هناك مثل شعبي عبقري يقول إن وقوع البلاء خير من انتظاره؛ ﻷن انتظاره يضع الإنسان تحت رحمة الضغوط القاتلة. ضغوط كفيلة بشل قدرته على التفكير، وتدفعه فقط لتصور العواقب. لذلك فهو يتحرر ذهنيًا بعد وقوع البلاء، ويبدأ في محاولة تقليل التبعات، ثم يتعلم الدرس حتى لا يكرره لاحقًا. 

طبعًا هذا المثل لا يعكس ما يدور داخل يوفنتوس هذه الأيام، فالمصيبة وقعت بالفعل، وأطيح بالبيانكونيري من دور ال16 على يد سابع الدوري الفرنسي، بعد موسم كاد يفقد فيه عرشه المحلي، ليبدو الوضع الآن مناسبًا لإعادة تقييم كل شيء.

التقييم الذي سيبدأ من قرار الاستعانة بـ«ماوريسيو ساري»، وينتهي بإدارة سوق الانتقالات بطريقة متخبطة مؤخرًا، ليتم بعد ذلك اتخاذ قرارات من شأنها تصحيح المسار، لكن رئيس النادي «أندريا أنيللي» ألقى بمفاجأة، أو بالأحرى قنبلة، وأعلن «أندريا بيرلو» مدربًا لليوفي، أملًا في استنساخ تجربة «بيب جوارديولا» أو «زين الدين زيدان» في إيطاليا، وكأن الأمر بهذه السهولة.

هل سبعة أشهر تكفي؟

أعرف أنك تحب بيرلو، وأنا مثلك أيضًا أحبه، بل لا أعرف شخصًا يكرهه، لكن دعنا نجنب العاطفة، ونضع أنفسنا أمام السؤال الموضوعي: ما هي مقومات بيرلو التدريبية لتولي يوفنتوس؟ لا تبحث عن إجابات، لأن المدير الرياضي نفسه، «فابيو باراتيتشي»، فشل في العثور على إجابة شافية. 

نؤمن أن بيرلو مُقدر له العظمة، سواء كان لاعبًا أو مدربًا. هو يريد تقديم كرة قدم ذات جودة عالية كمدرب، تمامًا كما فعل كلاعب، بجانب أنه يعمل بجدية ويمتلك شخصية رائعة.
فابيو باراتيتشي المدير الرياضي لنادي يوفينتوس الإيطالي.

كما ترى، سلسلة من الكلام المرسل، والتعبيرات المطاطة التي تدندن حول كاريزما بيرلو ونجاحه كلاعب، دون التطرق لأي سمات تدريبية، لماذا؟ لأنه أصلًا لم يمارس التدريب.

لم يحصل بيرلو على رخصة ويفا التدريبية سوى مطلع هذا العام، أي قبل 7 أشهر فقط، بل ما زال عليه الحصول على التراخيص الاحترافية ليقود فريقًا بالدرجة الأولى، والآن سيتولى مسئولية تدريب كريستيانو رونالدو! 

وهنا يقع البعض في المغالطة الأولى، حين يبررون ذلك القرار بمقاربة بداية بيرلو التدريبية ببدايات جوارديولا وزيدان، كونه لاعب وسط فذ، يتمتع بسمعة وشخصية تحظى بتقدير هائل، وعاد لتدريب فريقه بعد الاعتزال بسنوات معدودة، إذن فرصه في النجاح لا تقل عن المدرب الكتالوني والفرنسي.

ما وراء صلعة زيدان وجوارديولا

المشكلة أن تعيين جوارديولا وزيدان آنذاك لم يكن أكثر القرارات منطقية، على العكس كان أكثرها مخاطرة وتهورًا، ولم يتخيل أحد أن يحققا كل ذلك النجاح في المواسم الأولى. كان ذلك استثناءً خارقًا، لم يفلح تيري هنري وغيره في إعادة استنساخه، وبالتالي لا يمكن الجزم بنجاح سريع وكبير لبيرلو المدرب، قياسًا بما نعرفه عنه كلاعب. 

هذا ليس كل شيء، وهناك فارق جوهري جدير بالإشارة، يتعلق بالخبرة. أندريا بيرلو لا يمتلك خبرة من أي نوع؛ لم يعمل أبدًا كمدرب، كمساعد مدرب، أو حتى كإداري. كل ما في جعبته هو أسبوع واحد قضاه مع فريق شباب يوفنتوس. أما جوارديولا وزيدان، فكانا يمتلكان حدًا أدنى من الخبرة والاحتكاك. 

الأول سافر للمكسيك خصيصًا للتعلم من المدرب خوانما ليو، ومكث تحت قيادته 6 أشهر كوّن خلالهم قناعاته التدريبية، كما زار مارسيلو بيلسا لمناقشة تلك القناعات، ثم تولى قيادة فريق رديف برشلونة لعام كامل، ليضع أفكاره التكتيكية أمام الاختبار العملي، قبل أن يسند إليه مهمة الفريق الأول.  

أما زيدان، فهو ينشط منذ عام 2008. إذ يقول سجله على موقع ترانسفيرماركت أنه استثمر بأحد أندية فرنسا، وعمل مستشارًا، ثم مديرًا رياضيًا في ريال مدريد. قبل أن يقود فريقًا تحت 17 عامًا، ثم فريق الرديف، ويختاره كارلو أنشيلوتي مساعدًا بالفريق الأول الذي فاز بتشامبيونزليج عام 2014. 

ولزيزو أيضًا زيارتان شهيرتان للساحات التدريبية؛ الأولى لنادي مارسيليا حين كان بيلسا يعمل هناك، والثانية لمقر تدريبات بايرن ميونخ إبان فترة بيب جوارديولا. ذهب للاطلاع على طرق وتقنيات التدريب، وفهم كيف يمكن تمرير الأفكار التكتيكية للاعبين. كل ذلك يجعل الفروقات أبعد من صلعة زيدان، وكثافة شعر بيرلو.

يوفنتوس الفخ

ما يزيد الأمر تعقيدًا، ويجعل مهمة أندريا بيرلو أصعب، هو الوضع الحالي لفريق يوفنتوس. ليس عليك سوى أن تلقي نظرة سريعة، لتدرك أنك أمام حزمة من المشاكل؛ تبدأ بفريق منهك نفسيًا بعد توديع دوري الأبطال للعام الثاني على التوالي، ولا تنتهي عند قائمة ضعيفة ومليئة بأصحاب الأعمار المرتفعة. 

تأمل مثلًا خطي الدفاع والوسط، وستجد أنه يخلو من أي لاعب يرقى مستواه لجيد جدًا سوى دي ليخت، وهو بالمناسبة سيجري عملية جراحية ولن يعود قبل أكتوبر/تشرين الأول القادم.

أما البقية فتنقسم بين لاعبين كبار السن بدأ مستواهم في التراجع الواضح مثل بونوتشي، وكيلليني. وآخرون لا يصنعون الفارق، بل لا يستحقون اللعب أساسيًا في فريق كبير، كروجاني، ودي تشيليو، وخضيرة، وماتويدي، ودانيلو.

ومجموعة ثالثة إما مصابة أغلب الوقت أو تلعب في غير مركزها، كرامسي وكوادرادو وبنتانكور. 

حتى الهجوم لا يختلف كثيرًا، صحيح أن البارز هو أهداف رونالدو بجانب لقطات ديبالا السحرية، لكن هناك أزمة كبيرة في صناعة اللعب، خصوصًا مع الأداء الكارثي لبيرنارديسكي، والإصابات المتكررة لدوجلاس كوستا، ما جعل الأهداف المتوقعة (xG) للبيانكونيري خلال نهائي الكأس لا يتجاوز 0.2 فرصة طوال المباراة، وهذا كله إلى بجانب غياب مهاجم يمكن الاعتماد عليه بعد تدهور أداء هيجواين. 

يوفنتوس، نابولي، الدوري الإيطالي، كرستيانو رونالدو.
الأهداف المتوقعة ليوفنتوس في نهائي الكأس لم تتجاوز 0.2 فرصة طوال المباراة.
/ betweentheposts.net

في الحقيقة قائمة يوفنتوس أشبه بالفخ، وتظهر بريقًا بسبب بعض الأسماء اللامعة، لكن الواقع هو أن عيوبها أكثر من مميزاتها. وهي نتيجة لتخبط إدارة سوق الانتقالات خلال العامين المنصرمين، ورغبتها في الادخار والحصول على صفقات رخيصة، بدلًا من التركيز على حاجات الفريق.

وهو ما يحتاج مدربًا متمرسًا يمكنه سد الثغرات وابتكار حلول جديدة، فشل في تلك المهمة من قبل ساري، وربما يعاني منها بيرلو أيضًا.

الخطر على الأبواب

لذلك لو حاولت مقارنة قائمة اليوفي بكبار أوروبا، فإن المقارنة غالبًا ستكون محسومة. قارن مثلًا رباعي دفاع يوفنتوس بنظيره في ليفربول، أو حاول وضع أسماء وسط ملعب السيتي في مقابل رابيو ورامسي وبنتانكور، وأخيرًا تحلى بالجرأة الكافية لتضع أرقام اليوفي في صناعة الفرص أمام تلك في بايرن ميونخ. 

بالطبع يوفنتوس لا يمتلك الأدوات التي تجعله بطلًا ﻷوروبا، سواء كان المدرب هو أندريا بيرلو، أو كان كلوب وزيدان وجوارديولا. وهذا يضع عبئًا إضافيًا على بيرلو، ﻷن سيكون عليه بناء الفريق من جديد، ومع إدارة يوفنتوس التي لا تمنح المدرب صلاحيات كبيرة في سوق الانتقالات، يصبح هذا العبء أعباءً.  

الآن دعك من أوروبا، ولنتأمل كيف تسير الأمور محليًا مع البيانكونيري. لأننا سنكتشف أن الفوز بالدوري لم يعد بتلك السهولة، ببساطة لأن الفروقات مع المنافسين المباشرين أصبحت أقل من أي وقت سابق، وبالتالي بات أندريا أنيللي مهددًا بخسارة لقبه المفضل. 

إنتر ميلان مثلًا يمتلك قائمة جيدة جدًا، ولا يبدو أنها ستفقد أحد نجومها هذا الصيف، بل ربما تحاول الإدارة أن تضيف لها. الإنتر بات بحوزته قلوب دفاع ولاعبي وسط أفضل من يوفنتوس، وخط هجوم قوي ومتنوع. وفوق ذلك مدرب متمرس بالدوري، ولن يجد فرصة أفضل للانتقام، بعد أن سبق ورفضه يوفنتوس. 

النيراتزوري قد يشكل التهديد الأشرس، لكنه بالتأكيد ليس الأوحد، لأن هناك تجربتين وصلتا لذروة المستوى، هما لاتسيو وأتالانتا. الأول نافس على السكوديتو حتى الأسابيع الأخيرة، والثاني قدم أداءً هجوميًا دفع الكل لاحترامه. وإن حافظ سيموني إنزاجي كما جاسبريني على دوافع الفريقين، سيمثلان عقبة في طريق القمة.

منجمون وخبراء فلك

نحن لسنا منجمين ولا خبراء فلك، وبالتالي لا يمكننا قراءة الطالع لمعرفة ما إذا كان أندريا بيرلو سينجح أم سيفشل، سيفوز بالثلاثية أم يخسر كل شيء في موسمه الأول، لذلك استخدمنا قاعدة نحوية في صياغة العنوان، تقول إن الاستعانة بـ«قد» مع الفعل المضارع «يفشل» تفيد الشك، ولا تؤكد أو تنفي أي شيء.

ما نمتلكه في أيدينا فعلًا هو تحليل الوضع الحالي، واستيعاب الزوايا المختلفة التي ستؤثر في تجربة بيرلو الأولى. هذه تجربة محفوفة بالمخاطر لكل الأطراف؛ ليوفنتوس الذي يدفع راتبًا مهولًا لرونالدو، ثم لا يحسن استغلاله، لرونالدو نفسه الذي لا يجد فريقًا مستقرًا كما كان الحال في مدريد، للمواهب الشابة كديبالا ودي ليخت التي تحتاج لمواصلة التطور تحت قيادة مدرب خبير، وحتى لبيرلو نفسه. 

والسبب في ذلك هو جوارديولا وزيدان، أو بالأحرى ما حققه هذا الثنائي من نجاح متطرف، تحول بعد ذلك لضغط يتولد من تلقاء نفسه بمجرد أن يتولى لاعب متميز تدريب فريق، لأن الجماهير ستطالبه بالدرجة نفسها المتطرفة من النجاح والبطولات، ولن تمنحه فرصة لاكتساب الخبرة، أو تدرك أمورًا مختلفة كحالة الفريق والمنافسين، وطريقة الإدارة، وطبيعة الدوري. 

في البداية كان جوارديولا وزيدان حافزًا للاعبين أصحاب الجماهيرية الكبيرة للتحول للتدريب، لكنهما تحولا بعد ذلك لكابوس سيطارد كل نجم تولى مسئولية فريقه المفضل، لأن الكل سيتعامل معه كبطل مخلص يهبط من السماء لينقذ الوضع ويحقق الأحلام، وكأنه «بات مان» وليس مدربًا يتلمس خطواته الأولى. 

كل هذا سيضع أندريا بيرلو غالبًا أمام طريقين؛ إما أن يكون هذا البطل، ويضمن ليوفنتوس هيمنته المحلية ويتقدم في دوري الأبطال، أو أنه لا يحقق ذلك كله، وهنا لن يتردد البعض في وصف تجربته بالفشل، لأنه لم يحقق ما حققه جوارديولا أو زيدان في موسمه الأول، رغم أنه لا يملك خبرة الأول ولا قائمة اللاعبين التي استلمها الثاني.