سيتم في هذه الورقة تحليل علاقات السلطة في قصيدة «هوامش على دفتر النكسة» للشاعر نزار قباني، والتي يرثى فيها الوضع الحالي للدول العربية التي تخلفت وسارت في عداد الدول المغلوبة، ينعي فيها دور الشعراء الذي لم يعدُ كونه مجرد تناثر كلمات موزونة ومقفاة ولا تعدو كونها حبرا على ورق، هذا الجيل الذي لم يستطع أن يهزم الغرب بتقدمه ولا اليهود بذكائهم وشرهم، هذا الجيل المنشغل بقوت يومه ولا يهمه شيء آخر .


علاقات السلطة

تتضح علاقات السلطة في الجزء الذي يوجه فيه الشاعر كلامه إلى السلطان، رافضا كل ما يحدث من قمع ووحشية فى التعامل وتقف لآثار كل شخص في الدولة وكأنها «بلد الجواسيس»، هذا القمع الذي يجعل الناس تنشغل بقوت يومها عن التفكير في الهزيمة التي لحقت بهم، وعن كيفية التغلب على حالة الخوار التي ملكت الناس والدولة بأكملها وجعلتها ضعيفة، ثم يوجه رسالته إلى أطفال اليوم ورجال المستقبل بألا يكونوا مثل هذا الجيل المهدِر لحقه، الهدامة أفكاره، وأن يكونوا لبنة في جدار صلب من أجل دولة قوية في الغد، يريد جيلا قويا لا ينظر للهزائم باستسلام، بل يعتبر منها ليكون قويًا في مواجهة شدائد الغد.

بالعودة إلى علاقات السلطة، فهي تظهر في دولة الخوف التي أنشأها السلطان من خلال تسليط عسكره لتتبع كل من يتحدث في أمور الدولة والحكم ومحاسبته والتنكيل به وبكل من يعرفونه، وهي الحالة التي تسود أى دولة بعد خروجها من هزيمة كبرى، لكي تثبت الأجهزة الأمنية للحاكم أن الدولة قوية وأن الحرب لم تنل من عزيمة الجنود وأن الهزيمة لا تعدو كونها هفوة عالم أو كبوة حصان جامح، أما الشاعر فحاول من خلال القصيدة أن يلقي اللوم على الشعراء الذين لم تفلح كلماتهم في خلق العزيمة الواجبة للدخول في حرب وكسبها، ولا في خلق حالة الوعي لدى الناس بضرورة معرفة أسباب الهزيمة وإصلاحها، وبالتالي كان الشعراء – ونزار قباني منهم – سببا من أسباب الهزيمة التي حولته من شاعر يكتب للحب إلى شاعر يكتب للحرب.

أيضا هناك علاقة أخرى للسلطة في علاقة الغرب بالشرق، وتلك النظرة الدونية التي تنظر بها بلاد الثلج إلى بلاد الرمال، فهم يظنون أن العرب مجرد ذئاب يعيشون في كهوف وأنهم لا يقدرون على صنع حضارة، فقط يستطيعون التباهي بحضارة آلاف السنين، وهم يتأخرون يوميا مئات السنين عن اللحاق بركب التقدم، إنها حالة دول غلبتها الغرارة في التباهي بمجموعة من الجهال وصناعة أبطال من ورق.

ثم يتساءل ما فائدة وجود شعب لا يتحدث في أمور دولته ولا يعرف منها شيئا، إنها في حد ذاتها هزيمة، وذلك سبب ونتيجة، هو سبب في تأخر البلاد العربية وضعفها واحتلال أجزاء من أراضيها، وهو نتيجة النظم السلطوية القمعية التي لا تألو جهدا في حجب المعلومات عن الناس، والتنكيل بمن يريد تنوير الشعب وإعلامه الحقيقة.

فهذه العلاقة بين السلطان والشعب قادرة بحق على صناعة وتأكيد نظرة الغرب للشرق، وبالتالي سنظل حضارة مغلوبة تنقاد عميانا وراء حضارة غالبة.

فماذا قدمت هذه الأمة العربية إلى العالم حتى تستحق أن تكون «خير أمة أخرجت للناس» إنها لم تقدم شيئا، وعلى هذا فالوزن النسبي للشرق من وجهة نظر الغرب هو صفر.


الخاتمة

استطاع نزار قبانى أن يلخص حالة الانتكاس التي أصابت الدول العربية وجعلتها في ذيل ركاب التقدم، وأعطى بعض الأسباب لهذا الفشل، ثم علق الأمل في النهاية على الأطفال فى إصلاح ما أفسده الجيل الحالي والسابق وأصحاب العقول المنفلتة والانتهازيون، كل من يستفد من هزيمة وطنه هو خائن بلا أدنى شك، وكل من يصمت على أوضاع خاطئة ولا يحرك ساكنا، فهو شيطان أخرس، مثل الدولة هو مثل السفينة التى تحتاج إلى مساعدة كل من عليها حتى لا تغرق، فلا يجب أن يتخلى أى شخص مهما كان قدره أو عمله عن أداء واجبه تجاه وطنه، فما تريده النظم الاستبدادية هو قتل الوطن داخل كل فرد وجعله لا يستطيع أن يفكر إلا فى قوت يومه الذي قد لا يستطيع الحصول عليه أحيانا وقد تزهق روحه فى مرات أخرى، تلك النظم تهاب العقول المفكرة والمبدعة وتريد وأد أي محاولة لتصحيح المسار لأنها ببساطة لن تكون جزءا من معادلة الإصلاح.

وعلى هذا تضع هذه الأنظمة كل العراقيل أمام أي شخصية تحاول صناعة وعي عام لدى جموع أبناء الشعب، وفي بعض الأحيان تصل هذه العراقيل إلى القتل أو التنكيل بهذه الشخصيات وصناعة الأوهام حول أسباب اختفائهم، تستخدم هذه الأنظمة وسائل الإعلام الموالية لها في خلق وعي مزيف لدى أفراد الشعب بأن الأوضاع الحالية هي أوضاع طبيعية للغاية وأن أي ظروف صعبة تواجه الدولة هي ليست بسبب فساد الحكم، ولكن لأسباب أخرى تتعلق ببعض الشخصيات المعارضة لنظام الحكم واتهامهم بالعمالة والتمويل الخارجي من أجل قلب نظام الحكم، وهي الحجة التي تجعل التنكيل بهم أمرا يسيرا بل أمرا مطلوبا لحماية الوطن من شرورهم.

والحل هو إعادة هيكلة الدولة وغسل عقول الناس من الأفكار البالية وصناعة جيل قادر بحق على إعادة العالم العربي إلى عصره الذهبي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.