على الرغم من الحيز الإعلامي الكبير الذي حظي به اجتماع وزراء الخارجية الستة في الأراضي المحتلة فيما عُرف بقمة النقب، السبت الماضي، 26 مارس/آذار، إلا أن مشاهدها الإعلامية وصورها التذكارية تجاوزت آثارها السياسية التي قد تنتج خطوات وتحركات حقيقية في إقليم الشرق الأوسط. ذهب السياسيون الستة بآمال ورغبات مختلفة، بل متضاربة، فضلًا عن مطالب لكل طرف لا يملك الآخرون تنفيذ شيء منها.

جاءت القمة في لحظة بالغة الحساسية والدقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تنخرط في مواجهة غير مباشرة وحرب بالوكالة مع روسيا، لذا فقد كانت الملفات الأكثر جوهرية بالنسبة لواشنطن هي حض الأطراف الخمسة الأخرى على سياسة أكثر تشددًا تجاه موسكو، خاصة أنهم جميعًا اتخذوا خطوات مخالفة للخطة الأمريكية الغربية بعزل روسيا دوليًّا، حيث امتنعوا عن الانخراط في أية عقوبات اقتصادية أو سياسية أو دبلوماسية على روسيا، بل رفضت الإمارات التصويت ضدها في مجلس الأمن، في أول إعلان عن اختلاف الحسابات والمصالح بين دول المنطقة والولايات المتحدة.

الملف الثاني الأكثر أهمية لواشنطن والأكثر تعقيدًا كان ملف الطاقة والرغبة الأمريكية في زيادة إمداداتها لمواجهة ارتفاع الأسعار التاريخي الذي أدى إلى موجة تضخم عالمية. وقد سبق القمة عدة محاولات فاشلة من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لحض الخليج على زيادة إمداداته، كان أبرزها الاستقبال الباهت لرئيس الوزراء البريطاني في السعودية والإمارات، فضلًا عن التوتر بين واشنطن من ناحية والرياض وأبو ظبي من ناحية أخرى على خلفية هذا الطلب. وهو نفس الملف الذي قاد وزير الخارجية الأمريكي إلى الجزائر سعيًا لإعادة صادراتها من الغاز والنفط إلى أوروبا، وزيادة إنتاجها بشكل عام، وهو ما يضرب الهدف الأهم للحضور المغربي في القمة، والمتمثل في الضغط على الجزائر في ملف الصحراء ذي الأولوية للمغرب.

من ناحية أخرى، تسعى واشنطن للتوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي سينعكس بفتح الأبواب أمام الصادرات النفطية الإيرانية في الأسواق العالمية مما سيقلل الأسعار. في نفس الوقت، يأتي هذا الاتفاق على غير رغبة إسرائيل والإمارات والبحرين، وهي الأطراف التي تأمل في تكوين تحالف أمريكي-شرق أوسطي في مواجهة طهران من ناحية، وتشديد الخناق على جماعة الحوثي التي أمطرت الإمارات بالصواريخ والطائرات المسيرة. ذلك عكس ما تعمل عليه واشنطن حاليًّا. وفي نفس الوقت، آثرت مصر رفض ذلك علانية على لسان وزير خارجيتها الذي أوضح بشكل مباشر وواضح بأن حضوره لا يهدف بأي شكل من الأشكال لدخول مصر في أي تحالف ضد طرف معين.

إسرائيل: التطبيع لا ينهي القضية

أما إسرائيل، فبجانب فشلها في تكوين جبهة أو تحالف سياسي عسكري في مواجهة إيران، فإن خطواتها للتطبيع مع الدول العربية لم ولن تساهم في دعم أهدافها الداخلية الخاصة، سواء بتحقيق تقدم في ملف المفاوضات مع الفلسطينيين أو حفظ الأمن الداخلي، وهو ما اتضح جليًّا من 10 عمليات شهدها شهر مارس وحده، كان من بينها ثلاث عمليات كبرى في الداخل الإسرائيلي تزامنًا مع القمة، وهو ما عبرت عنه أوساط سياسية وصحفية عبرية حيث قالت إن التطبيع الإسرائيلي العربي ليس بديلًا عن حل القضية الفلسطينية لأنه لن يجعل الفلسطينيين يتبخرون.

يضرب ذلك الواقع الاستراتيجية التي سنَّها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، التي كان مفادها أن تنتهج إسرائيل نهجًا معاكسًا لطريقة اليسار قديمًا في تقديم تنازلات للفلسطينيين لتحقيق السلام مع العرب والحصول على السلام مع العالم، واستبدال ذلك بالذهاب إلى العالم أولاً، ومن العالم إلى العالم العربي الإسلامي، ومن العالم العربي الإسلامي يصل إلى الفلسطينيين الذين سيفهمون أن ليس لديهم خيار سوى التنازل. ومع أخبار العمليات المتتالية، وتأكيد الولايات المتحدة بجانب مصر والمغرب على التمسك بحل الدولتين، فإن ما جنته تل أبيب من القمة لا يتعدى بعض الصور، ودفعة بسيطة لاتفاقياتها مع دول التطبيع الموجودة مسبقًا.

مصر: الاقتصاد وسد النهضة أولًا

أما الحضور المصري الذي جاء بشكل عشوائي حيث لم يعلن عنه إلا في اللحظات الأخيرة، فلم يكن أكثر من إثبات حضور ليس أكثر، فالقاهرة غارقة في أزمتها الاقتصادية ولم تخرج من القمة بأية مساعدات أو وعود تساعدها على تحمل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وخروج مليارات الدولارات من أسواقها وزيادة نسبة التضخم. بل على العكس، فقد جاء الدعم من الجانبين القطري والسعودي الغائبين عن القمة، وهما الجانبان اللذان يبدو عدم اتفاقهما مع الرؤية الإماراتية في الخطوات التطبيعية مع إسرائيل وغيرها من الملفات. لذا فقد حرص سامح شكري على إطلاق عدة تصريحات تخالف الأهداف الاستراتيجية لأبو ظبي وتل أبيب على مستوى المواجهة مع إيران أو التغاضي عن القضية الفلسطينية في القمة.

إضافة إلى ذلك، تأتي القمة بعد خيبة الأمل التي منيت بها القاهرة من القمة السابقة على قمة النقب، وهي قمة شرم الشيخ بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي وولي العهد الإماراتي، حيث ترددت الأخبار حول التجاهل الإماراتي والإسرائيلي للطلب المصري بالتدخل في ملف سد النهضة والضغط على أديس أبابا للعودة إلى المفاوضات. وهو ما عزز الميل المصري لخصم أبو ظبي المتمثل في الجانب القطري بعدة خطوات، منها زيارة رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الفريق أسامة عسكر، للعاصمة القطرية الدوحة، واستقبال القاهرة لوزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، وتصريحات الرئيس المصري ووزير خارجيته الداعمة لقطر، وهو ما انعكس بالإعلان القطري عن استثمارات مباشرة في مصر بقيمة 5 مليارات دولار.

لقد كان المشهد في قمة النقب صادمًا لكثيرين، فظهور أربعة وزراء خارجية عرب متشابكي الأيدي مع نظيريهم الأمريكي والإسرائيلي على الأراضي المحتلة يبدو وكأنه انتصار دبلوماسي إسرائيلي، وانتكاسة وهزيمة عربية في الصراع الممتد منذ أكثر من سبعين عامًا، إلا أن التأمل في المخرجات الفعلية للقمة بشكل مستقل سيظهر مدى عجز المجتمعين عن الاتفاق ولو على بند واحد أو ملف واحد، حيث تتضارب المصالح والرؤى. وما دون ذلك هو مجرد خطوات ضعيفة على طريق التطبيع الاقتصادي والدبلوماسي الذي سارت فيه تلك الدول، وهي خطوات لا تحمل جديدًا يذكر سوى بعض الصور التذكارية التي تعبر عن حال الأنظمة العربية من التدني والتدهور أمام إسرائيل ومزيد من الخذلان والتخلي عن القضية الفلسطينية، وهي أيضًا أمور بات الحديث عنها مكررًا حد الملل.