لعب بيدري 61 مباراة هذا الموسم حتى الآن؛ 52 مباراة مع برشلونة و9 مع منتخب إسبانيا، آخرها في نصف النهائي أمام إيطاليا. بلغ عدد الدقائق التي شارك فيها نحو 4300 دقيقة، بينما سيخلد زملاؤه للراحة انتظارًا للموسم الجديد، فموسم بيدري لم ينتهِ بعد، وسيذهب مع بلاده للأولمبياد، وأمامه فرصة ليقود منتخب لاروخا لميدالية أولمبية.

من الرائع أن يفعل بيدري ذلك، لعب أساسيًّا طوال موسم كامل مع برشلونة، وحضر وكان مساهمًا رئيسيًّا في وصول إسبانيا لنصف نهائي اليورو، وسيكون متواجدًا في الأولمبياد وأساسيًّا بالتأكيد، كل ذلك وهو لم يكمل عامه التاسع عشر بعد، ربما ينبئ ذلك بأننا أمام نجم قادم بلا شك، وقد عثرت برشلونة على إنييستا الجديد على الأغلب.

لكن ما يمكن ملاحظته كذلك أن بيدري لعب أكثر من اللازم ولم يحصل على راحة كافية، متوسط دقائق حوالي 4000 خلال موسم واحد ليس طبيعيًّا، خصوصًا في مثل هذا العمر، وهو موسم اللاعب الأول في المستوى الاحترافي، وحتى العام الماضي كان اللاعب ما زال يلعب في الدرجة الثانية الإسبانية في مستوى مختلف تمامًا من المنافسة.

أنا لا أشعر بالتعب، لقد تعوَّدت على ذلك وأستطيع تحمل الإرهاق.
بيدري جوانزاليس

يبدو تصريح بيدري متوقعًا تمامًا، ويقوله أغلب اللاعبين تقريبًا، في حديثه لـ «ذا أثليتك» يوضح ليام ماكغري، رئيس قسم العلاج الطبيعي في فليتوود تاون وشيفيلد يونايتد سابقًا، أن أغلب اللاعبين تعودوا على عدم إظهار أي ألم، ويعتبرونه نوعًا من الضعف، ولا يرغب أحدهم في الاعتراف بهذا كي لا تفوته المباريات ويستمر في اللعب، ويتجاهل ما يمكن تسميته بـ «حاجز الألم».

صرح راشفورد للصحيفة أيضًا أنه لعب أكثر فترات الموسم الماضي رغم إصابته وتألمه أثناء المباريات، كريستيانو رونالدو فعل ذلك عدة مرات، يفعل اللاعبون ذلك ويكذبون على الأطباء للبقاء في الملعب، وهم يعلمون أنها مخاطرة وأن هناك احتمالية لتفاقم الإصابة، لكن دأب لاعبو كرة القدم على ذلك لأغراض مختلفة، رغم تحذيرات الأطباء الدائمة.

لذلك رغم تصريح بيدري فإن برشلونة طالب الاتحاد الإسباني باستبعاد اللاعب من الأولمبياد، ومنحه الفرصة لبعض الراحة، لأن الطب يخبر الجميع أن بيدري لعب أكثر من اللازم بالفعل، وفي سن بيدري فإن اللاعب قد يهدد مسيرته بهذا الإرهاق البدني الزائد.

يتعرض اللاعبون للإرهاق، هذا جزء من اللعبة، لكن عند مستوى معين قد يصل اللاعب لما يعرف بالاحتراق البدني، وقد يتسبب ذلك في مشاكل عضلية وإصابات مزمنة خصوصًا في السن الصغيرة.

في سن بيدري فإن اللاعب لا بد أن ينتقل إلى المستوى العالي بشكل تدريجي، بحيث تنمو عضلاته وتتزايد قدرتها على التحمل تدريجيًّا مع التدريبات الجديدة ومستوى اللعب الأكثر تنافسية، لأن اللعب في الناشئين والدرجة الثانية لا يحتاج المتطلبات البدنية نفسها التي يتطلبها اللعب في برشلونة بالطبع.

في هذه السن عادةً ما يكون اللاعبون جزءًا من الفرق الكبرى لكن كبدلاء أو أساسيين على فترات، كما يحدث مع فيل فودين نجم منتخب إنجلترا على سبيل المثال، والذي لعب أقل من بيدري بنحو 900 دقيقة رغم أنه سيكمل الـ 21 قريبًا، ورغم اقتناع جوارديولا الشديد بموهبته، والتي وصفها بأنها أفضل موهبة دربها في حياته.

لذلك رغم تألق بيدري الشديد حاليًّا، فإنه لا يتصرف بشكل مثالي بالنسبة لمسيرته، وهناك العديد من المواهب التي مرت بنفس المرحلة، ورغم تألقهم لفترات، فإن مسيرتهم انحدرت مع السنوات، وظهر حينها خطورة الاستهلاك البدني الذي تعرضوا له في الوقت الذي كان من المفترض أن تكتمل فيه قوة عضلاتهم تدريجيًّا.

 في المنطقة الحمراء

بيدري ليس الوحيد في ذلك للأسف، قبل سنتين أصدرت مؤسسة اللاعبين المحترفين FIFPRO بيانًا تتحدث فيه عن تعرض الكثير من اللاعبين للإرهاق، واستهلاكهم بدنيًّا بشكل دائم بسبب زيادة عدد المباريات.

يشارك اللاعبون في البطولات المحلية والأوروبية ويسافرون مع منتخباتهم طوال العام، ويشاركون في البطولات المجمعة في نهاية الموسم، مع ما يتخلل ذلك من رحلات طيران طويلة وشاقة، وتغيير في مواعيد النوم والراحة، وهو ما يؤثر على أدائهم وقدرتهم على التعافي.

لاعبون مثل محمد صلاح وساديو ماني وكاسيميرو وسون يشاركون في أغلب مباريات الموسم تقريبًا، ويسافرون عبر القارات للالتحاق بمنتخباتهم الوطنية، وهو ما حذر البيان من عواقبه، واحتمالية تأثيره على أداء اللاعبين في المستوى العالي على المدى الطويل.

حذر أرسين فينجر من عواقب هذا الأمر قبل سنوات، حين تحدث عن لاعبه آنذاك أليكسيس سانشيز، الذي لعب طوال الموسم مع أرسنال ثم ذهب في الصيف للمشاركة مع تشيلي في كوبا أمريكا ثم في كأس القارات بحيث لم يحصل على راحة تقريبًا، وهو ما جعل فينجر يؤكد أن لاعبه يلعب في ما يسمي المنطقة الحمراء بدنيًّا، وقد صدق توقعه بالفعل وانحدرت مسيرة النجم التشيلي لسنوات بعدها.

علينا أن نفكّر في اللاعبين، ونتعامل مع الأمر بشكل أفضل، لو استمرت المنافسة والضغط البدني بهذا الشكل، فسيقتل هذا اللاعبون وكرة القدم تمامًا.
يورجن كلوب

طبقًا لروي سميث محرر النيويورك تايمز فإن أغلب اللاعبين حاليًّا يلعبون في المنطقة الحمراء التي تحدث عنها فينجر، وازداد الأمر كثيرًا مع تداعيات فيروس كورونا وضغط المواسم والبطولات.

بشر وليس روبوتًا

رغم أن الجانب البدني هو الجزء الأكثر وضوحًا ويلحظه الجميع بشكل مباشر، فإن لاعبي كرة القدم يخوضون صراعًا لا يقل أهمية عن ذلك، وهو الإرهاق الذهني، أن يرهق اللاعبون من الضغوط والتفكير.

طبقًا لدان أبراهامز، خبير علم النفس الرياضي، فإن الإرهاق العقلي بات يهدد الكثير من لاعبي كرة القدم، بسبب الضغوطات المتزايدة التي يتعرضون لها، والتي قد تؤدي ببعضهم للدخول في نوبات اكتئاب وفقدان للثقة تؤثر على مسيرتهم.

تنقسم تلك الضغوط إلى ثلاثة أقسام، ضغوط تنافسية، وضغوط تنظيمية، وضغوط شخصية. الأولى مفهومة بالطبع وهي الضغوط الناشئة من تتابع المباريات والبطولات والتعامل مع الإصابات، والثانية يُقصد بها البيئة المحيطة باللاعب. وتشمل التغييرات في طرق التدريب، والتعامل مع تغيير الزملاء أو المدربين، وكذلك أماكن السفر والإقامة، والأخيرة هي المتعلقة بحياة اللاعب ووضعه الأسري والعاطفي.

تحمل بيدري الكثير من ذلك بالفعل، منذ يومه الأول وهو يقحم في مقارنة مع إنييستا تظلمه بكل تأكيد، ثم ينتقل من كومان إلى إنريكي إلى لويس دا لافونتي مدرب المنتخب الأوليمبي، مع ما يصحب ذلك من سفر وانتقالات وتغيير في خطط التدريب وطريقة تعامل المدرب، وهو ما يتطلب من بيدري أن يتعلم كيف يتفادى آثار هذه الضغوطات.

أين يذهب الجميع؟

يلعب اللاعبون الكثير من المباريات بالفعل، ومع التطور الحالي في الفنيات والتكتيك باتوا في حاجة لبذل المزيد من الجهد في الملعب أكثر من الأجيال السابقة، والفيفا رفقة الاتحادات المحلية لا يبدو أنها تفكر في معالجة الأمر أو تقديم حلول عاجلة.

بل على العكس، يسعى الجميع إلى زيادة غلته ومكاسبه ويحاولون زيادة المباريات بأي طريقة ممكنة، اليورو أصبح 24 فريقًا في 12 مدينة، كأس العالم سيصبح 48 فريقًا وقد يقام كل سنتين، وكلها تعديلات تعني مزيدًا من المباريات ومزيدًا من الجهد البدني المطلوب واضطرار الكثير من اللاعبين للمجازفة بدنيًّا للوفاء بالتزامات النادي والمنتخب.

يبرز توني كروس هنا كواحد من اللاعبين الذين اتخذوا قرارًا شجاعًا في هذا الأمر، نجم ألمانيا والحاصل على كاس العالم 2014 أعلن اعتزاله اللعب دوليًّا رغم أنه ما زال في الـ  31 من عمره، وأمامه عدة سنوات في الملاعب.

ورغم أن المنتخب الألماني يعيش فترة قوية، وسيتولى تدريبه مدرب كبير مثل هانز فليك قادر على تحقيق مفاجأة في يورو 2023 أو كأس العالم 2024، لكن كروس قرر تعليق حذائه الدولي.

وأعلن في بيان اعتزاله أنه فعل ذلك لكي يمنح نفسه المزيد من الراحة خلال الموسم، ويتمكن من الاستمرار مع ريال مدريد لفترة أطول، وهو ما قد يفتح بابًا جديدًا للعديد من نجوم أوروبا للحصول على الراحة المطلوبة.

اعتزال  كروس الدولي قد يفتح الباب أمام العديد من اللاعبين للاقتداء به وإعلان اعتزالهم الدولي، وهو ما سيمنحهم فرصة ذهبية لتفادي مئات الكيلومترات من السفر ومئات الدقائق من اللعب في مستويات أدنى، خصوصًا مع اتساع الفارق الفني والتكتيكي بين كرة الأندية والمنتخبات مؤخرًا.

لا يمكن أن يعتزل بيدري بالطبع منذ الآن، لكن ترشيد المشاركة مع المنتخبات، خصوصًا في المراحل السنية الأصغر، وطرح هذا الخيار كخيار ممكن مستقبلًا لتفادي الإرهاق قد ينقذ مسيرة بيدري ورفاقه من الاحتراق المبكر.