لم يكن أحد يتخيل أن تلك الليلة في «كييف» ستترك أثرًا يمتد حتى يومنا هذا، تلك الليلة التي علقت في أذهاننا بإصابة صلاح، وخطايا «كاريوس» حارس مرمى ليفربول. نعم، انتهى اللقاء بتتويج ريال مدريد بالثالثة عشر، لكن ذلك لم يكن كافيًا. قص «كريستيانو رونالدو» شريط تعكير الأجواء الاحتفالية بالتعبير عن عدم شعوره بالرضى داخل جدران النادي الملكي، عقب رفض «فلورنتينو بيريز» تفعيل الزيادة المتفق عليها في راتبه.

لعل «رونالدو» أراد اجتذاب الأضواء عن عمد، لأنه لم يترك بصمته في تلك الليلة، لكن زميله الويلزي كان له رأي آخر. كان جاريث بيل عريس الليلة، أحرز هدفين، أحدهما من الأفضل في تاريخ النهائيات، لكن ذلك لم يمنعه من تعكير الأجواء أيضًا. عبّر «بيل» عن غضبه من بدء المباراة على مقاعد البدلاء، بل وأضاف أن هدفيه كانا تعبيرًا عن ذلك الغضب. بعدها رحل «زيدان» عن تدريب الفريق، وتوالت الأحداث حتى وصلنا إلى ذلك التصريح.


رسالة إلى الوالي

النادي يتفاوض من أجل خروجه، ونحن نتمنى أن يرحل قريبًا لأن ذلك في مصلحة الجميع.
زيدان عن جاريث بيل، في بداية فترة الإعداد لموسم 2019/2020

هكذا تحدث زيدان عن نجم توتنهام السابق عقب المباراة الودية أمام بايرن ميونيخ في إطار الاستعدادات لموسم 2019/2020. كان التصريح قاسيًا بعض الشيء، لكن الأهم من ذلك أنه لم يكن مقبولاً من شخص اعتاد الناس على وصفه بالذكاء والهدوء؛ لذلك حاول البعض البحث عن تفسير. ترجح مجلة «fourfourtwo» أن ما حدث بعد نهائي كييف كان بداية فتور العلاقة بين زيدان وبيل، خاصة بعد اعتراف اللاعب بأنه لم يتحدث إلى مدربه بعدها.

لم تقتنع؟ حسنًا ستدخل الكوميديا لإقناعك بسرد أرقام اللاعب زين الدين زيدان مع ريال مدريد، ومقارنتها بأرقام النفاثة الويلزية،وفاز بيل باكتساح. تصاعدت وتيرة الأحداث سريعًا، وقررت جماهير الفريق دعم عدم احترافية المدرب ضد لاعبه، لأنهم سئموا من إصاباته و ممارسته للعبة الجولف. ثم حضرت الكوميديا من جديد عندما تراجع زيدان عن تصريحه، معللاً الأمر بضعف لغته الإسبانية.

أغلب الظن أن «زيزو» أراد أن يسوي أموره مع الإدارة، أراد توجيه رسالة قوية إلى الوالي، واختار توجيهها عبر لاعب خسر محبة جماهيره. فبات «بيريز» مجبرًا على تنفيذ طلبات مدربه بعد أن خرجت إلى العلن، بل ومضطرًا لتحمل تبعات ذلك التصريح الذي سيقلل قيمة اللاعب، ويضعف موقف ريال مدريد في التفاوض. لكن الجانب الآخر لتصريح زيدان قد يقودنا إلى ما هو أبعد من ذلك، مزيد من الفوضى في سوق الانتقالات، حيث علاقة الأندية بلاعبيها أصبحت خارج السيطرة تمامًا.

انتقامًا من العبودية

موقف ريال مدريد من جاريث بيل يمثل وضعًا غريبًا لم نعتده من قبل، موقف لا يشبه حالة العبودية قديمًا، ولا حالات التمرد حديثًا. فاليوم، أصبحت معظم عمليات انتقال اللاعبين مصحوبة بحالات تمرد وانقطاع عن التدريبات. على سبيل المثال لا الحصر: فان دايك «ساوثهامبتون»، كوتينيو «ليفربول»، عثمان ديمبيلي «بروسيا دورتموند»، نيمار «باريس سان جيرمان»، أرناتوفيتش «ويستهام»، كوشيلني «أرسنال»، وأخيرًا بوجبا وهازارد اللذان اكتفيا بالتلميح.

انقلبت موازين القوى لصالح اللاعبين بصورة مفرطة، وأصبحت سياسة لي ذراع النادي هي السائدة. ساعدهم على ذلك ازدياد نفوذ وكلاء اللاعبين، على رأسهم مينو رايولا وخورخي مينديز. لوهلة، قد تشعر أن حالات التمرد تلك هي حالات انتقامية، تسعى للانتقام من الوضع السابق عندما كانت الأندية تتحكم في اللاعبين بصورة ديكتاتورية.

حتى بعد انقضاء مدة العقد، لم يكن يحق للاعب الانتقال إلا بعد اتفاق الناديين على قيمة الصفقة. كان الوضع أشبه بالعبودية، وقد ظل قائمًا حتى قرر «جان مارك بوسمان» الخروج عن النص. كان «بوسمان» لاعبًا بلجيكيًا مغمورًا، ينشط بصفوف نادي «لييج» البلجيكي. أراد «بوسمان» الرحيل عن ناديه والانتقال إلى نادي «دانكيرك» بالدرجة الثانية الإنجليزية.

أفسد نادي «لييج» عملية الانتقال عندما بالغ في قيمة الصفقة، فقرر «بوسمان» الانقطاع عن التدريبات، ليرد عليه النادي بتخفيض راتبه بنسبة 75%. قرر اللاعب البلجيكي في النهاية اللجوء إلى القضاء، وبعد خمس سنوات من المداولات وتحديدًا في عام 1995،خرج «قانون بوسمان» ليمنح العاملين في أوروبا حرية الانتقال بعد انتهاء عقودهم.

كرة السلة هي الحل

إلى هنا تعادلت السلطات وأصبح الأمر أكثر توازنًا بين النادي واللاعب، لكن لاعبي هذه الأيام لم يكتفوا فقط بالحصول على حريتهم بعد انتهاء العقود، ولكن ازدادوا جشعًا وأصبحوا يريدونها وقتما شاءوا. فظهرت حالات التمرد تلك التي ذكرنا بعضها سلفًا، وباتت الفوضى هي العنوان الأول لسوق الانتقالات.

وفي محاولة لتنظيم تلك الفوضى، اقترح موقع «The Ringer» في تقرير له أن يتجه لاعبو كرة القدم لتوقيع عقود مماثلة لعقود لاعبي دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «NBA»، حيث يوقع بعض اللاعبين عقودًا قصيرة، أو عقدًا لمدة عامين على سبيل المثال، لكن يحق للاعب تفعيل السنة الثانية أو إنهاء العقد والتحول إلى لاعب حر، ذلك يسمح للنجوم بإعادة تدوير قيمتهم في السوق مرة تلو أخرى، طالما هو قادر على العطاء والتطور.

أقرب مثال على ذلك هو نجم الموسم الماضي «كاواي لينارد»، والذي قاد فريق «تورنتو رابتورز» الكندي إلى اللقب الأول في تاريخهم – اختار عدم تفعيل السنة الثانية، وأصبح لاعبًا حرًا، ثم قرر الانتقال إلى فريق «لوس أنجلوس كليبرز».

يبدو هذا حلاً منطقيًا لنيمار ورفاقه، لكن تطبيقه عمليًا أقرب إلى المستحيل. فالعقود الطويلة في كرة القدم مهمة لكلا الطرفين. ولنبدأ بالنادي، الذي يضمن المزيد من الاستقرار، بجانب تعزيز موقفه أثناء التفاوض على بيع اللاعب عندما يحين الوقت. أما اللاعب فهو لا يضمن المستقبل، ولا يدرك ما قد يعطل مسيرته، سواء إصابات أو شيء آخر، لذا فالعقد الطويل يوفر له بعضًا من الأمان الوظيفي.

إلى هنا أصبح الوضع غريبًا ومعقدًا لدرجة غير مفهومة، لذا سنضطر إلى إرجاء اقتراح الـ «NBA» والعودة إلى المربع صفر، حيث ينتظرنا زيدان بتصريحه العدائي ضد بيل. هذه هي الحالة التي لم نحسب لها حسابًا، حيث النادي يسعى لإجبار لاعبه على الرحيل بمثل هذه الطريقة غير المحترفة. تخيل عزيزي القارئ لو اتبعت الأندية هذا الأسلوب، وكأنه تطور طبيعي للأحداث، فالتمرد أتى ردًا على العبودية، ثم يأتي الإجبار على الرحيل ردًا على التمرد. وإلى أن يأتي أحدهم ويضبط الأمور بمزيد من القوانين، سيظل سوق الانتقالات هو أسوأ ما في كرة القدم.