في إبريل/نيسان من العام 1948م، قتل الصهاينة من قرية دير ياسين 254 فلسطينيًا، من بينهم 25 امرأة حامل، و52 طفلاً، مرتكبين بذلك أفظع المجازر التي عرفها التاريخ، وعلى إثرها هجر 550 ألف فلسطيني أراضيهم خوفًا من أهوال سمعوا عنها، من بقر بطون الحوامل والرهان على الأجنة التي بداخلها، ورهانات التصويب على المدنيين العزل.

في تلك الآونة، كانت الجيوش العربية ومعها جماعات متطوعة تقاوم إنشاء الدولة الصهيونية بشجاعة نادرة، لكن هنا داخل أروقة الساسة المصريين، كان لعاب الملك وحفنة من النبلاء وكبار الموظفين والضباط يسيل أمام عمولات صفقات الأسلحة المتدفقة، سار اللعاب هنا وسار الدم هناك في طريقين متوازيين.

يقول البعض اليوم إن قضية «الأسلحة الفاسدة» كانت ملفقة من الضباط الأحرار لتلويث سمعة العهد الملكي، والبعض دفعه حماسه إلى الادعاء بأن الأسلحة لم تكن فاسدة، لكن جيوشنا كانت غير مستعدة، والدليل أن المتهمين في القضية برءوا منها بعد قيام حركة الضباط في 1952م، لكنهم أغفلوا أمورًا عدة:

أولاً: أن النقراشي باشا رئيس الوزراء آنذاك، عارض بشدة دخول الحرب رسميًا ومعه عدد من ضباط الجيش وكبار السياسيين، وأن الملك وحده وحاشيته كانا المؤيدين، وانتصرت إرادة الملك، فإن كان السلاح غير فاسد والجيش هو الذي لم يكن مستعدًا، على عكس ما يروي كثير من شهود العيان كالبطل أحمد عبد العزيز قائد الكوماندوز في حرب فلسطين، الذي شاهد المدافع تنفجر في جنوده، فالقرار يتحمله الملك.

ثانيًا: عندما قام رئيس ديوان المحاسبة بإعداد تقريره السنوي، تعرض لضغوط كثيرة لحذف فضائح صفقات السلاح لأنها تتعرض للملك وحاشيته، فقدم استقالته إنقاذًا لضميره، وعندما أعد النائب مصطفى مرعي استجوابًا عن أسباب الاستقالة، لحق به وحفظ الاستجواب، وعندما أثار القضية الكاتب إحسان عبد القدوس على صفحات روز اليوسف واستدعاه النائب العام، لم يستطع الأخير رغم ما جمعه من أدلة أن يشير للملك أو المقربين اللصيقين به، وتعرض إحسان عبد القدوس نفسه للاعتداء من أجراء النبيل عباس حليم، أحد أفراد الأسرة المالكة والمتهم في القضية. كل تلك الدلائل تشير إلى محاولات القصر لإخفاء الجريمة، وإن كان حكم البراءة خرج في عهد الضباط الأحرار، فالتحقيقات تمت في عهد الملك.

ثالثًا: أن الضباط الأحرار لم يكونوا قد حسموا أمرهم في مسألة إعادة الحكم للمدنيين أو النظام الملكي، وكان فاروق حتى حينه أبا الوريث الشرعي للعرش، وقد وقع عدد من المواءمات والضمانات للخروج الآمن لأفراد النظام السابق وأولهم الملك خلال هذه الفترة، فأيها المجتهدون في تبييض وجه الملك، رويدًا فإن عظام شهداء كثر تحت ثقل يقينكم تئن.


الملكيون الجدد وحرب الذاكرة

عندما قامت ثورة يناير تصدر الجيش المشهد بعد عقود حكم فيها من الخلف، فاصطدم بالشارع ولمع فساده وجرائمه في حق المدنيين في وضح النهار، فكان طبيعيًا في هذا الصراع أن تشتعل الحرب على الذاكرة، إعادة صياغتها على غير ما كان التاريخ المدرسي يروي ويفخم من دور الجيش. وأمام التطورات اللاحقة وسيطرة الجيش على الحكم سيطرة تامة، جنح البعض، فبدلاً من أن ينقدوا الماضي باتوا يمجدون العهد السابق على انقلاب 23 يوليو / تموز تمجيدًا وصل إلى حد السفه أحيانًا، حينما يختزلون مصر في صور لمصر المحصورة على الصفوة، مصر التي اخترعت من أجلهم، لا من أجل السواد الأعظم بها.

في العهد الملكي، بلغت نسب الفقر والأمية 90%، وانخفض متوسط عمر الفرد، وتجاوزت نسب المعدمين في الريف الـ80%، وبلغ انتشار السل والبلهارسيا الـ45%.

فعندما كانت الطبقات الأرستقراطية تحاكي صيحات قرينتها في أوروبا في الموضة والهوايات، كركوب السيارات والطائرات وتكسير الأرقام القياسية بها، كان الملايين من أبناء مصر يكسرون أرقامًا قياسية من نوعٍ آخر، أرقام تصرخ بكم العفن الاجتماعي؛ فقد بلغت نسب الفقر والأمية أعلى معدلاتها مسجلة 90% من الشعب، وانخفض متوسط عمر الفرد، وانتشرت أمراض الفقر كالسل والبلهارسيا انتشارًا مروعًا حتى بلغت الـ45%، كما تجاوزت نسب المعدمين في الريف قبيل انقلاب 23 يوليو / تموز مباشرة الـ80%.

ورغم كل مظاهر التشبه بأرستقراطية الغرب، فقد كانت أرستقراطيتنا في نمط إنتاجها والأفكار المصاحبة لها غاية في التخلف، فقد كان المصريون منهم يعتمدون بالأساس على الإنتاج الزراعي، والأجانب مسيطرون سيطرة شبه تامة على الإنتاج الصناعي المحدود، وكانت تكنولوجيا الزراعة منحطة، ورغم أن مساحة الأرض المزروعة لم تزد، زاد سعر الفدان ليصل إلى 1200 جنيه بينما سعره الحقيقي 500 جنيه نتيجة لمضاربة الأرستقراطية الزراعية عليها، وكانت تلك الأرستقراطية لا تمثل أكثر من 0.5% يمتلكون ثلث الأرض المزروعة، بينما تقاسم الـ11 مليون الباقون من الفلاحين الملكيات الزراعية بين المتوسطة والصغيرة التي لا تتجاوز الـ5 فدادين، وكليهما كان مرهونًا برضاء إقطاعي القرية في بيع منتجاته والحصول على مستلزمات الزراعة، بل في أحيانٍ كثيرة كان الإقطاعي يرغم بعضهم على بيع أراضيه بأثمان بخسة؛ لأنه سمع أن فلان باشا في القرية المجاورة يملك 10 أفدنة أكثر منه، هكذا وكأنهم أطفال يغارون من ألعاب بعضهم البعض.

ذلك كان حال المالكين الصغار والمتوسطين بين حيتان الأراضي الزراعية، أما الأجراء فكان حالهم بشعًا، فقد كان أغلبهم يحصلون على أقل من نصف الحد الأدنى للكفاف الذي حددته مصلحة الإحصاء عام 1942م، بل كان منهم من يجبر على العمل مقابل لقمته وكسوته، وكثير منهم مات من الإجهاد، حتى أنه قد قدر عدد الأجراء في إقطاعيات الملك والأوقاف التي يديرها ويسيطر على إيرادها، التي وصلت للـ200 ألف فدان، 600 ألف عامل يكدحون بلقمتهم في بلد تعداده كله 20 مليون!.

أما عمال المدن، فكانت حالتهم أفضل قليلاً، لكن هذا القليل لم يكن يسمح إلا بحياة العوز والحاجة، وكان أغلبية المصريين لا يعملون إلا في تلك المهن، كالعمل الحرفي والوظائف الصغيرة، نتيجة لمستوى تعليمهم المتدني، وحتى الطبقة المتوسطة المتعلمة المحدودة التي خلقها زيادة النشاط التجاري والصناعي في المدن أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، نتيجة حاجة الاستعمار للمنتجات الصناعية، قد خلقت والأزمات في ذيلها، فقد تفاقمت البطالة حتى قاربت نصفها تقريبًا، وعبرت أفلام نجيب الريحاني عن هذه الحالة أصدق تعبير، والتي كان دائمًا يبحث فيها عن عمل ليجد نفسه بجوار الطبقات العليا، وينتهي الفيلم بحكمة عن القناعة؛ لأن أحلام الصعود الطبقي كانت مستحيلة تقريبًا.

وأمام كل هذا البؤس الذي يصعب على عين أن تخطئه، لا يعدم الملكيون الجدد موديل 2016م، الذين يمجدون زمنًا لم يروه، وإن عادوا إليه لن يكونوا فيه غير سعاة وفراشين على أحسن تقدير، حجة لتبرير تلك الأوضاع، من خلال عقد مقارنات غبية بين النظام الإقطاعي المصري ونفس النظم في بلدان أخرى، مقارنات تفتقر لفهم ناضج لنشأة النظام الإقطاعي في مصر ونشأته في تلك الدول، وتتجاهل أن نزوات الملك وفساده وسفهه لم يكن له نظير في أي بلد ولا حتى مهراجات الهند.


الملك «فاروق»: «علي بابا» الشرق

لم تعرف الأسرة العلوية، بل وكافة الأسر الشرقية المالكة بأسرها، ملكًا مسرفًا وسفيهًا كفاروق، وكان ذلك منطقيًا لأنه تولى العرش مراهقًا ابن 17 عامًا، فأفردت الصحف العالمية صفحات لرحلاته في أوروبا تحت بند غرائب الشرق المشوقة للقارئ الأجنبي.

فهذه جريدة «ردار» تكتب عن ارتفاع تسعيرة عاملات الجنس بسبب أخبار قدوم فاروق: «ألهبت أنباء وصول فاروق إلى دوفيل مخيلة الغانيات في المنطقة كلها، وهن يذكرن أن الملك كان يدفع في العام الماضي نصف مليون فرنك لمن تجالسه، و3 ملايين فرنك لم تشرف برفقته حتى الصباح». وعند وصوله إلى كابري وصفت جريدة «الديلي أميركان» ذلك بقولها إنه: «استأجر فاروق فندق قيصر أغسطس بأكمله، بتكلفة 24 ألف جنيه خلال 20 ليلة»، وعندما غادرها إلى الريفييرا، أفردت مجلة «تايم» العريقة صفحات كاملة لملف عن ليالي ألف ليلة وليلة التي أقامها فاروق هناك.

وفي صالات القمار، على الترابيزة الخضراء، كان لفاروق صولات وجولات تبرز رجاحة إستراتيجياته السياسية؛ مما دفع جريدة «فرانس بريس» أن تصدر صفحتها الأولى بعنوان عن نتائج إحدى مناوراته «فاروق يخسر 4.5 مليون فرنك في نصف ساعة على الطاولة الخضراء»، حمدًا لله أنها كانت نصف ساعة فقط!.

ولفاروق أيضاً نجاحات دبلوماسية، ثلاثة منها كادت أن تقطع علاقاتنا بدول يمتد بيننا وبينهم صدقات قديمة؛ مع إيران حينما استولى على سيف شاه إيران صهر فاروق أثناء دفنه في مصر، وأخرى مع وزير خارجية باكستان بسبب نصح الأخير له بتقليل تبذيره بطريقة دبلوماسية، فدفع الملك مفتي الديار المصرية للتصريح بأن «على باكستان وهي دولة إسلامية ألا يكون وزير خارجيتها قدياني؛ لأنها ملة كافرة»، فرد وزير الخارجية قائلاً: «ولا يجب أن يبقى على رأس دولة إسلامية ملك فاسق».

أما الأزمة الثالثة والأخطر كانت مع اليونان بعدما صرحت الملكة «فردريكا» لمجلة «لايف» أنها «كانت مع زوجها الملك في مصر، وقد غازلها فاروق وحاول أن ينسيها واجباتها الزوجية، فاضطرت أن تلقي على مسامعه درسًا في الأخلاق».

وكان لزامًا على الملك الشاب ألا يكرّس كل مجهوده للخارج، وفي الداخل مارس نفس مجونه، لكن أضيف عليها الفساد المالي، ففي ميزانية الدولة كان تدرج مصاريف القصر كرقم واحد، لكن -وبالاتفاق مع الوزارة- كانت توزع مصاريف أخرى على الوزارات والمصالح لخدمة الملك، مثلما تحملت مصلحة الطيران في آخر ميزانية قبل انقلاب يوليو / تموز – على سبيل المثال لا الحصر-، 175 ألفًا لبناء مطار خاص بالملك في أنشاص، رغم أن مصاريف القصر قد قاربت المليون ونصف في نفس الميزانية.

ويبدو أن شهية الملك كانت أوسع من الأرقام الرسمية، فتتطرق لغير الرسمي، منها ما حصل عليه هدية، كإهداء شركة سعيدة 18 ألف سهم للملك، فمنحتها الحكومة بدورها نصف مليون إعانة!، ومنها ما استولى عليه كالأوقاف، وقف شاوه والوادي والمنتزه وحفيظة الألفية، ووقف إسماعيل باشا الذي قدر وقتها بـ5 ملايين، والذي كاد أن يطيح بالوزارة بسبب رفض وزير الأوقاف علي عبد الرازق نقل إدارته له، فخرج وزير الأوقاف وبقيت الوزارة وهُنئ الملك بالوقف، فهنيئاً لغانيات أوروبا.


مرحلة الوحش، الدبابات تعتلي السياسة

عُرف عن “فاروق” إسرافه ومجونه، وتسبّبه بالأزمات الدبلوماسيّة بالخارج والاقتصادية بالداخل.

تعدّ الحياة السياسية في العهد الملكي من أعقد الأمور، ليس فقط لفارق الزمن بين القارئ المعاصر والمرحلة واختلاف نظامنا الرئاسي عن الملكي، لكن أيضًا لتعدد أعمدة النظام السياسي نفسه واختلاف مفاهيم كثيرة كالاستقلال الوطني عن مفهومنا المعاصر؛ مما ينزلق بكثير من الكتاب إلى شيطنة إحدى القوى لحساب أخرى، كشيطنة الوفد واتهامه بالخيانة، أو الملك، أو الإخوان والكلام عن سر المعبد وسر الخلطة وغيرها من الأسرار التي تفتح شهية القارئ.

أمام حالة الانسداد السياسي، وتسييس الجيش والتأثر بالفاشية والفشل مع الاحتلال الإنجليزي وانتشار الاغتيالات، كان لابدّ من أحد حلّين: الإصلاح السياسي الحزبي أو الثورة الشعبية، لكن دبابات الجيش كانت أسرع من كليهما.

رسخت ثورة 1919م، التي أطاحت بالحكم الملكي المطلق لصالح ملكية دستورية والسنوات الأربع التي تلتها، ثلاثة محددات للنظام السياسي؛ الملك والإنجليز والوفد، لا يستطيع أحد منهم أن يحكم بمفرده، إذا تقاربت إحدى قوتين حكمت، مثل الملك والإنجليز كما حدث عام 1939م، أو الإنجليز والوفد كما حدث في 1928م و 1942م، أو الوفد والملك كما حدث 1924م، فكلٌ منهم لديه أوراق للعب وكل منهم لديه مصالحه. الملك يريد حكمًا مطلقًا ومعه الشرعية وما تبقى له من صلاحيات دستورية تمنحه تعيين خمسي مجلس الشيوخ وكبار الموظفين، ويسانده أحزاب أقلية، كراهيةً في الوفد، مثل الأحرار الدستوريين. والإنجليز ومعهم معاهدة 28 فبراير / شباط التي أبقت على 4 تحفظات في صالحها، والوجود الأجنبي بشقّيه المديني والاقتصادي، وأحزاب مدعومة منها، وطبعًا قوة السلاح، وهم لا يريدون التفريط في أهم دول المنطقة. والوفد ومعه الإرادة الشعبية ومصالح الأرستقراطية الوطنية التي كانت تريد حماية مصالحها أمام رأس المال الأجنبي، ويريدون الاستقلال والديموقراطية.

وما يعنينا هنا – حتى لا نتشعب- هو، ماذا كان موقف الملك من الديموقراطية؟، تكشف النظرة الأولى للسياسة أين كان يقف الملك، فمنذ العمل بدستور 1923م، لم يحكم الوفد صاحب الشعبية الكاسحة أكثر من ثماني سنوات خلال المرات الـستة التي صعد فيها للحكم مجتمعين، وقد أقيمت 10 برلمانات جميعها حُلّت باستثناء البرلمان الذي قاطعه الوفد، وإحداها حُلّ بعد ساعات من انعقاده بما يخالف الدستور.

والأمر الثاني الذي يعنينا هو، أن النظام السياسي الذي شكلته ثورة 1919م، كان يتآكل لأسباب كثيرة، السبب الأول زيادة عدد الطبقة المتوسطة المتعلمة المدينية أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد أدى قطع المواصلات مع أوروبا لدافع النشاط الصناعي لسد احتياجات الإمبراطورية المحاربة، وما صاحب انتهاء الحرب من ركود زاد من سخط تلك الطبقة الفاعلة سياسيًا؛ مما جعلها تضع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ضمن مطالبها، فزادت الإضرابات العمالية والمهنية، وأصبح مطلب الاستقلال الذي كان يستأثر به الوفد مطلبًا من ضمن المطالب، وقد عجز الوفد عن تنفيذه نتيجة لتركيبته النخبوية الطبقية، والتي زادت تشددًا في جيله الثاني وأبرزه فؤاد سراج الدين، ذلك الجيل الذي لم يعرف الفقر كالنحاس وسعد زغلول؛ مما مهد لصعود حركات وأحزاب شعبية على حساب شعبية الوفد، أهمهم الإخوان وحزب مصر الاشتراكي (مصر الفتاة).

والسبب الثاني حرب فلسطين والأسلحة الفاسدة التي قامت بتسييس الجيش، والثالث فشل طريق المفاوضات كحل لأزمة الوجود العسكري الإنجليزي على أرض مصر.

والرابع صعود الفاشيات في العالم، وقد تأثرت مصر بهذه الحالة، ونزل مصر الفتاة بتشكيلات شبه عسكرية من شبابه بقمصان خضراء إلى الشارع، على غرار فتيان موسوليني، وعلى شاكلته فعل الوفد بقمصان زرقاء، وللإخوان كان اللون الكاكي، والملاحظ أن أهم المؤثرين في حركة الضباط الأحرار ومن بينهم جمال عبد الناصر، نشطوا لفترة داخل تلك التنظيمات، وكانت نصيرته قبل أن يصطدم بها.

أما السبب الخامس والأهم، فكان دخول الاغتيالات لمعترك السياسة، ففي نهاية عهد الملك فاروق وقع عدد من الاغتيالات، اثنان منها طالا رئيسي وزراء، وأخرى رئيس محكمة، ونائبًا وفديًا، ورئيس أكبر جماعة دينية، وكان هذا يعني أن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بلغت حدًا يأذن بانهيار النظام برمته، فكان أمام الجميع أمران، إما أن يغير الوفد من تكتيكاته الإصلاحية مقابل سياسة أكثر جذرية لحاقًا بشارع يغلي تحت الاحتلال والفقر، وهذا ما كان يصعب عليه بسبب وضعه الدستوري ووضع رؤسائه الطبقي، وإما ثورة شعبية تؤسس لنظام سياسي جديد.

لكن دبابات الجيش كانت أسرع من كليهما، وبدأ العفن يخضر، ولكن بداية التعفن أيها الملكيون الجدد، كان في عهد ملككم.