المشاريع الناشئة كغيرها من الأعمال في بداياتها ومراحلها الأولى تحتاج عنايةً تامةً وجهدًا كبيرًا من القائمين عليها. فمع كثرة المنافسين وانفتاح الأسواق، أصبح على المشروع الناشئ أن يقدِّم جديدًا مغريًا وجذابًا ليحقق انتشاره ويفوز بحصة في الأسواق، ويخلق له جمهورًا وسط عالم يعجّ بالمنافسين؛ نجاح المشروع الصغير يتطلب أعمالاً دؤوبة وجهودًا كبيرة، إلا أن بعض روّاد الأعمال وأصحاب المشاريع الناشئة يقعون في عدة أخطاء تؤدي إلى انهيار المشروع وفشله، ومن ذلك:


1. التوسُّع غير المدروس يتسبب في إهدار الموارد وضياع الجهد

التسويق عامل أساس في نجاح أي مشروع جديد، وهناك الكثير من المشاريع النَّاشِئَة التي فشلت بسبب عدم قدرتها على التَّسْوِيق لنفسها بشكل مناسب، وأيّة خطة تَّسْوِيق ناجحة لا بد وأن تتسم بالمرونة والانفتاح على رغبات واحتياجات العملاء، وطبيعة السوق المسْتَهْدِفة، بما يُوفِّر مساحة أكبر في السوق ويحث الجمهور على اتخاذ قرار الشراء.

ويرتبط التسويق بإمكانية التوسع الجغرافي في الكثير من الأسواق، وقد فشلت الكثير من المشاريع الناشئة بسبب الخطط غير المدروسة أو الطموحات غير المنطقية، فالتوسع غير المدروس في نطاق المشروع يؤدي إلى تشتُّت العمل والأهداف بين منتجات وخدمات كثيرة وجمهور متعدِّد وأسواق مختلفة، وهذا يتَسَبَّبُ في إهدار الموارد وضياع الجهد والوقت، لذا من الضروري التعامل مع عناصر المشروع بدقة متناهية واختيار مناطق محدَّدة له.

وإذا تطلب الأمر افتتاح أسواق جديدة يكون ذلك بعد تثبيت الأقدام والدراسة المتأنية والتحليل الدقيق لمصادر التمويل، والجمهور، والقدرة الإدارية، وأعداد الموظفين، والمنتجات، وإلا تَحَولَتْ من خطوة جديدة نحو النجاح إلى أحد أكبر أسباب الفشل.


2. ملاءمة المنتج للسوق وتوقيت طرحه

الابتكار في تقديم خدمات أو منتجات جديدة تُفاجئ الجمهور المُسْتَهْدَف والمنافسين من الأمور الرئيسة لتميز المشاريع الناشئة، لكن يُشترط هنا أشياء عدة، منها: الاهتمام بنوعيةِ وجودة المُنْتَج الجديد، وتمَحْوُره حول مَيْزَةً واحدةً تضمن اجتذاب الجمهور المستهدف وتحقيق الانتشار في السوق والتفوق على المُنْتَجَات المُنافِسَة، وملاءمة المُنْتَج لحاجة السوق ورغبات العملاء، وهو ما يَفرض على أصحاب المشاريع الناشئة إجراء دراسات جدوى مُتَعَمقَة للمشروع قبل إهدار الكثير من المال والجهد، تتضمن دراسة طبيعة السوق بدِقةٍ ومدى استعداده لتقبُّل منتجات جديدة، ودراسة الجمهور المستهدَف من المُنْتَج أو الخدمة ومعرفة مدَى حاجته له، ودراسة المنافسين ووضعهم في السوق وطبيعة مُنْتَجاتهم، الأمر الذي يساعد على تحديد حجم الطلب وكمِّيَّات الإنتاج، وآليات التسعير، وأفضل وسائل التسويق.

ويتَعَلَّقُ الأمر أيضًا بتوقيت طرح المُنْتَج الجديد، فقد فشل عدد كبير من المشاريع بسبب اختيار توقيت غير مناسب للإعلان عن مُنْتَجاتهم الجديدة أو طرح العروض الترويجية على المنتجات القائمة بالفعل. من هنا، فإن الأمر يحتاج دراسة متأنيّة لفهم طبيعة السوق والجمهور والمنافسين وطبيعة المُنْتَج ذاته وتقييم مدى حاجة الجمهور له؛ للوصول إلى رؤية واضحة وإستراتيجية دقيقة بشأن أي وقت هو الأكثر ملاءمة للإعلان عن المنتج وإطلاقه في الأسواق.

ويرتبط نجاح المشاريع الناشئة كذلك بمدى ملاءمة سعر المُنْتَج أو الخدمة للسوق. بعض المُنْتِجِينَ يخطئون في تقدير قيمة المُنْتَج، وطبيعة المنافسة في السوق، وهو ما يجعلهم يبالغون في الأسعار التي يرفضها العملاء ويعتبرونها نوعًا من الغِشّ التجاري، وهو ما يعني بالنسبة لهم الخسارة والفشل، فالتسعير من أهم العوامل التي تضمن اكتساب ثقة العملاء والتفوق على المنافسين وتحقيق الربح، لذا يجب أن تتضَمَّنَ إستراتيجيَّة التسعير قيمة المُنْتَج أو الخدمة الجديدة ومقارنتها بما يقدِّمه المنافسون بحيادٍ تام، وطبيعة الجمهور المستهدَف ومدى استعداده للإنفاق، والفائدة العائدة عليه من اقتناء هذا المُنْتَج، وكذلك طبيعة السوق المستهدَفة، وقنوات التَّرْوِيج والتَّسْوِيق التي سيتم الاعتماد عليها.


3. تحديات التمويل تقتل مئات الأفكار المبتكَرَة في مَهْدِها

هذا ولا يُمكن أبدًا تجاهل أهمية العامل المادي في تحديد نجاح أو فشل المشاريع الجديدة، ومع الأسف الشديد لا تحظى ثقافة المشاريع الناشئة بالمكانة المناسبة في العالم العربي، وهو ما يجعل من الصعب إقناع المستثمرين أو البنوك بتمويلها، وهو ما يعني قتل مئات الأفكار المبتكرة في مَهْدِها، كما أن كثيرًا من صغار المستثمرين وأصحاب المشاريع الناشئة من حديثي التَّخَرُّج فيَجِدُونَ صعوبةً حقيقية في إجراء دراسة الجدوى المادية، ويطالبون أحيانًا بموازنة ضخمة، وهو ما يجعل من الصعب إقناع هذه الجهات بتَخَطي شعورهم بالقلق والموافقة على التمويل. بذلك باتت صعوبة التمويل من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى فشل المشاريع الناشئة وربما قبل تدشينها.

إلى جانب ما سبق، فإن نفاد أو عدم كفاية الرصيد النَّقْدِيّ للتجهيز أو التشغيل يهدِّد أيضًا سير العمل بخفض جودة المُنْتَجَات أو الخدمات، وعدم القدرة على الاحتفاظ بالعناصر البشرية واستقطاب الكفاءات، وتوقُّف الخطط التوسُّعيَّة للإنتاج والتسويق، لذا يتطلَّبُ الأمر صياغة موازنة مالية مُحكمة للمشروع وقبل بدء التنفيذ، تراعي تحديد بنود الإنفاق وفق المتاح، والتنبؤ بالأرباح المتوقَّعَة، ووَضْع هامِشٍ بسيط لتَقَلُّبِ الأسعار والتغيُرات، وتجنُب ترك أيّ أمرٍ للمصادفة أو للظروف.

كذلك يجب الحرص على استقطاب تدفُّقات نَّقْدِيّة جديدة تضمن استمرار المشروع الجديد وتكون بمثابة طَوْق النجاة له، لا سيّما خلال مراحله الأولى، وذلك من خلال العمل بشكلٍ مستمِرٍّ على زيادة الدَّخْل أو المبيعات، والاستعانة بشركاء، والَتَوَسُّعَ بفتح أسواق جديدة، وإنفاق الأموال في محلها الصحيح.

لكن إذا ما احتاج الأمر الاستعانة بشركاء، فيجب الاهتمام جيدًا باختيارهم والتوافق على رؤية واضحة في الإدارة وتحديد المسؤوليات والأهداف، بما يضمن تحقيق الانسجام طوال سير المشروع، فوجود خلافات بين المُلّاك في المشاريع الناشئة من أهم الأسباب التي قد تؤدِّي إلى الفشل، وطريقة الإدارة.


وأخيرًا، تتطلب المشاريع الناشئة تفرُّغًا تامًّا من أصحابها؛ لمتابعة كافة العوامل السابقة والتأكُّد من السير في الاتجاه الصحيح، ولذلك فإن تشتُّت الجهد والوقت والتركيز بين الكثير من التفاصيل قد يؤثر في تقييم الأمور، وترتيب الأولويات، وبالتالي تكون هذه المشاربع عُرضةً بصورة أكبر للفشل والتوقُف. ولتجاوز الأمر يمكِن اختيار فريق عمل مُتَنَوِّع، يتمتَّع بالكثير من الخبرات والمهارات التي تُيَسِّر على أصحاب المشروع مهام الإدارة والمتابعة.

لكن حتى يتحقق التفرغ يجب أن يتوافر الشفف بمجال عمل المشروع الجديد، فالشغَف هو المحرِّك الأساس لتجاوز صعوبة البدايات، ومواجهة التَّحَدِّيَات، وبلوغ النجاح، ومن يملك الشَّغَف بمشروعه الجديد لن يمانع من قضاء سنوات طويلة لتطويره وتوسيع قاعدة انتشاره، ولضمان التوفيق بين الشغَف والعمل يمكِن استثمار المواهب الفردية والهوايات والاهتمامات كأفكار لمشاريع ناشئة ناجحة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.