حظي مفهوم الثقافة السياسية، على الرغم من حداثة ظهوره، باهتمام الفكر السياسي منذ القدم، من حيث الإشارة إلى بعض أبعاده ومقوماته، فهو اهتمام يعود ، كما عبر ألموند إلى تلك المرحلة التي بدأ فيها الإنسان الحديث والكتابة عن السياسة. ومن ثم فقد بدا الاهتمام بالمتغيرات الثقافية، والمتصلة بعملية التنشئة، جليا في كتابات الفكر السياسي الكلاسيكية .

ومع تطور علم الاجتماع خلال القرن التاسع عشر ، بدأ الاعتراف بالمتغيرات الذاتية في تفسير الظاهرة السياسية والاجتماعية .فقد أولى «سان سيمون Saint Simon» الاتجاهات الأيدلوجية أهمية تفوق ما للاتجاهات الاقتصادية في الحفاظ على الاستقرار وتحقيق التقدم الاجتماعي ، كما نظر «أوجست كونت Auguste Comte» إلى المجتمع باعتباره نسقًا من الأفكار العامة .

هنالك فجوه واضحة بين احتياجات الشباب والخدمات المقدمة لهم، أظهرت الدراسات أن غالبية البرامج الشبابية هي برامج موجهة، نحو الشباب وليست منبثقة عنهم

وأعتبر «إيميل دوركايم Emile Durkheim» أن هذا النسق من القيم والمعتقدات والمشاعر المشتركة بين أعضاء المجتمع هو المسئول عن تحقيق التماسك الاجتماعي .وأوضح ضرورة وجود اتفاق حول المعتقدات وتراضي أخلاقي لدعم النظام الاجتماعي ، بيد أنه – على الرغم من تأكيده أهمية القيم المشتركة في دعم هذا النظام – رأى أنها تأتي تالية لنشأته . وقد احتوت أعمال دوركايم الأخيرة على تأكيده الكبير على القاعدة الاجتماعية والتحولات المعرفية التي قادت «تالكوت بارسونز Talcott parsons» لاستنتاجه قيام النظام الاجتماعي على التراضي (القيم المشتركة) .

أما «كارل ماركس Kral Marx» فقد رأى المعتقدات والرموز الثقافية في المجتمع الرأسمالي هي جزء من البناء الفوقي متمثلا في الأيدلوجية والوعي الزائف .ويعكس هذا البناء نمط الإنتاج وعلاقاته، ومن ثم يعكس، ويكرس مصالح الطبقة البرجوازية المسيطرة .

من هذا المنطلق، وفي إطار النشأة والتطور للثقافة السياسية، يمكن من خلالها تحديد الاتجاهات ودورها في صياغة الفلسفة السياسية المطلوب التعامل معها لإحداث تغير اجتماعي وسياسي في أي مجتمع من المجتمعات بحسب مقتضيات المراحل. والتي يعبر عنها من خلال التنشئة السياسية والاجتماعية، حيث تتأثر الثقافة السياسية بالعوامل والقوى المؤثرة في التنشئة ومؤسساتها .ومن أبرز تلك المؤسسات : الأسرة، والمؤسسات التعليمية، وجماعات الرفاق، والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الدينية.

لذا أصبح من الضروري المساهمة في تحديد «الفجوة المعرفية» القائمة بين تلك المؤسسات والعوامل المؤثرة فيها ، والتي نجم عنها التعارض في الأدوار والوظائف اللازمة لإيجاد علاقة تكاملية بين مختلف مكونات تلك المؤسسات، لاسيما في مجال البرامج والأنشطة الموجهة للشباب ، الأمر الذي يتطلب صياغة استراتيجيات عامة (وطنية وإقليمية) للشباب التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية ـ والسيكولوجية التي تؤثر في حركة الشباب وقدرتهم وتمكينهم من أداء دورهم مع مراعاة الخصائص النوعية لكل فئة عمرية داخل مرحلة الشباب.

وهكذا يتجلى اهتمام الدول بالشباب من خلال سياساتها وبرامجها، بحيث تتضمن هذه السياسات والبرامج آراء الشباب وأفكارهم استناداً إلى القيم والمبادئ التي تعمل على تلبية احتياجاتهم عن طريق بناء وتطوير قدراتهم الذاتية، وبما يؤدي إلى بناء الثقة في الشباب، فهنالك فجوة واضحة بين احتياجات الشباب والخدمات المقدمة لهم، حيث أظهرت الدراسات أن غالبية البرامج الشبابية هي برامج موجهة، نحو الشباب وليست منبثقة عنهم.

ولذلك نجد أن على المؤسسات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية والحكومات الرسمية دراسة تطور مراحل الثقافة السياسية وعلاقتها بالاتجاهات ذات الصلة بعلاقة التربية بالمجتمع ، والتي يمكن فرزها إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة:

  • الاتجاه الأول: يرى أنصار هذا الاتجاه أن التربية والمجتمع صنوان وأن لا سبيل إلى تغير المجتمع دون تغيير في التربية نفسها ، فهنالك علاقة وطيدة بين الجانبين حيث تقوم التربية بدور الريادة في عملية تغيير المجتمع.
  • الاتجاه الثاني: يزعم أصحاب هذا الاتجاه أن التربية عاجزه عن أن تحدث تغيير في حياة المجتمع لأن التربية في اعتقادهم تابعة لا مبدعة ، وهي وإن كان لها ثمة دور في المجتمع ، فإنه يتجلى في إعادة إفراز النظام الاجتماعي الذي أفرزها.
  • الاتجاه الثالث : يقف أنصار هذا الاتجاه موقفاً وسطاً بين الاتجاهين السابقين ، حيث يؤكدون وجود علاقة تبادلية تكاملية بين التربية والمجتمع .

وعلى ضوء ما سبق، يمكن التعامل مع الثقافة السياسية المناسبة وفقاً للأنماط السلوكية لتلك الاتجاهات ، ومن خلالها يتم تحديد السلوك السياسي الملائم للمنطلقات أو الموجهات الرئيسة لأي استراتيجية عامة للشباب بالشراكة مع مؤسسات التنشئة السياسية والاجتماعية، والتي تتطلب التحرك لمواجهة تحديات عديدة يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي وبآليات تنفيذ البرامج والأنشطة المنبثقة عن تلك الاستراتيجيات ودورها في ميادين التربية والتعليم والتأهيل والتكوين، لعل ذلك يمكن أن يُسهم في تحديد الرؤية العامة الرامية إلى «تمكين الشباب Youth Empowerment».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.