تراقب الصين بقلق بالغ انعقاد القمة الثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، الجمعة، في منتجع كامب ديفيد الرئاسي الأمريكي، وسط مخاوف من إنشاء ما يطلق عليه الناتو الآسيوي، أي إقامة حلف دفاعي موالٍ لواشنطن في شرق آسيا على غرار حلف شمال الأطلسي الناتو.

وخلال القمة ناقش الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، مشروعاً مشتركاً خاصاً بالأنظمة المضادة للصواريخ الباليستية، وإطلاق خط اتصال مباشر بين الدول الثلاث.

والتقى بايدن بشكل منفصل مع يون ثم كيشيدا قبل بدء المحادثات الثلاثية اليوم، واتفقت الدول الثلاث على التشاور وتبادل المعلومات ومواءمة رسائلها مع بعضها البعض في مواجهة أي تهديد.

وحذرت الصحافة الصينية من أن القمة التي جاءت بعد أشهر من المباحثات تسعى لتكوين حلف عسكري ثلاثي للضغط على بكين، وسبق أن حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تشكيل نسخة آسيوية من الناتو، وهو نفس التحذير الذي ردده زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، عقب إطلاقه 3 صواريخ باليستية باتجاه بحر اليابان في أول يوم من العام الجاري.

ومؤخراً ترأس كيم اجتماعاً موسعاً للجنة العسكرية المركزية لحزب العمال الكوري الحاكم، داعياً إلى الاستعداد لحرب محتملة بطريقة هجومية، ودعا إلى تعزيز جذري لقدرات الإنتاج الصاروخي، مع اقتراب التحضير للقمة الثلاثية بالولايات المتحدة، وتصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية.

وذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية، نقلاً عن الاستخبارات الوطنية، أن الجارة الشمالية تتأهب لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات خلال عقد القمة الثلاثية كنوع من الاستفزاز، وقالت وكالة بلومبرج أن سيول تتوقع أن يطلق كيم قمراً صناعياً للتجسس نهاية الشهر الجاري أو أوائل سبتمبر/أيلول، ومن المتوقع أيضاً أن تجري بيونج يانج تدريبات على إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.

وخلال رسالة تهنئته بعيد التحرير، دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منتصف الشهر الجاري، إلى تعزيز التعاون مع كوريا الشمالية، في كل المجالات من أجل تعزيز الاستقرار والأمن في شبه الجزيرة الكورية وفي شمال شرقي آسيا.

وأتت هذه الدعوة بعد عقد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في يوليو/تموز الماضي محادثات مع نظيره الكوري الشمالي، في بيونج يانج، وهو اللقاء الذي اعتبرت الخارجية الأمريكية أن هدفه تعزيز التعاون العسكري وتأمين أسلحة للقوات الروسية في أوكرانيا.

وتشير التطورات السابقة إلى اصطفاف روسي صيني كوري شمالي في مواجهة جهود واشنطن لتدشين حلف عسكري إقليمي في المنطقة، لكن يجب النظر إلى تحركات بكين وحلفائها كرد فعل على التحركات الأمريكية أكثر من كونها تمثل تحالفاً حقيقياً؛ فلا يوجدُ بين هذه الدول ميثاق ينصُّ على أن العدوان على أحدها يعد عدواناً على البقية على غرار حلف وارسو سابقاً، ولا يوجدُ استعداد لدى أي منها للتورط في حرب دفاعاً عن الآخرين، وظهر هذا جلياً خلال الحرب الأوكرانية الحالية، إذ أنكرت بكين وبيونج يانج الاتهامات الغربية بدعم روسيا عسكرياً.

أوكوس وأخواتها

سبق أن أعلنت الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا في سبتمبر/أيلول 2021، عن شراكة استراتيجية أمنية تحمل اسم أوكوس AUKUS، تركز على بناء أسطول غواصات نووية أسترالية، وقد حذر بوتين، من مخطط لدمج الناتو مع تكتل أوكوس، مبيناً أن واشنطن تسعى لإعادة صياغة العلاقات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما حذرت بكين من عقلية الحرب الباردة التي ستسبب سباق تسلح على خلفية إعلان تكتل أوكوس.

وفي ذات السياق عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تعميق علاقاتها الأمنية في آسيا؛ فمنذ عام 2017، تم إطلاق الحوار الاستراتيجي الرباعي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند كواد، وزادت واشنطن مبيعاتها من الأسلحة لدول المنطقة بما في ذلك بيع طائرات مقاتلة إلى إندونيسيا وصواريخ إلى تايوان، واستمرت في المشاركة المنتظمة في التدريبات العسكرية.

كما عزز الناتو تعاونه مع شركائه دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ في السنوات الماضية، بما في ذلك المشاركة الأولى على الإطلاق لرؤساء تلك الدول والحكومات في قمة الناتو في قمة مدريد 2022، وفي يوليو/تموز 2023 في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس.

ووسط انشغال العالم بأزمة أوكرانيا، وقعت تطورات مهمة من دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير؛ فللعام الثاني على التوالي تمت دعوة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، وهم من غير أعضاء الناتو، لحضور القمة السنوية للحلف الذي يمد نفوذه تدريجياً نحو آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة قوة الصين المتزايدة، كما شارك وزراء خارجية دول خارج الناتو في اجتماعات وزارية للحلف منذ عام 2020، مثل اجتماع اللجنة العسكرية لحلف الناتو في دورة ربيع عام 2022.

وتم الاتفاق على وثيقتين تاريخيتين لتقوية التعاون مع حلفاء واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، ففي أبريل/نيسان 2022، اتفق الناتو مع تلك الأطراف على أجندة أمنية مشتركة لتعميق التعاون في عدة مجالات منها الدفاع الإلكتروني.

وتبنى الحلف في قمة مدريد 2022، وثيقة تحدد الاتجاه الاستراتيجي له الفترة المقبلة، وأشار فيها للمرة الأولى إلى أهمية منطقة المحيطين الهندي والهادئ، معتبراً أن التطورات هناك يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الأمن الأوروبي الأطلنطي.

فالخطة الغربية تتمثل في اجتذاب الدول فرادى أو في مجموعات صغيرة وزيادة التعاون معها تدريجياً تمهيداً للحظة يمكن فيها جمع شتات هؤلاء الحلفاء في كيان أو هيكل تنسيقي موحد.

فبعد أن كان التحدي العسكري الأكبر للولايات المتحدة وأوروبا هو الاتحاد السوفييتي، ومن هذا التهديد انبثقت منظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، فإنه على الرغم من العدوان الروسي المستمر في أوروبا وخاصة أوكرانيا اليوم، فقد حلت الصين محل روسيا باعتبارها التحدي الأمني الرائد في العالم، إذ تعتبر الولايات المتحدة الصين المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، والذي يملك بشكل متزايد القدرات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بتلك المهمة.

خلافات الحلفاء

بينما تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات جيدة مع شركائها وحلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن العلاقات بين هذه الدول ليست ودية دائماً، فالالتزامات الدفاعية مفقودة بين معظم هذه الدول باستثناء تلك التي لديها مع الولايات المتحدة.

ووقعت الولايات المتحدة الأمريكية مع اليابان اتفاقية تعاون أمني منذ عام 1951، بينما وقعت اتفاقية دفاعية مع كوريا الجنوبية في عام 1953، عقب انتهاء الحرب الكورية، لكن سيؤول وطوكيو لا تزال بينهما خلافات تاريخية تؤثر على العلاقات الثنائية بينهما وقدرتهما على التعاون الدفاعي.

وسعى الرئيس الكوري الجنوبي، يون، منذ توليه منصبه في مايو/أيار 2022، إلى تحسين العلاقات مع طوكيو، بعد أن أصابها الجمود بسبب خلافات بشأن دعاوي التعويض التي رفعها ضحايا العمل القسري في اليابان خلال فترة حكمها الاستعماري القرن الماضي.

وتقول اليابان إن القضية جرت تسويتها بموجب معاهدة عام 1965 التي أفضت إلى تطبيع العلاقات، لكن العلاقات المتوترة صعبت الجهود الأمريكية لتعزيز التعاون الثلاثي، وعملت الإدارات الحالية في سيول وطوكيو لإصلاح العلاقة المتوترة وبناء التعاون العسكري، لكن لا يزال من الصعب تجاوز أزمة الثقة القديمة بين البلدين.

كما أن هناك بالفعل خلافات جوهرية بين أعضاء حلف الناتو حول طبيعة ومدى التهديد الصيني وأفضل طريقة للرد عليه، وظهر ذلك في الخلاف على مبادرة الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ لفتح مكتب صغير للناتو في طوكيو، إذ تعارض فرنسا هذه المبادرة.

وعلى الرغم من عضوية الهند في مجموعة كواد وكذلك نزاعاتها الحدودية المستمرة مع الصين، فإنها تفضل عدم الانحياز للغرب ضد الصين بشكل كامل، وعدم المشاركة في تحالف دفاعي آسيوي لاحتوائها، بل انضمت الهند لمجموعة شنغهاي التي تتقدمها الصين.

حسابات القوة

في حين تحتل روسيا والصين المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي على مؤشر جلوبال فاير باور لتصنيف قوة الجيوش النظامية، إلى جانب امتلاك حليفتهما كوريا الشمالية أسلحة نووية، يبدو الموقف الأمريكي قويًا نسبياً في شرق آسيا، فجيش الولايات المتحدة يصنف في المرتبة الأولى عالمياً، وتقدر ميزانية الدفاع الأمريكية بـ 762 مليار دولار، ويأتي جيش كوريا الجنوبية في المرتبة السادسة، وتقدر ميزانية الدفاع بـ 42 مليار دولار، ويحتل الجيش الياباني المرتبة الثامنة عالمياً، وتقدر ميزانية دفاعها بـ 39.6 مليار دولار.

وفي ما يخص تحالف أوكوس، تحتل بريطانيا المرتبة الخامسة، وتقدر ميزانية الدفاع بـ 50.2 مليار دولار تقريباً، وتحتل أستراليا المرتبة السادسة عشرة، وتقدر ميزانية دفاعها بـ 52.2 مليار دولار تقريباً.

وتشير الأرقام السابقة إلى أنه حتى بدون تحالف عسكري، يمكن أن يتقوى الردع الجماعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مع امتلاك القوى الصديقة لواشنطن قدرات عسكرية كبيرة.

ومع ذلك، لم يصل حلفاء الغرب في المنطقة إلى نقطة يكونون فيها على استعداد لتقديم التزامات صريحة مماثلة لحلف الناتو خاصة ضد شريك اقتصادي رئيسي مثل الصين، ومن الصعب تخيل أن تجتمع الدول الآسيوية في وقت قريب لتشكيل تحالف دفاع جماعي قوي ينبني على تعهد مشابه للمادة 5 من معاهدة واشنطن المؤسسة لحلف الناتو، والتي بموجبها يُنظر إلى الهجوم على أحد الحلفاء على أنه هجوم على جميع الأعضاء.

لكن من دون هذا الالتزام فإن أنشطة الناتو تشمل التعاون العسكري والاستخباراتي وغير ذلك من أشكال الدعم، و كون أي دولة ليست عضواً في الناتو لا يمنع الحلف وأصدقاؤه من تقديم دعم لها، تماماً مثل الدعم الغربي الحالي لأوكرانيا في غياب معاهدة دفاع مشترك، ويمكن توقع رؤية المزيد من الاتفاقيات في آسيا بين شركاء الولايات المتحدة وحلفائها لتعزيز التعاون الأمني في مواجهة الصين.