أكثر من 600 صحافي من 117 دولة حول العالم فحصوا 11.4 مليون وثيقة حصلوا عليها من 14 شركة للخدمات المالية واستطاعوا عبر الجهد الاستقصائي المتميز على مدار 5 سنوات من العمل أن يسلطوا الضوء على 29 ألف شركة وهمية تم إنشاؤها في مناطق آمنة ضريبيًا لإخفاء أصول أموال أثرياء العالم وكبار قادته.

اكتسب التحقيق المنشور مصداقيته، ومن ثمّ أثار غضبًا عالميًا، كونه أُعد ونُشر بإشراف الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين. ومن أبرز التحقيقات التي نشرها الاتحاد سابقًا كانت وثائق بنما التي أحدثت رجّة في العالم وقتها، وسقطت بسببها حكومات مثل حكومة باكستان وآيسلندا، وفُتح بسببها 150 تحقيقيًا دوليًا في 79 بلدًا.

القائمة ببدأت بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، حيث أكدت أنه أسس منفردًا 30 شركة في ملاذات ضريبية. وعبر تلك الشركات استطاع شراء 14 عقارًا فخمًا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، تبلغ قيمتهم الإجمالية 106 ملايين دولار. كما اشترى 3 منازل مطلة على المحيط في ماليبو بولاية كاليفورنيا بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني. وغيرها ممتلكات باهظة في لندن وأسكوت في المملكة المتحدة.

الاتحاد الدولي للاستقصائين علّق ساخرًا على هذا الحقيقة قائلًا إنه بينما تتدفق المساعدات الخارجية على الأردن، فإن العاهل المغربي رأى أنه من الأفضل قضاء 14 عامًا، ما بين 2003 لـ 2017 في شراء منازل فاخرة خارج بلاده. السفارة الأردنية في واشنطن رفضت التعليق على هذا البيانات، لكن هيئة الإذاعة البريطانية استطاعت الوصول لمحاميّ الملك الذين قالوا إن تلك الممتلكات تم شراؤها بأموال شخصية. وأن استخدام شركات الملاذ الضريبي ليس إلا إجراءً لحماية خصوصية وأمن الملك فحسب.

بعد ملك الأردن جاء دور نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني الحالي، وسلفه حسان دياب، أكدت الوثائق أنهما تعاملا مع تلك الشركات كذلك. كما قالت إن رئيس وزراء تشيكيا، أندري باربيس، قد استثمر قرابة 22 مليون دولار في شركات وهمية كذلك لشراء قصر بيجو الواقع في موجان جنوب فرنسا.

بوتين يؤمن مستقبل ابنه

الوثائق ذكرت أسماء عدد من الوزراء الباكستانيين وعائلاتهم، وأظهرت كذلك أسماء عدد من الأفراد المقربين من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان. من جانبه أعرب عمران خان عن سعادته بالتقرير، ووعد بإجراء تحقيق في كافة الأسماء التي وردت فيه، ومعاقبتهم حال ثبوت التهم عليهم. ويُعتبر رد فعل عمران خان من أفضل ردود الفعل الدولية تجاه وثائق الباندورا.

أما القيصر الروسي، فلم يرد اسمه بشكل مباشر في الوثائق، لكن وردت أسماء عدد من المقربين منه. كما أوردت صحيفة الواشنطن بوست أن أحد المباني الفخمة في موناكو اشترتها امرأة عبر شركة وهمية تقول تلك الصحيفة إن تلك المرأة أنجبت طفلًا من بوتين.

وبعد بوتين جاء ذكر الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس ومكتب المحاماة التابع له، حيث أظهرت الوثائق أن المكتب أخفى هوية المالك لعدة شركات وهمية، ولم تفصح الوثائق عن اسمه لكنها اكتفت بالإشارة إليه باعتباره سياسياً روسياً متهماً باختلاس أموال.

أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فذكرت الوثائق أنه قبيل انتخابه عام 2019 قام بتحويل حصته في شركات وهمية إلى حساباته البنكية. أمّا توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، المشهور بحملته الشديدة على الملاذات الضريبية والشركات الوهمية فقد كشفت الوثائق عن شرائه مبنى بقيمة 9 ملايين دولار عام 2017 عبر شركة وهمية يمتلكها في جزر فيرجن البريطانية. ليتجنبا بذلك دفع مئات الآلاف من الدولارات كضرائب وفقًا للقانون البريطاني.

الملاذات الضريبية ليست جريمة

كقاعدة عامة فإن تلك الأفعال قد لا يعاقب عليها القانون في ذاتها، لأن التهرب الضريبي عبر الشركات الوهمية لا يُعد فعلًا غير قانوني في العديد من دول العالم، إلا إذا كشفت تلك الشركات عن التورط في نشاط تجاري غير شرعي، وفي حالة القادة السياسيين فإن تلك الأحداث تُعتبر فضيحة سياسية قد ترتبط بقضايا أخرى متعلقة بالفساد.

لهذا كان من ضمن 336 شخصية بارزة تحدث عنهم التحقيق عدد من الرياضيين والفنانين وغير المهتمين بالسياسة عمومًا، مثل المغنية الكولومبية شاكيرا، وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر، ونجم الكريكيت الهندي ساشين تندولكار.

الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية أنشأه المركز الأمريكي للنزاهة العامة عام 1997، وأصبح الاتحاد الاستقصائي كيانًا مستقلًا عام 2017. ولدى الاتحاد أكثر من 100 وسيلة إعلام شريكة في مجهوداته. لكن رغم نشأته الأمريكية فقد وصفت وثائق باندورا الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أكبر ملاذ ضريبي في العالم.

التقرير ذكر أن ولاية داكوتا الجنوبية وحدها تخفي مليارات الدولارات المملوكة لأشخاص سبق اتهامهم بتهم مالية خطيرة. وأن هناك العشرات من شركات أوروبا والبحر الكاريبي تقوم بتحويل الأموال إلى داكوتا الجنوبية. وبجانب داكوتا ذكر التقرير قرابة 12 ولاية أمريكية تمثل أكبر مراكز للسرية المالية في العالم. تلك الأوصاف تضع بايدن في موقف حرج، إذ قامت حملته على وعود بضمان شفافية النظام المالي العالمي.

الإمارات الأولى عربيًا

وعاد التقرير للحديث عن بريطانيا لاحقًا بذكره قيام الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وعائلته متورطون في شراء عقارات في بريطانيا قيمتها أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني. هذا الكشف تحديدًا يضع الحكومة البريطانية في مأزق، إذ بيعت أحد ممتلكات آل علييف إلى كراون ستيت، إمبراطورية الملكة العقارية وتديرها وزارة الخزانة، بمكسب قدره 31 مليون جنيه إسترليني.

لعل تلك الاكتشافات المتتابعة هي السبب وراء تسمية الكشف بوثائق باندورا، نسبة إلى صندوق باندورا الذي يخفي الكثير من الأسرار، الشرور، المتداخلة في الميثولوجيا الإغريقية.

وتلك الشرور المتداخلة هي التي أرعبت السلطات البنمية من أن تشملها فضيحة مرة أخرى متعلقة بملاذات ضريبية. لهذا أرسلت السلطات البنمية رسائل عبر وسائلها المحلية للإعلام بأن أي منشور قد يُعزز التصور الخاطئ عن بنما باعتبارها ملاذاً ضريبياً محتملاً سيكون له عواقب وخيمة على البلاد، وقد يؤدي إلى أضرار غير قابلة للإصلاح. لكن حتى اللحظة لم تُظهر الوثائق أي شيء بخصوص بنما.

 بينما قال الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن مزيدًا من التفاصيل قد يُنشر بخصوص عدد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ولبنان وقطر. واكتفى التقرير بذكر أن الإمارات هى أكبر دولة عربية تضم شخصيات سياسية لهم علاقة بالتسريبات بإجمالي 11 شخصية سياسية، يليها لبنان بإجمالي 6 شخصيات. وتليهم السعودية بإجمالي 5 شخصيات.

أما اسم مصر فقد ورد عبر ذكر اسم مجدي راسخ، صهر الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. راسخ أحيل عام 2021 لمحكمة جنايات القاهرة لعدم تسديد شركته ناشونال جاز لمستحقاب بلغت مليار جنيه للهيئة المصرية العامة للبترول. لكن وثائق باندورا كشفت أن راسخ مستمر في توريد الغاز للمنازل والمصانع عبر شركة أخرى مختبئًا خلف أحد المقربين منه، عصام كفافي، عبر تكوين شركة فِليت إينرجي المسجلة في أحد الملاذات الضريبية.