا الغرض جامع طوكيو عام 1938 وعمل فيه إمامًا. نجح في الحصول على اعتراف رسمي من الحكومة بالدين الإسلامي، كما أسهم في إزالة المعلومات التي تهاجم الإسلام والأتراك من المناهج الدراسية.توفي عبد الرشيد إبراهيم عام 1944 في طوكيو، وقد بقيت الجنازة 4 أيام، من أجل مشاركة القادمين من مختلف الأماكن، ودفن في مقابر التتار الأتراك المسلمين.ألف الشيخ العديد من الكتب منها «لواء أحمد»، و«الدين الفطري» و«الصفحات المنسية من التاريخ»، وأبرز كتبه هو «عالم إسلام – وانتشار الإسلام في اليابان» وطبع باللغة التركية والخط العثماني في إسطنبول عام 1910.


مقتطفات تشويقية

يقدم الأستاذ سالم القحطاني، في الكتاب الذي بين يدينا: «نصوص من رحلة عبد الرشيد إبراهيم.. أحوال المسلمين قبل مائة عام»، مقتطفات من كتاب «العالم الإسلامي في رحلات عبد الرشيد إبراهيم.. بدايات الإسلام في اليابان وأوضاع المسلمين في وسط وشرق وجنوب وغرب آسيا قبل مائة عام»، وهو الترجمة العربية لكتاب الشيخ عبد الرشيد «عالم إسلام – وانتشار الإسلام في اليابان».

ولما كانت الترجمة العربية تقع في مجلدين من الحجم الكبير (كل منهما 500 صفحة)، فقد ارتأى القحطاني أن يجمع، خاصة من جزءه الأول، مقتطفات مختارة تهدف إلى أولًا: تشويق القارئ وتشجيعه على قراءة الكتاب الأصلي، وثانيًا: إعطاء من لم يجد وقتًا لقراءة 1000 صفحة، جرعة معرفية عن أحوال في دول آسيا في مطلع القرن العشرين.

ووضع سالم عنوانًا لكل نص اختاره في كتابه، كما علق على بعض النصوص تعليقات توضيحية تكشف جوانب الجمال في النص، بهدف إفادة القارئ.


مصري أول من أدخل الإسلام إلى اليابان

من النصوص التاريخية المهمة في الكتاب، قصة الرجل المصري الذي سبق الشيخ عبد الرشيد في الوصول إلى اليابان وإدخال الإسلام فيه. والرجل هو أحمد فضلي بك، ضابط مصري، شهد حروب المهدي في السودان، وهو شاب مسلم غيور، يجيد الإنجليزية والفرنسية. ترك مصر وسافر إلى اليابان عام 1904 وتزوج بفتاة قروية، ثم رافقته زوجته ووالدتها إلى مصر، فأعلنتا إسلامهما، ثم عادوا جميعًا إلى اليابان، وأقام في قرية قرب طوكيو.

ويحق للتاريخ أن يسجل أن زوجة فضلي بك هي أول من أسلمت من النساء، وأن ابن فضلي هو أول من ولد من اليابانيين على الإسلام، أضف إلى ذلك أن فضلي بك هو أول من خطب عن الإسلام في اليابان بمدرج جامعة (واسيدا) فهو له السبق على جميع المسلمين في هذا.

ويعلق القحطاني على نص الشيخ موضحًا: «أن أحمد فضلي بك لم يكن مجرد ضابط محب للإسلام، بل جهر بالدعوة إلى الإسلام في محافل كبيرة باليابان، فهو داعية مجهول، وقد حضر له الشيخ محاضرة ألقاها أمام ألفي طالب من الصفوف العليا في الجامعى، وتحدث فيها بالإنجليزية عن محاسن الإسلام، وله جهود غير ذلك. والعجيب أن هدى الشعرواي تحدثت عن زوجة فضلي اليابانية وأثنت عليها خيرًا في مذكراتها».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.