استطاع فريق بحثي مصري يعمل على تطوير سلالات نبات القمح، بقيادة الدكتور «أحمد فوزي القط»، الأستاذ المساعد بمعهد البحوث الزراعية، تحديد مجموعة من الجينات المقاومة للأمراض المختلفة التي تُصيب محاصيل القمح المزروعة في مصر، وهو المشروع المُموَّل من هيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار (STDF). وقد نُشرت النتائج البحثية بدورية Nature Biotechnology في الأول من نوفمبر للعام 2021. ويُعد المشروع خطوةً جادة نحو وقاية محصول القمح الاستراتيجي من الأمراض، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الناتج المحلي.

صورة للكاتب مع دكتور أحمد فوزي القط (يمين الصورة)

أمراض القمح المصري

يتعرض القمح سنويًا إلى احتمالية الإصابة بثلاثة أمراض فطرية خطيرة تؤثر على كمية الناتج المحلي، وهي: الصدأ الأصفر، والذي قد يؤدي إلى فقدان 100% من المحصول، والصدأ البرتقالي الذي قد يُسبب خسارة 50% من المحصول، والصدأ الأسود.

ومن الجدير بالذكر أن الناتج العام لمحصول القمح يقترب من 9 ملايين طن سنويًا، وهو ما يُمثل 50% من الناتج المحلي، وتستورد الحكومة المصرية ما يقرب من نفس الكمية لسد حاجة الاستهلاك المحلي.

جرت العادة أن يلجأ المزارع المصري إلى استخدام المبيدات الفطرية حال إصابة محصول القمح بأي من تلك الأمراض، وهو الأمر الذي يُزيد من التكلفة العامة لزراعة المحصول، ذلك إضافة إلى المخاطر البيئية والصحية المتعددة التي يُسببها استخدام تلك المبيدات.

مجموعة من الأجهزة المتوفرة بمعمل دكتور أحمد بالمركز القومي للبحوث الزراعية

يُوضِّح دكتور أحمد القط الغرض من بحثه قائلًا:

لطالما شُغِل العالم بالكامل- وليست مصر وحدها- بضرورة بحث كيفية زيادة الناتج الإجمالي من محصول القمح، نظرًا لأهميته الكبيرة، لذا فقد بدأنا العمل مع فرق بحثية دولية في محاولة لتطوير سلالات قمحية مقاومة للأمراض الفطرية المختلفة.

تنتشر في البلد الواحد العديد من سلالات القمح ذات المقاومة المختلفة للأمراض، وهي السلالات التي يسعى العلماء إلى تطويرها. ولقد اكتشف العلماء أن بعض سلالات القمح البرية تمتلك عددًا من الجينات المقاومة للأمراض الفطرية المعروفة، إلا أنها لا تمتلك صفات محصولية جيدة، أي أنها- على سبيل التوضيح- قد لا تنتج كمًا كافيًا من القمح القابل للحصاد.

يضيف الدكتور أحمد القط:

حينما نعتمد على سلالات تمتلك جينًا واحدًا مقاومًا لمرض معين ونزرعها على مساحات كبيرة، فإن ذلك يؤدي إلى تطور المرض الفطري بانتخاب سلالات فسيولوجية جديدة، تستطيع فيما بعد التغلب على ذلك الجين، وبالتالي يُصاب المحصول بالمرض.
صورة للطاقم المساعد

جينات المقاومة

تتشابه هذه المشكلة تمامًا مع مشكلة تحور الفيروسات الشهيرة- كما هو الحال في فيروس كورونا (كوفيد-19)- فحينما يُصيب الفيروس عددًا كبيرًا من الناس ممّن لا يمتلكون مناعة مُسبقة ضد المرض، تقوم أجسامهم بإنتاج الأجسام المضادة لمواجهة الفيروس والقضاء عليه، إلا أن الفيروسات تتطور- عن طريق التحورات الجينية- من أجل خداع الجهاز المناعي للجسم، وبالتالي تزيد قدرة الفيروس المتحور على إصابة المزيد من البشر بالمرض، وهو السبب في انتشار دعاوى أهمية الحصول على اللقاح للجميع.

ويوضح الدكتور أحمد:

نعمل على توفير سلالات قمحية تحتوي على تسلسل هرمي من جينات المقاومة المتعددة المضادة لعدد من الأمراض المختلفة، وهو ما يُكسِب تلك السلالات مناعة قوية، والنتيجة هي الحد من خسائر المحصول السنوي.

تبدأ العملية بالتعرف على الجينات المختلفة المسئولة عن مقاومة الأمراض في إطار عملية تُعرف بتحديد تسلسل الجينوم (Genome Sequencing). واعتمد الفريق البحثي تحديدًا على تقنية «تسلسل الجينات المقاومة المعززة» Resistant Gene Enrichment Sequencing، والتي طوّرها مركز «جون إينز» John Innes Center، جنبًا إلى جنب مع تقنيات الترابط الجيني Association Genetics، من أجل دراسة الخصائص الوظيفية لجينات المقاومة دراسةً تفصيلية، وفهم دور تلك الجينات في الدفاع عن السلالة النباتية ضد أمراض محددة.

جهاز Tissuelyser2 يستخدم في التحليل الجزيئي لفصل مكونات العينات الحيوية

وعن تلك العملية التقنية يوضح دكتور أحمد:

يقوم الفريق البحثي في معملنا بتحديد ما يُعرف بالكاشفات الجزئية (Molecular Markers) الخاصة بكل صفة من صفات مقاومة الأمراض، تمهيدًا للمرحلة التالية، وهي برنامج التهجين الأولي (Pre-Breeding Program) من أجل تهجين السلالات التقليدية مع السلالات البرية ذات المقاومة لإنتاج سلالات أكثر مقاومة للأمراض.

تتحقق الفائدة الكبرى لمزارعي القمح حينما تُنتج برامج التهجين الأولية أول منتجاتها من القمح المقاوم للأمراض، والذي يستطيع المزارعون استخدامه مباشرة لإنتاج المحصول.

الإطار الزمني وأبرز المخاطر

بسؤاله عن المدة المتوقعة لإنتاج تلك السلالات المقاومة، أوضح دكتور أحمد أن المدة الطبيعية لبرامج تهجين النباتات التقليدية التي يلجأ إليها المزارعون تستمر أكثر من اثني عشر عامًا، إلا أن استخدام تقنيات العلوم الوراثية الحديثة التي لجأ لها الفريق البحثي ستساهم في خفض تلك المدة إلى ما يقرب من خمسة إلى ستة أعوام فقط.

صورة عامة للمعمل

ويتساءل البعض عن مدى خطورة تلك التطبيقات الجينية على صحة الإنسان، ويؤكد دكتور أحمد أن السلالات المتوقع الحصول عليها ما هي إلا نتاج عمليات تهجين طبيعية كتلك التي يجريها المزارع، فالإجراء لا يتضمن أي تعديلات وراثية على النبات من أي نوع، وتسهم التقنيات السابق ذكرها فقط في إسراع عملية التهجين بإدراج سلالات تمتلك الجينات المقاومة للأمراض، عوضًا عن التهجين التقليدي الأكثر عشوائية الذي يمارسه المزارعون.

وينهي دكتور أحمد القط حديثه:

خطوتنا المقبلة هي محاولة تحديد المزيد من جينات المقاومة التي تساعد محصول القمح على مقاومة الملوحة والجفاف والحرارة، وهو ما سوف يُسهم بكل تأكيد في الحفاظ على المحصول القمحي وزيادته عبر السنوات المقبلة، وهو المسعى الأساسي للبرنامج القومي لبحوث القمح بمركز البحوث الزراعية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.