مقدمة

يواجه الوضع الفلسطيني منذ سنة 2007 حالة انقسام وانسداد سياسي انعكست تداعياتها على مجمل المشهد الفلسطيني، وألحقت ضررًا بالغًا بالقضية الفلسطينية في العديد من المجالات. ولم تنجح كل المحاولات والجهود التي بُذلت خلال السنوات الماضية في إنهاء حالة الشلل الفلسطيني، ووصلت إلى طريق مسدود.

وخلال الشهور الأخيرة شهدت الساحة الفلسطينية تطورين مهمين هما:

  1. تأجيل السلطة للانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني إلى أجل غير مسمى، نتيجة الخشية من نتائجها التي كانت تميل لصالح قوى المقاومة، وبدافع الخوف من تداعياتها على تماسك حركة فتح التي شهدت انقسامات واضحة، وكانت تتجه لخوض الانتخابات بثلاث قوائم متنافسة.
  2. تزايد الاستهداف الصهيوني لمدينة القدس والمسجد الأقصى، والأداء البطولي للمقدسيين في التصدي لإجراءات الاحتلال، وما أعقب ذلك من مواجهة بطولية في معركة «سيف القدس»، مثّلت نقلة نوعية مهمة في مسار الصراع مع الاحتلال، ودفعت تيار المقاومة إلى صدارة المشهد الفلسطيني، وألحقت ضررًا كبيرًا بمكانة حركة فتح والسلطة سياسيًا وشعبيًا، وبصورة تجعل من إجراء انتخابات جديدة في المدى المنظور أمرًا مستبعدًا.

وبموازاة ذلك، شهدت الحالة الإقليمية خلال الشهور الماضية حالة سيولة وتغيّرات مهمة في العلاقات والتحالفات، ترافقت مع وصول إدارة ديموقراطية جديدة للحكم في الولايات المتحدة، تتجه لإحداث تغييرات مؤثرة على صعيد أولوياتها الدولية وسياساتها تجاه العديد من ملفات المنطقة.

في ضوء كل ذلك يغدو مهمًا دراسة خيارات خط المقاومة في الخروج من المأزق الفلسطيني القائم، وهو ما تناولته حلقة نقاش شارك فيها مجموعة من الإخوة المتخصصين، فيما يلي خلاصتها.

أولًا: السيناريوهات المحتملة

من أبرز السيناريوهات المنطقية المحتملة لمستقبل الوضع الفلسطيني على المستويين القريب والمتوسط ما يلي:

  1. السيناريو الأول: إنهاء الانقسام، وإنجاز اتفاق مصالحة وتوافق وطني، والعودة إلى المسار الانتخابي.
  2. السيناريو الثاني: الجمود واستمرار حالة الانقسام والاشتباك السياسي، وتعطيل المسار الانتخابي.
  3. السيناريو الثالث: نجاح التوجّه الإقليمي والدولي في إعادة تأهيل السلطة وتعزيز مكانتها في المعادلة الفلسطينية، وإضعاف حركة حماس وقوى المقاومة.
  4. السيناريو الرابع: نجاح قوى المقاومة في تشكيل مرجعية وطنية بديلة أو في تشكيل إطارٍ تنسيقيٍ وطنيٍ يتبنّى خيار المقاومة.
  5. السيناريو الخامس: انهيار شعبية السلطة وتآكل بنيتها المؤسسية بصورة تدريجية متسارعة، ودخولها في صدامٍ مع الحالة الشعبية، قد يُفقدها زمام السيطرة على الأرض وعلى الوضع السياسي.
  6. السيناريو السادس: وفاة محمود عباس، وفتح الوضع في الضفة على عدة احتمالات (تَصبُّ في مجملها في السيناريوهات السابقة) أهمها:
    • تولّي شخصية أمنية من حركة فتح، أكثر خضوعًا للأجندة الإسرائيلية والأمريكية، مقاليد السلطة واتخاذها موقفًا متشددًا تجاه المقاومة وقطاع غزة بمبرر تكريس وحدانية السلطة وسلاحها، وبما يدفع الأوضاع نحو مزيد من التصعيد والانقسام والاشتباك الداخلي.
    • حصول نزاع قوي بين الخلفاء المحتملين لعباس، واستمراره دون حسم لفترة من الزمن، الأمر الذي يمكن أن يُنتج حالة من الرخاوة الأمنية في الضفة، تُضعف سيطرة السلطة على الأوضاع في الضفة الغربية وتفتح هوامش أوسع لعمل المقاومة.
    • اختيار شخصية سياسية أو تنظيمية خلفًا لعباس، أو التوافق على توزيع المناصب التي يشغلها عباس على عدد من قيادات فتح. واستمرار النهج الحالي للسلطة في إدارتها للملفات الداخلية والعلاقات الخارجية.

ثانيًا: المحددات الحاكمة

يُرجّح أن تلعب مجموعة من المحددات دورًا مؤثرًا في تعزيز أو إضعاف السيناريوهات المحتملة خلال الفترة القادمة، وأهم هذه المحددات والعوامل المؤثرة:

  1. أولويات السلطة وخياراتها في العلاقة مع حماس وبقية القوى الفلسطينية، ومدى شعورها بالحاجة لإنهاء الانقسام ولتجاوز أزمتها الشعبية وتحسين صورتها السلبية.
  2. حالة فتح من حيث تماسكها الداخلي، وخياراتها السياسية، ومواصلتها تحمّل أوزار السلطة.
  3. خيارات حماس في إدارة العلاقة مع السلطة ومع القوى الوطنية، وخياراتها السياسية في التصعيد والتهدئة وبناء التحالفات الوطنية والإقليمية.
  4. خيارات الفصائل الفلسطينية والنخب الوطنية وسقف استعداداتها للتعامل مع خيارات غير تقليدية في إدارة العلاقة مع السلطة والخروج من الوضع القائم.
  5. فاعلية الشارع الفلسطيني واستعداداته للتحرك المؤثر، للتعبير عن إرادته في دعم المقاومة، ورفض توجهات السلطة.
  6. الموقف الإسرائيلي وأولوياته السياسية للمرحلة القادمة.
  7. الموقف العربي والإقليمي والدولي في التعامل مع الوضع الفلسطيني وأولوياته تجاه القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة.

ثالثًا: الترجيح بين السيناريوهات

يُرجّح أن تتفاعل المحددات والعوامل المؤثرة مع السيناريوهات المحتملة على النحو التالي:

1. فيما يتعلّق بأولويات السلطة وحركة فتح في الوقت الراهن تظهر المؤشرات أنها تكاد تنحصر فيما يلي:

  • استمرار السيطرة على الوضع الأمني، واحتواء ردود الفعل الشعبية المعترضة على سياساتها وأدائها، والاستقواء بتنظيم فتح وتوظيفه لهذه الغاية.
  • تعزيز شرعية السلطة إقليميًا ودوليًا، وقطع الطريق على أي توجهات للانفتاح على منافسها الرئيسي حركة حماس.
  • تحسين صورة السلطة شعبيًا ودوليًا من خلال إجراء انتخابات بلدية لا تشكل تهديدًا لمصالحها وتمثيلها السياسي.

ولا تبدي السلطة وحركة فتح اهتمامًا في الوقت الراهن لإنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام ولا تندرج ضمن أولوياتهما، ولا ترغبان بإجراء انتخابات رئاسية أو تشريعية في ظلّ ميزان القوى الحالي الذي تدركان أنه يميل بشكل كبير لصالح حركة حماس، ولا تتورع السلطة عن التنسيق الأمني، المكشوف نسبيًا، مع الاحتلال لخدمة مصالحها وأولوياتها.

وبالمحصلة، فإن أولويات فتح والسلطة وخياراتهما يدفعان باتجاه ترجيح السيناريو الثاني «الجمود»، ولا يصبّان في مصلحة سيناريو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.

2. يشير أداء حماس إلى أن أولوياتها للمرحلة القادمة:

  • استثمار نتائج الانتصار في معركة سيف القدس لتعزيز مكانة المقاومة وحضور الحركة شعبيًا وسياسيًا.
  • إنهاء الحصار وإعادة إعمار ما دمرته الحرب في قطاع غزة.
  • تطوير علاقاتها الإقليمية والدولية، مستفيدة من تزايد وزنها بعد المواجهة الأخيرة، ومن حاجة الأطراف الدولية لإدامة حالة التهدئة.
  • بناء حالة وطنية تنسيقية مع القوى المؤمنة بخيار المقاومة.
  • تجنّب التصعيد والصدام مع السلطة الفلسطينية.

وعلى الرغم من تبنّي الحركة خيار المصالحة طيلة السنوات الماضية، إلا أن فشل جهود الحركة لتحقيق ذلك على الرغم مما أبدته من مرونة سياسية، يعزز فرص استمرار الوضع القائم.

3. على الرغم من تزايد حالة الاعتراض والسخط لدى العديد من الفصائل الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) على أداء السلطة السياسي والأمني والحقوقي، فإن ذلك كله لا يدفعها باتجاه إبداء الاستعداد لمغادرة موقفها التقليدي في إدارة الموقف من السلطة، بالرغم من التطوّر النسبي الذي طرأ على موقفها خلال الشهور الماضية.

وبالمحصلة، فإن موقف الفصائل يدفع عمليًا باتجاه استمرار الجمود في الوضع الفلسطيني، حيث لم تنضج الظروف بعد لتحسم موقفها من بناء مرجعية وطنية جديدة.

4. طرأ تحسّن ملحوظ على الموقف الشعبي، حيث بات يعبّر عن استعداد أكبر للاعتراض على ممارسات السلطة ولتأييد خيار المقاومة، وهو ما تظهره استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا، لكنه لم يصل إلى درجة الضغط المؤثر على خيارات السلطة وأولوياتها. وهو بالتالي يدفع باتجاه ترجيح فرص إدامة حالة الجمود واستمرار الوضع القائم.

5. أولويات الجانب الإسرائيلي تكاد تنحصر في الوقت الراهن فيما يلي:

  • إدامة حالة الهدوء، وضبط الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة، والحيلولة دون انفجار مواجهات جديدة.
  • مواصلة مسار الانفتاح وتطبيع العلاقات مع الدول العربية، ومراكمة الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية.
  • التهرّب من أي مسار تفاوضي مع الجانب الفلسطيني، والتركيز على المسار الأمني في العلاقة مع السلطة، والحفاظ على السلطة بواقعها الحالي، ومنع انهيارها لصالح حركة حماس وقوى المقاومة.
  • مواجهة ما يسمى بـ «الخطر الإيراني»، خصوصًا في ظلّ توجهات الإدارة الأمريكية للعودة إلى الاتفاق مع إيران بخصوص ملفها النووي.
  • تحقيق حالة من التوافق والتعايش مع الإدارة الأمريكية الديموقراطية بتوجهاتها المغايرة للإدارة الجمهورية السابقة في العديد من الملفات، والمتأثرة نسبيًا بضغط التيار التقدمي في الحزب.

والأولويات الإسرائيلية ترجّح هي الأخرى استمرار حالة الجمود القائمة. فالجانب الإسرائيلي ليس معنيًا بإنجاز المصالحة الفلسطينية وإجراء الانتخابات، وهو يسعى لامتصاص تداعيات معركة سيف القدس، ويدعم الحفاظ على مكانة السلطة ولا يرغب بانهيارها.

6. من أبرز الأولويات الراهنة للأطراف العربية المؤثرة في الوضع الفلسطيني، وخصوصًا مصر والأردن وبعض دول الخليج:

  • إدامة حالة الهدوء في الساحة الفلسطينية، والانسجام مع توجهات الإدارة الأمريكية في تحقيق هدوء طويل أو متوسط الأمد، والحيلولة دون اندلاع مواجهات جديدة، وذلك عبر الانفتاح المحدود سياسيًا وماليًا على قطاع غزة، ومواصلة الضغوط على حركة حماس لتجنّب التصعيد.
  • تعزيز شرعية السلطة والحفاظ عليها ومنع انهيارها.
  • حرمان حركة حماس وقوى المقاومة من تصدّر المشهد الفلسطيني، واستنزاف إنجازها في معركة سيف القدس عبر ملف الإعمار.
  • محاولة إطلاق مسار تفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وترجّح أولويات الأطراف العربية استمرار حالة الجمود، دون أن يتعارض ذلك مع رعاية مصر لحوارات مصالحة غير منتجة هدفها إشغال الوقت، وقطع الطريق على دخول أطراف إقليمية أخرى على الملف الفلسطيني.

7. من أبرز أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية والمنطقة في المرحلة الحالية:

  • تثبيت حالة الهدوء بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنع اندلاع مواجهات جديدة.
  • تثبيت شرعية السلطة ومكانتها ومنع انهيارها، وتقديم المساعدات اللازمة لبقائها واستمرارها.
  • احتواء حركة حماس بصورة غير مباشرة عبر مصر وقطر، ولا يتعارض ذلك مع فتح بعض قنوات التواصل المحدودة مع الحركة.
  • تشجيع مسار التطبيع العربي الإسرائيلي دون ممارسة ضغوط على الأطراف العربية، كما فعلت إدارة ترامب.
  • إنجاز اتفاق جديد مع إيران بخصوص ملفها النووي.
  • تخفيف الوجود العسكري الأمريكي في بعض المناطق كسوريا والعراق، لصالح عقد تفاهمات عسكرية وأمنية تقلل تكاليف وجودها وانتشارها العسكري.

والأولويات الأمريكية تعزز فرص سيناريو الجمود، فأولوية الإدارة الأمريكية الحفاظ على الهدوء، وهي لا تفضّل إنجاز المصالحة، ولا تولي اهتمامًا بالمسار الانتخابي في الساحة الفلسطينية، ولا ترغب بانهيار السلطة، وتعارض تشكيل مرجعية فلسطينية جديدة.

رابعًا: الترجيح والاحتمالات

في ضوء قراءة التأثيرات المتوقّعة للمحددات السابقة، يتضح ما يلي:

1. تبدو فرص سيناريو جمود (استمرار) الوضع القائم هي الأقوى والأرجح في ظلّ المعطيات وتوجهات الأطراف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية، حيث إن حركة فتح غير جاهزة للتقدم في مسار المصالحة، ولا يوجد خطوات فعلية لترميم وضعها وتجاوز أزمتها الداخلية، وبموازاة ذلك يستمر ضعف دور الشتات الفلسطيني وعدم حضوره بصورة مؤثرة في المشهد الفلسطيني، ولم تتمكن قوى المقاومة حتى اللحظة من حيازة أوراق ضغط حقيقية قادرة على الدفع باتجاه تغيير الوضع القائم عبر المصالحة أو عبر مسارات أخرى. بموازاة ذلك، لا يوجد تغيير جوهري في الموقف الإقليمي والدولي يساعد على الخروج من المأزق القائم.

بالتالي فإن المعطيات تدفع نحو إدامة حالة الجمود على المستوى القريب، وربما تتواصل على المستوى المتوسط في حال استمرت المقاربات الداخلية والخارجية على وضعها الراهن، وفي حال لم يحصل اختراق غير متوقّع في الساحة الفلسطينية؛ كوفاة عباس أو حصول اشتباك فلسطيني إسرائيلي قويّ، يحرك الوضع الساكن في الساحة الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والدولية.

2. فرصة تحقيق مصالحة وطنية وإنهاء حالة الانقسام والتوافق على تفعيل منظمة التحرير وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تبدو ضعيفة وغير مرجّحة في المدى المنظور، ما لم تطرأ متغيّرات جوهرية تؤثر في مواقف السلطة والأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لها.

3. فرص إطلاق مسار تفاوضي سياسي جديد بين السلطة والجانب الإسرائيلي تبدو ضعيفة هي الأخرى، بسبب تشدد الموقف الإسرائيلي الذي يُخرج هذا الأمر من دائرة اهتماماته في الوقت الراهن، ويرفضه بشكل علني، على الرغم من الجهود التي تبذلها الأطراف العربية المؤيدة لخيار المفاوضات والتسوية.

4. فرص نجاح الأطراف العربية والإقليمية والدولية في إعادة تأهيل السلطة واستعادة مكانتها في الشارع الفلسطيني تبدو ضعيفة في ظلّ حالة الترهل التي تعيشها وأدائها السيئ الذي يواصل استفزاز الشارع الفلسطيني، وأقصى ما يمكن تحقيقه في هذا المجال الحفاظ على شرعية السلطة بوضعها القائم.

5. فرص نجاح الأطراف العربية والدولية في إضعاف قوى المقاومة في المعادلة الفلسطينية وإعادتها إلى الوراء، غير مرجّحة في الوقت الراهن، في ظلّ المعطيات على الأرض وفي ضوء القناعات التي تشكلت شعبيًا بفعل إنجازات المقاومة في معركة سيف القدس، وبتأثير الأداء السيئ للسلطة؛ غير أن احتمالات التآكل التدريجي لانتصار المقاومة وإضعاف وهجه وتأثيره، وإفراغه من مضمونه واردة.

6. فرص نجاح قوى المقاومة في بناء مرجعية وطنية جديدة في ظلّ المعطيات الداخلية والخارجية تبدو ضعيفة في المدى القريب المنظور، ويحتاج الأمر لبعض الوقت لتبلور ظروف قد تتيح التوجّه لذلك.

7. فرص بناء حالة وطنية تنسيقية، ربما بصيغة تيار مقاومة وحالة اصطفاف وطني، لا تبدو مرجّحة في اللحظة، لكن الأمر ليس مغلقًا وهو قابل للتطوّر بحسب كفاءة المقاومة، وقدرتها على تحشيد الصف الوطني.

8. فرص انهيار السلطة وفقدانها زمام المبادرة والسيطرة على الأرض وعلى الواقع السياسي لا تبدو مرجّحة في المدى القريب، لكنها قد تتعزز على المدى المتوسط والبعيد بتأثير تآكل شعبيتها بصورة متسارعة في الشارع الفلسطيني، بحيث باتت أوراق القوة التي تعتمد عليها السلطة تكاد تنحصر في:

  • الدعم والإسناد العربي والإقليمي والدولي لشرعيتها ووجودها، ومنع انهيارها خشية البدائل المحتملة.
  • الاستناد إلى القاعدة التنظيمية لحركة فتح التي تماهت مع السلطة وربطت مصيرها بها، ولا تُبدي مؤشرات لإعادة النظر في هذا الموقف.
  • عدم استعداد الأطراف المنافسة (فصائل ونخب وطنية) للانخراط في جهد حقيقي لإنجاز بديل وطني عنها.

9. مع أن المخاوف تبقى قائمة من أن تكون مرحلة ما بعد عباس أكثر خطورة، يرجّح أن يستمر النهج الحالي للسلطة سواء تولَّى بعده شخصية أمنية أكثر خضوعًا للأجندة الإسرائيلية والأمريكية، أم كان البديل شخصية سياسية أو تنظيمية من فتح، أم جرى توزيع مناصبه على عدد من قيادات الحركة. لأن تأثير العامل الذاتي ليس الأقوى في تحديد خيارات السلطة وتوجهاتها، في التعامل مع قوى المقاومة والملفات الداخلية، بل إن العامل الإسرائيلي والأمريكي وإلى حدّ ما العربي، هو الأهم والأكثر تأثيرًا في مواقف السلطة وسلوكها السياسي والأمني، وهو ما لا تتغير أولوياته واعتباراته كثيرًا بغياب عباس أو بقائه.

أمّا احتمال حصول خلاف ونزاع وفوضى يؤدي إلى ارتخاء سيطرة أجهزة السلطة على الأوضاع الأمنية والسياسية بعد وفاة عباس، فهو ضعيف وغير مرجّح ضمن المعطيات الحالية، لأن الأطراف الخارجية المتضررة من تداعياته، وعلى وجه الخصوص الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية والأطراف العربية المؤيدة للتسوية، تأخذه بالحسبان ولا ترغب بحصوله وتسعى لتجنّبه بكل ما أوتيت من قوة. وفي حال حصوله نتيجة الغياب المفاجئ، يرجّح أن يكون مؤقتًا ولا يستمر طويلًا.

خامسًا: البيئة السياسية والتداعيات المحتملة لاستمرار الوضع القائم

بالرغم من حالة الجمود واستمرار الوضع القائم المتوقعة، فإن البيئة السياسية ستواصل تفاعلها في ضوء المعطيات الفلسطينية والإقليمية والدولية، ضمن المعطيات والاعتبارات التالية:

1. استمرار حالة الانقسام في الواقع الفلسطيني بسلبياتها الخطيرة المستمرة منذ 14 عامًا، وفي مقدمتها إضعاف الموقف الفلسطيني، واستنزاف الأطراف الفلسطينية بإدارة ملف الانقسام، والإضرار بمكانة القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا.

2. تعطيل المسار الانتخابي إلى أجل غير مسمى، واستمرار تفرّد حركة فتح والسلطة الفلسطينية بالقرار الرسمي وبالسيطرة على مختلف المؤسسات الفلسطينية.

3. استمرار التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني.

4. تزايد ضعف السلطة وتآكل مكانتها سياسيًا وشعبيًا، وزيادة الضرر الذي يلحق بصورتها داخليًا وخارجيًا نتيجة أدائها السيئ في الدفاع عن القدس والأقصى، وموقفها المتخاذل في معركة سيف القدس، واستمرار السلوك الوظيفي الأمني للسلطة في الضفة الغربية، وتوجيه انتقادات قاسية لملفها في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وبشكل خاص جريمة اغتيال الناشط الحقوقي «نزار بنات».

5. استمرار معاناة قطاع غزة نتيجة الحصار، ومحاولات تطويع المقاومة.

6. تقدم في شعبية حركة حماس وبقية قوى المقاومة، وتراجع شعبية السلطة وشعبية حركة فتح.

7. تزايد التأييد في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي لخيار المقاومة كمشروع عملي قادر على الإنجاز، وردع الاحتلال والتصدي لجرائمه والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

8. نجاح قوى المقاومة في تثبيت نفسها كأمر واقع يصعب تجاوزه والقفز عنه في التعامل مع الشأن الفلسطيني، وانفتاح العديد من الأطراف الإقليمية والدولية على التواصل معها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بعد أن نجحت في تكريس نفسها عنوانًا للهدوء والتصعيد.

سادسًا: التوصيات والمقترحات

  1. السعي لبناء اصطفاف وطني لقوى المقاومة والمعارضة لمسار التسوية السلمية، ووضع تصور عملي وخريطة طريق لإنجاز هذا الاصطفاف، على أساس الثوابت والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، واستثمار حالة الانسجام القائمة حاليًا في مجال المواجهة الميدانية مع الاحتلال.
  2. بلورة رؤية وطنية توافقية طموحة وواقعية، لإدارة المرحلة القادمة وتوزيع الأدوار وتهديف الأداء في الضفة والقطاع وأراضي الـ 48 والشتات بما يتناسب مع معطيات كل واحدة من تلك الساحات، وعلى قاعدة التكامل.
  3. السعي لتشكيل قيادة انتقالية أو تفعيل الإطار القيادي الموحد، بما يوفر ظروف استعادة الثقة والمصداقية والجدية لمسار المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
  4. التحرك عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، لتوسيع دائرة الدعم والإسناد لمشروع المقاومة.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ «عاطف الجولاني» بخالص الشكر على إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.