للطالب الفلسطيني في الجامعات الإسرائيليّة حكايات تطول وتطول، كيف لا وقد وجد هذا الطالب نفسه بعد النكبة في كيان جديد غريب، لا يعرف لغته ولا شعبه، ولا يدري كيف يتعامل معه، وهو الذي طرد أهله وفرض عليه حُكمًا عسكريًا كان يُمنع فيه من الخروج من بلده لمجرد الخروج، إلا بتصريح خاص من الحاكم العسكري. وفي هكذا أجواء لم تكن نسبة الطلبة الفلسطينيين إلا حوالي 1 أو 2 % من نسبة الطلبة في الجامعات الإسرائيلية. وليت الأمر ينتهي هُنا، فالطالب الفلسطيني كان مضطرًا في بعض الأحيان أن يُغيّر اسمه من إبراهيم إلى يوسي أو من محمد إلى موشى، كي لا يُفتضح أمر أنه عربي، وبالتالي لن يقبله أحد ليسكن في عمارة لليهود أو حتى للعمل في مطعم ليؤمن تكاليف دراسته. هذا الطالب مرّ بظروف عصيبة كثيرة إلا أنه لم يقف مكتوف الأيدي؛ فناضل وطالب بحقوقه ولا زال، وفي رحلة نضاله التي لا تزال حكايات كثيرة كحكاية وثيقة كينغ وتشجيع االدراسة في الخارج وحكاية “جامعة بير زيت الإسرائيلية”، كما حكاية المصلى في جامعة تل أبيب وحكاية رابطة مداد في إحدى القرى الصغيرة في فلسطين المحتلة، كل هذه الحكايات سنطلع عليها في التقرير التالي.بلا هوية!بعد الصف الثاني عشر يجد الطالب الفلسطيني نفسه مُحاطًا بالكثير من الأسئلة المحيرة ككل طالب، إلا أن الوضع في الداخل الفلسطيني أعقد، فالطلاب العرب في المدارس الإسرائيلية يدرسون في مدارس عربية قام بتحديد منهاجها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية. في الماضي، وبالأخص في سنوات الحُكم العسكري الذي استمر حوالي 18 عامًا، كان يتم تعيين الأساتذة من قبل “الشاباك” وهو جهاز المخابرات العام، وكانت مُحاولات الأسرلة للمجتمع الفلسطيني الذي تبقى في أراضي 48 واضحة جدًا، حيث تظهر بعض الصور الأرشيفية كيف كان الأطفال يحتفلون بيوم استقلال إسرائيل وينشدون النشيد الوطني. اليوم بات الأمر مُختلفًا كما تُشير بعض الدراسات بأن الإستراتيجية الإسرائيلية اليوم هي خلق طالب عربي بلا هوية، لا فلسطينية ولا إسرائيلية، وبالتالي يتخرج هذا الطالب من الصف الثاني عشر دون علم بتاريخه الحقيقي، وقد تكون مصطلحات بسيطة كمصطلح النكبة غريبة عنه إذا لم يقم الأهل بالتوعية اللازمة. وهكذا فإن هذا الطالب ينشأ “بلا هوية” واضحة ولا يفهم حقيقة المنظومة التي يعيش فيها بعكس الطالب اليهودي الذي لا يدخل الجامعة إلا بعد أن يخدم الجيش الإسرائيلي ويكتسب هناك العديد من المهارات العسكرية والحياتية وتصقل شخصيته بشكل أفضل، وهذا ينعكس بشكل مباشر على هموم وطموحات الطالب العربي، ولعل هذا بالإضافة إلى ضعف بعض الطلاب العرب باللغة العبرية وعدم اطلاعهم على حقيقة متطلبات سوق العمل الإسرائيلي وفهمهم له بسبب عدم “إنخراطهم” في المجتمع الإسرائيلي هو السبب في أن حوالي 60% من الطلاب العرب يُغيرون تخصصاتهم بعد السنة الجامعية الأولى.جامعة بيرزيت الإسرائيليةمع أن اسمها جامعة حيفا، إلا بعض الطلبة اليهود يُلقبونها بجامعة بير زيت الإسرائيلية، فجامعة بير زيت هي إحدى الجامعات الفلسطينية المرموقة، ويلقبونها كذلك لكثرة الطلاب العرب فيها حيث تصل نسبتهم إلى حوالي 23% وهي نسبة عالية جدًا لو قورنت بالجامعات الإسرائيلية الأخرى، كما أنها توازي نسبة الفلسطينيين في “إسرائيل” وربما أعلى بقليل ويعود السبب في ذلك أنها الأقرب إلى مدينة الناصرة وقرى الجليل. وهذه التسمية لا تأتي من النسبة فقط، فالنسبة أقل من الرُبع حتى، ولكن النشاط الطلابي في حيفا هو السبب، فالطلاب هناك “ناشطون سياسيًا وصوتهم مرتفع” كما ذكرت إحدى المحاضِرات في علم الإحصاء في الجامعة نفسها. ولو عُدنا لتاريخ الحراك الطلابي في الجامعة لوجدنا أن الوضع اليوم لا يُقارن بما كان عليه في الماضي، وفي تقرير لصحيفة السفير أنه: ” خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، حيث استدعت الجامعة الشرطة لقمع التظاهرة فما كان من «لجنة الطلاب» إلا أن أقامت الدنيا ولم تقعدها فوق رأس الجامعة، لتجرئها على إدخال رجال الشرطة إلى الحرم الجامعي. ” ومع أن النشاط الطلابي قد تقلص عن ما كان عليه في السابق؛ ففي ذكرى النكبة في العام الماضي تم تجميد نشاط الكتل الطلابية لأن الطلاب قاموا بإحياء ذكرى النكبة، بعد أن رفضت الجامعة طلبهم بإحياء ذكرى النكبة. ومن الجدير بالذكر أن جامعة حيفا نشرت في فترة سابقة على موقعها الإلكتروني مدى افتخارها باستمرارها في تشكيل “البيت الأكاديمي لقوات الأمن” حيث يتم تدريب وحدات الاستخبارات والجنود، وبالتالي فإن الطالب في جامعة حيفا يجد نفسه أحيانًا كما لو كان في مؤسسة عسكرية وليس مؤسسة أكاديمية لكثرة من يرتدون الزي العسكري في ساحات وأروقة الجامعة.مصلى في جامعة تل أبيب!قبل عام 2004، كُنتَ إذا أردتَ الصلاة في جامعة تل أبيب؛ عليك بالبحث بين الصفوف وقاعات المحاضرات عن زاوية سريّة لا تُرى منها أو رُبما صليت في الحديقة أمام أعين الجميع. عام 2004 وبمبادرة من كتلة اقرأ الطلابية الناشطة في جامعة تل أبيب وغيرها من الجامعات الإسرائيلية تم افتتاح مصلى في جامعة تل أبيب بعد جُهود مضنية فقد كانت هُناك مُعارضة لإقامة المسجد من قبل بعض الجهات، بالنسبة لليساري الإسرائيلي لم تكن هناك مشكلة في الموضوع، أما اليميني فقد وجد بإقامة المصلى خطرًا على وجوده، ففي تلك الأيام علّقت إحداهن على الخبر في موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بقولها: “ها هو المسجد يعود للشيخ مونّس “. والشيخ مونّس لمن لا يعرف، هو اسم القرية الفلسطينية التي هُدمت وأقيمت على أراضيها الجامعة مع العلم أن قصر مُختار القرية لا زال موجودًا ويستغل اليوم كقاعة أفراح فاخرة. وبالطبع فليست الصلاة هي النشاط الوحيد في الجامعة، فكثيرًا ما انتفض الطلاب العرب في الجامعة نُصرة لإخوانهم في غزّة وكثيرًا ما يُواجه الطلاب بأعداد هائلة من الشرطة والمخابرات قد تكون أكبر من أعداد المتظاهرين، كما أنه نادرًا ما تُرى مظاهرة عربية فلسطينية في الجامعة دُون أن تخرج مقابلها مظاهرة مضادة تُرفع فيها الأعلام الإسرائيلية وتُسمع فيها الشعارات التي تُخوّن العرب في “إسرائيل” وتُطالب بطردهم من بلادهم إلى غزة أو أي دولة عربية أخرى بعيدًا عن دولة اليهود.رابطة مدادلأن النشاط الطلابي لا يكون في الجامعات فقط، فإن بعض الطلاب يرى نفسه مدينًا للمجتمع الذي أنجبه بعيدًا عن أي توجه سياسي مُحدد، حيث أن معظم الحركات الطلابية الفلسطينية في الجامعات الإسرائيلية هي ممثلة لحركات سياسية معينة. وفي الأعوام الأخيرة ومع انتشار الحركات الشبابية في العالم العربي، انتشرت كذلك في فلسطين حركات شبابية وطلابية غير متعلقة بأي حزب أو جماعة. وهنا يُمكننا الاطلاع على رابطة مدادٍ كنموذج في قرية فلسطينية صغيرة داخل الخط الأخضر، حيث اُسست عام 2009 بمبادرة الطالب محمود ريان والذين كان يدرس المحاسبة في إحدى الكليات الإسرائيلية ولاحظ مدى صعوبة وضع الطالب العربي في الجامعات الإسرائيلية. وجمعت الرابطة مجموعة من الطلاب والأكاديميين الذي يتطلعون للنهوض بالمستوى التعليمي والثقافي في القرية. فهناك اجتماع سنوي للرابطة يحضره كل معني، يُستمع فيه إلى هموم الطلاب وذويهم والمشاريع المقترحة، ولا تنحصر هذه المشاريع في المجال التعليمي فقط، فهناك مثلًا الرحلات التي تهدف إلى تعريف الشباب بالقرى الفلسطينية التي طُرد أهلها منها في نكبة 1948 والتي لا يتم ذكرها في المدارس وكذلك فهنالك النشاطات العلمية مثل الرحلات إلى شركات الصناعات المتطورة أو المشاركة في بناء حديقة من مخلفات النفايات في القرية أو مشروع المحاضرات الرمضانية التي يدخل فيها طلاب الجامعات إلى المسجد ويقومون فيها بشرح موضوع علمي من تخصصهم الجامعي لأهل المسجد في نهايات الأسبوع. كما وهناك المشاريع التطوعية مثل مشاريع تنظيف القرية وتجميلها من خلال غرس الشجر. وبالإضافة إلى كل ذلك فإن التوعية التي تهدف إلى تشجيع الطلاب على طلب العلم وإعدادهم لمواجهة المشاكل التي ستعترض طريقهم في الجامعات الإسرائيلية من أبرز المشاريع، ففي كُل عام يتم اصطحاب الطلاب إلى إحدى الجامعات الإسرائيلية ضمن مشروع “يلا ع الجامعة”.وثيقة كينغ والطالب العربيفي عام 1976، بعد الهبة الجماهيرية التي عبّر فيها الفلسطينيون في الداخل عن موقفهم الرافض لمصادرة أراضيهم وفقًا لخطة “تهويد الجليل” وهو ما عُرف بيوم الأرض الأول، قامت صحيفة “عل همشمار” بفضح وثيقة سرية إسرائيلية عُرفت بويثة كينغ جاء فيها توصيات لا زالت آثارها حتى يومنا هذا. فقد نصت الوثيقة على تشجيع هجرة الشباب العرب للدراسة والعمل في الخارج كما أنها نصت على تشجيع الشباب العرب على دراسة المواضيع التقنية في سبيل إبعادهم عن السياسة. ولو أخذنا مثلًا الراغبين بدراسة موضوع الطب فهناك تحديات عديدة ستواجههم فيما لو أرادوا الدراسة في بلادهم، حيث كانت بعض الجامعات الإسرائيلية تشترط على الراغبين بدراسة موضوع الطب أن يكونوا فوق جيل 20 عامًا، وقد كان هذا الشرط من أبرز أشكال العنصرية ضد الطلاب العربي، فالطالب اليهودي لا يُعاني من هذه الاشكالية كونه مُلزمًا بالخدمة في الجيش لمدة 3 سنوات، ولكن وبعد جهود مضنية تم إلغاء هذا الشرط في أواخر عام 2014. ولكن وللأسف لا ينتهي الأمر هُنا، فمن أجل دراسة موضوع الطب على الطالب أن يجتاز كُل امتحانات الثانوية العامة بنجاح وبتفوق ثم يقوم بكتابة امتحان آخر يُسمى “البسيخومتري” وهو امتحان صعب، ورغم أن علامات الطلاب اليهود في هذا الامتحان أفضل بشكل عام من علامات العرب، فالفرق بين الميزانية المخصصة للطالب العربي في المدرسة تبلغ في أحسن الأحوال نصف ميزانية الطالب اليهودي وفي بعض الأحيان أكثر، كالفرق بين قلنسوة العربية حيث الميزانية حوالي 650 دولارًا بينما رعنانا اليهودية 3500 دولار، ورغم هذا فقد بدأ وضع الطالب العربي يتحسن بفضل الوعي والدورات التأهيلية المتميزة والتي وللأسف تكاليفها باهظة. وللعلم فقد حصل الطالب حمزة مراد وهو فلسطيني من الداخل بالحصول على 795 من 800 وهي أفضل علامة على مستوى الطلاب العرب واليهود وتم قبوله لدراسة الطب في الجامعة العبرية، إلا أنه وللأسف هناك الكثير من الطلاب ممن يحصلون على علامات ممتازة جدًا ولكن لا يتم قبولهم في المقابلات التي تجرى وهي صعبة جدًا، بالأخص للطالب العربي الذي نشأ في اجواء بعيدة جدًا عن الأجواء “الثقافية” الإسرائيلية ولهذا تجد آلاف الطلاب الفلسطينيين في الداخل يتوجهون لدراسة الطب في ألمانيا، الأردن، إيطاليا ومولدوفا وغيرها من دول العالم.