في آخر لحظاته كمدرب للأهلي، قرر السويسري «رينيه فايلر» إنهاء رحلته القصيرة داخل مصر بموقف سلبي أثناء المؤتمر الصحفي لمباراة الأهلي والترسانة بكأس مصر. بدأ فايلر حديثه عن مباراة وسيرها، حتى صدمه أحد الصحفيين بسؤال عن مستقبله داخل القلعة الحمراء.

لم يكن فايلر يود الحديث عن الأمر، بل وهدد بعدم استكمال المؤتمر، فأخبر مترجمه الصحفيين بذلك. وبعد استتباب الأمر ومروره بسلام قرر صحفي آخر طرح نفس السؤال، ليغادر فايلر بلا رجعة.

تشعر وكأنه مشهد كوميدي لم يكتمل، كان ينقصه أن ينزع الصحفي الباروكة ويقذفها في وجه «فايلر» لنكتشف أنه الراحل «إبراهيم نصر»، وأن تكرار السؤال كان بدافع المزاح وليس الغباء. وقبل أن تحصر هذا الدهاء الصحفي على صحفيي مصر أو الوطن العربي، دعنا نخبرك بما هو أكثر دهاءً من ذلك السؤال.

مزيد من الدهاء الصحفي

في شهر مارس من عام 2017، انتقل الدولي الألماني السابق «باستيان شفاينشتايجر» إلى فريق «شيكاغو بولز» بالدوري الأمريكي، وكلنا يعلم أن علاقة الأمريكان بكرة القدم ليست وطيدة، فقرر أحد الصحفيين الترحيب بـ «شفايني» بسؤال عجيب.

«بإضافة لاعب بحجمك إلى الفريق، ما هي توقعاتك لحظوظ الفريق في بطولة كأس العالم؟» لينظر باستيان باستغراب إلى إداريي النادي الجالسين بجواره، فيهمسون بأذنه لإيضاح السؤال، فيقاطعهم الصحفي: «دعني أعيد صياغة السؤال، بما أنك هنا، هل الوصول لكأس العالم هدف واقعي للنادي؟» ليصحح له أحد الإداريين موضحًا أنهم كنادٍ لا يشاركون في كأس العالم.

في مؤتمر آخر للمدرب «لويس إنريكي» فترة تواجده في برشلونة، كان لويس مسترسلاً في الإجابة على أحد الأسئلة، لتلتقط عيناه أحد الصحفيين وهو نائم! ضحك إنريكي وقال «هذا لم يحدث لي قبلاً، ما الذي كنت أقوله بحق السماء ليحدث هذا؟» وبعدما قام الزملاء الصحفيون بإيقاظه قال له «صباح الخير، كيف حالك؟»

إن كنت تظن أن هذه المرحلة هي الأعلى فأنت على خطأ، فقد تم سؤال ليونيل ميسي بعد إحدى مباريات المنتخب الأرجنتيني عن حظوظ المنتخب الدنماركي بكأس العالم! ليجيب: «مع خالص التقدير، لا أعرف الكثير عن اختيارات المنتخب الدنماركي، لكن أعتقد أن تصنيفهم جيد، وهم قادرون على تحقيق مفاجأة في كأس العالم (يضحك)، أنا جاد».

وأخيرًا وصلنا إلى السؤال الأيقوني الذي تلقاه السير أليكس فيرجسون عقب نهائي دوري أبطال أوروبا 2011. قرر أحد الصحفيين اقتحام عالم أحلام السير بعد أن اكتسحه فريق جوارديولا طولاً وعرضًا، وسأله «لو منحك مُلاك النادي شيكًا على بياض لتستخدمه في ضم لاعب واحد فقط من برشلونة، من تختار؟» ليباغته فيرجسون بالإجابة التالية: «هذا واحد من أغبى الأسئلة التي سمعتها بحياتي، سأختار ماسكيرانو!».

المؤتمر جزء من المباراة!

يمكننا سرد عدد كبير من المواقف المشابهة لكن ذلك سيكون بمثابة تقليل من قيمة المؤتمر الصحفي، أو تصويره على أنه صراع بين الأسئلة الساخنة والإجابات الأكثر سخونة. لكن الواقع الحالي يفيد بأن المؤتمر جزء مهم من اللعبة، بل وتزيد أهميته كلما ارتفع مستوى المنافسة.

في تقرير لشبكة «سكاي سبورتس» بعنوان وراء كواليس المؤتمرات الصحفي، يحكي الصحفي «جون كروس» أن المؤتمرات قديمًا، في زمن جورج جراهام (مدرب أرسنال قبل فينجر) وبريان كلوف (المدرب التاريخي لنوتنجهام فورست) كانت بلا كاميرا. عليك فقط الاتصال والتنسيق مع سكرتير المدرب، ثم الذهاب للنادي في الموعد للحصول على محادثة غير رسمية.

وهنا لم يكن فقط الأمر دائرًا حول الوصول لقصة مثيرة يمكن نشرها للقراء، لكنه بمثابة فرصة جيدة لإلقاء نظرة مقربة على ما يحدث داخل النادي، والاستماع مباشرة لأفكار المدرب، بل وتوطيد العلاقة معه.

لكن مع دخول الكاميرات، وتطور شكل المؤتمرات، بات المؤتمر وسيلة ضمن وسائل أخرى ينقل من خلالها المدرب صورة عنه وعن ناديه إلى الصحافة والجمهور. لذلك في بعض الأحيان قد يأتي مسئول الاتصالات الخاص بالنادي ليسأل الصحفيين قبل المؤتمر عن الأسئلة التي سيطرحونها، حتى يتسنى لهم الاستعداد.

وبالتبعية، يمكن للمدرب أن يحدد الصورة التي يود أن تراه الجماهير بها، كذلك يمكنه رسم علاقته بالصحافة، إما جعلها ساخنة من البداية كما فعل مورينيو وهو يخبرهم أنه رجل خاص، أو هادئة كما أخبرهم كلوب بأنه الرجل العادي، وما بين الألماني والبرتغالي يمكن القول إن هنالك ما يسمى بـ«فن إدارة المؤتمر الصحفي».

وكأنه مؤتمر انتخابي

أبدت قناة «DW Kick off» على اليوتيوب إعجابها بالأساتذة الثلاثة لمؤتمرات كرة القدم، مورينيو، وجوارديولا وكلوب، بل وذهبوا بعيدًا للطلب من الساسة التعلم منهم، لكننا سنتجاوز عن ذلك الطلب لأنهم استخدموا الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مثالاً عن الساسة.

ينتهج الثلاثي نهجًا مختلفًا لكنه في النهاية يشكل لكل واحد منهم كاريزمته الخاصة. البداية دائمًا من الدخول، حيث يدخل كلوب بابتسامته المعهودة محاولاً تلطيف الأجواء قبل البدء، أما جوارديولا فيبدو أكثر رسمية وكأنه رجل دولة. أما مورينيو، فيأخذ طابعًا سينمائيًا بعض الشيء، ففي إحدى المرات صفق له الصحفيون أثناء دخوله.

بعد ذلك، يأتي الدور على انتقاء الكلمات وتحديد موقف المدرب، هل سيهاجم أم سيدافع؟ عندما كان مورينيو في أوج عطائه، قرر أن يهاجم أو بالأحرى يظهر للصحفيين العين الحمراء، فرسم حول نفسه هالة من الغرور والكبرياء كافية لاستفزاز الصحفيين. وعليه بات ينتظر تحقيق الانتصارات ليغذي تلك الهالة، بينما هم ينتظرون سقوطه للانقضاض عليه.

كان لكاريزما مورينيو المتطرفة الفضل في تقسيم الجمهور إما محب أو كاره، ولا وجود للون الرمادي. وبعد تراجع مكانته قليلاً، قرر مورينيو تعديل تلك الصورة، واختار الحديث بنبرة أكثر هدوءًا وتواضعًا، لأن ليس من مصلحته أن يستفز الصحفيين ضده وضد فريقه.

وعلى النقيض يظهر يورجن كلوب ليقدم صورة أكثر تواضعًا وانسيابية في التعامل مع الكاميرا، حيث تجده حاضرًا دائمًا بردود أفعاله التي تبدو تلقائية معظم الوقت. عندما أتى إلى إنجلترا، أبعد نفسه عن الضغوط وطلب مهلة للعمل، وبالفعل حصل على ما أراد، بل وحتى الآن، لن تجد تحفزًا ضده عند سقوط فريقه.

أما جوارديولا فيبدو أقل منهما من حيث التعامل مع المؤتمر الصحفي، هو ليس سيئًا لكنه ليس مثلهما. معه، تشعر أنك أمام عالم فيزياء، يجلس أمام الكاميرات وعقله مركز على حل المعادلات، تجده شاردًا ثم يعود فجأة للإجابة عليك، لكنه يتمكن من إظهار ذكائه وسط الإجابات.

في إحدى المرات التي أشاد فيها بيورجن كلوب، دس وسط إجابته جملة «بالنسبة للمشاهدين» دون أن يلحظ أحد. حتى في مزاحه قد تستشعر الغرابة، خاصة في هاتين المرتين بخصوص الجنس، الأولى عندما علق على تفضيل داني ألفيش للتدرب تحت قيادته عن الجنس، فقال إنه بالطبع يفضل الجنس، والثانية عندما أخبر الصحفيين باستحالة لعب كرة قدم جيدة دون ممارسة الجنس.

لا أعرف إن كنت لاحظت ذلك قبلاً أم لا؟ لكن إن جربت ربط ما سبق بانطباعك عن كل مدرب منهم، ستجد أن ذلك الانطباع قد تكون بفعل هذه التصرفات وليس من أداء فرقهم في الملعب. فالجميع يخسر ويكسب، واختلاف أسلوب اللعب لا يمكنه ترك انطباع بين الحب والكره، لذلك يمكنك أن تقرأ بسهولة أن ما فعله فايلر كان نابعًا من عدم اهتمامه بأي انطباع يتركه، أما هؤلاء فيهتمون أكثر مما نظن.