الحشود العسكرية ظلت تحاصر أوكرانيا شهورًا طويلة. روسيا تحشد قواتها تباعًا، وأوكرانيا تؤكد أن الأمر لن يتطور لهجوم. روسيا تدعو المجتمع الدولي لمنع وقوع الحرب والاستجابة لطلبها بإبعاد أوكرانيا عن الناتو، لكن أوكرانيا تدعو مواطنيها للاستعداد لاحتفالات عيد الفصح والاستمتاع بحفلات الشواء. لكن في 24 فبراير/ شباط 2022 أثبت الروس خطأ الرهان الأوكراني، وبدأت أصوات القصف والرصاص تعلو في الأراضي الأوكرانية.

في ذلك اليوم أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بتنفيذ عملية عسكرية خاصة. الهدف المعلن كان نزع السلاح الأوكراني لحماية العرقية الروسية، ومن ثم منع عضوية أوكرانيا في حلف الناتو. في الأيام الأولى للحرب وصلت القوات الروسية إلى ضواحي كييف، وبدا أن حصار العاصمة وشيكًا وسقوطها أمر حتمي.

العاصمة تنجو

لكن ظهرت المقاومة الأوكرانية في لحظة مفصلية لتمنع سقوط العاصمة. ثم خرج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقطع مصور خارج المقر الرئاسي ليؤكد أنه ما ما زال على قيد الحياة، ولا يزال متمسكًا بمنصبه والمقاومة. في نهاية فبراير/ شباط كانت أولى محاولات التفاوض، فقدّم كل طرف شروطه. لكن انتهت المفاوضات بالفشل السريع، فروسيا تريد ضمانات أن أوكرانيا لن تنضم للناتو أبدًا، وأوكرانيا ترفض جملةً وتفصيلًا.

في مطلع مارس/ آذار 2022 أعلنت روسيا سيطرتها على مدينة خيرسون. المدينة الجنوبية تعتبر مغنمًا استراتيجيًا للروس. كما استولت بعدها على مناطق واسعة من مقاطعة زاباروجيا المجاورة لخيرسون. وكان من ضمن ما سيطر عليه الروس في زاباروجيا محطة الطاقة النووية الأكبر في أوروبا.

سقوط آزوفستال

ذلك التقدم كان بطيئًا ونظيفًا، بمفهوم الحروب الحديثة لم يسقط فيه إلا عدد قليل من العسكريين. لكن في منتصف مارس/ آذار قصفت روسيا مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية. ذلك القصف وُصف دوليًا بالدموي، واعتبر الهجوم الأكثر دموية في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ أسفر عن مقتل المئات.

انتهى الشهر ولم تسيطر روسيا بالكامل على ماريوبول. لكن في أوائل أبريل/ نيسان سيطرت روسيا عليها بالكامل. بالتالي امتلكت روسيا نافذةً على بحر آزوف. لكن تزامنًا مع ذلك الانتصار النوعي للروس، كان للأوكران رأي آخر. فضربوا طرد الصواريخ الموجهة، موسكفا، المهم والحيوي في أسطور البحر الأسود الروسي. الضربة الأوكرانية أتت بصواريخ من طراز نبتون، وتسببت في أضرار جسمية لهذا الطرد.

في مايو/ آيار 2022 أعلن الأوكران المتحصنون في مصنع الصلب العملاق، آزوفستال، استسلامهم. المجموعة المتحصنة كانت آخر ما تبقى من المقاومة الأوكرانية في ماريوبول، واستسلموا بعد حصار دام لثلاثة أشهر كاملة.

في رمزية واضحة أصرت روسيا على إقامة احتفال عيد النصر السنوي في 9 مايو/ آيار، للاحتفال بهزيمة النازية أمام الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية. شهد نفس الشهر تقدم فنلندا والسويد بطلبات انضمام للناتو.

تدفق الدعم الغربي لأوكرانيا

في يونيو/ حزيران بدأت الأسلحة الغربية تنهمر على الجيش الأوكراني. كان من أبرز تلك الأسلحة قاذفات الصواريخ المتعددة، هيمارس، التي قدمتها الولايات المتحدة. لكن ذلك لم يمنع القوات الروسية من التقدم والسيطرة على مدينة سيفيرودونتسك. وفي نفس الشهر، في 30 يونيو/ حزيران، انسحبت القوات الروسية من جزيرة الثعبان الواقعة بالقرب من ميناء أوديسا على البحر الأسود. كانت روسيا قد استولت عليها في الأيام الأولى من الحرب.

في يوليو/ تموز بدأ الضغط الدولي على الطرفين يزداد بسبب شح الحبوب في الأسواق العالمية. لذلك وقعت روسيا وأوكرانيا، بوساطة تركية بارزة، اتفاقًا يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود. لتنتهي بذلك أزمة طاحنة كانت تهدد الأمن الغذائي العالمي.

ذلك التناغم لم يدم طويلًا. ففي نفس الشهر صارت مدينة دونباس الأوكرانية موقعًا لأكبر معركة شهدتها أوروبا منذ قرون. وفي نهاية الشهر أصابت ضربة صاروخية سجنًا في بلدة أوليفانيكيا الشرقية الواقعة تحت السيطرة الروسية. أسفرت الضربة عن مقتل 50 شخصًا على الأقل. معظمهم من الجنود الأوكران الذين كانت تحتجزهم روسيا في تلك المنطقة.

ضم المناطق المحررة

في أغسطس/ آب هزت مجموعة من الانفجارات قاعدة جوية في شبه جزيرة القرم. لاحقًا اعترف أحد القادة العسكريين الأوكران أن قوات بلاده هي من شنت تلك الهجمات على القرم.

حمل الشهر حدثًا مهمًا طال أوروبا كلها. حيث توقفت جميع صادرات روسيا من الغاز في 31 أغسطس/ آب. تحججت شركة الطاقة الروسية، «غازبروم»، بأن هناك أعمال صيانة ضرورية هي السبب وراء هذا التوقف. لكن حتى هذا التبرير لم يقنع الأسعار العالمية التي ارتفعت على الفور.

في سبتمبر/ أيلول شنت القوات الأوكرانية هجومًا مضادًا في خاركيف. الهجوم المفاجئ أدى لتراجع القوات الروسية من المنطقة الشمالية الشرقية. ردًا على هذا التراجع أعلن بوتين عن تعبئة جزئية لـ300 ألف جندي إضافي للقتال في أوكرانيا.

 وتزامنًا مع تلك الخطوة أعلن بوتين إجراء استفتاء في مناطق لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون حول انضام تلك المناطق لتصبح جزءًا من روسيا. الاستفتاء أسفر عن قبول تلك المناطق بالتعبية لروسيا، لهذا في 30 سبتمبر/ أيلول وقع بوتين وثائق ضم المناطق الأربعة لروسيا في احتفال ضخم بالكرملين.

تفجير جسر كيرتش

في أكتوبر/ تشرين الأول انفجرت شاحنة محملة بالمتفجرات على جسر كيرتش الرابط بين جزيرة شبه القرم وروسيا. الانفجار أزعج بوتين فأمر بالرد على الهجوم بقصف محطات توليد الكهرباء الأوكرانية، وغيرها من منشآت البنى التحتية الأوكرانية. واستمرت تلك السياسة على مدار الشهور التالية، فانقطع التيار الكهربائي بشكل مستمر، ما أدى لتقنين الكهرباء وتوزيع وصولها للمستهلكين بشكل صارم ومُحدد.

في نوفمبر/ تشرين الثاني أعلنت روسيا انسحابها من مدينة خيرسون، والمناطق التابعة للمقاطعة على الضفة الغربية لنهر دينبر. الانسحاب جاء نتيجة هجوم أوكراني مضاد. وبهذا الانسحاب تخلت روسيا عن أبرز المناطق الحيوية التي كانت تحت سيطرتها.

في نفس الشهر أعلنت الاستخبارات البريطانية رصدها استخدام صواريخ كروز منزوعة الرأس النووي في أوكرانيا. ردًا على هذا الإعلان قالت روسيا في شهر ديسمبر/ كانون الأول إن أوكرانيا استخدمت طائرات دون طيار لاستهداف قاعدتين للقاذفات بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية.

ليوبارد في المعادلة

وفي ديسمبر/ كانون الأول قام زيلنسكي بزيارة الولايات المتحدة في أول زيارة له نحو الخارج منذ بداية الحرب. ألقى زيلنسكي كلمة أمام الكونجرس، وأعلن فيه حاجة بلاده لصواريخ باتريوت وعديد من الأسلحة الأخرى.

العام الجديد هلّ على الحرب، وكانت كلمة البداية فيه للجانب الأوكراني. ففي يناير/ كانون الثاني قتل الأوكران العشرات من الجنود الروس الذين حشدتهم روسيا حديثًا لأوكرانيا. ردًا على هذه الضربة أعلنت روسيا سيطرتها على بلدة سوليدار، كما أعلنت استمرار مواصلة هجومها على مدينة باخموت الحيوية.

في أواخر يناير/ كانون الثاني 2023 أعلنت ألمانيا بعد محاولات حثيثة من أوكرانيا موافقتها على تزويدها بدبابات ليوبارد 2 المهمة. الموافقة الألمانية فتحت الطريق أمام عديد من الدول، مثل الولايات المتحدة، لتعلن إرسالها دبابات ليوبارد 2 أسوة بألمانيا.

لا أفق واضحًا

أما الشهر الحالي، فبراير/ شباط 2023، فكان أبرز ما جرى فيه هو زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشكل مفاجئ إلى العاصمة كييف، حيث التقى الرئيس الأوكراني. كما وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة نداءً بأغلبية أعضائها لتحقيق السلام العاجل.

 بعد عام من الحرب فرض الغرب على روسيا قرابة 12 ألف عقوبة متنوعة. أما أوكرانيا فخسرت ما لا يقل عن 600 مليار دولار جراء الحرب، منهم 136 مليار دولار نتيجة زوال مدن بأسرها. وخروج 50% من منشآت الطاقة والبنى التحتية من الخدمة. وفقدت أوكرانيا 6826 قتيلًا، و11 ألف جريح. ونزح قرابة 16 مليون أوكراني، ما يساوي ثلث سكان البلاد.

لكن رغم هذه الخسائر لا تبدو أوكرانيا مرنة في ما يتعلق بالتفاوض مع روسيا. فهي تصر على تحرير كامل الأراضي الأوكرانية، والحصول على تعويضات لما طالها من دمار. كما تؤكد ضرورة محاسبة بوتين باعتباره مجرم حرب. في الجهة المقابلة تبدو روسيا أكثر تمسكًا وصلابةً، وتؤكد ضرورة الالتزام بالأمر الواقع الذي فرضته على الأرض.

الأمر الذي يجعل الحل السياسي مستبعدًا في الوقت الراهن، لكن يبقى عام 2023 مفتوحًا على كل الخيارات.