لم يستمع أحد إلينا .. فليستمع الجميع إذن!

كانت هذه الجملة عنوانًا خطبة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي يلقيه في العاصمة الروسية «موسكو». وهو الخطاب الذي أعلن فيه عن مجموعة من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة، التي -إن صحت- ستقلب موازين القوى رأسًا على عقب.

تأتي تلك الأسلحة كرد فعل روسي على الدرع الصاروخية لحلف الناتو، والتي ستتركز في دولتي «رومانيا» و«بولندا» الأعضاء السابقين في حلف وارسو. وسيعتمد الدرع الصاروخية بصورة رئيسية على نظام «الأيجس» لـ«الدفاع ضد الصواريخ الباليستية – Aegis Ballistic Missile defense ABMD»، والمكون من صواريخ الـ«SM-3 BlockIA وSM-3Block IB»، بالإضافة إلى الرادار AN/TPY-2 المتمركز في تركيا. شملت الأسلحة الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الروسي الآتي:

1. صاروخ كروز يعمل بمحرك نووي. قادر على الوصول لجميع أرجاء الأرض، والطيران لفترات غير محددة.

2. صاروخ كروز فائق السرعة -أي بسرعة تتجاوز الـ 5 ماخ- وبمدي 2000 كم.

3. صاروخ باليستي عابر للقارات جديد لاستبدال الـ SS-18. الصاروخ الجديد يبلغ وزنه 100 طن، ويستطيع حمل 24 رأسًا نووية، مما يجعله أكبر صاروخ باليستي عابر للقارات في العالم.

4. غواصة مُسيرة عن بعد، تحمل رأسًا نووية. قادرة على الوصول لأي ميناء في العالم.

يبدو رد الفعل الروسي عجيبًا بعض الشيء. فهذا النظام الدفاعي لا يشكل أي تهديد لقدرة الردع الروسية، فهو نظام مضاد للصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، في حين أنه لا يمثل أي خطورة على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات -أي بمدى أكبر من 5000 كم- والتي تمتلك روسيا أعدادًا غير معروفة منها، لكنها بالمئات – أهمها التوبول والساتان طبعًا.

قدرة روسيا على بناء صواريخ باليتسية عابرة للقارات بأحجام كبيرة، معروفة ولا تحتاج لبرهنة. فلا ننسى أن أول قمر صناعي في التاريخ أطلق بواسطة الاتحاد السوفيتي، وأول رائد فضاء كان سوفيتيًا، وهي فعلًا تمتلك ترسانة كبيرة من تلك الأسلحة حاليًا.

الجديد هو قدرتها على بناء صواريخ كروز فائقة السرعة. وصواريخ كروز تعمل بمحركات نووية، فحتى يومنا هذا لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على مثل هذه الأسلحة، رغم أنها تعمل في مجال الصواريخ فائقة السرعة (hypersonic) منذ 2005، إلا أن شيئًا لم يدخل الخدمة بعد، وما زالت كلها تجارب.


السوخوي-57 في سوريا

نموذج للمقاتلة الروسية «سوخوي-57» تحت التطوير

دعونا نترك خطاب بوتين المليء بالتكهنات ولننزل على أرض الواقع. في 23 فبراير/شباط الماضي، نقل قمر تجسس إسرائيلي صورة من قاعدة حميميم الروسية في سوريا تُظهر مقاتلتين من طراز «سوخوي-57»، أحدث المقاتلات الروسية.

دعونا نعود للوراء قليلًا؛ منذ 16 عامًا تم اختيار مكتب «سوخوي» لتصميم مقاتلة الجيل الخامس الروسية الجديدة، والتي كان يفترض أن تنافس مقاتلة الجيل الخامس الأمريكية «إف 22 رابتور»، التي بدأ العمل عليها قبلها بـ12 عامًا أي في 1990-. وقبل أن نستطرد؛ دعونا في عجالة نشرح بعض الأساسيات.

ما معنى مقاتلة جيل خامس؟

سوخوي-57
سوخوي-57

مقاتلة الجيل الخامس، مصطلح سنّه خبراء الطيران الأمريكان في الثمانينيات للإشارة إلى مقاتلة تمتلك قدرات عالية على التخفي – بصمة رادارية وحرارية وبصرية منخفضة- بالإضافة إلى محرك قوي قادر على الطيران بسرعات فوق صوتية دون استعمال الحارق اللاحق، ومجموعة متطورة من «الأفيونكس» تشتمل على رادار متطور بقدرات تتبع عالية، وأنظمة كشف حرارية وطيفية متطورة.

في 2010، طارت الطائرة الجديدة للمرة الأولى، وحملت اسم «سوخوي تي- 50» («تي» تعني أنه تحت التجربة مثلما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعطي حرف «X أو Y» كرمزٍ لمقاتلاتها التي تحت التجربة). ورغم مرور ثمان سنوات على طيران النموذج الأول، إلا أنه لم ينتج منها سوى 11 نموذجًا، ولا نموذج منهم في صورته النهائية.

فما زالت معظم النماذج تستعمل المحرك القديم «AL-41F1» الخاص بالسوخوي-35، رغم أن الطائرة الجديدة أثقل بقرابة الطن من السوخوي-35، والمحرك الجديد لم تتم تجربته سوى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي فقط، ولمدة 17 دقيقة ولا يتوقع أن يدخل الخدمة قبل 2020 بأي حال.

لا تزال المنظومة الرادارية الخاصة بالمقاتلة الـ«Byleka N036» لم تدخل الخدمة بعد، بل هي في بدايات مرحلة الاختبار والتي ستستمر لسنوات، حيث لم يتم وضع سوى أجزاء من المنظومة، وليس المنظومة كاملة على ثلاث مقاتلات فقط من الـ 11 نموذج التي تم إنتاجها.

في أبريل/ نيسان 2017، بدأت روسيا تجربة منظومة «أفيونكس» الجديدة على مقاتلة تحمل الترميز IMA BK مما يعني أن المنظومة القديمة -وهي تقريبًا نفس المنظومة العاملة على السوخوي-35- ثبت وجود بعض العيوب بها. طبعًا ما زال أمام المنظومة الجديدة سنوات طوال حتى تدخل الخدمة.

حتى الآن لم نر أي تجارب حية لإطلاق صواريخ موجهة. وحزمة الصواريخ الجو-جو الخاصة بالمقاتلة وهي الصاروخ «K-77M والـ R-74M» ما زالت بعيدة جدًا عن دخول الخدمة. والنسخ التقليدية من تلك الصواريخ «R-77 وR-73» لم يتم تجربتها علي المقاتلة. ولا عجب فمنظومة الرادار غير مكتملة ومنظومة الأفيونكس غير مكتملة.

أي أن المقاتلة فعليًا لا تمتلك أي نظام للتحكم في الأسلحة من أي نوع. قارن هذا بشركة لوكهيد الأمريكية التي قامت بتجربة الصاروخين «AIM-9 وAIM-120» على النسخة الأولى من مقاتلة الجيل الخامس لها «YF-22» عام 1991! خطوة مشتها شركة لوكهيد المصنعة للمقاتلة منذ 1991، لم تستطع روسيا الوصول لها حتى فبراير/ شباط 2018.

الخلاصة أنه رغم مرور ثمان سنوات على تجربة الطيران الأولى لتلك المقاتلة، فهي لم تتجاوز مرحلة أنها طائرة مزودة بمدفع رشاش فقط، والروس فعليًا ما زالوا يمشون في خطوات قطعها نظراؤهم الأمريكان منذ أكثر من 20 عامًا. ورغم كل هذا أرسلتها روسيا إلى قاعدة حميميم بسوريا.

كل هذا دعا وزارة الدفاع الهندية -الشريك الأساسي لروسيا في المشروع و أحد الممولين الرئيسيين بجوار وزارة الدفاع الروسية- إلى الإعلان عن الانسحاب من المشروع في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ووصف المقاتلة بالآتي:

إنه إلى جانب المشاكل التي قد تطرأ مستقبلًا المتعلقة بالأداء، السوخوي جعلت الطائرة الشبحية باهظة الثمن. كما أن تصميمها نفسه ضعيف، أقل من المتوقع. كما أن الطائرة تدار بمحرك قديم منخفض الكفاءة، وهو ما يجعلها سلاحًا لا يمكن الوثوق به ضمن قوات الهند الجوية.

حتى القوات الجوية الروسية لم تبد انبهارًا كبيرًا بها، فحتى الآن لم تطلب القوات الجوية سوى 12 مقاتلة. مع العلم أن هناك 11 مقاتلة تم تصنيعها أثناء فترة التجارب، أي أن المطلوب تصنيعه في العامين المقبلين مقاتلة واحدة فقط!

وللروس تاريخ طويل في العمل على مقاتلات فاشلة، وتصدير آلاف النماذج لحلفائهم؛ لعل أبرزها «الميج-23» التي زعم الروس أو السوفيت أنها الرد العملي على المقاتلة الأمريكية إف-4، ودخلت المقاتلة الخدمة عام 1970. رغم أن المقاتلة تم تصديرها لسوريا أثناء حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، إلا أنها لم تدخل الخدمة فعليًا في الجيش السوري إلا في 1974.

وبجوار سائر المقاتلات السوفيتية العاملة في سوريا، كانت سببًا في الهزائم المتتالية للقوات الجوية السورية على يد نظريتها الإسرائيلية. ولم تبدأ النماذج المقبولة في الظهور سوى ثمان سنوات بعد دخول النموذج الأول للخدمة، ألا وهو النموذج الذي يحمل الترقيم MLD.

الميج-25 مثال آخر. وكانت أجهزة الاستخبارات الغربية تظنها مقاتلة فائقة المناورة حتى قام الطيار السوفيتي «فيكتور بيلينكو» بالهروب بإحدى المقاتلات والنزول في اليابان. قامت اليابان بإعطاء المقاتلة للولايات المتحدة الأمريكية ففوجئ الأمريكان بعد دراستها أن قدرات المناورة لديها ضعيفة جدًا، ومنظومة الأفيونكس شديدة التخلف، فقاموا بإرجاعها للاتحاد السوفيتي بعد دراستها جيدًا، ولم يتم اتخاذ أي خطوة مضادة، بمعنى أنهم لم يروها كتهديد لهم.

الخلاصة هي وكما قلنا في مجال الطيران المقاتل، تمشي روسيا بصعوبة وبطء في طريقٍ مشته الولايات المتحدة الأمريكية بنجاح قبل أكثر من 20 عامًا. والآن يقولون إنهم حققوا سبقًا تكنولوجيًا على الولايات المتحدة في مجال صواريخ الكروز فائقة السرعة.

ربما يكونون صادقين. ربما!