محتوى مترجم
المصدر
Smashing Interviews
التاريخ
2016/01/20
الكاتب
Melissa Parker

نعوم تشومسكي هو مُفكرٌ شهير، ولغويٌ نظريّ بارز، ومختصّ في المعرفيّات، وفيلسوف، ومؤلِف، وناشط سياسي، وشخصيةٌ بارزة في الفلسفة التحليلية. قضى معظم حياته المهنية في معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT)، حيث أن مُسمّاه الحالي هو أستاذ فخريّ للمعهد. وقد ألّف تشومكسي ما يزيد عن مئة كتاب في السياسة واللسانيّات، أما من الناحية السياسة فإنه يصف نفسه بأنه اشتراكيّ تحرريّ.

تزوج تشومسكي من كارول شاتس Carol Schatz في عام 1949، واستمرّ زواجهما حتى وفاتها بمرض السرطان عام 2008، أنجبا ثلاثة أطفال هم أفيفا، وديان، وهاري. وفي عام 2014 تزوج من فاليريا واسرمان Valeria Wasserman.

ولا يزال تشومسكي في سنّ السابعة والثمانين نشيطًا كما كان دائمًا من قبل في عمله بوصفه مُعارضُا سياسيًا شهيرًا ولغويًا رائدًا.


ميليسا باركر: كيف حالُك أستاذ تشومسكي؟.

تشومسكي: مشغول (يضحك).

ميليسا باركر: آخر مرّة تحدثنا فيها كانت منذ عامٍ تقريبًا، وكان هناك عددٌ قليل من المُناظرات الرئاسيّة في ذلك الحين.

نعوم تشومسكي: لا أشاهدها إطلاقًا (يضحك)، أقرأ نصوصها لاحقًا.

ميليسا باركر: حسنًا، أخبرني مَن سيكون المُرشحون النهائيّون عندما ينقشع الغبار؟.

نعوم تشومسكي: أفترض أن هيلاري كلينتون ستفوز بترشيح الحزب الديمقراطيّ، ذلك فقط بسبب طبيعة النّظام الانتخابي لدينا، والذي قد «اشترى» أساسًا الانتخابات بأغلبيّة ساحقة حاليًا، وعلى الأرجح سينجح المموّلون الرئيسون بإيصالها للانتخابات النهائية. إن ما حقّقه بيرني ساندرز Bernie Sanders لافتٌ جدًّا للّنظر، لكّنني أُشكّك جدًا في نظامنا القائم، ويُمكنه الاستمرار لما وراء الانتخابات الأوليّة. لذا، فإنّني أعتقد أن التخمين المُنصف هو أن يتمّ ترشيح كلينتون.

على الجانب الآخر، فإنه من المُحتمل إمّا أن يكون دولاند ترامب Donald Trump أو تيد كروز Ted Cruz.وفي رأيي فإنّ كروز مُخيفٌ أكثر من ترامب؛ إذ إن ترامب عشوائيّ نوعًا ما، لكن كروز خطير حقًا في حال كان يعني شيئًا مما يقول.

ميليسا باركر: هل تربطك صداقة شخصية بـ برني ساندرز؟.

نعوم تشومسكي: هذا نوعٌ من المُبالغة، فعندما كان عمدة برلنغتون Burlington قبل حوالي ثلاثين عامًا، دعاني حينها لعدّة أيام لكي أٌلقي بضع محاضرات في قاعة المدينة، كما قضيت وقتًا معه، تحدثنا وتبعته نوعًا ما خلال جولة واجباته اليومية مُتحدثًا لرجال الإطفاء، وللناس في البيوت القديمة، مُناقشًا الناس بمشاكلهم الشخصية فقط. لقد صُدمت بحقيقة كونه قادرًا على الانخراط بسهولة مع الناس من طيفٍ واسع جدًا من السلوك والأفكار والشرائح الطبقيّة. وأعتقد أنّه كان مؤثِرًا جدًا.

يعدّ ساندرز نفسه اشتراكيًّا، لكنّني أظنّ أنّ ذلك يعني بالأساس أنه من ديمقراطيّي الاتفاق الجديد New Deal Democrat. إن ديمقراطيّ الاتفاق الجديد في الطيف السياسي اليوم قريب جدًا من اليسار. فالرئيس أيزنهاور Eisenhower -الذي صرّح أن كل مَن لا يقبل مقاييس الاتفاق الجديد فهو خارج النظام السياسيّ- سيُعدّ اليوم يساريًا خطيرًا. يتّجه كل شيء بشدة إلى اليمين. إنني لا أتفق مع ساندرز في كلّ شيء، وهذا ليس مُستغرَبًا. لكنّي أعتقد أنّه ديمقراطيّ الاتفاق الجديد المحترم الذي من شأن اقتراحاته أن تساعد البلاد إلى حدٍّ كبير.

ميليسا باركر: أظنّ أنّ بعض الأمريكيين ينفرون عند سماعهم كلمة «اشتراكيّ».

نعوم تشومسكي: لا أعرف ما الذي من المُفترض أن يعنيه مصطلح «اشتراكي» بعد الآن، لكن أيًا يكن فهو لا يُشبه في شيء الاشتراكيّة التقليديّة. إن ظاهرة ساندرز و ظاهرة ترامب تعكس شيئًا مُهمًا جدًّا عن الدولة وعن العالَم؛ ففي الولايات المُتحدة الأمريكيّة وأوروبا نرى الميولَ ذاتها تتطور بطرقٍ مختلفة، وهذا ناتج إلى حدٍّ كبير عن البرامج النيو-ليبراليّة للجيل القديم -الذي لم يكن جديدًا ولا ليبراليًّا-، وهي البرامج التي تركت آثارًا مُشابهة إلى حدٍّ كبير أينما طُبقت. لقد كانت ضارّة جدًا لغالبية السكان، وأدّت إلى ركود في الدخل والأجور وانخفاض الفوائد وتلف البنية الاجتماعية وحتى البنية التحتية، مُتسببةً بتركُّز ثروة هائلة في أيدٍ قليلة وفي الأغلب في أيدي قطاعات ناهبة بالأساس.

لنأخذْ على سبيل المثال القطاعَ الماليّ الذي أضرّ بالاقتصاد. فهو يُشكّل جزءًا كبيرًا منه، كما رافقَ هذا تراجع للأداء الفعليّ للديمقراطيّة. والحال كذلك، إن الحكومات أقلّ وأقلّ استجابة لاهتمامات السكان الذين من المُفترض أنّها تمثلهم. وهناك الكثير من الأفعال التي تدلّ على ذلك؛ أحدها هو انهيار المركز إلى حدٍّ ما. وفي أوروبا، فإنّ الأحزاب التقليديّة الرئيسة من الديمقراطيين الاشتراكيّين والمُحافظين آخذة في التراجع. وما نشهده هو زيادة انهماكٍ في المُشاركة في حافتيْ الطيف السياسيّ.

يحدث شيءٌ مُشابه هنا. هذه بلد غير عادية إلى حدٍ ما، الناس هنا مفصولون ومعزولون، هناك القليل جدًّا في الطريق لأيّ تنظيم. فإذا ما قارنّا الوضع الحالي لما كان عليه في أربعينيّات القرن الماضي -أنا كبيرٌ بما يكفي لأتذكّرها- نجد بموضوعيّة أنّ الوضع كان أسوأ كثيرًا حينها. لكنّه من الناحية النفسيّة كان أفضل بكثير. عائلتي في الغالب كانوا من الطبقة العاملة يعتاشون على أجرٍ زهيد، لكنّهم كانوا مُفعمين بالأمل، لقد كان لديهم الحسّ بأنّنا «سنخرج من هذا الوضع معًا، هناك الكثير يُمكننا القيام به، كان هناك سلطة تعاطفية». فقد كان هناك نطاقٌ واسع من المُنظمات السياسيّة الفاعلة، وكانت تحدث أمورٌ تجعل الناس يقولون: «انظر إنّ الوضع سيئٌ الآن، لكنّه سيصبح أفضل». بينما الوضع مُختلفٌ تمامًا اليوم.

ميليسا باركر: شعورٌ باليأس؟.

نعوم تشومسكي: هناك شعورٌ عارمٌ باليأس والغضب، ويظهر هذا بطرقٍ درامية جدًا. وربّما رأيتم تجلّي ذلك الشعور قبل بضعة أشهر؛ إذ إنّ معدّل الوفيّات بين الذكور البيض متوسطي العمر والأقلّ تعليمًا يتزايد بالفعل، وهو ما لم نسمع به بين الأغنياء والمجتمعات المتطوّرة الواقعة خارج هذه الكوارث الحقيقيّة.

إنّ هذا الانعكاس للكآبة والغضب واليأس ليظهر في خطابات دونالد ترامب من جهة، وبيرني ساندرز من جهةٍ أخرى. وتظهر في أوروبا في بوديموس Podemos في إسبانيا بوصفه الحزب اليساريّ/الراديكاليّ الأكثر شعبيّة، إضافةً إلى اليمينيّين تمامًا من القوميين المُتطرفين. وأحيانًا تظهر في الفاشيّة الجديدة على الجانب الآخر.


ميليسا باركر: إن الاعتقاد بأن دولتنا أُُسّست على المبادئ المسيحيّة يبدو أنه يُعطي الجمهوريين، على وجه الخصوص، بعضًا من الأمل في المستقبل. لكن لديهم ذعرٌ من عدم كون الحكومة مغمورة تمامًا بالإتيقيا الدينيّة. فما هي تعليقاتك حول خلط الدّين بالسياسة؟.- نعوم تشومسكي: أولاً، لقد أُسست هذه الدولة بوصفها دولة علمانيّة. هناك خطابات عن الدين، لكن التأسيس الجوهري للدستور يفصل بين الدّين والدولة بحدّة، وكذلك كان التعديل الأول First Amendment [التعديل الأوّل للدستور الأصليّ للولايات المتحدة الأمريكيّة يمنع صياغة قوانين تحدّ من الحريّة الدينيّة وحريّة التعبير والصحافة -م]. وهذا يعني أن لا وجود لدين مُقرَّر، ولا لكنيسة أنجليكانيّة Anglican Church كما هو الحال في إنجلترا، أو لا وجود لكنيسة كاثوليكيّة Catholic Church كما هو الحال في إسبانيا، وهلمّ جرّا. إنّ اليسار مجال مفتوح لتنوعٍ واسع من التجمّعات الدينيّة من أجل أن تزدهر تلك التجمّعات من تلقاء نفسها، وتكون في أغلبها جماعات بروتستانتيّة Protestant groups بجميع أنواعها؛ فقد حققت شعبيةً واسعةً.

وعلى الرّغم من كونها دولة علمانيّة في بنيتِها القانونيّة والتأسيسيّة، إلّا أنّها دولة دينيّة جدًا من حيث المُعتقدات والالتزامات الدينيّة. إنها واحدة من أكثر الدول أُصوليةً في العالم؛ إذ إنّه من الصعب إيجاد دولة حيث يعتقد أكثر من ثلث سكانها أنّ العالم لم يوجد إلّا قبل بضعة آلاف من السنين، أو حيث يترقّب أغلب السكان المجيء الثاني Second Coming (عودة المسيح – م)، ويتوقع نصفهم حدوثه خلال فترة حياتهم. إن أشياءً من هذا القبيل ليست معروفة في دول أخرى ما عدا السعوديّة ربّما أو شيء ما، وأنا لست مُتأكدًا حتى من [وجود] ذلك هناك.

ميليسا باركر: ذكرتَ في وقت سابق أنّ كل شيء يتّجه بشدّة لليمين، فهل لعبَ الدين دورًا أكبر منذ حدوث ذلك؟.

نعوم تشومسكي: بما أنّ الحزب الجمهوريّ Republican Party قد انحرف عن الطيف باتجاه اليمين في التزاماته السياسية الفعليّة لقطاع الشركات corporate sectors، لكي يحصلوا على الأصوات التي كانت لديهم لحشْد هذه القطاعات بحيث يكون جزء كبير من قاعدة الحزب الجمهوريّ من الإنجيليين المسيحيين، فإنّ الكثير منهم متطرفون. في الواقع، إذا ألقينا نظرةً على السنوات الأخيرة نجد أن هناك ثلاثة رؤساء وُلدوا مسيحيين أيضًا، جيمي كارتر Jimmy Carter كان واحدًا منهم، لكن هذا لا يعني الكثير في حكومته.

رولاند ريجان Ronald Reagan وجورج دبليو بوش George W. Bush أيضًا ولدا مسيحييْن، وكان لهذا عواقب سياسيّة. جلب ريجان المتطرفين في بعض الأحيان، وجلب حتى الإنجيليين ليتحدّثوا مع مجلس الأمن الوطني حول يوم أرمجدون Armageddon غير البعيد. وعندما ذهب جورج دبليو بوش للحرب في العراق أخبرنا أنّ سبب ذهابه للحرب هو اتّباعه لأوامر ربّه. كما حاول إقناع فرنسا بالانضمام من خلال ذكر أفكارٍ عجيبة من التفسيرات الإنجيليّة الغريبة للكتاب المُقدّس حول يأجوج ومأجوج. بينما تساءل الرئيس الفرنسي كيف يمكن لشخصٍ ما أن يُفكر بهذه الطريقة. إن هذه الأفكار ذات قوة كبيرة في الدّولة.

ميليسا باركر: تُشير الوقائع الحالية إلى أنّ المسيحية تواجه انحدارًا حادًّا في أمريكا، هل يمكن أن يكون هذا صحيحًا؟.

نعوم تشومسكي: من المُحتمل أن نجد استطلاعاتٍ تُشير إلى أنّ عدد الأشخاص العلمانيين آخذ في الازدياد. إن هذا ممكن. إلا أنّه من ناحية أخرى، فإنّ الالتزام الدينيّ هنا أبعد تمامًا ممّا نجده في أوروبا، أو في الدول المُتقدمة المشابهة لها. وهي على هذا الحال دائمًا.

وعبر التاريخ الأمريكيّ، كانت هناك فترات مُتكرّرة من الإحياء؛ إحياء للعصبيّة الدينيّة، أو إذا ما شئت سمّيتها إثارة دينيّة أو حماس. كانت إحدى تلك الفترات في خمسينيّات القرن الماضي، وذلك عندما ظهرت «أمّة واحدة في ظلّ الله One Nation Under God» وكل ما ارتبط بها. لكنها فترات مُنتظمة إلى حدٍّ ما على مدى التاريخ الأمريكيّ. بيد أنّها، سياسيًّا، أكثر أهميّة بكثير الآن بسبب الطريقة التي أثّرت فيها على قاعدة الجمهوريين.


* هذا هو الجزء الأول من الحوار، يمكنك مطالعة الجزء الثاني هنا.