شهدت دولة الكويت، في 24 يناير / كانون الثاني 2017، حدثًا مهمًا بافتتاح المركز الإقليمي لمنظمة دول حلف شمال الأطلسي «الناتو»، بحضور الأمين العام للحلف – ينس ستولتنبرغ -، وذلك في سياق «مبادرة إسطنبول للتعاون» التي تم إطلاقها في العام 2004، بهدف تعزيز الروابط الأمنية بين الناتو ودول الشرق الأوسط، وخصوصًا دول الخليج العربي.

وفيما تخوف البعض من أن يمثل المركز انتهاكًا للسيادة العربية، اعتبره آخرون قد يمثل مَعلمًا مهمًا في التعاون بين الناتو ودول الخليج العربي، وليس فقط الكويت، وذلك من خلال تقديم الدورات والندوات وورش العمل، لتطوير ومساعدة المتدربين، للمساعدة في حفظ الأمن بالمنطقة، ومن خلال تكثيف الجهود لـ«محاربة الإرهاب».


مجالات التعاون التي يتيحها المركز الإقليمي

الأمين العام للحلف، خلال المؤتمر الصحفي لافتتاح المركز في الكويت

وعليه؛ من المنتظر أن يقوم المركز بتقديم خبرات الحلف في المجالات العلمية والتدريبية والفنية المختلفة، وتسهيل عملية تطبيق برنامج الشركاء للتعاون الفردي الخاص بدولة الكويت، كما سيقوم ممثلو أعضاء حلف الناتو داخل المركز بمهام التدريب والاستشارات التخصصية في كافة المجالات الفنية التي يقدمها الحلف للجهات الحكومية في الكويت والدول الخليجية الأعضاء في «مبادرة اسطنبول للتعاون» تحت إشراف الكويت ممثلة بجهاز «الأمن الوطني» الذي يتولى إدارة المركز.

وإذ يتضمن المركز عددًا من القاعات التدريبية المجهزة بأحدث الوسائل التعليمية والتدريبية، تستفيد منه الجهات والمؤسسات الحكومية في دولة الكويت والدول الأعضاء في «مبادرة إسطنبول للتعاون» والدول الأعضاء في الحلف. هذا فيما تشمل المجالات التدريبية التي سيقدمها المركز خلال المرحلة الأولى؛ الأمن الإلكتروني وإدارة الأزمات وأمن الطاقة والحوادث والطوارئ الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والتخطيط للطوارئ المدنية.

اقرأ أيضًا:خط زمني: السعودية وإسرائيل والتحالف البغيض

مع التـأكيد على أن الناتو، وفي سياق تدشين المركز، لن يرسل قوات للدفاع عن دول الخليج العربي، وإنما الهدف هو الاستفادة من خبرات الحلف الذي يملك خبرة واسعة في فنون الدفاع، بجانب أهمية المركز الإقليمي ودوره في الربط السياسي والعسكري والإعلامي بين دول مجلس التعاون وبين هيئة جهاز الحلف في بروكسل، وفتح الأبواب للمجموعة الخليجية للاطلاع على أدبيات الحلف ووسائل رصد تحركات الخصوم ومتطلبات مبدأ الردع الاستباقي.


لماذا الكويت؟

تعتبر دولة الكويت أولى دول مجلس التعاون الخليجي التي انضمت إلى «مبادرة إسطنبول للتعاون»، وكان ذلك في الأول من ديسمبر / كانون الأول 2004، تبعها انضمام كل من البحرين وقطر إلى المبادرة في 15 فبراير / شباط 2005، ثم دولة الإمارات بتاريخ 22 يونيو /حزيران 2005. وقد شاركت الكويت طوال سنوات انضمامها للمبادرة في مختلف الفعاليات التي قدمها حلف الناتو، كما استضافت المؤتمر الدولي للناتو ودول الخليج في العام 2006، والذي تم على هامشه التوقيع على اتفاقية تبادل المعلومات السرية بين الجانبين، إضافة إلى انضمامها لبرنامج الشركاء للتعاون الفردي «آي بي سي بي»، والذي اعتمده الحلف في عام 2014.

وذلك دون إغفال لكون الكويت من اقترحت إنشاء هذا المركز بعد أن طرح الناتو فكرة إقامته، حيث تقدمت الكويت بالاقتراح خلال اجتماع مجلس شمال الأطلسي ودول مبادرة إسطنبول للتعاون في العام 2012، وتمت الموافقة على المقترح خلال قمة الحلف في مدينة شيكاغو الأمريكية.

وربما الأهم هو توقيع الكويت «اتفاقية العبور» مع حلف الناتو في نهاية فبراير / شباط 2016، وهي الاتفاقية التي أسست لتعاون مهم مع قوات الحلف؛ يشمل التدريب في المجالات الأمنية والعسكرية والأكاديمية، كما تسمح الاتفاقية بمرور قوات الحلف عبر الكويت. حيث أكد الأمين العام للحلف، أن هذه الاتفاقية «ستسهل عبور قوات الناتو، إضافة إلى المعدات والتجهيزات، إلى مهمة الحلف في أفغانستان»، وأشار إلى أن الاتفاقية «تهدف أيضًا إلى تحويل جميع أنشطة الحلف في المنطقة إلى أنشطة أكثر فعالية»، مشيرًا إلى أنها بداية انطلاق التعاون العملي بين الحلف ودول الخليج العربي.

اقرأ أيضًا:تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة الإرهاب

ومع الوضع في الاعتبار أن الاتفاقية التي تقدمت الحكومة الكويتية بمشروع قانونها إلى مجلس الأمة في الثالث من أكتوبر / تشرين الأول 2016، تتضمن عدة بنود أهمها: عدم إمكانية استخدام هذه الاتفاقية لدعم أي هجوم عسكري ينطلق من خلال البلاد، كما نصت على التزام الناتو وقواته وأفراده ومقاوليه بعدم تخزين أو نقل أسلحة الدمار الشامل وبشكل خاص الأسلحة النووية منها أو الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو موادها من خلال إقليم دولة الكويت، مع احترام القوانين البيئية المحلية والدولية، وأجازت لقوات الناتو حمل الأسلحة داخل الكويت إذا ما سمحت لهم الأوامر بذلك، على أن يتم مسبقًا إبلاغ السلطات الكويتية بهذا الشأن.

وحددت الاتفاقية بخمس سنوات وتجدد لمدة أو مدد مماثلة، ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر كتابيًا بالرغبة في إنهائها بعد مرور ستة أشهر من تسلم الإشعار من الطرف الآخر. كما سمحت الاتفاقية بهبوط طائرات قوات الحلف وأفراده ومقاوليه ووفقًا للقانون الدولي، وذلك في الحالات الطارئة، على أن يزود الحلف البلاد بالجداول المتضمنة تفاصيل عملية العبور، بما في ذلك المسارات المسموح بها ونقاط الدخول والخروج، وكذلك الخدمات التي يتم طلبها مسبقًا، باستثناء حالات العبور «البريء» للمياه الإقليمية لدولة الكويت. واستثناءً يجوز لدولة الكويت – وبناء على أسباب بالغة الأهمية – أن تطلب من الناتو ومن الدول الأعضاء أو المشاركة إسقاط الحصانة القضائية عن أفرادها العسكريين أو المدنيين.


أهمية التعاون مع الخليج العربي في إستراتيجية الحلف

يثير تدشين المركز الإقليمي عددًا من الملاحظات المهمة، التي لا تتوقف عند حدود العلاقة بين الكويت وحلف الناتو، وإنما تلقي الضوء أيضا على أهمية منطقة الخليج العربي في إستراتيجية الحلف، واضعًا في الاعتبار تصريح الأمين العام للناتو في كلمته خلال افتتاح المركز، أنه «في سبيل تحقيق الهدف من إنشاء المركز فإن إنجازين مهمين تحققا؛ أولهما على صعيد الصداقة بين الحلف ودولة الكويت، والآخر تعزيز الشراكة بين الحلف ومنطقة الخليج العربية بأكملها»، موضحًا أن تدشين المركز يسهم في استقرار المنطقة على المدى الطويل.

ويتضح من ذلك استهداف الحلف – وبجانب تفعيل الشراكة مع دول مبادرة إسطنبول – تفعيل التعاون أيضًا مع المملكة السعودية وسلطنة عمان غير المنضمتين للمبادرة، وذلك بحسب ما يأمل الحلف. وقد عبَّر صراحة رئيس إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حلف الناتو، نيكولا دي سانتس، في نوفمبر / تشرين الثاني 2016، عن أمله في أن يسهم المركز الإقليمي لمبادرة إسطنبول في الكويت بضم الدول الراغبة للمبادرة، مثل السعودية وعمان.

وذلك ما يلقي الضوء على الشراكة الإستراتيجية بين حلف الناتو ودول الخليج متمثلة في مبادرة إسطنبول للتعاون منذ العام 2004، والتي جاءت استنادًا إلى مجموعة من الاعتبارات التي تعكس رغبة كلا الطرفين في تأمين مصالحهما بما يلائم تطورات النظام الدولي والتفاعلات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وحيث تسعى المبادرة إلى تقديم المساعدة للدول في مجال الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية ومواجهة مشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل وأمن الحدود والإتجار غير المشروع وكيفية التعامل مع الكوارث.

ومن هنا يمكن فهم التأكيد على الهدف المشترك في محاربة الإرهاب، لاسيما بوجود حرب في المنطقة تشنها قوات دولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أصبح يهدد العالم كله وليس فقط دول المنطقة، ووجود تهديدات توسعية من قبل إيران، قد ترى معها دول الخليج أهمية تدعيم التعاون الدولي، وخصوصًا مع حلف الناتو.


وختامًا؛ ما لا يمكن إغفاله

افتتاح المركز حدث تاريخي، سيسهم بلا شك في تمكين الناتو ودول المنطقة من مواجهة التحديات المشتركة وعلى رأسها الإرهاب، من خلال تقوية الشراكة في مجالات عدة. وإقامة مركز إقليمي للحلف في الكويت هو مثال على قدرة الحلف على التكيف في مواجهة التحديات الجديدة وكيفية العمل مع دول الخليج العربي، الأمر لا يتعلق بتعاون عسكري كامل أو ضمانات أمنية كاملة، بل هي شراكة ودية في منطقة الخليج

أن افتتاح المركز الإقليمي أثار الكثير من التساؤلات حول مضمون تلك الخطوة وتأثيرها، ليس فقط بالنسبة لأمن منطقة الخليج العربي، بل والأمن الإقليمي عمومًا، خاصة أنها تزامنت مع حالة الضبابية السائدة بشأن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للحلف فى ظل حقبة الرئيس دونالد ترامب، حيث تسهم الولايات المتحدة في ميزانية الحلف بأكثر من الثلثين، وفي ظل التصريحات الجدلية التي أطلقها ترامب ضد حلف الناتو باعتباره منظمة «عفا عليها الزمن».

ومن هنا يرى البعض أن إنشاء المركز قد يمثل ردًا على ما أعلنه الرئيس الأمريكي الجديد من رغبة في فك الارتباط بالحلف، وفرصة مناسبة للرد على احتمالات «تهوّر» ترامب بقرارات منفردة تبعد بلاده عن توجه أعضاء الناتو، لاسيما أنهم مشاركون في حرب يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة أمريكية.