مع إشراقة كل صباح يُفاجئنا العالم بمنتجات جديدة، ومعتقدات جديدة، وقضايا جديدة نتبناها، ونشاهد كل يوم أفكارًا عدة، ومشاكل وتحديات مختلفة. فالعالم الذي نعيش فيه عبارة عن ثورة معلوماتية كبيرة ومتسارعة. وهنا يتبادر إلى أذهاننا الأسئلة التالية:

  • كيف نؤهل أبناءنا لمواجهة هذه التحديات؟
  • كيف نؤهل الطفل ألّا يقبل كل ما يُقدم له؟
  • كيف يستطيع أن يُميِّز بين المعلومات الجيدة والرديئة؟
  • كيف يفرق بين الحقيقة والرأي والواقع والخيال؟
  • كيف يتخذ قرارات صحيحة تجاه ما هو جديد؟
  • كيف يتعامل مع المشكلات بطريقة غير مألوفة؟

ومن هنا يجدر بنا تهيئة الطفل وتدريبه على ألّا يقبل كل ما يُقدم له، بل يسأل ويناقش وينتقد. يقول أرسطو: «إن قمة عقل المُتعلِّم هي القدرة على استيعاب الفكرة دون القبول بها». فمهارات التفكير الناقد من أهم الأدوات التي تمثل جدار حماية ذاتية للأطفال، تنمو وتزدهر بالمران والممارسة والتشجيع المستمر.

ماذا يعني التفكير الناقد؟

التفكير الناقد لا يعني الانتقاد لمجرد الانتقاد، ولكنه تفكير تأملي يركز على اتخاذ القرار فيما يفكر فيه الفرد أو يؤديه بعد تدقيق وفحص.

والعقلية النقدية هي عقلية لا تقبل الأمور والحوادث كما تُروى لها، ولا تُسرِع إلى تصديقها، بل تعرضها على ميزان العقل ومحكّ التجربة لتتحقق من مدى صحتها أو خطئها.

ورغم أن كثيرًا من الكبار لا يُجيدون التفكير الناقد، إلا أنه يمكن تعليمه للصغار منذ الطفولة ومرورًا بالمراهقة وحتى الرشد. فالتفكير الناقد عمل مهاري، وليس صحيحًا أننا مُنحنا بشكل فطري القدرة على التفكير بوضوح وعقلانية، دون أن نتعلم طريقة التفكير السليم ودون ممارسة.

يعتمد التفكير الناقد اعتمادًا كبيرًا على رؤية المحاسن والمساوئ، والإيجابيات والسلبيات مُستندًا -عند مباشرة أي نقد- على أن الشيء مهما حَسُن لا يخلو من بعض العيوب، وأن الشيء مهما قَبُح لا يخلو من بعض المحاسن.

علامات تدل على الخطر… اسأل نفسك هذه الأسئلة

  • هل يعتقد طفلك أنه ليس بحاجة إلى التفكير لأنك تقوم بذلك بدلًا منه؟
  • هل يصدق طفلك كل ما يُقدَّم له على شاشة التليفزيون؟
  • هل طفلك لا يطرح الأسئلة؟
  • هل يتوافق طفلك مع كل ما يطرحه أصدقاؤه؟
  • هل يسعى طفلك للحصول على ما يريد بغض النظر عن الآخرين؟

إذا وجدت واحدة أو أكثر من هذه العلامات، فأنت تحتاج إلى البدء في تعليم طفلك مبادئ التفكير الناقد، ولكن هل يمكن للمُربِّي أن يُعلِّم طفله التفكير الناقد إذا لم يكن هو نفسه مفكرًا متأملًا ناقدًا؟

من واجب المُربِّي أن يُمارس أمام أطفاله مهارات التفكير الناقد المتأني والسعي الدائم إلى التحسن والتقدم، على أن يتم ذلك بطريقة عفوية مدروسة، حتى يمكنه الحصول على النتائج المرجوة.

10 طرق تساعدك أن تكون مُعلّمًا ناقدًا

  1. عندما لا تفهم شيئًا، قم بطرح سؤال تستوضح بدقة ما لا تفهمه. اطلب أمثلة تساعدك على وضوح الرؤية. وعند طرح أفكارك قدّمها بوضوح.
  2. قدِّم أدلة على ما تعتقد، وعندما لا تجد دليلاً قل: «ربما أكون مخطئًا».
  3. أعلِن للجميع أنك لست مثاليًا، وأنك ترتكب أخطاء، وأنك يمكن أن تُغيِّر وجهة نظرك عندما تُقدَم لك الأسباب الجيدة.
  4. عندما تختلف مع شخص قم بتبادل الأدوار معه، تحدث عن وجهة نظره وهو يتحدث عن وجهة نظرك، ثم يقوم كل منكما بتصحيح ما قاله الآخر عند تبادل الأدوار، فهذا يساعد على أن يفهم كل منكما الآخر بشكل أفضل.
  5. ما تؤمن به يجب أن يكون ضمن تصرفاتك وليس أقوالك.
  6. عند اتخاذ قرار تحدث عن النتائج المحتملة لهذا القرار، وماذا كانت النتائج عندما اتخذت قرارات مشابهة؟ وما الآثار المترتبة على تجاهل مشكلة معينة؟
  7. اجعل القراءة النقدية للأخبار عادة. تحدّث عن التناقضات. لاحظ الأجندات والمصالح. فرِّق بين الحقيقة والرأي.
  8. حاول أن تكتشف مواطن الضعف والانحراف في المصادر التي تستقي منها المعلومات.
  9. انتبه للانفعالات السلبية التي تُمارسها باستمرار، وحدِّد التفكير الذي يؤدي إلى هذا الانفعال. اسأل نفسك هل إذا غيّرت الطريقة التي أفكر بها هل ستتغير مشاعري؟
  10. لا توافق على شيء أو ترفضه دون تأمل. ابحث عن الإيجابيات والسلبيات قبل إصدار الحكم. فتِّش عن التناقضات في أفكارك. [1]

6 طرق لتنمية ميول الطفل نحو التفكير الناقد

1. ساعده أن يكون مستقلاً

يُكوِّن الأطفال معتقداتهم بشكل يتماشى مع معتقدات منْ حولهم، أو بطريقة تجلب لهم التشجيع، لذلك علينا أن نساعدهم على التفكير فيما يسمعونه، وما يقرؤونه، والبحث عن البدائل المختلفة للقيام بالأشياء. اسأله ما رأيك؟ ماذا يحدث لو…؟ ما الذي جعلك تقول هذا؟ ما هو أكثر منطقية بالنسبة لك؟ هل يمكنك أن تفعل هذا الشيء بشكل مختلف؟ ماذا قرّرت أن تفعل؟ إذا فعلت ذلك ماذا تتوقع أن يحدث؟

2. ساعده أن ينظر إلى الأمور من وجهة نظر الآخرين

من سمات الطفل أنه متمركز حول ذاته. ينظر إلى الأمور من زاوية واحدة، تتلاءم مع احتياجاته، وتُلبّي رغباته، وأنه كالآخرين يولي الأولوية لما يريده، ويهتم بمصلحته أكثر من مصالح من حوله.

ساعده أن يتأمل في سلوكه وسلوك الآخرين، فعندما يتصرف بشكل أناني اسأله فيما كان يفكر؟ وما الذي جعله يفكر هكذا؟ ناقش معه التناقضات في التصرفات والمعتقدات، فمثلًا عندما يضرب زميله يقول «كنت أمزح معه»، وعندما يضربه زميله يقول «إنه يؤذيني».

3. ساعده أن يدرك مواطن القوة والضعف في وجهات نظر الآخرين

اسأله –مثلًا- لماذا لا تسمح لك والدتك بقضاء وقت طويل أمام الشاشات؟ هل تعتقد والدتك أن هذا يضرَّك؟ هل معها حق فيما تقول؟ هل طريقتها مناسبة معك؟ لو كنت مكانها ماذا كنت تفعل؟

4. ساعده على الربط بين التفكير والشعور

اجعله يراقب فرحه وحزنه، اطلب منه ذكر الأسباب التي تجعله سعيدًا أو حزينًا. ساعده أن يعرف أن مشاعره ستختلف إذا فسر الموقف بطريقة مغايرة.

عند قراءة قصة معه اسأله عن مشاعر الشخصيات، ما سبب الشعور؟ كيف فسر الموقف؟ ما الذي جعله يستنتج هذا التفكير؟ هل يمكن تفسير هذا الموقف بطريقة أخرى؟ كيف ستشعر الشخصية إذا فسرت الموقف بطريقة أخرى؟

5. علمه ألّا يصدر حكمًا قبل أن يفكر ويتأمل

عندما يسأل سؤالاً لا تعرفه قل لست متأكدًا من الإجابة، أو سأسأل وأُجيبك أو كيف يمكن لنا أن نتأكد؟

عندما يرغب في شراء لعبة، اسأل لماذا هذه اللعبة بالذات؟ هل تتشابه مع لعبة أخرى؟ هل الثمن مناسب؟ هل هناك أحد من الأصدقاء يمكن استشارته؟ ما هي إيجابياتها وما هي سلبياتها؟

ناقش معه الإعلانات حول المنتجات الخاصة به. اسأله منْ ينتج هذه الإعلانات؟ وعن هدفه منها؟ ماذا يقول المنافس؟ ساعده على عدم التسليم المطلق لكل ما يُقدَّم له. ساعده أن يفرق بين الحقيقة والرأي، فمثلًا العب معه لعبة الحقيقة والرأي:

أذكر العبارات التالية وعليه أن يقول هذه حقيقة أم رأي؟

  • الرياضة مفيدة للجسم.
  • الجري أفضل رياضة.
  • السباحة رياضة صعبة.
  • يضع الدجاج البيض.
  • من الممتع تربية الدجاج.

6. علِّمه كيف يسأل

اسأله هل من الصحيح أن تتّبع دائمًا ما يطلبه أصدقاءك؟ هل توافقهم على كل شيء؟ لماذا يصعب مخالفة المجموعة؟ لماذا من الصعب التساؤل حول شيء يؤمن به كل من حولك؟ متى يكون التساؤل جيدًا؟ ما الذي يجعلك تتردد؟ متى يجب أن تتردد؟

علِّمه كيف يسأل السؤال المناسب في الوقت المناسب للشخص المناسب.

وأخيرًا، فالتفكير الناقد تفكير مركب، مرتبط بعدد غير محدود من السلوكيات، في عدد غير محدود من المواقف والأوضاع، لكنه يزود منْ يمارسه بما يحتاجه للتعلم مدى الحياة. كما يُمكِّنه من تقييم المعلومات، وحلّ المشكلات، وإيصال الأفكار والتفسيرات إلى الآخرين، والتفكير خارج الصندوق. [2]

المراجع
  1. ليندا إيلدر وريتشارد بول، «التفكير الإنتقادي»، الرياض، مكتبة جرير، 2013.
  2. دعاء أحمد فهيم جبر، «تفكير مغاير: تنمية مهارات التفكير الناقد والابداعي لدى الأطفال»، رام الله (فلسطين)، مؤسسة عبد المحسن القطّان، 2004.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.