اليوم الذي كسرت فيه الكرة قلبك؟ يبتسم ثم يجيب: = إنه ذلك النهائي… شيء لم تخبر به أحدًا من قبل؟ = أنني ما زلت أشعر بالسوء بسبب ضربة الجزاء تلك.
لو استطعت تغيير أحد قوانين كرة القدم؟ = سألغي ضربات الجزاء. لا، سأحاول مسح يوم السابع عشر من شهر يوليو عام 1994 من التاريخ!

تلك كانت إجابات الأسطورة الإيطالية روبيرتو باجيو في حواره لمجلة «fourfourtwo»، وبالتأكيد لن نحتاج إلى إضافة مزيد من التشبيهات لوصف ضربات الجزاء، أو ضربات الحظ. سمها كما شئت لكنها ستظل المغامرة الأقل إمتاعًا ضمن مغامرات المستديرة، دعنا الآن نخوض رحلة استكشافها سويًا في هذا التقرير.


حتى لا تندم مثل باجيو

نظريًا، الأمر سهل؛ المسافة قريبة، كرة قوية متقنة إلى أحد الزوايا وانتهى الأمر، الأرقام والنسب في صالحك. نسبة تحويل ضربات الجزاء المحتسبة أثناء المباراة إلى أهداف تصل إلى 80%، وتنخفض النسبة إلى 75% في ضربات الجزاء التي تعقب انتهاء الوقت الأصلي والإضافي. الأسباب واضحة؛ أثناء المباراة تستطيع متابعة الكرة بعد تصدي الحارس، وكذلك اختيار اللاعب الأفضل للتسديد.

فقط عليك الحفاظ على هدوئك، المسافة التي تقطعها من دائرة المنتصف حتى علامة الجزاء ستكون الأطول، ستفكر خلالها في كل شيء، ستكون لحظات درامية ستنتهي فور إمساكك بالكرة لوضعها في مكانها ثم التراجع لخطوات من أجل التسديد.

حدد دكتور كين براي مؤلف كتاب «How to Score: Science & the Beautiful Game»ثلاثة عناصر للنجاح بضربات الجزاء. البداية باختيار اللاعبين؛ حيث يفضل البدء باللاعب الأقل خبرة وترك المتمرس للضربة الحاسمة، ثم اختيار زاوية التسديد، إلى جانب التحضير الذهني.

قسّم دكتور كين المرمى إلى أجزاء؛ المنطقة المحيطة بالحارس تسمى بالـ «Diving Envelope» وتمثل أقصى ما يمكن للحارس أن يصل إليه عندما يقفز. أما المنطقة خارجها فتسمى بالـ «Unsaveable Zone».يشير بحث جامعة باث بأن 80% من التسديدات التي تُصوّب تجاهها تدخل المرمى، أما التسديدات التي تُسدد في محيط حارس المرمى تكون نسبة نجاحها 50% فقط. الأمر يبدو أسهل مما يقولون، لكن ماذا عن حارس المرمى؟

ضربات الجزاء
ضربات الجزاء

الحارس المسكين

لنمر على بعض الأرقام سريعًا، عرض المرمى يصل إلى 7.3 مترًا «12 ft»، والمسافة من علامة الجزاء حتى خط المرمى تبلغ 11 مترًا «36 ft»، متوسط سرعة الكرة في ضربات الجزاء يصل إلى 31.3 مترًا في الثانية «70 MPh»؛ أي أنها ستبلغ المرمى في زمن أقل من 0.4 ثانية.

ولأن حارس المرمى ليس «Flash» فإنه يحتاج إلى 0.1 ثانية ليدرك اتجاه الكرة ثم 0.5-0.7 ثانية ليقفز تجاه الكرة. يكفي النظر إلى تلك الأرقام لتدرك حجم المأزق الذي يقع فيه حراس المرمى أثناء ضربات الجزاء.

إذن الحارس يملك فرصة وحيدة للتحايل على هذه الأرقام، وهي محاولة تخمين اتجاه الكرة والبدء في التحرك لحظة التسديد. لذلك سيحتاج إلى التخمين والحظ، وبعض الإحصائيات، ولا مانع من تحويل الأمر إلى حرب نفسية من أجل تعزيز فرصه.


توقعت أنه سيتوقع

في كأس العالم 2006، استطاع ريكاردو حارس مرمى منتخب البرتغال التصدي لثلاث ركلات جزاء في الدور ربع النهائي ضد إنجلترا. ريكاردو تصدى لركلات لامبارد، وجيرارد، وكاراجر، حتى ركلة هارجريفز لامسها بيده قبل أن تدخل. كان كابوسًا معتادًا للإنجليز.

لقد كانت تلك الركلة ضد البرتغال في 2006 مختلفة، فقد كنت بارعًا في تسديد ضربات الجزاء، ولطالما تدربت لإتقانها. ما فعلته هو أنني درست حارس البرتغال، ودرست تحركاته في المباريات السابقة، وقررت أن أغير طريقتي في التصويب.
لامبارد يحكي عن تلك الليلة

لامبارد كان يحبذ وضع الكرة على يمين حارس المرمى لكنه وضعها على يسار ريكاردو ليتصدى لها البرتغالي بكل براعة. يقول لامبارد إنه أخطأ خطأً كبيرًا حين غيّر تكنيك التسديد الخاص به، واعتقد أن هذه هي القاعدة الأولى لضربات الجزاء.

لنختصر الأمر؛ لامبارد توقع أن ريكاردو يعلم زاويته المفضلة فقرر تغييرها. ريكاردو توقع أن لامبارد سيتوقع ذلك! الأمر مربك تمامًا لأنها دائرة منغلقة على نفسها من التوقعات، وتحتاج عرّافًا لقراءتها أو أنه مجرد حظ وعلينا أن ننظر إلى أساليب أخرى.


دييجو ألفيس

دييجو ألفيس، الحارس السابق لنادي فالنسيا الإسباني، البرازيلي الذي فضل التصدي للكرات على مداعبتها كسائر أبناء بلده، سجل اسمه كصاحب أعلى نسبة تصدي لركلات الجزاء، والتي وصلت إلى 48%.

في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2016 كانت مباراة فالنسيا ضد أتلتيكو مدريد على ملعب المستايا. استطاع ألفيس أن يتصدى لركلتي جزاء؛ الأولى من جريزمان والثانية كانت من جابي.

لقد كان جريزمان يبدو عليه الارتباك، يكفي أن تنظر إلى وجهه لتعرف ذلك. كنت أعلم أنه أضاع آخر ركلة جزاء سددها فقلت له: لو أضعت هذه أيضًا ستكون مشكلة كبيرة.
ألفيس يحكي عن ضربة الجزاء الأولى في تلك المباراة

سددها جريزمان قوية علي يمين ألفيش، لكنه وصل إليها باليد العكسية، ليضم جريزمان إلى سلسلة ضحاياه: ميسي، كريستيانو رونالدو، دييجو كوستا، فيرناندو لورينتي، ماندزوكيتش، راكيتيتش، والقائمة تطول. أتت بعدها ركلة جزاء أخرى سددها جابي. جابي كان مستسلمًا لمصيره بعد ما رآه في الركلة الأولى. سددها ضعيفة على يسار ألفيش ليتمكن الأخير من التصدي لها بسهولة.

يقول ألفيس إن ناديه كان يساعده بمزيد من الإحصائيات عن مسددي ركلات الجزاء في الخصوم لكن هذا لم يكن كافيًا، الأمر بالنسبة له كان حربًا نفسية.

أضع في رأسي قصة تخيلية، أحاول أن أتخيل الموقف عند احتساب ركلة جزاء، أحب أيضًا أن أتكلم مع اللاعب لأستشعر قلقه، وأحاول أن أعلم هل سيفعل ما أفكر به أم لا؟

دييجو كان بارعًا، ويرى في ضربة الجزاء فرصة للتصدي تستحق أن يحاول من أجلها. يلعب لعبة الأعصاب خاصته فتتحول النسبة إلى 50-50، لكن الكل ليس بارعًا في خوض تلك الحرب النفسية، لذلك لابد من عامل مساعد آخر.


الإحصائيات تظهر بقوة

الأمر بات واضحًا، على حارس المرمى التخمين ليتحرك مسبقًا، لكن عليه أن يختار إما أن يخمن عشوائيًا أو يحاول أن يجعل تخمينه أقرب إلى المنطق، وهنا يأتي دور الإحصائيات لمحاولة تقليل تلك الفجوة.

في عام 2008 وتحديدًا في نهائي دوري أبطال أوروبا بين مانشستر يونايتد وتشيلسي،قرر الأخير الاستعانة بإجناسيو بالاسيوس هيورتا أستاذ علم الاقتصاد بكلية لندن ومؤلف كتاب «Beautiful Game Theory». قام إجناسيو بدراسة ما يقارب الـ11000 ضربة جزاء. قدم إجناسيو إلى تشيلسي ثلاث نصائح: فان دير سار حارس مرمى اليونايتد يميل إلى القفز ناحية الزاوية المفضلة لقدم اللاعب، اللاعب الأيمن يفضل التسديد إلى يمين حارس المرمى، واللاعب الأيسر إلى يسار الحارس، كما يميل إلى صد الكرات متوسطة الارتفاع، وأخيرًا فإن كريستيانو رونالدو إذا توقف أثناء الركض تجاه الكرة فإنه سيسددها إلى يمين الحارس بنسبة 85%.

رونالدو توقف بالفعل وسدد تجاه يمين بيتر تشيك، الذي تمكن من التصدي للكرة. حتى كرة أنيلكا التي أضاعها ومنحت اليونايتد اللقب، سددها في الزاوية المفضلة لقدمه اليمنى وذلك كان عكس تحذيرات إجناسيو. تذكرون لامبارد الذي كان قد قرر بعد 2006 ألا يغير زاويته المفضلة للتسديد؟ سدد على يسار فان دير سار وأحرزها عملًا بنصيحة إجناسيو أيضًا.

كريستيانو رونالدو، ضربات الجزاء
كريستيانو رونالدو، ضربات الجزاء

دعك مما سبق، سأحرزها بكل سهولة

أحدهم كان لا يأبه بكل ما سبق من محاولات حراس المرمى، فكان يملك تكنيكًا مميزًا مكنه من إحراز 48 ضربة جزاء من أصل 49. إنه «مات لو تيسييه» أسطورة نادي ساوثهامبتون منذ عام 1986 حتى عام 2002 والذي أطلق عليه الجمهور لقب «Le God».

يقول لو تيسييه : «أهم شيء بالنسبة لي هو أنني كنت أتطلع بشدة إلى هذا الموقف -يقصد ضربة الجزاء؛ لأنه كان يعطيني الأفضلية».

ماذا عن الضغط النفسي؟ كان يأتي بأحد حراس المرمى من فريق الشباب، ويعرض عليه مبلغًا من المال إذا نجح في التصدي لكراته. المبلغ لم يكن صغيرًا؛ حتى يشعر لو تيسييه بالضغط خوفًا من الفشل. يبدو أن الأمر كان فعالًا بالنظر إلى نسبة نجاح لو تيسييه على أرض الواقع.

حسنًا كان المدرب يخبر لاعبيه بألا يغيروا قرارهم في آخر لحظة، إذا اخترت زاوية للتسديد فلا تتراجع. مات لو تيسييه كان لا يلتزم بذلك وكان يغير قراره وقتما أراد.

السر يكمن في التكنيك. مات كان ذكيًا أو بالأحرى خبيثًا، كان يلعب بقدمه اليمنى لذلك كان من المفترض أن يختار يمين حارس المرمى كزاويته المفضلة، لكنه كان يجعل اختياره الأول للتسديد هو يسار الحارس وسنعرف لماذا، السر هو أنه كان يجيد النظر إلى الكرة والحارس معًا قبيل لحظة التسديد. فإذا لمح اتجاه جسد الحارس يميل إلى يساره، كان يغير الزاوية.

لنتكلم كلاعبين، حاول تجربة تكنيك لو تيسييه لكن باختيار زاويتك الطبيعية كاختيارك الأول، ستسدد بقدمك اليمنى على يمين حارس المرمى. اتجاه باطن قدمك أثناء التسديد سيكون للداخل. لو فكرت أن تغير زاوية التسديد في آخر لحظة ستحتاج إلى تحريك باطن قدمك من الداخل إلى الخارج وهذا شبه مستحيل. أما ما يفعله لو تيسييه فكان توجيه باطن قدمه للخارج في البداية، فإذا أراد تغيير قراره؛ سيكون من السهل عليه تحريك باطن قدمه من الخارج إلى الداخل، منتهى الخبث.

على اليسار: باطن القدم للداخل، على اليمين: باطن القدم للخارج


أصبحت خبيرًا الآن؟ حاول فك شفرة الحضري

ضربات الجزاء، باطن كرة القدم
ضربات الجزاء، باطن كرة القدم

بعد قراءة ما سبق، ظننت أني أصبحت خبيرًا لأحاول استنتاج إستراتيجية الحارس الأفضل في تاريخ مصر عصام الحضري في ضربات الجزاء. أحضرت ورقة وقلم وبدأت أشاهد وأدوّن. نهائي كأس أمم أفريقيا 2006 ضد كوت ديفوار، الحضري واجه أربعة لاعبين جميعهم يسدد بالقدم اليمنى. بدأ الحضري باختيار الجهة المفضلة لدروجبا «يمين الحارس» فتصدى لها، ثم غير الخطة وبدأ في الاتجاه إلى الزاوية غير المفضلة. أغلب الظن أنه توقع أن البقية سيشعرون بالقلق خوفًا من تكرار ما حدث مع دروجبا. لم ينجح في ضربة الجزاء الثانية، لكن نجح في التصدي للثالثة «بكاري كونيه على يسار الحضري»، ثم عاد إلى خطته الأولى من جديد لكنه فشل، وانتهت المباراة بفوز مصر باللقب.

سنطبق ذلك على قبل نهائي كأس أمم أفريقيا 2018 ضد بوركينا فاسو، بدأ الحضري باختيار الجهة المفضلة للمسدد سواء يلعب بقدمه اليمنى أو اليسرى. لم ينجح في أول ركلتين، ولأننا كنا متأخرين في النتيجة اضطر لتغيير خطته سريعًا. اختار الذهاب إلى الزاوية غير المفضلة للاعب. نجح الحضري في التصدي لركلة الجزاء الرابعة. ووفقًا لما سبق سيغير خطته بعد التصدي لركلة الجزاء. عاد الحضري للارتماء ناحية الزاوية المفضلة للاعب، ونجح في التصدي للكرة والصعود بمصر إلى النهائي.

حسنًا، تظن أنك فهمت شيئًا؟ قررت أن آخذ عينة عشوائية أخرى للتأكد. مباراة السوبر الأفريقي بين الأهلي والجيش الملكي المغربي. نفس سيناريو النهائي ضد كوت ديفوار؛ أربعة لاعبين يسددون بالقدم اليمنى. ليفاجئني الحضري بالذهاب في أول تسديدة إلى الزاوية غير المفضلة للاعب، ويتصدى لها! ثم يزيد الطين البلة بالذهاب مرة لليسار ومرة لليمين بالتبادل. ليتصدى إلى ركلة الجزاء الرابعة ليفوز الأهلي.

لمزيد من التفاصيل، اكتب في جوجل سر تصدي حارس أيسلندا لركلة جزاء ميسي في كأس العالم.سيظهر لك خبر بنفس الصيغة حرفيًا لكن باللغة الإنجليزية، وستهم بقراءة تفاصيله، لتجد أن حارس أيسلندا يقول: «لقد شاهدت العديد من ركلات الجزاء لميسي، لكن انتابني شعور بأنه سيسدد في هذه الزاوية». فقط بكل بساطة، هذا هو ما يفعله الحضري، اكتساب الشعور بحكم التعود والتدريبات!

بعد كل ما سبق، تظل ضربات الجزاء مرتبطة بالحظ أكثر من ارتباطها بالمهارة، ولا نعلم حقيقة هل نحبها لأنها تشعرنا بأن ميسي ليس فضائيًا، أم نكرهها لأنها لم تنصف لاعبًا كباجيو؟