قلنا في أكثر من مناسبة سابقة: إن من الظلم اختزال الأعمال الخيرية للأميرة فاطمة في وقفيتها لجامعة القاهرة فقط. وهنا نقدم مادة وثائقية تؤكد شمول أعمالها الخيرية للمرافق العامة في مجالات الأمن والدفاع والمحافظة على هوية الأمة عبر مؤسسات التعليم الكبرى في القاهرة (الأزهر الشريف)، وفي إسطنبول (دار الفنون).

أنشأت الأميرة فاطمة وقفية ضخمة في حجمها وفي آثارها العمرانية معًا؛ وسجّلتها بموجب حجة محررة أمام محكمة مصر الشرعية الكبرى بتاريخ 28 رجب 1331هــ/ 3 يوليو 1913م. وقد حضرت الأميرةُ مجلس الإشهاد على نفسها في هذه الوقفية بنفسها، وحضر المجلس من الشهود عليها أيضًا: عبد الخالق باشا ثروت النائب العمومي وقتها عن الخديوي عباس حلمي الثاني، والدكتور محمد علوي باشا رائد طب العيون في مصر، وأحد أعضاء مجلس شورى القوانين وقتها، وعلي بك بهجت وكيل دار الآثار العربية وقتها، وغيرهم من الوجهاء وكبار رجال الدولة.

وكانت الوقفية عبارة عن: 14 سهمًا، و14 قيراطًا و3357 فدانًا واقعة بنواحي مديرية الدقهلية، و17 قيراطًا و60 فدانًا واقعة بزمام بولاق الدكرور بمديرية الجيزة. ووقفت كذلك جميع ما بتلك الأطيان من المباني والأشجار والنخيل والوابورات المعدة لريها والآلات الزراعية وغير ذلك مما يتبع الأطيان المذكورة. ووقفت جميع بناء السراي المعروفة وقتها بسراي بولاق الدكرور التي كان بناؤها قائمًا على القطعة نمرة 2 بحوض الورد البالغ مقدارها 12 سهمًا و12 قيراطًا وفدانان، بمسطح إجمالي 10.575 مترًا مربعًا.

ووقفت كذلك جميع بناء الوابورين، والوابوران ذاتهما: المعدِّ أحدهما لري الأطيان الموقوفة، والثاني لإنارة السراي المذكورة وجميع ما يتبعهما من البطاريات وسلوك الكهرباء وغير ذلك مما يتبعهما. ووقفت أيضًا جميع بناء العربخانة والإسطبل القائم بناؤهما على قطعة أرض قدرها 21 سهمًا وقيراطين ضمن القطعة نمرة 7 بحوض الورد نمرة 6 ببولاق الدكرور. ووقفت جميع ما بسراي بولاق من الأثاثات والفُرُشات والكراسي والنجفات والتربيزات والدواليب وغير ذلك مما كان موجوداً بالسراي.

وبعد أن تثبت القاضي الشرعي من صحة ملكية الأميرة لتلك الأعيان، وأنها لا تزال في ملكيتها وحدها حتى تاريخ وقفها، أنشأت الأميرة هذه الوقفية على نفسها تنتفع بها مدة حياتها، ثم من بعدها جعلتها وقفا يصرف ريعه على النحو الآتي:

1. الجهة الشرقية من السراي، وهي مشتملة على دورين، معدة لإقامة موظفي وقفها السابق المحرر بتاريخ 24 شعبان 1328هـ/ 29 أغسطس 1910م، من مفتشين، وكُتَّاب، ورئيس كتاب، وسعاة وفراشين، وحفظِ جميع دفاتر الإدارة والمعاملات والحسابات والإيجارات وغير ذلك.

2. الجهة الغربية، وهي فوق مطبخِ السراي وحواليه، ومحصورة بين بابي السراي الشرقي والغربي، فإنها تكون معدة لإقامة خَدَمَةِ وموظفِي إدارة هذا الوقف الصادر يوم تاريخه، من مفتشين وكتاب ورئيس كتاب، وسعاة وفراشين، وحفظِ جميع دفاتر الإدارة والمعاملات والحسابات والإجارات وغير ذلك. وأن يُكتب على باب تلك الجهة أيضا لوحة معنونة: «دايرة وقف البرنسيس فاطمة هانم أفندي كريمة جنتمكان إسماعيل باشا خديوي مصر الأسبق»، على الدوام والاستمرار.

3. السراي ذاتها، وهي التي بالوسط في مقابلة الداخل من الباب الشرقي العمومي، تكون معدة بما تشتمل عليه من الفروشات والأثاثات لإقامة من يحتاج من أولاد الواقفة وذريتها بصفة سكنٍ فقط، بشرط ألا يسوغ لأي واحد من أولادها أو ذريتها أن يعمل عملًا بالسراي أيًا كان، ولا أن يتصرف في شيء من موجوداتها، ولا أن ينقلها من الجهة الموضوعةِ بها إلى جهةٍ أخرى خارجة عن محلها بالسراي، ولا أن يعرض شيئًا من منقولاتها للتلف، ولا أن يبيعها، ولا أن يرهنها؛ ومن فعل ذلك صار محرومًا من السكن في تلك السراي قطعيًا.

4. الوابوران الكاملان العدد والآلة؛ أحدهما يكون مُعدًا لري الأطيان التي ببولاق الدكرور، والثاني يكون مُعدًا لإنارة السراي بالنور الكهربائي.

5. الإسطبل والعربخانة، يكونان مُعدين لوجود ركائب الموظفين والتابعين لإدارة الأوقاف الصادرة من دولة الواقفة.

6. أمّا الأطيان الموقوفة وهي 14 سهمًا و14 قيراطًا و3357 فدانًا بزمام مديرية الدقهلية، و17 قيراطًا و60 فدانًا بزمام بولاق الدكرور؛ فيُصرف من ريعها الآتي:

  • مبلغ 18.300 قرش صاغ مصري، أو ما يُعادله من نقود كل زمان، يُصرَف في كل شهر من شهور السنة الشمسية للثمانية أشخاص وهم: أحمد بك خورشيد وكيل دائرة دولة البرنسيسة الواقفة فاطمة هانم 8000 قرش صاغ. وأحمد زهدي بك المدير بالتدريسات العالية بالآستانة 1200 قرش صاغ، ومحمد صلاح الدين بك سكرتير دولة البرنسيسة الواقفة 3000 قرش صاغ، وفريد فرهاد أفندي أباظة وكيل خرج سراي أميركون بالآستانة العلية 2000 قرش صاغ (وهي السراي التي ورثتها عن والدها الخديوي إسماعيل)، والشيخ نصر محمود المؤذن بسراي دولة البرنسيس 600 قرش صاغ، والشيخ محمد سعيد أحد كتاب محكمة مصر الشرعية المأذون بكتابة هذا الوقف 2000 قرش صاغ، والشيخ علي عويس من أهالي مديرية دنقلة (بالسودان) 500 قرش صاغ، وأحمد عادل بك الجركسي المقيم (آنذاك) ببروسة التابعة للآستانة العلية بولاية خداوند كار، المعروف بابن خال محمود باشا سري، 1000 قرش صاغ.

ولكل واحد من هؤلاء المبلغ المعين له مدة حياته، ثم من بعده يكون المبلغ لزوجته، أو زوجاته، وأولاده ذكورًا وإناثًا بالسوية بينهم مدة حياتهم فقط؛ بحيث يستقل الواحد منهم إذا انفرد، ويشارك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع بالسوية، ومنْ مات من الثمانية في حياة دولة البرنسيس يقوم مقامه زوجته أو زوجاته، وأولاده ذكورًا وإناثًا؛ الذين يوجدون على قيد الحياة بعد انتقال الواقفة إلى الدار الآخرة، مدة حياتهم بالسوية بينهم، ومنْ مات منهم قبلَ أو بعد وفاة الواقفة، عن غير زوجة أو أولاد، يُضم ما كان يُصرف له لفاضل ريع هذا الوقف، ويُصرف مصرفه.

  • مبلغ 25.250 قرشًا مصريًا يُصرف شهريًا لعدد 56 شخصًا، من موظفي وخدام البرنسيس فاطمة في سراياها بمصر وبالآستانة العلية، من الكتاب والحشم، ومدبرات البرنسيس من السود والبيض والحبوش، وذلك مدة حياتهم فقط، وقد أَثبتت الأميرة أسماءهم في حجة الوقفية. وكل من مات منهم يُضم ما كان يصرف له لفاضل ريع الوقف ويصرف مصرفه.
  • ما يُصرف شهريًا عند احتياج أولاد دولة الواقفة وذرياتهم كلهم أو بعضهم للسكنى بالسراي والإقامة بها، 50 جنيهًا مصريًا في مشترى خبز ولحوم وخضروات وفاكهة وغير ذلك في أيام الشهر، وفي أجرة طهاة لتسوية الطبخ، وقرشين لتقديم ذلك لأولاد وذرية الواقفة يوميًا في الصباح والغداء والعشاء بحسب العادة، ويكون صرف ذلك بمعرفة من يكون ناظرًا على هذا الوقف.
  • ما فضل من الريع بعد الذي عُيِّن صرفُه أعلاه، وما سيذكر بعدُ؛ يقسم الفاضل إلى 100 سهم ويصرف على النحو الآتي:

أربعون سهمًا من فاضل صافي عموم الريع؛ تُرسَل سنويًا لديوان الحربية والبحرية بدار الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية، ليُصرف في تعليم 4 على الأقل من كل جهة منهما:

«اثنان على الأقل من الضباط، أو من تلامذة المدارس المتحصلين على الشهادة النهائية المدرسية، ويكونون من المسلمين، وذلك بالسوية بين الجهتين المذكورتين؛ النصف من ذلك من متخرجي المدرسة الحربية بدار الخلافة والسلطنة العثمانية، والنصف الثاني من متخرجي المدرسة البحرية بدار الخلافة؛ ممن يُرى تعليمه لناظري البحرية والحربية، بشرط أن يكونوا النابغين والمتحصلين على الدرجات العالية؛ أي الدرجة الأولى والثانية في الدراسة، ومن رعايا الخلافة العثمانية المخلصين للدولة والأمة الإسلامية؛ أيًا كان مقر دار الخلافة الإسلامية؛ سواء كانت بدار السعادة كما هي الآن (وقتها)، أو بأي جهة من الجهات الإسلامية، يتعلمون العلوم والفنون والصنائع الحربية والبحرية مثل: تعليم صنع المدافع، والأسلحة الحربية، والسفن البحرية، من أحسن وأتقن وأمتن وأحدث طراز يصنع في الممالك الأجنبية؛ سواء في أوروبا أو أمريكا، أو بلاد اليابان، أو أي جهة من الجهات التي تفوق غيرها في إتقان ذلك في أي عصر وأي زمن».

ويُصرف ريع الحصة المذكورة أيضا فيما يلزم للأربعة الطلاب المذكورين من المصاريف المدرسية، والمأكل والمشرب، وغير ذلك مما يحتاجه الواحد منهم من كتب وأدوات التعليم، وأجرة السفر في الذهاب والإياب، والسكنى، والكسوة التي تلزمه، وغير ذلك مما هو لازم إعطاؤه للتلامذة على سبيل المصاريف الشخصية. وعند استحصال كل واحد منهم على الشهادة النهائية من المدرسة التي تعلم فيها ذلك العلم، الدالة على أنه صار مُتقنًا للصنعة أو الفن الذي درسه بالمدرسة المذكورة، وأصبح عالمًا يمكنه أن يُعلِّم غيره بالحكومة العثمانية بدار الخلافة الإسلامية؛ فإنه يعود إلى دار الخلافة الإسلامية، ويُرسل بدلُه، ليتعلم ما ذُكر أعلاه، ويصرف عليه ما كان يصرف على من قبله، أو بحسب ما يلزم صرفه عليه، وهكذا على الدوام حتى تكتفي حكومة دار الخلافة بمن تعلموا العلوم المذكورة، وتصبح حكومة دار الخلافة غير محتاجة لتعليم أحد تلك العلوم بالمدارس الأجنبية.

وما زاد عمّا يُصرف على الأربعة المذكورين يصرف لنظارتي الحربية والبحرية بالسوية: فإذا اكتفت حكومة دار الخلافة بمن تعلم تلك العلوم والفنون والصنائع على وجه ما ذكر، يصرفُ الأربعون سهمًا المقررة بالسوية فما يخص نظارة البحرية يُصرف في ثمن أدوات لصناعة سفن حربية، لدار الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية من أحسن وأتقن وأمتن وأحدث طراز وقتها مما يصنع في الممالك الأجنبية، وغير ذلك مما يلزم للبحرية، أيًا كان نوع ذلك اللازم، وفي دفع مهايا وأجر الصناع لذلك، حسبما يراه من يكون ناظرًا للبحرية.

وما يخص نظارة الحربية من ذلك يُصرف في صنع مدافع وبنادق وأسلحة وعربات نقل (مؤن وأفراد وذخائر)، كل ذلك من أحسن وأتقن وأمتن وأحدث طرز وقتها، مما يُصنع في الممالك الأجنبية، على الدوام والاستمرار أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأض ومن عليها وهو خير الوارثين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.