لقد انتصرت إرادة الشعب العربي.

هكذا دوى المذياع مُبشراً المواطنين بأن العدو الذي احتل لتوه سيناء والجولان والقدس وغزة قد فشل، وأن قوات العدو التي سَحَقت لتوها مُعظم العتاد العسكري لدول «المواجهة» قد فشلت، وأن قادة العدو الذين كسروا أعين عشرات الملايين من المحيط إلى الخليج وأجبروهم على أن يسيروا في الطرقات مطأطئ الرؤوس في مرارة وألم قد فشلوا.

وكيف فشلوا بعد كل ذلك؟

أجاب المذياع: «لقد انتصرت إرادة الشعب العربي، وفشلت إسرائيل في حربها، فلقد كان هدف إسرائيل إسقاط الأنظمة العربية التقدمية لكنها باءت بالفشل».

لقد سقطت الأوطان ولكن، الحمد لله، لم تسقط الأنظمة.


الهيبة والخيبة

على صدر صفحتها الأولى كتبت جريدة المصري اليوم مانشيتا رئيسيا بخط مليء واجهتها يقول السيسي: «لن يستطيع أحد المساس بهيبة الدولة»، وعلى جواره كتبت خبرا آخر يقول: «الإرهاب يُجبر أقباط العريش على النزوح».

في حوالي الساعة العاشرة والنصف ليلا، سمعت طرقا على الباب بقوة، فأخبرت زوجي، لكنه لم ينتبه لضعف سمعه، فخرج ابني ليفتح الباب للطارقين، فإذا باثنين ملثمين يحملان أسلحة، قاما بأخذ ابني حتى مدخل غرفتي وأطلقا عليه الرصاص في رأسه، فظللت أصرخ حتى أمسكا بي وقاما بجري حتى فناء المنزل، ثم أمسكا زوجي الذي راح يتوسل إليهما ألا يقتلاه، وأنه رجل مُسن لا يخرج من البيت، لكنهما لم يلتفتا إلى كلماته وقاما بإطلاق النار عليه»، هكذا روت السيدة نبيلة وقائع ما جرى لها في ليلة من ليالي سيناء الموحشة، التي ملأها الإرهاب رعبا والبطش الأمني يأسا.

وأكملت تقول: «وبعد أن قاما بتفتيش المنزل بحثاً عن أموال أو مصوغات أخذا خاتمي، ثم توجها إلى منزل ابنتي في حي الزهور في اليوم التالي ولم يجداها، ولكنهما قابلا جارها، كمال رءوف السباك، فذبحاه وذبحا ابنته الكبيرة، وألقيا جثتها وراء قسم العريش»، وهو ما تبعه نزوح العشرات من الأسر من بيوتهم إلى مدينة الإسماعيلية خوفا على حياتهم، في مشهد مؤلم أعاد للأذهان قوافل النازحين عقب فشل العدو الإسرائيلي في إسقاط النظام التقدمي بعد احتلاله سيناء.

لكن الرد كان على المستوى المعهود من القيادة السياسية الحكيمة، حيث شارك سيادة الرئيس عقب تلك الواقعة مباشرة أبناءه من طلبة كلية الشرطة جولة بالدراجات في الشوارع فجرا، وهو الرد الذي زلزل معنويات الإرهاب الأسود، فقاموا بإحراق شاب حيا في أحد شوارع مدينة رفح، بعد أن قاموا بفقأ عينيه أمام المارة، وتهديد المعلمات أثناء ذهابهن إلى المدارس بتشويه وجوههن بماء النار إذا لم يلتزمن بتعليماتهم بارتداء النقاب واصطحاب محرم معهن أثناء سيرهن في الشوارع.


خلي السلاح صاحي

بالرغم من صفقات الأسلحة والذخائر الضخمة التي يواصل الجيش عقدها –خلال ظرف اقتصادي مؤلم- خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أصبحت مصر ثاني أكبر مستورد للسلاح بين البلدان النامية والرابع عالمياً، لكن الجماعات الإرهابية واصلت عملياتها الإجرامية، وراحت تنتشر وتنتقل من مدينة لأخرى في شمال سيناء تملأ الشوارع رعبا ووحشية، فضلا عن نجاحها في إزهاق عشرات الأرواح من الضباط والجنود –بلغ عددهم وفق بعض التقديرات أكثر من 1000– في عمليات مفاجئة، في الوقت الذي استطاع فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يرصد تلك الجماعات ويوجه ضربة استباقية لمجموعة منهم قبل أن تقوم بإطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة من سيناء.

لكنه بنظرة أكثر عمقاً لموضوع التسلح سنجد أن مصر خلال إحدى الصفقات الضخمة مع فرنسا، والتي شملت طائرات وحاملات طائرات تخلت عن شراء قمر صناعي للمراقبة والتجسس كان سيساهم بشكل كبير في عملية رصد الجماعات في سيناء –وفق شهادة أحد المتخصصين- في مقابل شراء قمر آخر للاتصالات، كما كانت أغلب أنواع الأسلحة التي تم شراؤها لا تبدو مناسبة للتحديات الأمنية الداخلية أو الخارجية التي تواجهها البلاد، كما أنها لا تتلاءم مع أهدافها في السياسة الخارجية، فالجزء الأكبر من المشتريات يتألف من مقاتلات ومروحيات هجومية وحاملات متعددة الأغراض تُستخدَم تقليديا لإظهار القوة أو تنفيذ عمليات هجومية وفق دراسة لمعهد كارنيجي، لكن ما يميط اللثام عن تلك المفارقات الغريبة ما أوضحته الدراسة السابقة، من أن تلك الأسلحة من الوارد أن تكون من أجل طحن أي انفجار داخلي يخرج خلاله الشعب ضد النظام قد يؤدي إلى انهيار قوات الشرطة مثلما حدث في 28 يناير/كانون الثاني 2011، وهو ما يُشبه تكرار الوضع في سوريا، والذي يتوقع السيسي أن يجد دعما دوليا كبيرا له في ذلك وفق ما أشارت إليه خطة سرية للبيت الأبيض، والتي أوضحت أنه في حالة حدوث مثل تلك الاضطرابات سيقدم العم سام الدعم اللازم للجيش والدعم السياسي والدبلوماسي لقياداته.

لذا، فلنذهب جميعا إلى الجحيم طالما بقي الرئيس، ومرحب بالسلاح الذي ندفع فيه ثمن الكسرة والدواء ليغتالنا، طالما سيبقي على الرئيس وسيدعم موقفه أمام أصدقائه من تجار السلاح.


الطريق إلى أفغانستان أو الصومال

خلال الأعوام القليلة الماضية التي تلت «حنو» القوات المسلحة على «الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه»، نجحت القيادة الحكيمة في جمع أكبر قدر من المنح والمعونات في التاريخ بلغ عشرات المليارات من الدولارات والمساعدات العينية، وأكبر قدر من الديون في التاريخ أيضا ليصل الدين العام على الدولة أكثر من 4 آلاف مليار جنيه لتُصبح مُطَالبة بتسديد مليار و41 مليون جنيه كل يوم للدائنين فقط، كما قامت بمضاعفة الضرائب والرسوم على المواطنين، حتى تم طحن غالبية الشعب بنجاح، ورغم كل تلك المليارات المحصلة واصل عجز الموازنة صعوده لتحقق مصر أكبر عجز للموازنة في العالم وفق آراء خبراء داعمين للنظام، وزاد فقر الناس ألما ومرارة، ليصل عدد الفقراء الذين يحصلون بالكاد على بما يبقيهم على قيد الحياة أكثر من 25 مليون إنسان وفق إحصاء رسمي، وذلك قبل عامين من الآن شهد الناس خلالهما عشرات القرارات والقوانين المجرمة والطاحنة للناس.

ولكن كل هذا الخراب لا قيمة له على الإطلاق وفشل ويفشل وسيفشل مثلما فشل العدو في السابق، فطالما سرب قائدنا المعظم من الطائرات الفارهة يتم تحديثه دوريا بأحدث الأنواع بلغ آخرها صفقة بقيمة 300 مليون يورو (قرابة 6 مليارات جنيه بسعر اليوم) لثلاث طائرات عالية الرفاهية، وطالما ظل موكبه المهيب يخطف الأبصار وهو يسير فوق سجادته الحمراء التي تخفق لها قلوب مؤيديه، وكذلك أسراب معاونيه في البرلمان والحكومة من سيارات وتجهيزات، فلا يهم طحن الناس فقرا لتصير البلاد واحدة من مآسي العالم، ولتتحقق نبوءة الرئيس السابقة بأن تتحول مصر إلى أفغانستان أو الصومال إذا ما تدخل الجيش في السياسة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.