المكان: بطولة أستراليا المفتوحة للتنس.

الزمان: يناير / كانون الثاني، عام 2020.

اضطرت اللاعبة السلوفينية دليلا ياكوبوفيتش إلى الانسحاب أمام نظيرتها السويسرية ستيفاني فوجيلي في أولى مبارياتها في مرحلة التصفيات، بعدما كانت متقدمة بمجموعة، وذلك بسبب معاناتها من نوبات السعال وضيق التنفس الناتج عن تلوث الهواء.

شهدت تلك النسخة من البطولة تحذيرات كبرى بشأن مشاركة اللاعبين بسبب كمية التلوث الهائل الذي تعرضت له أستراليا والناتج عن حرائق كثيفة للغابات، إلا أن الجميع حرص على المشاركة، نظرًا لكونها أولى بطولات الجراند سلام في الموسم، إلى جانب جوائزها المالية الضخمة والتي قاربت الـ 50 مليون دولار.

للوهلة الأولى تشعر وكأننا قمنا بخداعك من خلال تلك المقدمة، وهذا أمر حقيقي بالفعل، ولكن ماذا لو أخبرناك بأن هناك 3 شركات راعية للبطولة والتي تعد أحد مصادر جوائزها المالية، هي من تسببت في حرائق الغابات، والذي أدى إلى تلوث الهواء، ومن ثم نوبات السعال وضيق التنفس لياكوبوفيتش؟

أموال قاتلة 

وفقًا لدراسة نشرها معهد «New Weather»، عام 2021، فإن هناك الشركات الثلاث ذات الاستخدام العالي لطاقة الكربون الملوث للبيئة: الخطوط الإماراتية الجوية، كيا للسيارات، وسانتوس لإنتاج النفط والغاز ضمن رعاة بطولة أستراليا المفتوحة للتنس.

وتناولت الدراسة ما يقرب من 250 شراكة رعاية، بين شركات تعتمد في أعمالها على الوقود الكربوني ذات الانبعاثات الضارة، وبين أحداث وأندية واتحادات رياضية كبرى حول العالم.

هذا يزيد من تفاقم الأزمة من خلال تطبيع أنماط الحياة عالية الكربون والملوثة وتقليل الضغط من أجل العمل المناخي.
أندرو سيمز، المدير المشارك للمعهد.

وبحسب نتائج الدراسة، فإن قطاع السيارات هو الآن الشريك الأبرز في الأحداث الرياضية حيث تم تحديد 199 صفقة من أصل 250، وما يقدر بنحو 64٪ من ميزانيات رعاية تلك الشركات مجتمعة.

وأفادت الدراسة أيضًا أنه بالرغم من أن كرة القدم تمثل نصيب الأسد عادة في تلك الشراكات، فإنها رصدت 25 فعالية رياضية في التنس فقط، والتي قامت شركات عالية الاستخدام من الكربون برعايتها.

ازدواجية المعايير

بتحويل الدفة نحو بطولة كأس العالم، باعتبارها البطولة الأهم في رياضة كرة القدم عالميًا، سنجد ادعاءات متكررة من قبل الفيفا، بالسعي لجعل مونديال قطر القادم، خاليًا من الكربون.

وأكد جياني إنفانتينو، الرئيس الحالي لـ «الفيفا»، على أن جميع الأطراف ستقوم بدورها لجعل تلك النسخة من المونديال «خضراء»، وهو مصطلح يُقصد به الخلو من الانبعاثات الكربونية، وذلك ضمن جهود المؤسسة الأولى في كرة القدم لحماية البيئة.

438 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون انبعثت في أثناء بناء ملعب مؤقت يمكن تفكيكه بالكامل بعد انتهاء البطولة.
دراسة المنظمة

على جانب آخر، كشفت دراسة صادرة عن منظمة «كاربون ماركت وتش» غير الربحية في مايو الماضي، بأنه من المتوقع أن يصل حجم الانبعاثات الكربونية في مونديال قطر إلى 3.6 مليون طن، وذلك استنادًا إلى الأرقام الرسمية التي أعلنها منظمو البطولة.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل ازدواجية المعايير تتجلى بشكل أوضح من خلال قائمة الرعاة للمونديال القادم، إذ تتصدرها شركة «طاقة قطر» المتخصصة في عمليات النفط، إلى جانب الخطوط الجوية القطرية، ومجموعة «هيونداي كيا» المتخصصة في صناعة السيارات.

(صورة توضح رعاة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»)

غسيل السمعة

هناك سؤال يطرح نفسه الآن ألا وهو: بعد دفع تلك الأموال الضخمة من أجل رعاية الأحداث الرياضية، ماذا تستفيد تلك الشركات الكربونية؟ ولماذا تحرص على التواجد في قطاع الرياضة تحديدًا مقارنة بباقي القطاعات؟

إجابة تلك الأسئلة، جاءت في دراسة بحثية نشرها موقع «The Conversation»، تحت عنوان: «غسيل الأموال الرياضي: كيف ترعى شركات التعدين والطاقة رياضتك المفضلة من أجل غسل سمعتها؟».

وبحسب الدراسة، فإن تلك العلامات التجارية ترتبط بالمشاعر المكثفة التي يحملها كل مشجع رياضي أثناء متابعة فريقه أو لاعبه المفضل، والتي ترتبط معه بمرور الزمن مع لحظات النشوة والانتصار، وأيضًا لحظات الحزن والهزيمة.

وتصبح العاطفة هي مصدر استفادة تلك الشركات الأولى، لأن ارتباط الجماهير بتلك العلامات عاطفيًا؛ يعني إمكانية أن يكونوا عملاء مخلصين لها، كما أنها تساهم في صرف انتباههم عن ارتباطها بمجموعة من القضايا بما في ذلك تغير المناخ والتلوث البيئي.

فالأمر بشكل أكثر تبسيطًا هو أن جماهير نادي مانشستر سيتي مثلًا، ستتذكر إحراز لقب البريميرليج على أرضية ملعب الاتحاد، في الوقت الذي ستنسى فيه، أن شركة «طيران الاتحاد»، تتسبب في انبعاثات كربونية يومية من خلال رحلاتها، والتي تؤدي إلى تضخيم ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي حرائق الغابات السنوية في مناطق عدة حول العالم.

مستقبل مهدد

رغم التوغل الملحوظ للشركات الكربونية في عالم الرياضة، إلا أن عملية استمرارها مستقبلًا بهذا الشكل الفج، يُعد محفوفًا بالمخاطر، وذلك مع زيادة الوعي الجماهيري بأضرار تلك العلامات التجارية عليهم، الأمر الذي دفع بعضهم للتهديد بمقاطعة أحداث رياضية بعينها.

أطلق مجموعة من النشطاء حملة لمطالبة بطولة أستراليا المفتوحة للتنس في فبراير/شباط عام 2021، بإلغاء الشراكة مع شركة الوقود الأحفوري الشهيرة «سانتوس»، من خلال عريضة إلكترونية مفتوحة للتوقيع وموجهة مباشرة إلى المدير التنفيذي للبطولة.

لا يكاد يمر عام واحد على تلك الحملة، حتى أعلن القائمون على لعبة التنس في أستراليا إنهاء تعاقدهم مع الشركة، وذلك دون إبداء أي أسباب من الطرفين بعد رحلة قصيرة للغاية، رغم الاتفاق المبرم سابقًا بالتواجد في عدد من البطولات، من بينها أستراليا المفتوحة.

الحالة التي تعيشها شركات الوقود والنفط ومثيلتها الآن في الرياضة، تشبه تمامًا تلك الحالة التي كانت عليها شركات التبغ في الماضي، والتي انتهت عمليات الشراكة معها في تسعينيات القرن الماضي خوفًا على الصحة العامة.

فإذا كانت شركات التبغ التي لا تجبر المدخنين على التدخين تمثل خطرًا على الصحة العامة، فلا شك أن تلك الشركات التي تجبر العالم على تحمل توابع الاحتباس الحراري والتلوث البيئي إلى جانب حرائق الغابات تفوق ذلك التأثير بمراحل أكبر وأكثر خطرًا.

تم إنهاء الإعلان عن التبغ لحماية صحة الناس، حان الوقت الآن للرياضة لإنهاء الرعاية من الملوثين الرئيسيين لصحة الناس وكوكب الأرض.
أندرو سيمز، المدير المشارك لمعهد نيو ويزر.