مع بدء عملية «طوفان الأقصى» أراد نتنياهو انضمام خصومه السياسيين إليه لتشكيل حكومة حرب للإشراف على القتال ضد حركة حماس. وبموجب التشكيل، انضم وزير الدفاع السابق بيني غانتس وأعضاء حزبه إلى ائتلاف نتنياهو، ورفض زعيم أكبر حزب معارض في البرلمان، وزير الخارجية السابق يائير لابيد، الانضمام إلى حكومة الحرب حيث طالب لابيد بإقالة زعماء ووزراء اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

وفيما لا يزال نتنياهو منهمكاً في العدوان على غزة، إذ بلابيد يستغل اضطرابات إدارة نتنياهو، ليطرح مشروعًا بديلًا ومفصَّلًا، يطرح فيه لابيد سيناريو ما بعد الحرب، إذ أعد حزبه «يش عتيد»، وثيقة بالتشاور مع خبراء عسكريين وسياسيين ومسؤولين أمريكيين كبار.

وتركز هذه الوثيقة على أهداف إسرائيل في غزة، ومستقبل السلطة الفلسطينية، وشكلها الجديد، فقد وعد حزب المعارضة بعودة المختطفين والرهائن والمفقودين، واستعادة الأمن في المستوطنات الحدودية من خلال إنشاء منطقة منزوعة السلاح شمال وشرق قطاع غزة.

 أما فيما يتعلق بالقضاء على حماس فإن الوثيقة تتجاوز القدرات العسكرية إلى البدء بمرحلة الحصار الاقتصادي والاغتيالات، وبحسب الوثيقة فإن الحرب على غزة ستستمر طالما ظلت حماس تسيطر على قطاع غزة، علاوة على ذلك، سيتم تسليم الإدارة المدنية في غزة بشكل مؤقت، في المرحلة الأولى، إلى فريق دولي بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة دول عربية (باستثناء تركيا وقطر). وسيعمل هذا الفريق على إعادة التأهيل وتقديم المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة.

وقد اقترح لابيد أن تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء الصراع مع حماس، وفي حديثه إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية العامة (كان)، قال لابيد إن السلطة الفلسطينية هي الهيئة الوحيدة القادرة على السيطرة على قطاع غزة وإنها ستفعل ذلك بعد «هزيمة حركة حماس»، ولكنه اقترح أيضًا أن يكون للجيش الإسرائيلي السيطرة على الأمن في غزة، حتى ولو لفترة قصيرة، من أجل ضمان سلامة الإسرائيليين في المستوطنات المحيطة بالقطاع الفلسطيني.

كما أعرب لابيد عن معارضته لأي فكرة «احتلال مستقبلي لغزة». وقال إنه إذا احتلت إسرائيل غزة، فسيتعين عليها بموجب القانون الإسرائيلي تمويل التعليم والمستشفيات في قطاع غزة، وأضاف أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غير قادر على تنفيذ مثل هذا الاقتراح لأنه مقيد بـ«متطرفيه». في إشارة إلى ائتلاف حزب الليكود الحاكم مع الأحزاب الدينية المتطرفة.

لكن تعليقات لابيد تأتي على النقيض من نتنياهو الذي قال إن إسرائيل ستتولى المسؤولية الأمنية في المنطقة لفترة غير محددة بمجرد هزيمة حماس.

وعلى صعيد آخر نجد أن لابيد قد دعا إلى إجراء انتخابات خلال الحرب المستمرة حتى الآن في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بداية المعارك، أن يدعو مسؤول إسرائيلي كبير لهذا الإجراء أثناء الحرب، إذ اقتصرت الدعوات السابقة على إجراء انتخابات بعد الحرب.

فإن الدعوة الصريحة التي أطلقها زعيم حزب «يش عتيد» لإجراء انتخابات في زمن الحرب، وتشكيل حكومة جديدة بالكامل تمثل تحولاً كبيرًا في الخطاب السياسي لإسرائيل، وضربة لحكومة الوحدة التي شكلها نتنياهو مؤخرًا في زمن الحرب، كما أن هذه الدعوة من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهلية بحسب مراقبين.

طموح لابيد

ربما يشير هذا إلى تطلع لابيد وحزبه «يش عتيد» إلى الوصول للحكم الذي طالما سعى إليه زعيم المعارضة لابيد، فقد احتل حزبه المركز الثاني بعد كتلة نتنياهو في الانتخابات السابقة، وربما كان من المرشحين لتشكيل حكومة جديدة إذا ما تم حل حكومة نتنياهو لأي سبب من الأسباب، ولكن من الواضح أن المعادلة قد تغيرت بعد عملية طوفان الأقصى، فوفقًا لاستطلاعات الرأي فإنه من المرجح أن يكون بيني غانتس زعيم حزب الوحدة الوطنية هو المرشح الأول لتشكيل حكومة جديدة إذا تم حل الحكومة الحالية بعد الحرب، ومن المرجح أن يكون لـ لابيد وحزبه موطيء قدم داخل الحكومة الجديدة إذا ما دخل في ائتلاف مع بيني غانتس زعيم الوحدة الوطنية.

 فحسب جريدة تايمز أوف إسرائيل أنه بحسب استطلاع للرأي نجد أن زعيم حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس سيكون أمامه طريق سلس لتشكيل ائتلاف حاكم إذا أجريت الانتخابات في المستقبل القريب.

وأظهر الاستطلاع، الذي بثته القناة 12 الإسرائيلية، تراجعًا كبيرًا في الدعم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشركائه في الائتلاف قبل الحرب، مما يسلط الضوء على الانتقادات العلنية للحكومة بسبب الأخطاء التي أدت إلى هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، على جنوب إسرائيل.

ووفقًا للاستطلاع، فإن كتلة الائتلاف المستقبلية المفترضة المكونة من الأحزاب التي هُزمت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ستفوز بـ71 مقعدًا في انتخابات الكنيست المؤلف من 120 عضوًا.

وأظهر الاستطلاع أيضًا أن حزب الوحدة الوطنية بزعامة غانتس سيرتفع إلى 37 مقعدًا وهو 12 مقعدًا في الوقت الحالي، في حين سينخفض ​​حزب الليكود بزعامة نتنياهو إلى 18 مقعدًا من 32 مقعدًا حاليًا.

وسيحتفظ حزبا شاس ويهدوت هتوراة المتشددان بمقاعدهما الحالية البالغة 11 مقعدًا وسبعة مقاعد على التوالي، بينما سيحصل حزب عوتسما يهوديت اليميني المتطرف على ثمانية مقاعد، انخفاضًا عن المقاعد الـ14 التي جمعها مع الصهيونية الدينية في تحالفهما المؤقت.

وردًا على سؤال من هو الأكثر ملاءمة لرئاسة الوزراء، حصل غانتس على 45% مقابل 27% لنتنياهو في المنافسة المباشرة، كما تفوق بينيت على نتنياهو بنسبة 33% مقابل 29% وحصل نتنياهو على 32% مقابل 28% لزعيم حزب «يش عتيد» يائير لابيد.

وقد كان حزب الوحدة الوطنية آخذًا في الارتفاع حتى قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، مع خسارة نتنياهو وائتلافه، وذلك نظرًا لردود الفعل العنيفة التي شهدها المجتمع الإسرائيلي اعتراضًا على خطط الحكومة لإصلاح السلطة القضائية، ففي استطلاع للرأي قبل شهر من بدء الحرب، تقدم حزب الوحدة الوطنية على حزب الليكود بحصوله على 29 مقعدًا مقابل 26.

وتأتي هذه النتائج نظرًا لما يميل نحوه الجمهور الإسرائيلي في التعامل مع الأزمات الأمنية ففي استطلاع رأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى أن 50% من الجمهور الإسرائيلي يثق في القادة العسكريين والأمنيين أكثر من نتنياهو في إدارة هذه الحرب، في مقابل 7.3% فقط منحوا ثقتهم لنتنياهو.

لذلك يأتي بيني غانتس في المركز الأول من استطلاعات الرأي بما لديه من خبرة أمنية وعسكرية تؤهله حسب منظور المجتمع الإسرائيلي لقيادة دفة الحكم في حال سقط نتنياهو هو وحكومته.

مستقبل قطاع غزة

بالرغم من اجتهاد الحكومة الإسرائيلية المصغرة لإظهار صورة إسرائيل مترابطة وموحدة خلال الحرب التي يقودها جيشها ضد غزة، فإن الانقسامات السياسية الإسرائيلية بدأت في الظهور، وهو ما كشفته تقارير أخيرة، توضح أن الحكومة المصغرة فاشلة في توحيد قرار الأطراف المشاركة فيها، فقد أوضحت صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير لها، إن وحدة الحكومة الإسرائيلية المصغرة عبارة عن «وهم»، مُرجِعة ذلك إلى الخلافات الكبيرة بين أطرافها، والتي بدأت في البروز إلى السطح مع استمرار الحرب على قطاع غزة.

وقد أرجعت الصحيفة الفرنسية في تحليلها لخلافات الحكومة الحالية هو التناقض الكبير بين مكونات الحكومة المصغرة، والتي تضم، إضافة إلى نتنياهو وحزب الليكود اليميني، ثلاث شخصيات بخلفيات عسكرية، هم: وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيسا الأركان السابقان بيني غانتس وغادي آيزنكوت اللذان رشحتهما المعارضة لدخول الحكومة.

وتشارك هذه الشخصيات جنباً إلى جنب مع زعيم حزب شاس الإسرائيلي المتطرف أرييه درعي، كذلك زعيم القوميين المتطرفين إتمار بن غفير، وأوضحت الصحيفة بأن نتنياهو يرفض التخلي عن حلفائه المتطرفين، مقابل ذلك يسعى بيني غانتس جاهدًا إلى تهميش تأثير هذه الأحزاب على القرارات التي تتخذها الحكومة.

ومما عمق من حدة الخلاف بين نتنياهو وأعضاء أركان مجلس الحرب هو الوعود السابقة التي تعهد بها نتنياهو للأحزاب الدينية قبل تشكيل ائتلاف حكومته الجديدة، فقد كان فقد كان من المقرر أن تحصل الأحزاب الدينية المتطرفة في حكومة نتنياهو على مليارات الدولارات لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، لكن بعد تشكيل حكومة الحرب هدد الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «باتخاذ إجراءات» أي تهديد بالاستقالة في حال لم يتم وقف تمويل الأحزاب الدينية المتطرفة بمليارات الدولارات في الميزانية الجديدة، وقد طلب غانتس في رسالة رسمية من نتنياهو بإلغاء جميع المخصصات المالية لـ(تمويل الأحزاب الدينية) من ميزانية الحرب المقترحة، فوفقًا لرؤيته أنه لا يجوز تخصيص أموال لأغراض خارج المجهود الحربي أو دعم الاقتصاد.

وتأتي نقطة تحمُّل رئيس الوزراء نتنياهو مسؤولية ما وقع في الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول، كإحدى أهم النقاط الخلافية الكبرى بين نتنياهو وغانتس وآيزنكوت، والتي لا تزال تؤثر بشكل كبير على الحكومة المصغرة، حيث يعتبر الجنرالان المعارضان، أن رئيس الوزراء قد تجاهل تحذيراتهما حول الأزمة السياسية بخصوص «إصلاح المحكمة العليا»، المشار إليها سابقًا والتي امتدت لشهور من الاحتجاجات، إنها قد تشجع خصوم إسرائيل في غزة ولبنان وإيران على الهجوم عليها.

إلا أن نتنياهو كان قد نشر عبر حسابه بمنصة إكس أنه لم يتلق أي تحذيرات من «ويلات الحرب» من حركة حماس في أي مرحلة، مما أدى إلى تعرض نتنياهو لهجوم شرس من قبل عضو مجلس وزراء الحرب زعيم الوحدة الوطنية بيني غانتس، وكذلك زعيم المعارضة يائير لابيد.

وتأتي نقطة خلاف أخرى بين نتنياهو وبيني غانتس حول وجهة نظر كل منهم حول مستقبل غزة فقد انتقد بيني غانتس نتنياهو، والذي من وجهة نظره يضر بعلاقات إسرائيل مع إدارة بايدن من خلال الانخراط في «خلافات مصطنعة» على حد قوله، وسط الحرب ضد حماس، في إشارة منه على سياسة نتنياهو التي تغضب الولايات المتحدة الأميركية حول مستقبل غزة.

فبالنظر إلى مستقبل غزة، أكد زعيم حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس أن إسرائيل على استعداد للعمل مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة لبناء غزة من جديد بعد الإطاحة بحكم حماس، وأضاف: «لسوء الحظ، في هذه الأيام بالتحديد، هناك من يشارك في خلق نزاعات مصطنعة في المجال العام والإضرار بالعلاقات المهمة مع الولايات المتحدة».

ويبدو أن زعيم الوحدة الوطنية يشير إلى مضاعفة نتنياهو للهجته ضد فكرة عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة بعد الحرب، فغانتس يرى أنه لابد من العمل مع العرب في المرحلة القادمة لتحقيق أهداف إسرائيل فقد صرح «أنه من الضروري العمل مع شركاء إسرائيل العرب لإعادة بناء غزة بعد أن يحقق الجيش الإسرائيلي هدفه المتمثل في القضاء على حماس وإنهاء حكمها المستمر منذ 16 عامًا».

وأوضح أن إسرائيل لا بد أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية على غزة على المدى القصير، وأضاف غانتس أنه «في الجانب المدني، سيكون من الصحيح العثور على كيانات محلية تعتني بالصرف الصحي والأدوية والقضايا المدنية»، وأوضح أن ذلك سيتم بدعم من إدارة تتألف في معظمها من دول عربية معتدلة، التي ستعمل مع إسرائيل لبدء عملية التطبيع وعملية تغيير الواقع في غزة على المدى الطويل.

وعلى النقيض من نتنياهو، الذي عارض خطط الولايات المتحدة بشأن غزة، اعترف غانتس مرارًا وتكرارًا بدور واشنطن في مستقبل القطاع والأهداف والمصالح التي تتقاسمها إسرائيل وأقرب حلفائها.

نتنياهو والجنرالات

كانت بوادر الخلافات بين نتنياهو وغالانت قد ظهرت منذ أن انحاز الأول إلى زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريش، حيث أفادت تقارير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حكم لصالح بتسلئيل سموتريش في معركته مع وزير الدفاع يوآف غالانت حول المسؤولية الوزارية للإدارة المدنية في الضفة الغربية. مما أدى إلى احتقان غالانت على نتنياهو وسياسته.

وبعد الحرب على غزة ومع بدء العمليات المستمرة حتى الآن، ازدادت الفجوة واتسعت بين نتنياهو وغالانت، وقد جاءت تطورات هذا الخلاف بعد إعلان نتنياهو عن اقتراحه لعقد مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع غالانت، ولكن يبدو أن الأخير رفض الاقتراح، وقد أشار نتنياهو إلى رفض وزير دفاعه مشاركته في المؤتمر الصحفي الذي عقده بقاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب قائلًا: إنه «اختار ما اختار»، ما يشير إلى انعدام التوافق بينهما.

ما قد يفسر أن غالانت يريد أن يعمل بمعزل عن نتنياهو في هذه الحرب الدائرة، من ناحية لأنهم ليسوا على وفاق بسبب الخلافات سابقة الذكر، ومن ناحية أخرى يحاول غالانت أن يعفي نفسه من المسؤولية ففي تصريحات لأحد قادة الليكود تحدث أن غالانت «كان يعتقد أنه سينجح في عزل نفسه عن نتنياهو وأن يحمله مسؤولية الفشل الاستخباراتي وفشل استراتيجية إسرائيل تجاه قطاع غزة خلال السنوات الماضية، لكنه كان مخطئًا في هذا الأمر».

 فمن المتوقع أن يطالب الجمهور الإسرائيلي بمحاكمة نتنياهو على فشله هو وحكومته في التنبؤ بالهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل. وكذلك متوقع أن يفقد أغلب قادة الأجهزة الأمنية مناصبهم ووزير الدفاع غالانت ورئيس الأركان هاليفي، لتقصيرهم الذي أدى إلى هذا الهجوم من حماس.

وفي خطوة غير مسبوقة، قرر نتنياهو عدم مشاركة أعضاء مجلس الحرب في الإعلان عن إنجاز كبير، وهو إطلاق سراح 110 رهائن من غزة كجزء من اتفاق مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وقد يعكس هذا الاستبعاد تفاقم الخلاف بين القادة الكبار، وتأكيدًا على تصاعد الخلاف، تقول صحيفة معاريف الإسرائيلية إن الأسابيع الماضية شهدت توترًا كبيرًا، وأشارت إلى أن نتنياهو كان يعتمد بشكل كبير على دعم وزيري الدفاع والأمن (غالانت وجانتس). ولكن في هذه المرة، جاء نتنياهو برسالة مختلفة، حيث لم يقتصر على الرد على الأسئلة الصعبة بل قدم أخبارًا جيدة، مما يظهر تغييرًا في دوره العلني.

ويأتي مظهر آخر من مظاهر الخلاف بين أركان مجلس الحرب الإسرائيلي ونتنياهو حيث ظهر وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس يتصافحان عقب انتهاء مؤتمر صحفي في تل أبيب، ولكنهما تجاهلا رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقد أظهرت الصور نتنياهو وهو يلملم أوراقه ويهم بمغادرة المنصة من دون تعليق، في حين علقت وسائل إعلام إسرائيلية على هذه اللقطة بالقول: «اثنان ضد واحد، هذا هو محور الحرب».

من ناحية أخرى، يواجه نتنياهو أزمة ثقة مع الجيش، وهو ما ظهر في الزيارات التفقدية التي قادها رئيس الحكومة لعدد من تشكيلات قواته العسكرية، حين هاجمه الجنود محمِّلين إياه مسؤولية الهجوم المفاجئ، مما اضطر نتنياهو، إلى إلغاء كلمة كان مقرراً أن يلقيها على الجنود، وقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن أزمة الثقة بين الجيش ورئيس الحكومة تشكل ضرراً آخر بعد الأضرار التي تسببت فيها عملية «طوفان الأقصى» داخل إسرائيل، مما يجعل من الصعب للغاية التركيز على الحرب واتخاذ القرارات.

فقد أشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو كان قد منع اتخاذ قرار بشأن عملية استباقية في الشمال، على الرغم من توصية الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع بتنفيذها، وبحسب شهادات مسؤولين سياسيين وعسكريين فإن الحكومة أصبحت الحلقة الضعيفة في اتخاذ القرارات الواجب اتخاذها.

كما كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عن وجود خلافات بين نتنياهو وكبار المسؤولين في الجيش بشأن التقييمات والخطط والقرارات، كما وصفت الصحيفة مجلس الحرب والكابينت بأنه أعرج وغير قادر على بناء استراتيجية وأن كل خطواته كانت متوقعة.

وعلى إثر الخلافات التي تشهدها حكومة نتنياهو والجيش هاجم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الأمني، ووبَّخه واتهمه بالإضرار بمعنويات القوات وذلك بسبب إيقاف عدد من الجنود الذين صوروا أنفسهم وهم يغنون أغاني عيد الحانوكا وترديد الشما اليهودية عبر مكبر الصوت في مسجد في مدينة جنين بالضفة الغربية، فجاء رد هليفي أن الحكومة ليس لديها الحق في التدخل في مثل هذه الأمور وصرخ في وجه بن غفير قائلا: «لا تهددني»، مؤكدًا أنه من يقرر القيم في الجيش الإسرائيلي والقواعد المهنية والأخلاقية للجنود، وقد دافع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عبر منصة إكس عن هاليفي قائلاً: «الجيش الإسرائيلي فاز برئيس أركان شجاع وأخلاقي وذي خبرة خلال حرب صعبة ومعقدة».

وبعد، فحسب مراقبين فإنه سيكون لهذه الانقسامات بين نتنياهو وكبار جنرالاته عواقب بعيدة المدى على المجتمع الإسرائيلي، فقد نرى أنه من الناحية العسكرية، لا يثق الجنرالات في نتنياهو وأتباعه المتعصبين في ما يتعلق بالحرب؛ ولا يثقون في دوافعهم وأهدافهم التي تجعل الحرب مجرد استمرار لسياستهم من خلال العنف، ويرون أن نتنياهو منشغل ببقائه السياسي أكثر من ضمان أمن البلاد.

ولذلك يسعى نتنياهو إلى التنصل من مسؤولية فشل التنبؤ بهجوم حركة حماس وإلقاء المسؤولية على عاتق الجيش، وفق ما ذكرت صحيفة هآرتس.

ومن الواضح أن الغضب ضد نتنياهو لم يقف عند حدود جنرالاته فقط، بل يمتد بين قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي أيضًا، فهناك تظاهرات كل يوم تدين نتنياهو وحكومته على كل الأوضاع الحالية في ظل ارتفاع حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بإسرائيل.

وعلى الرغم من اختلاف التوجهات والتيارات داخل إسرائيل فإنه يبدو أن هناك شبه إجماع على أن سياسة نتنياهو الممتدة على مدار 14 عامًا مضت، هي السبب الرئيس في الحرب الحالية. كل هذا يدفع باتجاه التنبؤ بسقوط نتنياهو وحكومته الحالية على غرار غولدا مائير التي استقالت بسبب إخفاق حكومتها في عدم توقع الهجوم المصري السوري في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

حيث توقع أموتز آسا-إيل الباحث في معهد شالوم هارتمان في القدس، لنتنياهو وحزبه الليكود المنتمي للتيار المحافظ والمهيمن على المشهد السياسي الإسرائيلي، نفس المصير الذي واجهته مائير وحزبها من السقوط والإطاحة، فقد كانت الإطاحة بمائير ضربة لهيمنة حزب العمال المنتمي ليسار الوسط آنذاك.