بنهاية الميركاتو الصيفي لعام 2020، كان صافي إنفاق أندية البوندسليجا (الفارق بين عمليات البيع والشراء) -1 مليون باوند، الرقم السالب يعني أن الغلبة كانت لعمليات البيع.

أما الليجا فقررت قبول التحدي، وحققت صافي إنفاق بلغ -74 مليون باوند. بينما كان الدوري الإيطالي أفضل حالاً بـ +49 مليون باوند، وتبعه الدوري الفرنسي بـ +51 مليون باوند.

بالطبع، لسنا بحاجة لإخبارك سبب هذه الأرقام الهزيلة، في الوقت الذي تعلن فيه الأندية عن خسائر غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا. ومع استمرار الجائحة وضبابية الموقف الاقتصادي، كان غريبًا أن يظهر أحد من وسط الجائحة ليجد في مثل هذه الظروف فرصة إيجابية.

فرصة يواصل خلالها إبرام الصفقات وجني الأموال، بل وإظهار جودة غير مسبوقة في أداء عمله، وكأنه يوجه رسالة لمنافسيه، بأنه الأفضل. إليكم الرجل الوحيد الذي خرج فائزًا من جائحة كورونا «خورخي مينديز».

وكيل بالصدفة

أول ما ستيبادر إلى ذهنك هو أن مهنة الوكالة أو الوساطة هي إحدى المهن السحرية فيما يخص الربح، ومن المنطقي أن يحقق «مينديز» وغيره ربحًا حتى وإن ساهمت الجائحة بإنقاصه. خاصةً وإن كنا نتحدث بالتحديد عن مجموعة بعينها يطلق عليهم اسم «Super Agents».

وتشمل الخماسي: مينو رايولا، خورخي مينديز، فيرناندو فيلتسيفيتش، جوناثان بارنيت، كيا جورابشيان. لتدرك حجم سيطرة هذه الأسماء، في يناير عام 2018، تحصل هذا الخماسي على عمولات تصل إلى 200 مليون باوند في آخر 12 شهرًا، مع تحكمهم في لاعبين تبلغ قيمتهم السوقية ما يزيد عن الـ 2 بليون باوند.

لكن في ميركاتو 2020، تصدر اسم «خورخي مينديز» منفردًا، وكأنه يملك ميزة إضافية، سنحاول البحث عنها سويًا.

الرجل الذي يعرفه معظمنا بوكالة أعمال رونالدو ومورينيو، كان قد دخل المجال بالصدفة. عندما كان مديرًا لملهى «Luz do Mar» الليلي في بلدية «كامينيا» البرتغالية بالقرب من الحدود الإسبانية. هناك قابل عددًا من اللاعبين، لكن علاقته أصبحت مقربة بحارس مرمى يلعب لنادي فيتوريا، والذي طلب منه تولي مفاوضاته مع نادي ديبورتيفو لاكورونيا، في 1996.

قبل «مينديز» المهمة وسافر بالفعل لمقابلة رئيس النادي الإسباني، وتمكن من فرض كل شروط موكله، بعد إعجاب رئيس ديبورتيفو بمجهود وكاريزما الوكيل المبتدئ. ومن هنا حصل «خورخي» على أول موكليه وبدأت القصة. نسينا أن نخبرك، حارس المرمى هو «نونو سانتو» مدرب ولفرهامبتون الحالي.

الإنسان الآلي

كعادة القصص الملحمية المصاحبة لبناء الإمبراطوريات، يجب المرور على بعض التفاصيل المكررة والمتوقعة. أولها هو صعوبة صعود «خورخي مينديز» بسبب محاربته من قبل «خوسيه فييجا» وكيل اللاعبين الأقوى بالبرتغال في ذلك الوقت، وقد وصل الأمر بينهما في إحدى المرات إلى اشتباك بالأيدي.

بعدها عليك أن تتخيل «خورخي مينديز» شخصًا خارقًا لا ينام الليل، محاولاً توسيع إمبراطوريته بكل السبل المتاحة، وهو ما وصفه تقرير لصحيفة «آبولا» البرتغالية وصفًا مشابهًا، عندما شبهوا «مينديز» بالإنسان الآلي، نصف إنسان ونصف هاتف محمول، لأنه – حسب قولهم – يقضي 18 ساعة يوميًا في إجراء المكالمات.

لكن الأكيد أننا لو بحثنا عن تقارير أخرى تصف الوكلاء الآخرين غير مينديز، سنجد مثل هذه القصص والتشبيهات، لذا لا يمكن أن تكون هذه ميزة الوكيل البرتغالي.

صمم وكيل مورينيو نموذج عمل فريد قد لا يتكرر في مهنة وكلاء اللاعبين، وكانت بدايته مع الاستحواذ على أكبر كم من مواهب البرتغال -سواء برتغاليين أو لاعبي أمريكا الجنوبية-. على سبيل المثال، في يورو 2008، كانت تشكيلة البرتغال جميعها تحت وكالته باستثناء سبعة فقط. وبين عامي 2000 و2017، كانت 68% من صفقات ثلاثي كبار البرتغال (بنفيكا، بورتو، سبورتنج لشبونة) تمت عن طريقه.

وهو ما أكده المحاضر في إدارة الأعمال الرياضية، دكتور دين باريل، أن نسبة كبيرة من أعمال الوكيل البرتغالي تتركز في مسقط رأسه، لتمويل الثلاثي الكبير بما يحتاجونه، والاعتماد على نوادي منتصف الجدول، لتمثل وجهة جيدة للاعبيه كبار السن، أو لتهيئة المواهب الشابة.

بعد ذلك، يقوم «مينديز» باستغلال شبكة علاقاته داخل وخارج البرتغال، لرسم خطوط اتصال بين لاعبيه ومدربيه والأندية، لتجد أنه في بعض الصفقات، ينوب عن الأطراف الثلاثة – المشتري والبائع والسلعة.

سوق انتقالات الشطرنج

هو متمرس لدرجة لا تصدق، لا أحد مثله يستطيع قراءة السوق كما يفعل، فهو يملك قدرات خاصة.
أحد الوكلاء المنافسين – رفض ذكر اسمه – لموقع The Athletic

عن طريق تلك القراءة، تفطن «مينديز» سلفًا إلى الأرقام المذكورة في مقدمة هذا المقال، والتي سنضيف إليها رقم 1.2 بليون باوند، أنفقتها أندية البريميرليج في ميركاتو صيف 2020، كثالث أكبر سوق انتقالات صيفي في تاريخها. وعليه جعل «خورخي» إنجلترا الوجهة المفضلة لموكليه.

أولاً قام باستغلال علاقته بكبار إسبانيا ووفر لهم المال المطلوب لسد احتياجاتهم في ظل الأزمة، فخلص ريال مدريد من خاميس رودريجيز (إيفرتون)، وبرشلونة من نيلسون سيميدو (37 مليون باوند-ولفرهامبتون)، وفالنسيا من رودريجو (27 مليون باوند-ليدز يونايتد).

ثم قام بالخطوة الثانية وتحكم بالقطع جميعها، سيميدو أتى لولفرهامبتون لتعويض موكله نونو سانتو عن رحيل ظهيره الأيمن «مات دوهرتي»، الذي أشرف على انتقاله إلى موكله الآخر مورينيو بـ 15 مليون باوند. ثم نقل «روبين دياز» من بنفيكا إلى مانشستر سيتي بـ 65 مليون باوند، وحتى لا يجلس موكله الآخر «أوتاميندي» خارج قائمة الـ 18 مع السيتي، حرص على رحيله لبنفيكا بـ 14 مليون باوند.

ثم أشرف على انتقال «جوتا» من ولفرهامبتون إلى ليفربول بـ 40 مليون باوند، ثم أوجد لهم البديل من بورتو – الذي كان يحتاج للأموال – وكان البديل هو المهاجم البرتغالي صاحب الـ 18 عامًا فابيو سيلفا بـ 35 مليون باوند. وفقًا لرئيس نادي بورتو، كان سيلفا يملك شرطًا جزائيًا بقيمة 10 ملايين يورو، لكنه لم يفعَل، وسارت المفاوضات بهذا الشكل، ليحصل مينديز على عمولته، وبورتو على المال، والوولفز على اللاعب.

ولأن بنفيكا كان يحتاج إلى المال أيضًا، أشرف على انتقال مهاجمهم البرازيلي كارلوس فينيسيوس إلى موكله الآخر مورينيو، الذي كان يبحث عن مهاجم بديل لهاري كين، وتمت الصفقة بصيغة الإعارة مع أحقية الشراء بـ 40 مليون يورو.

كانت هذه تقريبًا أشهر الصفقات في ميركاتو الكورونا، والتعامل مع السوق وعناصره بطريقة تشبه تعامل الساحر مع عرائس الماريونيت. استعراض تام للسيطرة والقوة.

كل ما علينا فقط أن نتخيل أن كل ذلك حدث في موسم الكورونا، فماذا يمكن للوكيل البرتغالي فعله في الظروف العادية؟ الأمر ليس خافيًا على أحد، لأن مينديز بنفسه قد وضع كل أسراره في سيرة ذاتية كتبها الصحفي بيبو روسو، قد تحتوي على كواليس جديرة بالمعرفة.