يحتار كثير ممن يعرف بعض الفلسطينيين بشأن جوازات سفرهم ووثائقهم الرسمية، فيقابل من يحمل الجواز الأردني وآخر يحمل وثيقة مصرية وثالث يحمل جواز سلطة فلسطينية، ويرى أحد الفلسطيين يستطيع الذهاب لفلسطين ويستغرب بشأن آخر لا يستطيع الذهاب فيسأله “لماذا هو يسافر هناك وأنت لا!”هذه الاختلافات في الوثائق الرسمية بين الفلسطينين كثيرة، وتأثيرها عميق حتى على المستوى الاجتماعي، فتجد كثيرا ممن يحمل جواز سفر أردني يرفض تزويج ابنته لحامل الوثيقة، وتجد من يحمل هوية مواطنة فلسطينية ويرفض الزواج من فتاة لا تحمل الهوية ذاتها. سأحاول في هذا المقال أن أشرح هذه الوثائق وظروفها وكيف استحقتها مجموعة من الفلسطينيين ولم يستحقها آخرون وتاريخها وكيف تشكلت إلى الوضع الذي هو عليه الآن، وسيكون الشرح تاريخيًا بالدرجة الأولى، لأن الأمر إن شُرح بدون تاريخه كان كمن يشرح لوحةً في غرفة مظلمة.بعد الحرب العالمية الأولى وسيطرة الحلفاء على المنطقة العربية وتقسيم الدول بينهم، أقرت منظمة عصبة الأمم أن تكون فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وصار الفلسطينيون تحت الحكم البريطاني بقانون الانتداب، فحصل جميع الفلسطيين الذين يرغبون في السفر على وثائق سفر بريطانية لتسهيل سفرهم، وهذه الوثيقة تختلف عن الجواز البريطاني الذي يعطى للمواطنين، فوثيقة السفر هي وثيقة تعطى للمقيمين في الدولة الذين لم يحصلوا على جنسيتها. فبعد حرب 1948 قامت ما تسمى بدولة إسرائيل على حوالي 78% من أرض فلسطين، وهي فلسطين عدا الضفة الغربية وقطاع غزة وهي ما يطلق عليه اليوم “حدود 48″، حين وقعت النكبة هُجّر غالب سكان حدود 48 من أراضيهم إلى الضفة الغربية وغزة و مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق، وهناك من بقي منهم داخل الحدود.بعد حرب 48 ضُمت الضفة الغربية إلى الأردن، وصارت جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية، أما قطاع غزة فصار تحت إدارة الحكومة المصرية من دون أن يكون جزءًا من الدولة المصرية، فالفلسطينيون الذين هجروا إلى الأردن – وتشمل الضفة الغربية – أصبحوا مواطنين أردنين، ومن أصدر منهم جواز سفر في تلك الفترة صار معه جواز أردني يحمل الصلاحيات الكاملة للمواطن الأردني. وأما الفلسطينيون الذين هُجِّروا إلى مصر وقطاع غزة فقد أصدرت لهم الحكومة المصرية وثيقة سفر مكتوب عليها “وثيقة سفر مصرية لللآجئين الفلسطينيين”. وأما من هُجِّر إلى سوريا فقد أًصدِرت له وثيقة سفر سورية، وكذلك اللاجئون إلى لبنان حملوا وثيقة سفر لبنانية، ولا يختلف حالهم عمن لجأ إلى العراق ليحمل وثيقة سفر عراقية. الفلسطينيون الذي لم يرحلوا من أراضي 48 كان لهم وضع مختلف تمامًا، فبحكم وجودهم داخل الدولة وادعاء إسرائيل أنها حكومة علمانية لا تفرق بين الأديان، فقد أصدرت لهم جنسيات إسرائيلية ليكونوا في القانون مثل باقي اليهود وهذا ما جعلهم بالطبع يحملون جوازات سفر إسرائيلية.استمر هذا الحال حتى نكسة عام 1967، حين احتل الكيان الصهيوني ما تبقى من أرض فلسطين وهي الضفة الغربية وقطاع غزة واحتل معها شبه جزيرة سيناء المصرية والجولان السوري، في هذه الحرب لم يكن هدف إسرائيل تهجير الفلسطينيين من أراضيهم كما كان الحال في حرب 48 وإنما كان هدفهم الرئيسي احتلال الأرض. الفلسطينيون الذين سكنوا الضفة الغريبة صاروا في عرف إسرائيل مقيمين في أراضٍ إسرائيلية ولهذا أُصدرت لهم هويات تثبت سكنهم في الضفة الغربية، هذه الهويات هي ما تصرح لهم دخول الضفة الغربية والإقامة فيها. أما أهل القدس فقد كان لهم وضع خاص، فلأن إسرائيل اعتبرت القدس عاصمة لها وجزءًا لا يتجزأ من دولتها، فقد اعتبرت ساكني القدس مقيمين في دولة إسرائيل، فأصدرت لهم هويات إقامة إسرائيلية من دون جنسية، هذه الهوية كإقامة دائمة في دولة إسرائيل، وهي تعادل الجرين كارد الأمريكي. ولك أن تسأل، أهل الضفة الغربية الذين قضوا تلك الفترة خارج الضفة ماذا حل بهم؟ والجواب أنه لم يكن لهم الحق في الهوية الفلسطينية ولم يسمح لهم بالدخول إلى الضفة والإقامة فيها إلا عن طريق معاملات “لمِّ شمل من الأسرة” وكذلك الحال بالنسبة لسكان قطاع غزة، فمن كان منهم موجودًا بعد حرب 67 حصل على هوية فلسطينية تؤهله للإقامة في غزة ومن لم يكن هناك في تلك الفترة لم يستحقها ولو كان خارجًا للعمل أو حتى في كثير من الأحيان “للسياحة”!في تلك الفترة بعد نكسة 67 سمحت الحكومة الأردنية لسكان قطاع غزة الذين يحملون وثائق سفر مصرية أن يتقدموا بطلب ليحصلوا على جواز سفر أردني مؤقت يتم تجديده كل عامين ويحمل صاحبه صلاحيات الأردني خارج الأردن، أما داخل الأردن فله حق الإقامة وليس له الحقوق المدنية للمواطن الأردني.بعد قرار فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن انفصلت الضفة رسميًا عن دولة الأردن، فمن أصدر الجواز الأردني في السابق فقد اكتسب “الرقم الوطني الأردني” وهو الرقم الذي يعتبرك مواطنًا أردنيًا كاملا له كل الصلاحيات. وأما مواطنوا الضفة الغربية الذين أصدروا جوازات سفر أردنية بعد قرار فك الارتباط فقد حصلوا على جواز سفر أردني من غير رقم وطني أردني، وهذا يعني أنهم ليسوا مواطنين أردنين وإنما هم فلسطينيون يحملون جوازات سفر أردنية فقط. العجيب أن بعض أهل الضفة كانوا في الأردن حين قرار فك الارتباط لدواعي الدراسة وأحيانا “للتسوق”، وهؤلاء حصلوا بعد القرار على رقم وطني لوجودهم داخل الأردن! وهذا الاختلاف حاصل في داخل الأردن وفي الحقوق المدنية والسياسية والعسكرية، أما في أمور السفر والتأشيرات خارج الأردن فلا فرق بين من يحمل جواز سفر أردني برقم وطني أو بغير رقم وطني ومن يحمل جواز السفر الأردني المؤقت العجيب.بعد توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993 صدر بذلك قانون سلطة ذاتية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما سمح بإصدار جواز السلطة الفلسطينية، وأن تكون بطاقات الهوية لأهل الضفة الغربية وقطاع غزة تصدر من السلطة الفلسطينية بموافقة إسرائيلية، وجواز السلطة الفلسطينية يصدر لكل شخص يحمل هوية مواطنة فلسطينية سواء من الضفة الغربية أو من قطاع غزة ولكنه لا يعطى للّاجئين الفلسطينين سواء من يحمل وثيقة مصرية أو سورية أو لبنانية أو يحمل جوازًا أردنيًا بأنواعه. فأهل الضفة الغربية الذين يحملون جواز سفر أردني، سواءً برقم وطني لمن أصدره قبل 1967 أو بدون رقم وطني لمن أصدره بعد ذلك، لم يحتاجوا لأن يستخرجوا جواز سلطة فلسطينية، لأن الجواز الأردني أقوى وأفضل للسفر، أما سكان قطاع غزة الذين يحملون وثيقة سفر مصرية فقد تخلصوا منها بسرعه ليحصلوا على جواز السلطة الذي يؤهلهم للسفر والتنقل أفضل من الوثيقة.من المصائب التي واجهت الفلسطينيين في الشتات قانون أقرته جامعة الدول العربية في مؤتمر تونس: أن لا يسمح للفلسطيني أن يحصل على إقامة في بلد عربي أو جنسية حتى يحتفظ بحق العودة. وإن كان منع الحصول على جنسية مبرًرا بأن لا يسقط حق العودة، فإن منع الفلسطيني من الحصول على إقامة في دولة غير التي يسكن فيها لا مبرر له وقد أضر بالفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر. ومن غير المبرر للحكومات العربية عدم معاملة الفلسطيني معاملة تليق بلاجئ لا يملك وطنًا، فإن كان قرار عدم التجنيس معتبرًا لعدم إضاعة حق العودة، فإن ذلك يوجب على الدول العربية معاملة الفلسطيني معاملة تليق به ومنحه الإقامة متى احتاج إلى ذلك. الوثائق التي أصدرت للفلسطيني اللاجئ على أنواع؛ فالوثيقة السورية تسمح لصاحبها بالإقامة في سوريا ومعاملته معاملة المواطن، أما الوثيقة اللبنانية فهي تسمح لحاملها بالإقامة في المخيم الفلسطيني في لبنان فقط وتمنع عنه بضعًا وخمسين وظيفة منها الطب والهندسة. أما الوثيقة المصرية فهي لا تخِّول صاحبها من دخول مصر إلا بتأشيرة زيارة فقط. وتعد الوثائق المصرية والسورية واللبنانية والعراقية غير معترف بها دوليًا وهي من أكثر الوثائق الرسمية صعوبة في السفر، لأن حاملها لا دولة له ولا يمكن ترحيله من البلد التي يقيم فيها أو يزورها ولا تجد من يستقبله إن أرادت الدولة ترحيله لأي سبب، وقد وضعت وزراة الخارجية النيوزيلندية قائمة بالوثائق غير المعترف بها، ومنها جواز الإمارة الإسلامية في أفغانستان التابعة لطالبان ووثيقة السفر المصرية للآجئين الفلسطينيين !أما على المستوى الاجتماعي فلم يغب عن الضرر الذي أصاب اللاجىء الفلسطيني، فاللاجىء لو أراد الزواج بفتاة تملك هوية مواطنة فلسطينية فإنه لن يستطيع الدخول إلى فلسطين، وإن خرجت هي من فلسطين فإن أولادها لن يستطيعوا الدخول إلى فلسطين أيضًا حيث أقاربهم من أمهم. كذلك يرفض كثير ممكن يحملون الجوازات الأردنية الزواج ممن يحملون الوثائق لصعوبة وضعها في السفر والإقامة وهو ما قد يسبب الضرر للزوجة التي تحمل الجواز الأردني.وصفوة القول، أن وثائق سفر الفلسطينين قد أضرت بكثير منهم على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو حريّ بأن يبحث في مؤسسات جامعة الدول العربية وحقوق الانسان بأن يعطى الفلسطيني حقوق الإقامة في الدول العربية والعيش بكرامة وأن يجد له وطنا آخر يستند إليه في غياب دولته المرتقبة من دون تجنيسه وإضاعة حق العودة.