وسط الأزمة السياسية التي شهدتها إسرائيل، كان ملف الاستيطان حاضرًا في ثنايا النقاشات وتفاصيل الخلاف بين معسكرين، كلاهما صهيوني يدافع عن مشروع الاحتلال، لكنهما يتصارعان على النفوذ ويختلفان في أساليب سلب حقوق الشعب الفلسطيني.

فقد اشتعلت الاحتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بسبب رغبته في إقرار تعديلات قضائية تهدف إلى إضعاف المحكمة العليا لمنعها من التدخل في عدة أمور منها قضية الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.

فرغم الجرائم الممنهجة التي ارتكبها النظام القضائي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين لكن أداءه ظل أقل من طموحات غلاة اليمين الصهيوني؛ فعلى سبيل المثال، أبطلت المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2020، قانونًا أقره الكنيست عام 2017 يسمح ببناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة.

ورغم ممارسة تل أبيب إرهابًا منظمًا ضد الشعب الفلسطيني، لكن العديد من الصهاينة الغلاة حُوكموا وأدينوا في المحاكم الإسرائيلية ووُصموا بالإرهاب بسبب تورطهم في جرائم مروعة ضد الفلسطينيين، فالحكام العلمانيون للكيان الصهيوني ظلوا حريصين على استخدام المواد التجميلية لإخفاء الوجه القبيح للاحتلال لأغراض دعائية وأهداف أخرى لا يقتنع بها قادة اليمين الأشد تطرفًا.

حُوارة

مع تصاعد هجمات قوات الاحتلال وقطعان المتطرفين اليهود على الفلسطينيين في الضفة الغربية، برزت ظاهرة العمليات الفدائية لمقاومة تغول الاحتلال، وأصبحت بلدة حُوارة جنوب مدينة نابلس رمزًا للصمود ونموذجًا ملهمًا للنضال، ففي خلال شهر واحد شهدت البلدة ثلاث عمليات ضد الإسرائيليين وقعت آخرها السبت، 25 مارس/آذار.

ووصف مراسل إسرائيلي شارع حوارة بأنه «من أخطر الشوارع بالضفة الغربية» على المستوطنين والجنود، ففي يوم الأحد 26 فبراير/شباط شهدت المنطقة هجومًا فرديًا أدى إلى مصرع مستوطنين اثنين من مستوطنة «هارا براخا» قرب حوارة، بعد أيام من مجزرة نابلس في 22 فبراير/شباط التي قتل فيها جيش الاحتلال 11 فلسطينيًا.

وفي مساء الأحد 19 مارس/آذار أطلق فدائي النار في منطقة حوارة فأصاب مستوطنين اثنين أحدهما بإصابة خطيرة جدًا، وانسحب قبل أن يعتقله الاحتلال في وقت لاحق.

وفي العملية الثالثة صوب فدائي نيرانه من سيارة مسرعة على القوات الإسرائيلية في حوارة فأصاب جنديين، وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن الجيش أغلقت بعض مداخل جنوب نابلس واستدعى قوات إضافية لحوارة.

وأعلنت كتائب أبو علي مصطفى، الذراع العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مسؤوليتها عنها عقب تنفيذ عملية حوارة الثالثة، ثم تبنت لاحقًا عملية حوارة الثانية.

ودفعت حوارة ثمن صمودها غاليًا؛ فقد صارت هدفًا مستمرًا لهجمات عصابات المستوطنين بخاصة من مستوطني «هار براخا» و«يتسهار» سيئتي السمعة، وخلال الأشهر الماضية اقتحم الاحتلال البلدة وأغلق مداخلها عشرات المرات.

وعقب عملية حوارة الأولى تعرضت البلدة لهجمات قطعان المستوطنين، فقتلوا أحد السكان وأُضرموا النار في سيارات ومنازل الأهالي، واعتدوا على من وجدوه في طريقهم، ودعا بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، لمحو البلدة عن الوجود، وهو تصريح أثار غضبًا دوليًا، ووصفه البيت الأبيض بأنه «مقزز».

 وسموتريتش، إضافة إلى كونه وزيرًا، فقد تم تعيينه في وزارة الدفاع مشرفًا على شئون المستوطنات في الضفة الغربية، وهو أصلًا مستوطن سبق اعتقاله لاتهامات تتعلق بالإرهاب ضد الفلسطينيين، ويعد من أشد مؤيدي تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية.

كما قرر وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إعادة المستوطنين إلى مستوطنة أفيتار القريبة من حوارة ردًا على مقتل إسرائيليين في البلدة الفلسطينية قائلا إن الهجوم «يجب أن يعلمنا جميعًا أننا بحالة حرب.. نحن هنا في أفيتار والرد السياسي على مثل هذه الهجمات هو إقامة هذه المستوطنة».

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قضت بإجلاء المستوطنين عن مستوطنة أفيتار منذ عدة سنوات، واليوم يحاول اليمين الصهيوني إعادة تشييد المستوطنة في ظل حكومة نتنياهو، وتقييد المحكمة العليا عن اتخاذ قرارات ضد الاستيطان.

واستطاع بن غفير أن يحصل على تفويض بتزعم قوات الحرس الوطني، وهي قوات أنشئت مؤخرًا لتضم العناصر الصهيونية الأكثر تطرفًا، مما يفتح المجال أمام المستوطنين لتكثيف هجماتهم بدعم أكبر من الحكومة الإسرائيلية.

وتحولت حوارة إلى عقدة نفسية لدى قوات الاحتلال فرغم تحويلهم شارع البلدة الرئيسي إلى ثكنة عسكرية، وقعت الهجمات الثلاث في هذا الشارع بالتحديد ولم يستطع أحد منعها، ولا يستطيع الإسرائيليون منع مزيد من الهجمات ولا حتى التنبؤ بها، وكل ما بيدهم هو شن هجمات انتقامية على السكان كما وقع في 27 مارس/آذار عقب العملية الثالثة حيث هاجم المستوطنون المتطرفون منازل البلدة وقت الإفطار.

ومن المقرر أن تنطلق في عيد الفصح اليهودي في العاشر من أبريل/ نيسان، مسيرة يهودية ضخمة بحراسة جيش الاحتلال تنطلق من حاجز زعترة جنوب حوارة باتجاه أفيتار، بمشاركة كبار الحاخامات المتشددين المؤيدين للاستيطان ووزراء ونواب كنيست.

التوتر في القدس

في ظل شعور اليمين الإسرائيلي بفائض قوة غير مسبوق، أطلق رموزه دعوات لتنفيذ اقتحام كبير للمسجد الأقصى خلال عيد الفصح العبري، وذبح قرابين الفصح داخله، وهو الأمر الذي لم يتمكن اليهود طوال السنوات الماضية من تحقيقة رغم محاولاتهم المتكررة.

ويسعى المتطرفون لاستغلال إغلاق قوات الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة، والحواجز الأمنية خلال الاحتفالات اليهودية، لذلك أرسلت مجموعة من حاخامات حزب «الصهيونية الدينية» المتطرف الذي يقوده سموتريتش، رسالة إلى نتنياهو وبن غفير، يطلبون فيها السماح بتقديم قرابين الفصح في الأقصى، بحجة أن هذا الإجراء إحدى أهم وصايا التوراة.

وكانت المراسم هذه تجري بشكل سري في السنوات الماضية ولكن ما لبثت أن تحولت في السنوات القليلة الماضية إلى مراسم علنية بدعم بلدية الاحتلال الإسرائيلي في المدينة.

ورصدت العصابات الصهيونية مكافآت مالية لإغراء المستوطنين بذبح القرابين اليهودية داخل المسجد الأقصى المبارك، تصل إلى 25 ألف شيكل (6944 دولارًا أمريكيًا)، ومكافأة أخرى لمن يتم اعتقاله داخل  المسجد وبحوزته قربان.

ويعد الهدف الأسمى لهذه العصابات هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم بدلًا منه، وكرر المستوطنون اقتحاماتهم للمسجد بحماية قوات الاحتلال في شهر رمضان وهي ظاهرة تكثفت، مؤخرًا، في ظل حكومة نتنياهو.

ودعت رموز فلسطينية إلى النفير لحماية المسجد الأقصى، وأطلق ناشطون حملة تحت شعار «افتحوا الاعتكاف في الأقصى» بهدف المرابطة بالمسجد لحمايته من هجمات اليهود.