منذ خمس سنوات، وفي الجزء الأول من سلسلة مغامرات الخيال العلمي «Pacific Rim»، تعرفنا على عالم المستقبل الذي تهدده كائنات خرافية خارقة الحجم والقوة، قادمة من عالم آخر، وعبرت إلينا من خلال ثغرة في الزمان – المكان موجودة تحت الماء على مشارف سواحل المحيط الهادي.

يقوم البشر ببناء روبوتات عظيمة تنازع تلك الكائنات حجمًا وقوة، ولأنها روبوتات معقدة، فيلزم «طيارين» اثنين من البشر لقيادة كل واحد منها، ليتحكما في الروبوت – والذي يسمى ياجَر Jaeger – واستخدام أسلحته أثناء قتال الوحوش – وتسمى كايجو Kaiju -، وهي كلمة يابانية الأصل تعني: كائنًا غريبًا، مثل وحش جودزيلا وما إلى ذلك، وينجح البشر في هزيمة وحوش الكايجو التي نشرت الرعب والدمار في مدن العالم الكبرى، المطلة على سواحل الهادي من أمريكا إلى الصين، ويستطيعون غلق الثغرة العابرة للأبعاد إلى الأبد.

في الجزء الثاني، الذي تم تصويره أيضًا بشكل ثلاثي الأبعاد وبتقنية الـ«IMAX»، تمضي الأحداث بعد عشر سنوات من القضاء على الـ«كايجو»، فماذا يفعل البشر بعد أن ينتهوا من الحروب الكبرى والقضاء على الأشرار؟ التاريخ يعلمنا أنهم يستمرون في تطوير أسلحة أكبر وأعظم فتكًا، ثم يبدؤون في قتال بعضهم البعض مرة أخرى. هذا ما يحدث في الولايات المتحدة، حيث يقوم البشر ببناء روبوتات «ياجر» أكبر وأعظم، ويحيلون تلك القديمة إلى التقاعد في ساحات التفكيك وقطع الخردة، التي هي مرتع للمغامرين من هواة بناء روبوتاتهم الـ«ياجر» الخاصة بهم، وأيضًا من أجل التجار غير الشرعيين الذين يقومون بالتسلل لساحات الخردة، واستخدام خبرتهم في فك الأجزاء النفيسة من الروبوتات القديمة، وبيعها لمن يقدر قيمة تلك الأشياء.

في الجزء الأول يقود «ستوكر بينتيكوست» – الذي لعب دوره الممثل الإنجليزي «إدريس ألبا» – ومجموعة من العلماء أبرزهم «د. هيرمان» و«د. نيوتون» والذين سنعود إليهما بعد قليل، والطيارين ومنهم ابنته بالتبني «ماكو موري» لإنقاذ العالم، ويضحي بنفسه في النهاية لتحقيق هذا الهدف.

أما في الجزء الثاني، فيحل محله ابنه «جاك بينتيكوست»، الطفل الذي يصير الآن شابًا يافعًا خبيرًا كوالده في مجال تصميم وبناء وقيادة عمالقة الياجر، إلا أنه على عكس والده لا يكترث كثيرًا بالحياة العسكرية والسعي لإنقاذ البشر، ويمضي لياليه في اللهو والسهر، ويمضي أيامه في عمله المربح في بيع قطع غيار الياجر الذي يجيد سرقتها وتهريبها. إلا أنه يقع أخيرًا في قبضة الشرطة، فيجد نفسه أمام خيارين، إما قضاء بضع سنوات في السجن، وإما الانصياع لنصيحة أخته «ماكو» التي تحاول التدخل، ومساعدته في تفادي السجن، عبر الانخراط مجددًا في سلك مقاتلي الياجر، والقيام بتدريب مجموعة من الشباب على قيادة الروبوتات العظيمة.

الفيلم شديد الإثارة، واستطاع مخرجه الأمريكي «ستيفن دينايت» خلق خلطة عظيمة من متعة المغامرات والخيال العلمي، رغم أنها أولى تجاربه السينمائية.

يقبل «جاك» الصفقة، ويجد نفسه على متن طائرة تنقله إلى مركز قيادة في الصين، لينضم إلى صديقه القديم الطيار «نيت لامبارت» – «سكوت إيستوود» نجل الممثل والمخرج الأسطوري «كلينت إيستوود» – وينخرط في عمله الجديد بغير اكتراث كبير، يتعرف هناك على شركة صينية عملاقة تقوم بتحديث الأجيال الجديدة من الياجرز، ويعمل تحت إمرتها العالمان د.هيرمان ود. نيوتن الآن.

ثم تنقلب كل الأمور رأسًا على عقب، حينما يتم اكتشاف ياجر متمردًا يهاجم مركز القيادة، ويتسبب في خسائر فادحة، وموت أحد متدربي «جاك»، ويمضي الفيلم في محاولة اكتشاف سر تمرد الياجر ومن هو قائده – أو قائديه كما يفترض – وتتصاعد الأحداث حين يتم اكتشاف اختراق كبير في الشركة ومركز القيادة، وأن جاك وفريقه عليهم الآن مواجهة جيش من الياجرز المتمردين، الذين يهددون بفتح ثغرة وحوش الكايجو مرة أخرى.

الفيلم شديد الإثارة، واستطاع مخرجه الأمريكي «ستيفن دينايت» خلق خلطة عظيمة من المتعة، رغم أنها أولى تجاربه السينمائية، مع خبرته المحدودة في الإخراج التليفزيوني.

على سبيل المثال، استخدم الممثلين بأفضل شكل ممكن، واستطاع أن يعيد اكتشاف الممثل الإنجليزي الشاب «جون بوييجا»، فنراه بشكل مختلف تمامًا عما اعتدنا عليه في أفلام مثل «Star Wars»، بدا بعيدًا عن صورة الشاب المراهق الأخرق، وأصبح في «Pacific Rim» بطريقة مظهره وكلامه أكثر رجولة وجاذبية، وملائمًا تمامًا لنجومية فيلم حركة على هذا المستوى، كما استخدم «سكوت إيستوود» بشكل يخلط بين قدرة الشاب على تقليد والده – مع تعبيرات الوجه والحديث الشهيرة – وبين تقديمه لأسلوب تمثيلي جديد ملائم لشخصه فقط، أيضًا أزعم أنه أعاد تقديم الممثل الكوميدي «تشارلي داي»، المشهور بسلسلة «Horrible Bosses»، ليقدم شخصية شريرة شديدة التركيب مثل د. نيوتون، بشكل متألق وبطلّة غير معتادة مع أفلام تشارلي.

الخلطة تشمل أيضًا موسيقى الألماني «رامين جاودي» العظيمة، التي غمستني كمشاهد سمعيًا، مثلما غمرتني تفاصيل الـ«IMAX» بصريًا، وجاودي قد أمتعنا من قبل بموسيقاه الشهيرة المصاحبة لأعمال تليفزيونية عظيمة، مثل مسلسل «Game of Thrones» و«Westworld».

على المستوى الفكري، لم أجد جديدًا يذكر، فالفيلم يقدم متعة المغامرات والخيال العلمي، ويعيدك لذكرياتك مع سلسلة «Transformers» – سواء مسلسل الكارتون أو سلسلة الأفلام – والعمالقة مازينجر وجراندايزر، ولا يشغل باله بمناقشة قضايا فلسفية أو وجودية عميقة.

يبدو الفيلم مبشرًا بحقبة جديدة من الأفلام ذات الطابع الصيني الطاغي، تحاول فيه الصين ترسيخ أقدامها في الثقافة السينمائية كقوة عالمية متعددة التأثير، وغزو هوليوود في عقر دارها.

إلا أن الأمر الذي أثار انتباهي بشدة، هو سيطرة الثقافة الصينية على الفيلم بشكل لافت، عشرات الممثلين الصينين، نصف الفيلم تم تصويره في أماكن صينية، شركة تطوير الياجرز شركة صينية، ومديرتها تتحدث طوال نصف الفيلم بـ«الماندرين» – اللغة الصينية – مع وضع ترجمة إنجليزية لها على الشاشة، د. نيوتون يحاول أن يتعلم اللغة الصينية للحديث مع مديرته، وجاك يرتدي ملابس صينية تقليدية ليبدو جذابًا، وفي نهاية الفيلم يقوم الصينيون بإنقاذ العالم.

من الواضح للغاية أن الصين تحاول السيطرة على هوليوود، وتنفق على ذلك مئات المليارات من الدولارت، شاهدنا شركة «علي بابا» عملاق التجارة الإلكترونية تقوم بالاستثمار في الإنتاج، وتشارك في إنتاج أفلام مثل الجزء الأخير من «Mission Impossible» وكذلك الجزء الأخير من «Star Trek»، والجزء الأخير من سلسلة «Teenage Mutant Nina Turtles».

يبدو أيضًا أن تأثير الصين لا يتوقف فقط عند الجانب الاقتصادي، بل يتعداه لتقديم صورة للصين نفسها داخل أعمال هوليوود بطريقة جذابة، لا تنسى مثلًا في فيلم «The Martian» أن وكالة الفضاء الصينية هي التي ظهرت فجأة في النهاية، لتنقذ حياة رائد الفضاء الأمريكي، ولا ننسى أيضًا فيلم «The Great Wall»، ففي أجواء ملحمية يتعلم الرحالة الغربيون من الصينيين، كيف يقاتلون من أجل الدفاع عن مستقبل البشرية، أمام عدو وحشي لا يرحم.

يبدو الفيلم مبشرًا بحقبة جديدة من الأفلام ذات الطابع الصيني الطاغي، تحاول فيه الصين ترسيخ أقدامها في الثقافة السينمائية كقوة عالمية متعددة التأثير، لا تبدو كائنات الكايجو فقط الوحيدة القادرة على عبور المحيط الهادي من الصين للولايات المتحدة، بل تبدو الثقافة الصينية قادرة على غزو هوليوود في عقر دارها، والانتشار منها إلى كافة أنحاء العالم، عبر شاشات الـ«IMAX» العملاقة، وحتى شاشة هاتفك الجوال الصغيرة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.