يبدو المشهد مكررًا حد الملل. مشجع شديد الانتماء لنادي الزمالك يلوم إدارة النادي على اتخاذ موقف ما من شأنه التفريط في قيمة النادي وهيبته. في المقابل يظهر المسئول الزملكاوي كرجل لا حول ولا قوة له مستغربًا موقف الجماهير وعاتبًا عليها.

هذا ليس ديجافو، كل شخص مهتم بالشأن الرياضي المصري عاش تلك الأحداث من قبل ويعرف ما سيحدث مستقبلًا عن ظهر قلب، إلا أن العجيب هنا أنه في كل مرة لا يحاول أحد تغيير المشهد، ولو على سبيل التجربة.

المشهد الآن بطله اللاعب التونسي حمدي النقاز، قرر حمدي فسخ تعاقده مع نادي الزمالك نظرًا لعدم تقاضيه راتبه لعدد من الشهور، ثم رفع قضية وأصبحت مسألة وقت قبل أن يصبح الزمالك مدينًا لحمدي بمبلغ يفوق مليون دولار.

قرر نادي الزمالك حل المشكلة عن طريق إعادة التعاقد مع حمدي النقاز، بل تقديم فيديو لطيف عن عودته لأحضان الفريق مرة ثانية. قابلت جماهير الزمالك هذا الخبر بسخط منطقي، كون اللاعب فسخ تعاقده من قبل، بل عاد إلى الفريق بلي الذراع دون حاجة فنية حقيقية.

تلوم جماهير الزمالك لجنة حسين لبيب الذي فرط في هيبة نادي الزمالك وقبِل عودة لاعب فسخ تعاقده مع الفريق، إلا أن لبيب نفسه لا يجد تفسيرًا لهذا الغضب الجماهيري؛ لأنه في الحقيقة لا يعرف كيف يوفر المال اللازم لسداد غرامة النقاز إلا ببيع لاعب مهم في الفريق كأبسط الحلول، وهو ما يعيدنا للنقطة الأولى في نفس الدائرة حيث تلومه الجماهير.

قبل أن نبدأ في محاولة تفكيك المشهد دعنا نجيب على سؤال مهم: هل هناك ما يسمى بهيبة النادي؟

هيبة النادي: متلازمة الابتسام عند ذكر الزمالك

هناك سؤال معتاد يسأله كل مقدمي البرامج الرياضية لضيوفهم الذين قُدِّر لهم أن يلعبوا في فريقي الأهلي والزمالك. هذا السؤال بالطبع هو ما الفارق بين اللعب في الأهلي اللعب في الزمالك؟ هذا السؤال لا تختلف إجابته بداية من جمال عبد الحميد وصولًا لأحمد رفعت.

يبدأ دومًا الضيف إجابته بالمدح في نظام الأهلي ومدى الالتزام المفروض على اللاعبين ووضوح الحقوق والواجبات وفصل اللاعب عن الإدارة وفصل كرة القدم عن النادي.

ثم يأتي دور الزمالك حيث تلمح بسهولة شبح ابتسامة يرتسم فوق وجه الضيف قبل أن يحاول تبريرها بأن الزمالك فريق كبير، لكن هناك دومًا مشاكل ما تحيط بالفريق.

تلك الابتسامة غير الإرادية هي هيبة نادي الزمالك التي لا يشعر بها اللاعبون أنفسهم. أكثر من نصف انتصارات الأهلي تتعلق بتلك الهيبة التي تفرض الجدية الكاملة على لاعبيه. مرادف النادي الكبير لا يتحقق إلا بشعور اللاعب أنه أصغر من هذا النادي.

لا يستوعب هنا الحديث عن عشرات القصص التي يقصها لاعبون لعبوا للناديين ولا يقصونها بشكل معلن حرصًا على مشاعر الجماهير. لكنك دومًا تسمع عن تلك القصص التي كان أبطالها لاعبين ومسئولين وشخصيات لا تستحق أن تقترن بنادٍ جماهيري ضخم مثل الزمالك.

السؤال الثاني هنا: هل خلق تلك الهيبة وصفة سحرية لا يمتلكها إلا الأهلي ومسئولوه؟

فرص ذهبية يحبها الأهلي ويخشاها الزمالك

يقف المشجع الأهلاوي في فخر وكبرياء ليقول لمحدثه إن الأهلي لا يملك عزيزًا. الحقيقة أن هذا المشجع لا يد له في ذلك، بل أغلب الظن أنه هو نفسه بكى وغضب وهتف ضد المسئولين بعد اعتزال طاهر أبو زيد أو رحيل التوءمين حسن، لكنه في المقابل وعلى المدى الطويل تشرَّب فكرة هيبة النادي.

لذا عندما حدث موقف عدم تجديد عبد الله السعيد ثارت جماهير الأهلي لتؤكد أن الأفضل هو ترك اللاعب غير مأسوف عليه. بدأت مقارنات الخطيب وصالح سليم وسيد وثابت البطل على الفور. هل عبد الله أفضل من حسام حسن، فليرحل وسيندم هو قريبًا دون شك.

الشاهد هنا أن هناك أمثلة استندت إليها جماهير الأهلي التي تشرَّبت مع الوقت فكرة هيبة النادي الذي كان قاسي القلب أحيانًا، وحازمًا أحيانًا أخرى، لكنه في الأخير حقق البطولات بفرض تلك الهيبة.

امتلك نادي الزمالك عديد الفرص كي يؤسس لنفسه تلك الهيبة ويرسم حوله هالة من التميز، لكنه كان دومًا خائفًا من تلك الفرص.

قبل واقعة النقاز تلك كانت واقعة تجديد ساسي التي لعبت خلالها إدارات الزمالك وإعلامه دورًا في منتهى الإذلال أمام لاعب كان قد أنهى اتفاقه مع نادٍ آخر بالفعل.

لم يكن التجديد لساسي مأزقًا على الإطلاق، بل كان فرصة ذهبية ضد لاعب أنت تعرف أنه لن يستمر على الأغلب، فرصة ذهبية لإعلاء أن الزمالك لا يتودد ولا يستجدي لاعبًا من أجل التجديد.

والمثير هنا أن المشهد القادم يعرفه الجميع، وهو محاولة تجديد عقد أشرف بنشرقي الذي اشترط وضع شرط جزائي يتساوى مع ضعف مقدم العقد الذي سيحصل عليه، مثلما أوضح رئيس النادي.

يؤكد لبيب أنه لن يجدد لبنشرقي بهذا الشرط المجحف، وهذا هو التصرف الصحيح دون شك. لكن تدرك جماهير الزمالك – خاصة بعد تأكيد لبيب عدم ترشحه – أن رئيس الزمالك القادم سيكون على رأس أولوياته تجديد عقد بنشرقي دون تفكير.

مع كل تمرد أو مماطلة كان هناك فرصة ذهبية لخلق هالة الكيان الأهم، لكن الزمالك كان يخشى تلك الفرص كثيرًا. كان الخوف الأساسي هنا من الجماهير، وهنا ننتقل للسؤال التالي: لماذا تخاف إدارات الزمالك من جماهيرها بهذا الشكل؟

الرمز الذي يخلق الكوادر والأموال التي لا تخلق الاستقرار

عندما تفكر ببساطة في مواقف الأهلي التي خلقت له حالة سُميت فيما بعد بحالة الأهلي فوق الجميع، تجد هناك رموزًا قادرة على مجابهة أي نجم مهما كان اسمه.

كان رحيل التوءمين مخيفًا لجماهير الأهلي، ثارت الجماهير حتى إن ثابت البطل نفسه بكى بعد هجوم الجماهير عليه عقب فقدان لقب الدوري، لكن كان هناك اسم يردده الجميع على أنه المسئول الأول ليهدأ الجميع ويعيد حساباته. هذا الاسم كان صالح سليم.

التوءمان نفسهما في كل أحاديثهما بعد ذلك هاجما الجميع إلا صالح سليم، مبديين شكوكهما أنه المسئول عن الأمر في الأساس. وفي المقابل كان صالح سليم يؤكد أنه لا يهتم بمشكلة لاعب؛ لأن هناك مدير كرة وهناك مسئول عن النشاط الرياضي والعديد من الشخصيات صاحبة الدور الأهم قبل دوره. وهذا ما يسمى بصناعة الكوادر.

يجيد الأهلي صناعة الكوادر لأنه يملك الرمز الذي يعلم أن استمراره واستمرار حُسن سيرته لن يحدث إلا بخلق هذه الكوادر التي ستظل على نفس النهج وترد الدين.

على الجانب الآخر لا يوجد الرئيس أو المسئول النجم في نادي الزمالك، والذي يستطيع مواجهة سطوة نجوم الفريق. لا يوجد اسم يحمي المنظومة من غضب الجماهير وتمرد اللاعبين. والسبب دون شك هو الإصرار على عدم صناعة كوادر.

خرج حسين لبيب رفقة ميدو ليؤكد أن العدو الأساسي له هو رموز الزمالك. الرجل يؤكد أن هناك أناسًا كل مصلحتهم بشكل يومي هو محاولة إيقاعه رغم أنه لن يرشح نفسه من الأساس.

أسماء مثل حازم إمام وميدو تتغلب دون شك كثقل على أسماء بحجم حسام غالي ومحمد فضل، لكن الزمالك لا يجيد صناعة كوادره. حتى إن هناك  تشبيهًا يعرفه جيدًا العاملون داخل الزمالك، وهو أن هذا النادي يشبه العراق وما يعانيه من تشتت، فهناك العديد من الطوائف التي تطمع في الحكم.

أما عن الجزء المتعلق بالسيولة المالية للفريق، والتي تمكن من وجود استقرار فني للفريق، حيث لا تبدأ المشكلة من الأساس. في الحقيقة تمتع الزمالك في بعض الأوقات بسيولة مالية لم يتمتع بها الأهلي، لكنه أبدًا لم ينعم بالاستقرار الذي تجلبه الأموال. والسبب ببساطة أن تلك الأموال كانت لصناعة أسماء أصحابها من خلال نادي الزمالك لا من أجل الزمالك نفسه.

تعمل مجالس الزمالك من أجل نفسها، ولذا تخاف من جماهير الفريق في المقابل لأنهم يدركون أن مصالحهم قابلة للكشف بسهولة. حدثت المعجزة وظهر لبيب كرجل لا يريد أن يعمل من أجل لنفسه، لكنه في المقابل شعر أن الجماهير بدأت تنفصل عن الواقع شيئًا فشيئًا.  

جماهير الزمالك: الوعي كحل أخير

ماذا لو باع لبيب لاعبًا مهمًّا نسبيًّا لأنه يفتقد المال المناسب لدفع غرامة النقاز والصرف على الفريق. هذا مجرد رأي لا أفترض هنا صحته، لكنه رأي ليس ببعيد. حتمًا ستثور الجماهير مؤكدة أن هذا الرجل جاء لخراب النادي، على الرغم من أنه في المقابل، إعادة النقاز هي الخراب الحقيقي دون شك.

ترفض جماهير الزمالك الواقع الذي تعيشه. وتضع إدارات الفريق تحت ضغط دائم دون مبرر مفهوم. لا شك أن جماهير الزمالك تخاف من ماضٍ مليء بلاعبين غير جيدين امتلأت بهم قائمة النادي، لكن أصبح الأمر أشبه بالخوف الهستيري. والحقيقة أن الزمالك لا يملك كحل أخير إلا وعي مشجعيه لدعم هؤلاء القادرين على حمل الزمالك وتأسيسه.

نعم يحتاج النادي الذي تجاوز عمره مائة عام لتأسيس إداري ومواقف حازمة مستغلًّا جودة قائمة الفريق الحالية. يُشتَرط في ذلك دعم جماهيري لإنشاء مشروع يكون قوامه لاعبين وهيبة وإدارة مستقرة.

فليراهن أحدهم على المدى البعيد، ومن المؤكد أن الجماهير ستهتف باسمه فيما بعد، حتى لو لم تهتف الآن.