كشف المسار غير المباشر للاعب خط الوسط البرتغالي نحو النجومية في مانشستر يونايتد عن أوجه القصور في نظام الكشافة الواسع لكرة القدم، وكيف يمكن حتى لموهبة واضحة أن تنزلق بين الشقوق.
الكاتب روري سميث في نيويورك تايمز

كانت تلك كلمات مقتطف مقال الكاتب «روري سميث» عن النجم البرتغالي «برونو فيرنانديز»، بعد وصوله في سن متأخرة (24 عامًا) إلى نادٍ بالمستوى الأعلى، وتقديم مستوى لافت في البريميرليج. لكن بعد تفكير قصير، وجدنا أن تلك الكلمات قد فُصلت تفصيلاً لنجولو كانتي أكثر منها لبرونو.

نعم كلاهما عانى مع كشافة كرة القدم، وبقيا مدة أطول من اللازم بعيدًا عن الأضواء، لكن مسيرة «كانتي» والتأثير الكبير الذي أحدثه جعله في مكانة مختلفة، تستحق تسليط الضوء على عدد من اللقطات في مسيرته، لم تكن تعلم عنها شيئًا.

نجولـ-ينيو

تبدأ غرابة مسيرة «نجولو كانتي» بالبحث عن أسماء اللاعبين الكبار الذين أعجب بهم في فترة طفولته. ولأننا نتحدث عن لاعب من مواليد عام 1991، ويقدم أداءً دفاعيًا من الطراز العالي، فسنتوقع أسماءً كباتريك فييرا وكلود ماكيليلي، لكنه سيفاجئك بأسماء غريبة.

كان «نجولو» متيمًا بمشاهدة أهداف الظاهرة رونالدو، ومراوغات رونالدينيو، وكان يحاول تقليد الأخير في الملعب. ثم أضاف إليهما اسمًا ثالثًا ليزيد غرابة اختياراته وهو الأسطورة الأرجنتينية دييجو أرماندو مارادونا، ليبدو المشهد وكأن «كانتي» حرص على مشاهدة أبرع من داعب كرة القدم ليقدم كل ما بوسعه لإيقاف كل من على شاكلتهم.

لكن ما لم يعلمه «كانتي» أن سرعته الهائلة وتطوره بالكرة مكناه من إتقان ما حاول قديمًا أن يقلده، لكن على طريقته الخاصة، فوجدناه في بعض الأحيان يربك خصومه بقدرته على الركض بالكرة وتجاوز الضغط، وكأنه لاعب وسط متكامل.

والطريف هنا أن أكثر من أعجب بقدرات كانتي على المراوغة كانا زميليه في تشيلسي «سيسك فابريجاس» و«إدين هازارد»، ليطلقا عليه لقب «نجولـ-ينيو»، وكأن القدر أراد له الحصول على لقب شبيه بلقب اللاعبين الذين أعجب بهم.

تدخل القدر

تدخل القدر في تلك المرة لم يكن بقدر أهمية تدخله في المرة الأولى، عندما انتقل «نجولو» من «كان» الفرنسي إلى ليستر سيتي في صيف عام 2015. كان ليستر يبحث عن بديل للأرجنتيني «ستيفان كامبياسو»، ليصطدم محللو الفريق باسم اللاعب الفرنسي.

حتى سن التاسعة عشر، كان كانتي يلعب لفريق «Suresnes» أحد فرق الهواة، حتى انتقل إلى «بولوني» وساعدهم على الترقي من الدرجة السادسة للخامسة، لينتقل بعدها إلى «كان» في الدرجة الثانية، وسيساعدهم في الموسم الأول على الصعود للدرجة الأولى.

في كتابه «Fearless»، أوضح «جوناثان نورثكروفت» أن الإحصائيات الخاصة بالتمرير للأمام وقطع الكرة والعرقلة، أظهرت اسم كانتي وسط عدد من الأسماء الشهيرة مثل: توني كروس وتشابي ألونسو، خاصةً وأن «كانتي» كان صاحب الرقم الأعلى في استعادة الكرة بالدوريات الخمسة الكبرى في موسم 2014/15.

رغم ذلك ووفقًا لتقرير شبكة «The Athletic»، كان كانتي الخيار الثاني على لائحة ليستر، بعد «جوردان فيرتو» (لاعب نانت في ذلك الوقت)، لكن القدر تدخل عندما تمكن أستون فيلا من خطف «فيرتو»، ليحول المدير الرياضي لليستر «ستيف والش» أنظاره صوب «كانتي».

اجتمع «والش» بـ«نجولو» في فندق بمنطقة «ميدلاند»، وأمر اللاعب الفرنسي بغلق هاتفه، وأخبر مساعديه بمنعهم من المغادرة حتى إتمام الصفقة، وهو ما حدث بالفعل وانضم «كانتي» لليستر حيث قضى موسمًا وحيدًا، ساهم فيه بالفوز بلقب البريميرليج لموسم 2015/16.

قبل ذلك الموسم التاريخي لليستر، لم يكن «كانتي» قد أدرك بعد حدود قدراته، فعبر علانية عن رغبته باللعب لمنتخب مالي (مسقط رأس والديه) وليس منتخب فرنسا. لكن «ستيف والش» أخبره بنسيان تلك الرغبة مؤقتًا والتركيز على اللعب لمنتخب الديوك.

أحد جماهير ميدلزبره يحاول إخطار كشافة ناديه بموهبة نجولو كانتي في عام 2013.

لا تخطئ فهمه

وبعد أقل من ثلاثة أعوام، كان كانتي يرفع كأس العالم في مونديال روسيا 2018. وانتشرت تلك القصة الشهيرة عن خجله الذي منعه من طلب الكأس من زملائه، حتى تدخل زميله «ستيفان نزونزي» وطلب منهم مناولة نجولو الكأس.

لكن لاعب وسط ليستر السابق حاول نفي تلك الواقعة، عندما أوضح أن الأمر فهم خطئًا، فقد كان ينتظر دوره ليرفع الكأس، لا أكثر ولا أقل، لكن مثل هذه القصص عن «كانتي» تحديدًا تلقى رواجًا كبيرًا لدى الجمهور، لأنها تناسب صورته في مخيلتهم؛ وجه طيب خجول، وردود أفعال تلقائية، وأداء داخل الملعب يعكس الكثير من التضحية والإيثار.

أحيانًا، يحاول كانتي متعمدًا أن يعطي صورة مخالفة لذلك، وأوقات أخرى سيخبرك بأن دافعه مختلف تمامًا عما تتوقعه. فأنت تتوقع للاعب مثله يسعى دائمًا لتهيئة المسرح لزملائه عبر مجهود دفاعي خارق، أن يجد إشباعًا في قطع الكرات والقيام بالعرقلة، لكنه في الحقيقة الشيء المفضل لدى «كانتي» في كرة القدم هو الجزء الذي تفوز فيه.

الشيء المفضل لدي هو أن نرفع كأسًا. بعد ذلك، يمكننا الحصول على صورة لنا ونحن نحمله، وهذه الصورة تُظهر الكثير من العمل، والكثير من الصعوبة والكثير من التضحيات معًا. هذا ما يتطلبه الأمر لرفع كأس. من صورة واحدة، يمكنني الحصول على العديد من الذكريات.
كانتي عبر نيويورك تايمز

قد يكون ذلك مفهومًا للاعب قضى معظم مسيرته في الدرجات الأدنى، بسبب الكشافة الذين رفضوه مرارًا وتكرارًا بسبب صغر حجمه، ويسعى الآن لتعويض ما فاته. أما عن محاولته إبراز صورة مغايرة، فقد تكفل زميله السابق فابريجاس بكشفها، حين ادعى امتلاك كانتي الخجول جانبًا مظلمًا في شخصيته.

لدى نجولو جانب مظلم قليلاً، والذي ما زلت أراه الآن عندما أشاهده على التلفزيون. إنه لا يفقد أعصابه، ولكن، إذا شاهدت، سترى أنه لا يمانع في إفساد هجمات الخصم بارتكاب مخالفة أو الحصول على بطاقة صفراء ولن يعتذر أو يتعامل بلطف مع الرجل الآخر، فقط سيبتعد عنه.
سيسك فابريجاس في مقاله بصحيفة تليجراف البريطانية

بعد أن تظهر الابتسامة على وجهك وأنت تقرأ هذه الكلمات وتحاول استيعاب أن ذلك الفعل هو أكبر الأفعال السيئة المظلمة التي يمكن لكانتي فعلها، ستتذكر أن معظم ما يتعلق بمسيرة النجم الفرنسي قد ترك على وجهك نفس الابتسامة، وهو أمر غريب للاعب كانت نقطة قوته هي إفساد هجمات خصومه.

اقرأ أيضًا: ماذا يعرف «أحمد خالد توفيق» عن «نجولو كانتي»؟