ليلة الخامس عشر من مايو/آيار لعام 1948 لم تكن محض ليلة عادية في حياة الشعب الفلسطيني، المثقل بكيان دخيل يتغلغل في أحشائه وينهش من أراضيه، لم يحلم الفلسطينيون في ظلام ذلك المساء الحزين بأكثر من وقف هجرة اليهود المتزايدة، ومستوطناتهم التي نخرت في أبدان الجسد العربي الهزيل، ليستيقظ على كارثة تنسف كل الأحلام، وتنذر بليالٍ طويلة من الألم ستنتظر ذلك الشعب المنكوب.

ومع تمام الساعة الرابعة من عصر يوم الجمعة، الموافق 14 مايو/آيار 1948، وقف دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، أمام قيادة المجلس اليهودي في اجتماع عقد في قاعة الموزيون بمتحف مدينة تل أبيب، بحضور رجال الوكالة اليهودية الثلاثة عشر، وممثلي السكان اليهود والصحافة، يقرأ ويستعيد المآسي والآمال، مُعلنًا قيام «دولة إسرائيل» في تل أبيب، وبعد عشر دقائق من إعلان قيام الدولة الناشئة اعترف بها الرئيس الأمريكي هاري ترومان.

نذير الحرب: محطات ما قبل 1948

17 سبتمبر/ أيلول 1947

توجست الدول العربية من تزايد الهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية، وفي خطوة أولى لمجابهة قيام إسرائيل، حاولت الجامعة العربية توفير الاحتياجات الدفاعية للفلسطينيين، فشكّلت «اللجنة العسكرية الفنية» لتقييم الوضع العسكري، ودعت الدول العربية للتعبئة الكاملة، كما وضعت مبلغ مليون جنيه إسترليني، وعشرة آلاف بندقية، وثلاثة آلاف متطوع بينهم نحو 500 فلسطيني، تحت تصرف اللجنة العسكرية الفنية.

29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947

بصورة رسميةٍ وبقرارٍ أممي تمَّ تقسيم فلسطين، حيث وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين بتصويت ثلثي الأعضاء، وصارت الخريطة تشمل دولة يهودية على 56% من مساحة فلسطين الكلية، ودولة عربية على 43% منها، وتدويل منطقة القدس البالغة نسبتها 1%.

وبينما رحب اليهود بالقرار، أعلن العرب والفلسطينيون رفضهم له، وشكلوا «جيش الإنقاذ» المكون من متطوعين عرب غير نظاميين بقيادة الضابط السوري «فوزي القاوقجي»، لطرد الجماعات اليهودية من فلسطين.

ومع إعلان العرب عزمهم التدخل في فلسطين، تم تكليف «يغال يادين» القائد العام المساعد للجيش الإسرائيلي، بوضع خطة لمواجهة هذا التدخل، عرفت بالخطة «دالت»، التي نصت على فرض الوجود العسكري للمنطقة التي خصصتها الأمم المتحدة للدولة العبرية، بالإضافة إلى الاستيلاء على أجزاء كبيرة من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية.

يناير/ كانون الثاني 1948

عاد قائد الثوار الفلسطيني «عبد القادر الحسيني» سراً الى فلسطين بعد عشر سنوات في المنفى، لتنظيم المقاومة ضد قرار التقسيم، وتولى قيادة كتائب جيش الإنقاذ في جنين ونابلس وطولكرم داخل المساحة المُخصصة للدولة العربية.

وفي غضون ذلك، صدر تقرير بريطاني للأمم المتحدة يُقدر مقتل وإصابة 1974 شخصاً في فلسطين في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 إلى 10 يناير/كانون الثاني 1948.

9 أبريل/ نيسان 1948

أرجع بعض المؤرخين سبب نكبة عام 1948 إلى هذا التاريخ؛ حينما قام تنظيم الهاغانا بقيادة «مناحم بيغن» باقتراف مذبحة ضد المدنيين في قرية دير ياسين، غربي القدس الشريف قرب الأسطل، واحتلالها، وقتل فيها أكثر من 95 فلسطينيًا من المدنيين، مما أصاب العرب بهلع حيث كانوا يفرون من أمام اليهود.

مذبحة دير ياسين تعد منعطفا مهما وخطيرا في حياة الشعب الفلسطيني لأن اليهود استخدموها كأكبر وسيلة لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، لأن الكثير من الفلسطينيين فروا للمحافظة على الأرواح والأعراض.

30 أبريل/ نيسان 1948

احتل منظمة الهاغانا الصهيونية المناطق الاستراتيجية في القدس الغربية التي أخلاها الجيش البريطاني، وقاموا بتطهير المنطقة عرقياً من سكانها الفلسطينيين، مما صاحبه فرار حوالي (175 إلى 200) ألف لاجئ فلسطيني من المناطق التي احتلها اليهود، كما تمكنت المنظمات الصهيونية من احتلال حيفا وطرد سكانها منها.

نكبة العرب وفلسطين

15 مايو/ آيار 1948

أوضحت بريطانيا أن الالتزامات المقطوعة لكل من العرب واليهود غير قابلة للتنفيذ؛ ولذلك أعلنت الحكومة البريطانية انتهاء الانتداب على فلسطين، وقد جاء ذلك عندما أدركت لندن أن الحركة الصهيونية أصبحت قادرة على شق طريقها بنفسها دون الحاجة إلى مساعدتها، وأن تنفيذ وعد بلفور بات وشيكاً، وبهذا الإعلان يكون إعلان قيام دولة إسرائيل قد دخل حيز التنفيذ.

فيما نددت الحكومات العربية، وأذاعت في بيان مشترك إعلان دخول قواتها إلى فلسطين، وبدأت الجيوش تعبر الحدود من كل ناحية، لتبدأ حرب 1948، في وقت كانت عصابات «الهاغانا» الصهيونية، تسيطر على رقاع متعددة في البلاد وتضم أغلبية المستعمرات اليهودية والمدن الرئيسية.

16 مايو/ آيار 1948

شهد اليوم الذي يلي إنهاء الانتداب البريطاني وإعلان قيام دولة إسرائيل، تحركا عربيا واضحا شمل دخول الجيوش العربية السبعة إلى فلسطين، حيث عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين، ثم عبر لواء رابع وعدد من كتائب المشاة خلال الحرب، آنذاك كانت الجبهة الأردنية الإسرائيلية أقوى الجبهات وأهمها، نظرًا لارتفاع مستوى تدريبات الجيش الأردني وتكتيكاته التي مكنته من خوض ثلاث معارك كبرى (باب الورد، واللطرون، وجنين).

بينما عانت باقي الجيوش العربية ضعفًا شديدًا في اتخاذ القرارات الحاسمة على المستوى التكتيكي، وعجزت عن القيام بمناورات عسكرية، كما ضم الجيش الأردني نحو خمسين ضابطا بريطانيا، وألحق بالإسرائيليين خسائر كبيرة في بداية الحرب.

وفي الجانب المصري، دفع نقص التسليح وضيق الوقت القيادة المصرية لتشكيل لجنة «احتياجات الجيش» ومنحها الملك فاروق صلاحيات واسعة لشراء السلاح وتحديد مصادره وأنواعه، في أقرب وقت، دون رقابة، ومع حظر مجلس الأمن بيع الأسلحة للدول المتحاربة في فلسطين؛ لتحجيم قدرة الدول العربية على القتال، لجأت الحكومة المصرية لعقد صفقات مع شركات السلاح تحت غطاء أسماء وسطاء مصريين وأجانب، للتحايل على القرار.

وقد أرسل الأمين العام لجامعة الدول العربية حينئذ، «عبد الرحمن عزام»، إلى السكرتير العام للأمم المتحدة يبلغه قرار الدول العربية التي وجدت نفسها مضطرة إلى التدخل لإعادة السلام إلى نصابه ولإقرار الأمن والنظام في فلسطين، ولمنع انتشار الفوضى في الأراضي العربية المجاورة، ولملئ الفراغ الذي خلّفه إنهاء الانتداب، وهذه الدول هي مصر وسوريا ولبنان وشرق الأردن والعراق، كما اشتركت كل من السعودية واليمن وليبيا بقوات رمزية من جيوشها.

ولكن رغم ذلك، استطاعت الجيوش العربية أن تحقق تقدما على كل المسارات والجبهات في المرحلة الأولى من القتال التي امتدت من 15 مايو/آيار إلى 10 يونيو/حزيران، فقد وصل الجيش العراقي حتى مسافة 10 كيلو مترات جنوب تل أبيب، ووصل الجيش الأردني إلى القدس، كما أن الجيش السوري واللبناني حققا تقدماً جيداً في الشمال والجليل.

10 يونيو/ حزيران 1948

بعدما فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على لبنان قرار وقف إطلاق النار وحظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة، فتوقف القتال بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية النظامية، بينما واصل جيش الإنقاذ عملياته العسكرية في منطقة الجليل.

تم تحديد هدنة لمدة أربعة أسابيع تحت رعاية أممية، وعلى الرغم من حظر التسليح أو إرسال أي قوات جديدة لجبهات القتال، فإن إسرائيل لم تلتزم بهذا الشرط، وسعت لتعويض خسائرها، وانهالت عليها الأسلحة بصورة ضخمة وخصوصا الطائرات، كما تطوع كثيرون من يهود أوروبا للقتال.

8 يوليو/ تموز 1948

عندما تجدد الحرب في الجولة القتالية الثانية، استأنف الجيش الإسرائيلي القتال في جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة تمديد الهدنة، وفي هذه الأثناء كانت العصابات الصهيونية قد استكملت تسليحها وتدريبها وتعبئة كل الطاقات البشرية القادرة على حمل السلاح، حتى وصل عدد المقاتلين اليهود إلى 106 آلاف مقاتل، الكثير منهم شارك في الحرب العالمية الثانية، ويتمتع بقدرة عالية على استيعاب العلوم العسكرية، في مقابل 67 ألف جندي عربي نظامي وغير نظامي.

أمام هذا الاختلال في موازين القوى في العدد والعتاد والكفاءة القتالية، استطاعت المنظمات الصهيونية أن تستولي على 80% من مساحة فلسطين.

ومع انتهاء الهدنة اتخذت المعارك مساراً مختلفاً، وتعرّضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم، مكّنت إسرائيل من بسط سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية، واستطاعوا فك الحصار العربي عن القدس.

21 يوليو/ تموز 1948

أصدر مجلس الأمن نداء لوقف إطلاق النار وضغطوا على الدول العربية، بفرض عقوبات قاسية على طرفي المعركة وقد قبل العرب هدنة ثانية، وكان هذا القبول بمثابة اعتراف بالهزيمة، وانسحب جيش الإنقاذ من فلسطين بنفس اليوم، بينما استمرت المعارك مع المتطوعين فقط، وانسحبت الجيوش العربية.

كما تم اغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت في القدس من قبل منظمة شتيرن الصهيونية، وخلفه نائبه الأمريكي رالف بانش .

7 يناير/ كانون الثاني 1949

انتهى القتال بعد أن استولى الجيش الإسرائيلي على معظم منطقة النقب، وطوّق القوات المصرية التي كانت موجودة حول الفالوجة في النقب الشمالي، ثم بدأت المفاوضات في جزيرة رودس اليونانية، حيث توسطت الأمم المتحدة بين إسرائيل من جانب، وكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب آخر، وتم الاتفاق على الهدنة بين مصر وإسرائيل، ثم وقع كل من لبنان والأردن على الهدنة.

من 24 فبراير/ شباط إلى 20 يوليو/ تموز 1949

تم التوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربع مع الدول العربية، وعقبها تحديد الخط الأخضر الذي شهد اعترافا دوليّا، وسُمي «خط هدنة» لعام 1949، وهو يفصل بين الأراضي الإسرائيلية المحددة قبل احتلال عام 1967، والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعلى صعيد آخر، أوصى مجلس الأمن في 7 مارس/آذار 1949 بقبول إسرائيل عضواً كاملاً في الأمم المتحدة.

وفي 11 مايو/أيار 1949 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه التوصية.

تسببت هذه الحروب بتمزيق فلسطين الوطن والشعب، وخلّفت نحو مليون لاجئ فلسطيني، عاشوا في البلدان العربية المجاورة، وانتهت الحرب التي صنعت مأساة فلسطين، تلك الحرب التي بدأت عربية وانتهت بمعاهدات هدنة فردية مع الأنظمة، ليدفع ثمنها شعب فلسطين من دمه وكيانه ووجوده على خارطة العالم يومًا ما.