يفتقر الفريق للهوية الجماعية، التي تتمتع بها كبرى الفرق في أوروبا. نحن في حاجة إلى تكوين فريق حقيقي، وخلق روح جماعية حقيقية للفريق. يجب أن نضم لاعبين فخورين بتمثيل باريس سان جيرمان، وعلى استعداد للقتال من أجل الفريق في كل لحظة. هدفي في السنوات القليلة المقبلة هو أن يكون لدينا لاعبون بارسيون فقط في فريقنا.
ناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جيرمان، صيف عام 2022

كان هذا التصريح هو رد القطري ناصر الخليفي، رئيس نادي «باريس سان جيرمان»، عن سبب الإخفاقات المتتالية للفريق أوروبيًا، بعد 12 عام من شغله منصب رئيس النادي، و استحواذ شركة قطر للاسثمارات الرياضية على الفريق.

بعيدًا عن أن الفريق الباريسي ودَّع دوري أبطال أوروبا هذا العام أيضًا، وبنفس السيناريوهات السابقة، فلا تعود غرابة التصريح أعلاه للفرضية التي طرحها الخليفي عن نظرته في كيفية خلق هوية لفريقه، وإنما لانتظاره قرابة العقد ونصف، حتى يُدرك أن سياسة جلب النجوم من كل حدبٍ وصوب بملايين الدولارات ليست هي السبيل نحو تحقيق المجد الأوروبي، ولكن أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي أبدًا.

وبفرض أن الخليفي جاد في طرحه، هل حقًا تمتلك «باريس»كمدينة في المقام الأول وكنادٍ في المقام الثاني من أدوات ومقومات ما يمكنها من تحقيق ما يمكننا تسميته بمشروع باريس سان جيرمان الحقيقي نحو التاج الأوروبي؟

بين الماضي والحاضر

بالنظر إلى كأس العالم التي انتهت منذ عدة أسابيع في قطر، سنجد أنه من بين تشكيلة المنتخب الفرنسي-وصيف البطولة- المكونة من 26 لاعب، وُلد ما لايقل عن 11 لاعبًا إما في باريس أو ضواحيها، وهم: «ألفونس أريولا- جول كوندي-إبراهيما كوناتي-وليم صليبا-يوسف فوفانا-أكسل ديساسي-ماتيو جندوزي-أدريان ربيوت-راندال كولو مواني-كينغسلي كومان-كيليان مبابي.»

هذا بالإضافة إلى اللاعبين المولدين في باريس، ومثلوا منتخبات أخرى غير فرنسا، بسبب جنسيتهم المزدوجة، مثل:

«رافاييل جيريرو(البرتغال)- رياض محرز الذي نشأ في ضاحية سارسيل بشمال باريس (الجزائر)» وغيرهم في منتخبات أوروبية وأفريقية.

بالمقارنة مع المدن الكبرى، لم تسجل أي مدينة عدد لاعبين نشأوا فيها وشاركوا في كأس العالم الأخيرة، أكثر من «باريس». أتت «لندن» في المركز الثاني بتسعة لاعبين، وخمسة من منطقة «الرور» بألمانيا، وأربعة من «أمستردام»، وثمانية من «لشبونة»، وثمانية من «مدريد» وخمسة من «بلغراد». لكن هناك فرق جوهري واضح بين باريس وهذه المدن، وهو أن تلك المدن الأخرى أنتجت لاعبين من الدرجة الأولى لفترات طويلة، لكن باريس لم تعتد فعل ذلك.

الباريسيون الذين هربوا
الباريسيون الذين هربوا

لم تكن باريس معقلاً للمواهب الكروية في الماضي، يتجلى ذلك بوضوح في تشكيلات المنتخبات التي حققت إنجازات فرنسا عالميًا وقاريًا، قبل كأس العالم 2018، لم تشارك باريس بلاعب واحد في يورو 1984 أو 2000، اللذان حققتهما فرنسا، وكذلك في المنتخب الفائز بكأس العالم 1998.

لكن بحلول الوقت الذي فازت فيه فرنسا بكأس العالم في عام 2018، كان ضمن قوام المنتخب كلاً من «كانتي وبوجبا وبليز ماتويدي ورابيو ومبابي بالإضافة إلى بريسنيل كيمبيمبي»، من مواليد باريس وضواحيها.

والسؤال الذي يراودك الآن، كيف حدث هذا التغير في تلك المدة القصيرة؟

الإجابة دائمًا أفريقيا

لا يختلف حال كرة القدم ، كثيرًا عن حال باقي معظم الموارد التي تنعم بها فرنسا؛ لذا كانت الإجابة عن سؤال كيف أنتجت فرنسا على كل هذه المواهب الكروية؟ هي المستعمرات الأفريقية التي نُهب مواردها خلال احتلال فرنسا لها في فترةٍ ما.

يعتقد «إيف جرجود»، مدرب فريق الشباب السابق لنادي باريس سان جيرمان، أن السبب في الطفرة التي حققتها باريس في إنتاج اللاعبين رفيعي المستوى، يعود إلى الشباب الذين تنحدر عائلاتهم من بلدان أفريقية، حيث تمثل كرة القدم لهم كل شئ.

يتفق النجم الفرنسي«بول بوجبا»، مع «جرجود»، في الرأي حيثُ تحدث ذات مرة عن الضواحي الباريسية، قائلاً:

هناك في باريس كرة قدم فقط. سواء كان ذلك في المدرسة أو في الخارج في الحي، سيلعب الجميع كرة القدم. كل يوم هي الكرة. هذا كل ما في الأمر.
بول بوجبا

يرى الفرنسي «أرسين فينجر»، مدرب «أرسنال»السابق، أن كرة القدم في الشوارع أصبحت أكثر شعبية من أي وقت مضى في باريس في وقت كانت فيه تتلاشى في العديد من المدن الأوروبية الكبرى الأخرى، لكنه أشار كذلك أن فرنسا، حتى بعيدًا عن العاصمة، تشجع المشاركة الكروية، عن طريق إتاحتها للمرافق الرياضية و ملاعب التدريب، في كافة أرجاء المدن.

وهو ما يتفق «جرجود» عليه-مدرب فريق الشباب السابق لنادي باريس سان جيرمان-، حيث يرى أن كرة القدم في الشوارع ، أصبحت أكثر تنظيماً، وأن هناك أندية هواة في جميع أنحاء منطقة باريس ساهمت في قصص نجاح كرة القدم الفرنسية الحديثة، وأنه بفضل هذه السياسة، هناك الكثير من اللاعبين الباريسين الذي يلعبون في الدوريات الخمسة الكبرى.

لكن الواقع لم يكن ورديًا تمامًا كما تظن. لم يلعب كل هؤلاء الأشخاص كرة القدم وخاصةً المهاجرين من باب الرفاهية. لكن لماذا؟ دعنا نريك الوجه الآخر للقصة.

حتى تنتقل من بوندي إلى باريس

في بداية القرن العشرين، كان مشروع مترو باريس أحد المعجزات الهندسية، حيث يُمَكنك ببساطة من الوصول لأي مكان من أي مكان داخل العاصمة أو حولها.

تقع «بوندي»على بعد 10 كيلومترات فقط من قلب باريس، لكنها بعيدة كل البعد جسديًا وروحيًا عن المدينة. هي جزء من«Seine-Saint-Denis»، المنطقة الفرنسية التي تضم أعلى نسبة من المهاجرين، وكذلك أعلى معدل فقر في فرنسا. يعيش 28.6% من سكانها الذين يزيد عددهم عن 50000 نسمة تحت خط الفقر. وفقًا لـ«INSEE» (المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية).

يلعب أهالي بوندي ومن على شاكلتها في فرنسا كرة القدم؛ أملاً في الحصول على فرصة للارتقاء الطبقي والاجتماعي، والأمثلة كثيرة جدًا، أبرزها، أحد أهم نجوم العالم، والهداف التاريخي لفريق باريس سان جيرمان، «كليان مبابي».

ترمز قصة نجاح مبابي إلى ما هو أبعد بكثير من كرة القدم، فهي القصة التي تشرح لنا السبيل الوحيد لاعتراف فرنسا بالمهاجرين أو المنتسبين إليهم بشكل أو بآخر. هؤلاء في وجهة نظر فرنسا أشباه فرنسيين، حتى يتمكنوا من صناعة المجد بشكل أو بآخر لفرنسا. فلا يوجد أمام هؤلاء سوى كرة القدم لفعل ذلك.

لم تكن ابنتي منجذبة لكرة القدم في البداية، لكنها أيضًا تلهمت من قصة مبابي، وهي وبعض السيدات، اللائي اتجهوا لممارسة كرة القدم، يبدو الأمر كما لو كان هناك تأثير على الموضة، التأثير الذي يأتي من نجاح مبابي وجميع هؤلاء اللاعبين. إنه مصدر إلهام بين شعوب غرب إفريقيا والعرب في ضواحي باريس.
أحمد فتاح ، مرب أحد فرق الفتيات في AS بوندي

وجدت باريس بلا باريسيين

في ثمن نهائي دوري الأبطال لموسم 2023-2022، وتحديدًا في ميونخ، حيث ودع باريس سان جيرمان البطولة كالعادة، كان مبابي اللاعب الفرنسي الوحيد في التشكيلة الأساسية للفريق، الذي خسر 1-0 من مباراة الذهاب ، وخسر 2-0 في مباراة الإياب.

وفقًا للبيانات الصادرة عن مرصد «CIES» لكرة القدم، فإن ما لا يقل عن 34 لاعباً لعبوا في فريق باريس سان جيرمان على مستوى الشباب، يلعبون حاليًا في الدوريات الخمسة الكبرى.

فقط ريال مدريد (43) وبرشلونة (38) أنتجا لاعبين أكثر. لكن ثلاثة فقط من باريس سان جيرمان، على عكس ثمانية من برشلونة، وخمسة من ريال مدريد ، و 10 من مانشستر يونايتد و 12 من ليون، ما زالوا يلعبون للنادي.

عندما يتعلق الأمر بحديث الخليفي عن بناء مشروع يمتمحور حول المواهب الباريسية ، فحتى وإن اتفق الشارع الباريسي على النهج، فإنهم لايثقون في تطبيق الخليفي له، يقول «إيف جرجود» مدرب الشباب السابق للنادي لموقع «ذا أثليتك»:

مدرب الشباب السابق للنادي:

قال الخليفي ذلك قبل 10 سنوات، وكان لدى باريس سان جيرمان الكثير من اللاعبين الجيدين، لكن الكثير منهم وجدوا أنه لا مكان لهم. لم يكن هناك مكان لهم للوصول إلى الفريق الأول، لذا انتقلوا بدلاً من ذلك إلى بوردو أو سانت إتيان أو مرسيليا أو ليل أو الخارج ، مثل ألمانيا. حتى وإن نجح أحدهم غي ذلك، فسيكون هذا واحدًا أو اثنين من بين 200.

مبابي قبل باريس

كما ذكرنا سالفًا كيف مثلت قصة نجاح مبابي نموذجًا ملهمًا لكل من يسكن ضواحي باريس، لكن المعضلة الكبرى الآن في إتمام مشروع شباب باريس، تتمثل في مبابي ذاته.

يرى مبابي نفسه النجم الأفضل في العالم، ويطمح إلى تحقيق ما حققه رونالدو وميسي، لكن ماذا إذا اختفى من حوله بالتدريج نجوم مثل ميسي ونيما وراموس وغيرهم، وتم استبدالهم بلاعبين شباب فرنسيين؟

قبل بضع سنوات في حواره لموقع «ذا أثليتك»، ذكر «لوران بونادي» المدرب السابق في نادي باريس سان جيرمان، ومساعد هيرفي رينارد في ولايته للمنتخب السعودي:

هذا النادي لديه القدرة على الفوز بدوري أبطال أوروبا في السنوات العشر المقبلة بأغلبية لاعبين تدربوا في باريس، لم يكن لدينا سوى الباريسيين وقلت لنفسي إن لدينا الوسائل للقيام بشيء استثنائي.

بنظرة أكثر تمعنًا يبدو أن لوران كان على حق. نجوم مثل «كيمبيمبي ورابيوت وكومان وموسى ديمبيلي»، الذين كانوا من بين أولئك الذين كان يدربهم في ذلك الوقت. يمكنك أيضًا ذكر «ماتويدي، و ميندي وجيندوزي ونكونكو وديابي ، وكذلك بوجبا وكانتي ومحرز وجيريرو وكوندي وكوناتي وصليبا وفوفانا، أضف هؤلاء مبابي.»

يخطط باريس سان جيرمان لتغييرات في أكاديمية الشباب لمحاولة تأهيل المزيد من اللاعبين لتشكيلة الفريق الأول. لكن ذلك يبدو أقل مخاوفهم. فالأكاديمية تتج لاعبين ذوي جودة عالية، ولكن – ربما حتى الآن – الطريق إلى الفريق الأول كان ملغمًا بسياسة الانتقالات الخاصة بالنادي، والتي كانت تركز بالكامل على المدى القصير.

يبدو أن إجابة السؤال التي طرحناه في البداية عن امتلاك باريس المدينة والنادي للمقومات التي تمكنها من هذا المشروع، باتت واضحة.

لكننا حقًا لا نعلم مدى جدية الخليفي في طرحه، كما لا نعلم مدى إمكانية موافقة نجم الفريق ونجم مشروعه الحالي، كيليان مبابي على هذا المشروع.