بين ليلةٍ وضحاها، انقلبت حياتها رأسًا على عقب.

فبعدما ظلّت سيدة أولى لدولة أوكرانيا تحظى بنفوذٍ جليل، أصبحت حديث العالم كله بعد غزو الروس لبلادها، وهي الخطوة التي جعلتها حديث العالم بأسره، ليس فقط بسب جمالها الخلاّب ودفاعها المستميت عن بلادها، وإنما بسبب رغبة الروس في تصفيتها وإسكات صوتها نهائيًّا، بحسبما أعلن زوجها فولوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا.

إنها أولينا زيلينسكي سيدة أوكرانيا الأولى، والتي باتت صورها ومنشوراتها شديدة الرواج على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تُندّد بكل خطوة يخطوها جندي روسي داخل بلادها، حتى باتت رمزًا للصمود الأوكراني.

نشأة سوفييتية

وُلدت في أوكرانيا عام 1978م، في منطقة «كريفي ريه»، والتي كانت حينها جزءًا من جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية.

أصبحت السيدة الأولى للبلاد منذ 20 مايو عام 2019م، وهي أم لطفلين هما أولكساندر التي رُزقت بها بعد عامٍ من الزفاف، وفي 2013م أنجبت طفلها الثاني كيريلو.

كيف تعرفت على زوجها؟

تعرّفت على فولوديمير زيلينسكي في جامعة كريفي ريه حيث كانت تدرس الهندسة المعمارية، بينما كان هو يدرس القانون، وبجانب ذلك كان لا يزال يتحسّس طريقه في التمثيل الكوميدي.

وبعد 8 أعوام كاملة من الصداقة تزوّجا عام 2003م، وأنجبا طفلين تبلغ أعمارهما حاليًا 17 عامًا و9 أعوام.

لكن يبدو أن الثنائي كان لديهما خطط أخرى، ففي عام 2003م أسّس زوجها شركة إنتاج وظّف فيها أولينا ككاتبة سيناريو كوميدية، حيث شاركت في كتابة العديد من الأعمال التي قام زوجها ببطولتها، وأبرزها مسلسله الشهير خادم الشعب Servant of the People، الذي قاده لرئاسة البلاد.

وهي الخطوة التي أعلنت أكثر من مرة أنها لم ترتح لخوض زوجها لها، والتي اعتبرت أن صعوبات تلك الخطوة «ستغيّر كل شيء في حياتها»، ورغم هذا الرفض فإنه حظي بدعمها الكامل خلال الانتخابات التي انتهت بتنصيبه رئيسًا.

بشكلٍ عام، لا تُفضّل زيلينسكا تسليط الأضواء عليها كثيرًا، وهو ما صرّحت به علنًا في نوفمبر 2019م حين قالت «أفضل البقاء خلف الكواليس، يكون زوجي في المقدمة بينما أبقى أنا في الظل حيث أشعر براحةٍ أكبر».

وهو ما يتوافق مع نظام الحُكم في أوكرانيا الذي لا يمنح السيدة الأولى أي صلاحيات إدارية ولا واجبات رسمية، لكن هذا لم يمنعها من القيام بعددٍ من المهام المؤثرة لتحسين المجتمع الأوكراني، فقامت بنشاط محمود في مجالات تغذية الأطفال ومكافحة العنف المنزلي، ودعمها خطط المساواة بين الجنسين، بالتعاون مع عددٍ من المنظمات الدولية على رأسها يونيسيف.

 لاحقًا برّرت هذه الخطوات في تصريحات لمجلة «فوغ»: أنا لا أتمتع بصفة رسمية، ولا يحق لي التدخل في العمل الرئيس، لكن أبواب المسؤولين لا تُغلق أبدًا أمام السيدة الأولى، أنا لستُ سياسية ولكّني أسعى لأكون وسيطًا بين الناس والمسؤولين.

وفي استجابة لها، أقرّت الحكومة الأوكرانية- في منتصف العام الماضي- افتتاح 28 مأوى لاستقبال ضحايا العنف المنزلي من جميع أنحاء أوكرانيا.

هذه الأنشطة المتتالية أجبرتها كثيرًا على الخروج من الظل إلى النور في أوقاتٍ كثيرة حتى دفعت مجلة «فوكس» الأوكرانية عام 2019م لاختيارها ضمن أكثر 100 امرأة تأثيرًا.

بطلة حرب السوشيال

عُرفت أولينا بدعمها الكبير للهوية الأوكرانية، فمنذ عامٍ واحد تبنّت تشريعًا قانونيًّا لترويج اللغة الأوكرانية، كما أنها كانت تتعمّد ارتداء ملابس صنعها مصممو أزياء أوكرانيون خلال رحلاتها الدبلوماسية حول العالم.

في عام 2019م، صرّحت «يسعدني عندما يسألونني في باريس أو نيويورك أو لندن عن مُصمِّم ملابسي أن أستغل تلك الفرصة للترويج للمُصمّمين الأوكرانيين»، وهو ما اعتبرته جزءًا من القوة الناعمة التي أكدت أنها مهمة جدًّا لأوكرانيا.

زيلينسكي وزوجته أولينا في ضيافة الأمير وليام دوق كامبرديج وزوجته كاثرين

فور قُرب اندلاع الحرب عرضت الولايات المتحدّة على زيلينسكي وعائلته خروجًا آمنًا من أوكرانيا خشية وقوعهم في أيدي الروس لكنه رفض.

أتَى هذا الرفض على الرغم من اعتراف الرئيس الأوكراني في خطابٍ رسمي أنه الهدف الأول للروس في أوكرانيا، ومن بعده تأتي عائلته -وفي مقدّمتها زوجته- كهدفٍ ثانٍ.

وحتى الآن ترفض الأسرة مغادرة أوكرانيا، وإن كانا يُقيمان في مكانٍ مجهول حتى الآن.

من هذا المجهول أصبحت إيلينا أيقونة عالمية لرفض ذلك الغزو، بعدما استغّلت حسابها على موقع «إنستجرام» لبثِّ منشوراتٍ متتالية تُندد بالحرب، منها ذلك الفيديو الذي حصد قرابة مليون مشاهدة وقالت فيه «نقول للعالم كله، نحن لن نستسلم، نحن نقاتل من أجل السلام»، كما حثّت نساء أوكرانيا على المقاومة، مُعتبرة أن ملايين النساء الأوكرانيات يُمكنهن أن يضفين ملمحًا أنثويًّا على المقاومة».

وبمرور الوقت حوّلت زوجة الرئيس الأوكراني حسابها الشخصي إلى منصّة لإطلاق الصواريخ الدعائية تجاه الرسول، منها منشور شهير بثّت فيه صورة طفل وُلِد في أحد الملاجئ، علّقت عليه قائلة «هناك أشخاص يهتمون بنا في شوارعنا، نحن محميّون لأننا أشخاص رائعون».

وبجانب هذه المنشورات قادت جهدًا دبلوماسيًّا مميزًا في حشد دعم «السيدات الأوائل» من حول العالم للقضية الأوكرانية، انضمّ لتلك الحملة ديانا نوسودياني زوجة الرئيس الليتواني، أندرا ليفيت زوجة رئيس لاتفيا.

وبسبب هذا الصمود المتتالي الذي أبدته أولينا انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لجندية أوكرانية ترتدي الزيّ العسكري، زعم أصحابها- خطأ- أنها لزوجة الرئيس بعد انخراطها في صفوف الجيش وانضمامها للعملية العسكرية.

فيما بعد اتّضح أن هذه الصورة غير صحيحة، وإنما لمجنّدة أوكرانية خاضت عرضًا عسكريًّا العام الماضي بمناسبة حلول الذكرى الـ30 من استقلال أوكرانيا.

لكنّها أنبأت حجم «الأيقنة المجتمعية» التي تسير عليها أولينا زيلينسكي في تاريخ أوكرانيا، بأنها من فرط دفاعها عن بلادها على منصات التواصل الاجتماعي لم تختلف كثيرًا عن الجنود في المعارك.