محتوى مترجم
المصدر
Smashing Interviews
التاريخ
2016/01/20
الكاتب
Melissa Parker

هذا الحوار هو الجزء الثاني من مقابلة أجرتها ميليسا باركر من موقع «سماشين إنترفيوز» مع المفكر الأمريكي الكبير «نعوم تشومسكي»، حيث تطرّق في الجزء الأول إلى آرائه بخصوص الانتخابات الأمريكية ومشكلات الدين والسياسة في الولايات المتحدة. وفي هذا الجزء يتحدث تشومسكي عن المشكلات الاجتماعية الأمريكية في عهد أوباما، وعن داعش وتفسيره لظاهرة التطرف الديني الإسلامي.


ميليسا باركر: تلقى الرئيس باراك أوباما كثيرًا من النّقد، بل حتى الكراهيّة، من منتقديه على مستوى يوميّ تقريبًا. ما هو شعورك حيال القرارات التنفيذيّة المُتعلقة بقوانين رقابة أكثر صرامة على الأسلحة الناريّة؟.

نعوم تشومسكي: حسنًا، إن هذه باثولوجيا واقعيّة في الولايات المتحدة والتي لها جذور بعيدة. لقد عُرِفت منذ مُدة طويلة في الولايات المتحدة، حدث أن بلغ ذروتها نوعًا ما في السنوات القليلة الماضية مرةً أخرى. لكنّ جذورها العميقة تعود إلى وقت مُبكر من تاريخنا. فخلال ما يقارب نصف تاريخ البلاد كانت هناك مشكلتان رئيستان تطلبتا البنادق؛ إحداهما كانت القضاء على السكّان الأصليّين. فقد كان لا بدّ من إقصائهم أو إبادتهم، لكنهم قاوموا، وهذا يعني أنّنا بحاجة للبنادق.

وتتمثّل المشكلة الثانية في أنّ الولايات المُتحدة كانت تُدير أبشع معسكرات السخرة في تاريخ البشريّة في الجنوب، التي تُعدّ جزءًا كبيرًا من أساس اقتصادهم. لم يكن هذا يتم فقط من أجل ثراء أصحاب المزارع؛ إذ أنّ نظام التصنيع قد استندَ، لفترةٍ طويلة، على إنتاج المنسوجات، الذي كان يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على القطن، وطوّرت البنوك إقراضًا للقطن، فقد كان القطن السلعة الرئيسة في الجزء الأول من الثورة الصناعيّة. كما هو الحال في إنجلترا، فقد تطور جزءٌ كبير من ثروتهم الاقتصادية وسلطتهم من خلال معسكرات السخرة. ربما انفجروا.

ميليسا باركر: لذلك فهم بحاجة للبنادق ليحموا أنفسهم من العبيد. لدى توماس جفرسون بعض الآراء الراديكالية حول العبوديّة.

نعوم تشومسكي: لدى توماس جفرسون موقفٌ مُختلط تجاه العبوديّة. فقد اعتقدَ أنها أمرٌ خاطئ. وفي حقيقة الأمر، أعتقد أنّها جريمة مروعة. لكنّه أبقى العبيد، فقد وصفها مرةً بقوله: «إنّنا نمسك الذئب من أذنه، ولا يُمكننا الاحتفاظ به، ولا السماح له أن يُغادر بسلام». بعبارة أخرى، نريد أن نتمسّك به لأنّه لا ينبغي علينا أن نُعاقب الذئبَ، ولا يمكننا السماح له بالذهاب لأنه سيقضي علينا. اعتقدَ جفرسون أنّنا إن لم نُبقِ العبيدَ في معسكرات السخرة، ستقع حينها حرب عرقيّة، وسيُبيدوننا. وكل هذا يحتاج إلى بنادق بطبيعة الحال.

وفي الواقع، لقد كانت البنادق جزءًا من الثقافة في الجنوب لأسبابٍ أُخرى، ليس بسبب الخوف من العبيد فحسب،ولكن لتُظهر أنّك لست عبدًا، كما هو الحال لو أردتَ الوقوف في وجه رجل أبيض وقلت له: ” انظر لن تؤذيني”، يجب عليك أن تمتلك بندقيّة. كل هذا يظهر اليوم حينما تحمل بندقيتك على خصرك مُتفاخرًا، عندما تدخل إلى مقهى أو تتجول في الجامعة حاملاً إيّاها. وكل هذه الاشياء المجنونة يكون تأثيرها واضحًا للغاية.

تشبه الولايات المتحدة، إلى حدٍ كبير، غيرها من الدّول الصناعيّة، لكنّ الوفيات الناجمة عن البنادق مُفرطة جدًّا. فلو نظرنا لما نُسمّيه مجزرة، بمعنى قتل أربعة أشخاص أو أكثر، فإنني أعتقدُ أنّ الغالبيّة هي عائلات يرفع فيها طفل بندقيّة ويطلق النار على شخصٍ ما. إنّه طاعون تمامًا.

ومع الرئيس، يبدو أنّ مبيعات السلاح قد ارتفعت بشكلٍ ملحوظ خلال سنوات أوباما.ربما يكون هذا من العنصريّة الصريحة التي يوجد الكثير منها. فنحن ندّعي عدم وجودها، لكن ذلك مجرّد ادّعاء؛ إذ أنّها تظهر في كل مكان. إن الكراهية العميقة لأوباما من قبل الجمهوريين صادمة تمامًا. يمكنك أن تكره رئيسًا دون أن أن تعتقد أنّه معادٍ للمسيح antichrist، أو أنه ولد في كينيا أو دولة من هذا القبيل. حتى إنهم أطلقوا كلماتٍ مثل أوباماكير Obamacare، وهو مصطلح مُثير للاهتمام لو فكّرت فيه. لقد شُمِلت العناية الطبية بالقانون في عام 1965 من قبل الرئيس ليندون جونسون. لكن هل أطلق أحدهم عليها عناية جونسون؟ لا، لكن حتى داعمي أوباما يُطلقون عليها عناية أوباما.

كان أغلب السكان، لعقودٍ، مؤيّدين لشكلٍ ما من الرعاية الصحيّة، لكن ربما لا يزال غالبيّة السكان يعارضون ما يريدونه لأنّها «رعاية أوباما». إن هذه حقائق عميقة عن الدولة وتاريخها والذي لا يمكن بسهولة طمسه بالكلام بقولنا: «نعم، إنّنا مجتمع ما بعد عرقيّ». لا، أعتذرُ، فنحن لسنا كذلك.


ميليسا باركر: هاجمت داعش باريس في تشرين الثاني الماضي، وادّعت مؤخرًا مسئوليتها عن عشرة أرواح في إسنطبول في تركيا، في منطقة سياحيّة رئيسة. ما الذي يجب القيام به لمُقاتلة داعش؟.

– نعوم تشومسكي: أول ما يتعيّن علينا القيام به هو أن نفهم ماهيتها ومن أين أتت. إن سكوت أتران Scott Atran على سبيل المثال قد قام بجهد بحثيّ كبير مُتعلقٍ بخطاب داعش، دراسًا أعضاء داعش، أعضاءها السابقين والمُجتمعات التي يستمدون الدعم منها. إنها ظاهرة مُهمة جدًا. فهي مسخ لا شكّ في ذلك، لكن من أين أتى ذلك المسخ؟. إذا نظرنا إلى الوراء، فإنها عائدةٌ بشكل كبير لغزو الولايات المُتحدّة للعراق، الغزو الذي دمّر البلاد، وقتل مئات الآلاف من الناس، وأوجد مليونيْ لاجئ، وحرّض على الصراع الطائفي. لم يكن أيّ من هذا قبل العراق، كانت ثمّة خلافات بين طائفتين مُتعارضتيْن أو شيء ما، لكنّ الدولة كانت مُتحدة، فالعائلات الشيعيّة والسنيّة كانت تعيش في الأحياء ذاتها.

إنّ أحد عواقب الغزو هو التحريض على الصراع الطائفي الذي مزّق أوصال الدولة والمنطقة. وكانت القاعدة إحدى الجماعات الناتجة، والتي جاءت منها داعش. كان هذا عاملاً واحدًا، بينما العامل الثاني في تطور داعش هو السعوديّة، الدولة الإسلاميّة المتطرفة والأصوليّة، الأكثر تطرفًا في العالم والتي تفوق إيران. وعلاوةً على ذلك، فإنها دولة دعويّة/تبشيريّة missionary، لديها العديد من الموارد بسبب النفط، وبالتالي وظّفوا تلك الموارد الضخمة في محاولتهم نشر وهابيتهم المُتطرّفة وعقيدتهم السلفيّة من خلال التمويل المباشر للجماعات الجهادية، ولم تُستثنَ داعش من ذلك، بل أيضًا من خلال تمويل المدارس القرآنية. والمدرسة (Madrassa) هي مدرسة إسلاميّة دينيّة، ومنها جاءت طالبان.

سمّى الصحفي باترك كوكبورن Patrick Cockburn صعود الدولة الإسلامية واحدة من أخطر التطورات في العصر الحديث، وهذا عامل آخر. إنّ داعش فصيل مُتطرف من النسخة الوهابيّة للإسلام الذي يُمارس في السعودية، حليفتنا. والسكّان السنة في سوريا والعراق حيث تأسست داعش ربما يكرهونها، لكنهم أيضًا يرون أنّها حامية. ففي هذا الصراع الطائفيّ المُروّع الذي تمّ التحريض عليه، يرونها كحامية نوعًا ما وبوصفها مصدرًا للاستقرار. بهذه الطريقة ذاتها، فكر العديد من الناس في أفغانستان؛ إذ اعتقدوا أن طالبان كانت تحميهم من المُجاهدين المُتطرّفين، عناصر مجاهد الذين كانت الولايات المُتحدة تدعمهم.

إذا نظرنا إلى مكانٍ آخر، لنقل: فرنسا أو دول أخرى يأتي الجهاديون منها، فإنهم يأتون من أحياء مُضطهدَة جديًّا حيث الناس يُذَلّون ويُهانون. هناك احتقار عنصريّ لهم، يعيشون بلا أمل، بلا أيّ فرصة لدخول المجتمعات التي جاؤوا منها في الدول التي دمرتها الوحشية الفرنسية منذ أكثر من قرن، مثل الجزائريين ومَن هم مِن أجزاء بغرب أفريقيا.

إنهم مريرون جدًا، أُناس صغيرو السنّ يريدون شيئًا في الحياة، يريدون شيئًا ما، يريدون دافعًا ما، يريدون شيئًا ما يمنحهم الكرامة. من هنا يأتي الجهاديون، جاء معظمهم من خلفيات ذات معرفة إسلاميّة قليلة جدًا، لا يعرفون القرآن أو أي شيء إطلاقًا. إنهم يبحثون فقط عن شيء ما في حياتهم، وهذا يدفعهم إليها.

ميليسا باركر: إذن، فبمعنى ما أنت تقول إنّنا بحاجة حقًّا لدراسة السيكولوجيّة الكامنة وراء هذه الجماعات الإرهابيّة؟.

نعوم تشومسكي: أول شيء يتوجّب علينا فعله لمكافحة داعش هو أن نفهم كلَّ ما يتعلق بها، ألّا نطلق اللعنات فقط، بل أن نتساءل عمّا تكون. لا شكّ أنهم ارتكبوا أعمالاً وحشيّة مُروّعة، لكنّنا لسنا استثناءً تمامًا من ذلك. بلجيكا الآن واحدة من الدول التي تعاني من فصائل الإرهاب الإسلامي، ما هو سجلها؟، ربما تكون أغنى مُستعمرة في أفريقيا التي كان من الممكن أن تقود أفريقيا لتحقق تطورًا هائلاً. وها هي الكونغو التي كانت يديرها البلجيكيون، لقد كانوا فقط يذبحون الناس، ربما قتلوا عشرة ملايين شخص، لأنهم لم يكونوا يجلبون المطاط بما فيه الكفاية.

حُرّرت الكونغو، في عام 1960، وكان زعيمها شابًا وطنّيًا واعدًا للغاية، وربما أكثر زعيمٍ واعدٍ في أفريقيا ناضل من أجل الاستقلال عن بلجيكا، اسمه باتريس لومومب Patrice Lumumb. كان من الممكن لهم أن يقودوا الكونغو بمواردها الهائلة لتساعد على تنمية أفريقيا. فما الذي حدث إذن؟ اغتاله البلجيكيّون، كانت وكالات الاستخبارات المركزية (CIA) مُكلفةً بقتله، لكنّ البلجيكيين وصلوا هناك أولاً، لم يقوموا بقتله فقط؛ فبعد أن قُتلَ قُطّعَ جسده إلى قطعٍ وإذابتها في حامض الكبريتيك. هناك الكثير من الأشياء من هذا القبيل، وبالتالي يمكنني أن أمضي قُدمًا فيها. لكن يجب علينا أن نفهم هذه الأمور. فإنّنا لا نحبُّ النظر إليها، بيد أنّنا بحاجةٍ إلى فهمها.

إذا فهمناها حقًّا، سنبدأ بمعالجة داعش من جذورها. سنسأل: من أين جاءت؟، سنتعامل مع هذه المشاكل. إنها مسخ، وعلينا بلا شك أن ندعم أيّ أشخاصٍ يُدافعون عن أنفسهم ضدّ جرائم داعش مثل الأكراد وسوريا تحديدًا. لنأخذ تركيا على سبيل المثال، حيث وقعت جرائم لداعش هناك اليوم، فقد سمحت للجهاديين بالتدفُّق إلى منطقة داعش مباشرة عبر حدودها، كما سمحت بتمويل داعش. إنّها تقوم علنًا بدعم جماعاتٍ جهاديّة مختلفة عن داعش مثل جبهة النصرة. حسنًا، لا بأس، هذا ليس جزءًا من التاريخ القديم، إنه الحاضر، علينا أن ننظر لهذه الأمور.

ميليسا باركر: لكنّ الجواب ليس التدخّل العسكريّ الأمريكيّ؟.

نعوم تشومسكي: هناك العديد من الطُّرق لقتال داعش جديًّا، لكن ليس باستخدام قصف تيد كروز (Ted Cruz) المُكثف. وفي الواقع، اضرب أيًّا من هذه الأشياء بمطرقة ثقيلة وسوف تجعلها أسوأ. هناك سجلٌّ طويل يوضح أنّك عندما تهاجم حركات التمرّد الراديكاليّة أو حتى الأفراد الإرهابيين بالعنف، عادةً ما ينتهي بك المطاف إلى شيء أكثر سوءًا. هذا هو رد فعل تيد كروز.

إذا كنا نريد أن نكون جادّين بشأنها، فعلينا اتباع مقترحات أشخاصٍ مثل سكوت أتران (Scott Atran) و ويليام بوك (William Polk) اللذين استوعبا الظروف الفعلّية، واللذين أوليا اهتمامًا لطبيعة جذورهما، واللذين جاءا بمقترحاتٍ ذات أصداء جيدة. عمل بوك لعدّة سنوات في أعلى مستوى في الحكومة الأمريكية مُخططًا فضلاً عن كونه مًختصًّا جيدًا للغاية في الشرق الأوسط. إن المقترحات معقولة، ليست دراماتيكيّة، فهي ليست مثل القصف المكثّف الذي بدا جيدًا نوعًا ما إلى أن نفكر كيف ستكون العواقب.

لنلقِ فقط نظرةً على سجلات الخمس عشرة سنةً الماضية، فإن الخمس عشرة سنة الماضية هي ما يُسمى الحرب العالميّة على الإرهاب. إن الطريقة التي استُخدِمَتْ في الحرب العالميّة على الإرهاب هي العنف. هذا ما نجيده؛ العنف. لذا نحن نغزو، ونقتل الناس بطائرات بدون طيّار، ونمتلك كلّ أنواع الطرق لقتل الناس. ما هو أثر ذلك؟ ألقِ نظرةً، لخمس عشرة سنة مضت تركّزت الجماعات الإرهابيّة في منطقة قَبليّة صغيرة في أفغانستان، وهذا كلّ ما في الأمر. أين هم الآن؟، إنّهم في شتّى أنحاء العالَم.

لا تزال أسوأ الجرائم الإرهابيّة مُستمرة في غرب أفريقيا بفعل بوكو حرام. والعديد منها [الجرائم الإرهابيّة -م] هو تفرّع للقصف في سوريا. إنهم في غرب أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. ونفذوا هجماتٍ في تركيا وباريس، وهلمّ جرا. ولقد نجحنا في نشرها من زاوية صغيرة في أفغانستان القَبليّة إلى معظم العالم. إنه إنجاز عظيم لاستخدام العنف. هل يُمكننا استخلاص بعض الدروس من ذلك؟ نعم، يُمكننا.


ميليسا باركر: أجريتُ مقابلة مؤخرًا مع ستيفين بينكر (Steven Pinker) وسألته فيما إذا كنتما في علاقة حبّ/بغض بسبب خلافاتكما، [تقصد علاقة تشومسكي ببنكر -م].

نعوم تشومسكي: ثمّة أشياء أختلف معه فيها، وأشياء أتفق معه فيها،لا بأس في هذا، إننا ودودن تمامًا.

ميليسا باركر: والمناظرات بينكما رائعة. إن طاقتك لافتة للنظر أستاذ تشومسكي، هل لديك أي خطط للإبطاء من جدول أعمالك المزدحم جدًّا؟.

نعوم تشومسكي: حسنًا، أحب أن أقوم بالكثير من الأمور، لكنّ هناك الكثير جدًّا مما يحدث في العالم. لا أدري، طالما أني منتصب القامة فأعتقد أنّي سأستمرّ في ذلك.