ما دام الكمبيوتر أو الهاتف متصلاً بالإنترنت، فهذا معناه أنك مفتوح على العالم، وأن عملية الاختراق واردة، ولا توجد حماية بنسبة 100% لمن هو متصل بالإنترنت، فهو كالجالس في الشارع أو على قارعة الطريق.
أحد خبراء التقنية

«هانحط عسكري أمن مركزي في أوضة نوم كل مواطن» … كانت هذه طريقة محمد هنيدي للسخرية من فشل إجراءات تحديد النسل الحكومية، لكنها ربما كانت الإلهام للحكومات لاستخدامها كوسيلة لانتهاك خصوصية المواطنين بطرق متعددة، منها نشر المعلومات والتجسس والمراقبة الإلكترونية والقرصنة.


بيَدِنا لا بيَد عمرو

نحن نهوى انتهاك الخصوصية… قد تكون هذه صفة من صفاتنا السيئة، وهي أننا ننجذب إلى الأمور المتعلقة بخصوصيات غيرنا، بدوافع الفضول والتطفل أو التسلية والنميمة في أوقات الفراغ، وغالبًا ما تنتشر فيديوهات وأخبار من عينة «شاهد فضيحة فلان أو فلان»، وتحظى هذه العناوين بنسب مشاهدة ونشر كبيرة، وكلما اقتربت من الشخصيات العامة – وبخاصة أهل الفن- كان الانتشار أكبر وأوسع، ولا يشغل بال ناشريها من أين جاء ذلك الفيديو؟ وكيف؟ ويكفي أن تبحث على جوجل عن كلمة «فضيحة».

كذلك فإن كلمات البحث الشهيرة، والبرامج والفيديوهات التي تحقق رواجًا تحمل ألفاظ: (أسرار، كواليس، ملفات سرية، تسريبات، +18)، وأحيانًا ما نتندر فيما بينا باقتباس الجملة الشهيرة «سيديهاتك عندي»، أو نستخدمها في الابتزاز والتهديد بنشر الصور والمحادثات الخاصة، وكثيرًا ما نوجّه أسئلة تتعلق بالخصوصية، مثل: «ما خلفتوش ليه؟»، «بتقبض كام؟»، «ما اتجوزتيش ليه لغاية دلوقتي؟»، «اتطلقتوا ليه؟»، في حين أننا لا نستخدم ذلك مع أعدائنا بقدر ما نستخدمه مع مَن نحب، فعلامة الزوجة المُحبَّة الغيورة أنها تبحث عن «اللي جوزها مخبيه عنها»، ومن فرط حب الناس للنجم محمد صلاح لم يتركوه يهنأ بخصوصيته في مصر.

ولقد تطور الأمر، مؤخرًا، حيث ارتفعت مبيعات كاميرات المراقبة، وكثرت معها حوادث تركيب كاميرات في غرف تبديل الملابس والحمّامات بالمحال والفنادق، وكثرت صفحات السوشيال ميديا التي تقوم على انتهاك خصوصيات الأفراد، بمناقشة مشكلاتهم الاجتماعية، والسخرية منها.


الذين ينتهكون خصوصيتنا

1- بسب كثرة اعتمادنا على هواتفنا الذكية في حفظ الصور والملفات والوثائق والاتصالات والمراسلات بجميع أنواعها، أصبح اختراق الهاتف يعني الإطلاع على كافة تفاصيل حياتنا الشخصية والمهنية والاجتماعية والعاطفية، من خلال نظم اختراق لا حصر لها تتيح السيطرة على البيانات، والتحكم في الهاتف عن بُعد، وهو ما ينتج عنه عمليات قرصنة واختراق وانتهاك خصوصية تضر الأشخاص والكيانات؛ نتيجة سرقة البيانات الشخصية والمعلومات المصرفية، التي تستخدم في الابتزاز والسرقة والاحتيال.

2- تحرص الكثير من الحكومات على مراقبة شعوبها وانتهاك خصوصيتهم لفرض سيطرتها عليهم، فيصبح التجسس أمرًا ضروريًا لمراقبة المواطنين، ومعرفة توجّهاتهم وآرائهم.

3- تحتوي السوشيال ميديا على معلومات خاصة عن حوالي 3 مليارات إنسان، وهو أمر يُسهّل مهمة انتهاك الخصوصية؛ إذ إن البيانات والمنشورات تكون بموافقة أصحابها ورغبتهم، وإذا كنت تظن أن منشوراتك غير مهمة أو أن هذه المواقع ستحترم خصوصيتك ولن تبيع بياناتك فظنك خاطئ تمامًا.

4- جوجل يعلم عنك أكثر مما تعلمه عن نفسك، حيث يقوم بتجميع كل المعلومات والبيانات عنك من خلال المواقع التي تصفحتها، واهتماماتك التسويقية، والمحتوى الذي تفضله مكتوبًا ومقروءًا ومسموعًا ومصوّرًا، ويقوم بتسجيل كل نشاط تقوم به من خلال تطبيقات التذكير والانتقال والتعليم والموسيقى والتصوير والمكالمات التي تستخدمها في هاتفك الأندرويد، وكل هذا يساعده بالطبع في تخصيص الإعلانات الموجهة إليك حين تستخدمه.

لذا لا تتفاجأ إذا وجدت في نتائج البحث منتجات مشابهة لما أعجبك في المتجر؛ لأن «السيد جوجل» كان يرافقك، وبالطبع فإنه إذا سيطر أحد على هذه الأمور فقد يستطيع توجيهك والتأثير على رأيك وفكرك ومعتقداتك، كما حدث في حادثة التأثير على آراء الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2018، المُسماة «كامبردج أناليتيكا»، هذا بخلاف حادثة مشابهة أدت إلى التخلص من Google+.


لماذا تنتهك الحكومات خصوصية شعوبها؟

قد يكون ذلك بدعوى الحاجة لمراقبة الإرهابيين، في ظل تزايد العمليات الإرهابية، واستقطاب المتطرفين للشباب، لذا صارت الحاجة ملحة لمراقبة وتتبع وكشف نوايا الإرهابيين خاصة والمواطنين عامة، واللجوء إلى تقنيات المراقبة والتنصت بدافع «الأمن القومي»، تلك الكلمة الفضفاضة التي يمكن أن تشمل مظلتها كل أفراد العالم، وتتشكل وفق ما تراه الأجهزة الأمنية، وكلما زادت الحوادث الإرهابية زادت إجراءات الأمن على حساب الخصوصية.

وتحت دعاوى التهاون فى محاربة الإرهاب ونشر المحتويات المتطرفة بدأت الضغوط تمارس على عمالقة البيانات «فيسبوك» و«جوجل» و«أمازون»؛ لانتهاك خصوصية مستخدميهم، فقد أعلنت فيسبوك أن الطلبات الحكومية للاطلاع على بيانات حسابات المستخدمين زادت بنسبة 13% عام 2015، وهذا ما أدى لانتهاك مساحات واسعة في خصوصية المواطنين.

وقد استغلت الأنظمة «فوبيا الإرهاب»، فأصبحت الإجراءات الأمنية – ومنها التجسس- رادعًا أمنيًا لا انتهاكًا للخصوصية، وقد تشير زيادة معدلات الإرهاب والجريمة عالميًا إلى تطوير الإرهابيين والمجرمين لطرق تهربهم من التجسس، وفي الوقت نفسه تشير إلى استخدام أنظمة التجسس في أمور أخرى غير ملاحقة الإرهابيين والمجرمين، ومع زيادة استخدام الحكومات لمثل هذه الأدوات يزيد ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه ينبغي أن يقلق معارضو الحكومات الاستبدادية أكثر من المجرمين.

ويؤدي انتهاك الخصوصية إلى فقدان الأمان، وتقويض الثقة في تنظيم الأفكار والتعبير عنها ومشاركتها، وربما هذا هو ما تسعى إليه الحكومات؛ ففقدان الثقة أمر يؤرق الإنسان ويجعله طوعًا للتخويفات الأمنية، وتابعًا للحكومة؛ خوفًا من انتهاك خصوصيته، أو يجعله مترددًا ومتراجعًا عن أي عمل قد يكون معاديًا لهذه السلطة التي يعلم أنها تراقبه، مما يمكن أن يُعد خطوة استباقية واحترازية تتخذها الحكومات لتقليل أعداد معارضيها، وتفتيت صفوف مؤيديهم، وتجفيف منابع التأييد لهم.


انتهاك الخصوصية عربيًا

في 2014، نشر مختبر Citizen Lab تقريرًا عن استخدام حكومات عربية لبرامج قرصنة؛ وذلك لاستهداف النشطاء، وابتزاز المعارضين السياسيين. وفي 2016، نشرت مؤسسة (eff) بحثًا عن استخدام الحكومات العربية القانون لإسكات التعبير عبر الإنترنت، مؤكدًا أن دوافع الأمن القومي في الدول العربية تمنح المشرعين مبررًا لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الحقوق والحريات، بحيث تجرّم الحريات التي تهدد شرعيتها، وتستخدمها لتأصيل ممارسات شمولية أخرى.

وتوصل البحث إلى تزايد انتهاكات الخصوصية التي ترتكبها هذه الحكومات باسم مكافحة الإرهاب، في ظل عدم اتخاذ تدابير بديلة تعطي الأولوية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، كما أن مصطلحات مثل «مكافحة الجريمة السيبرانية» و«مواجهة الإرهاب الإلكتروني» لها معانٍ مختلفة في الغرب عنها في العالم العربي، ففي حين تُستخدم غربيًا لوصف عدد من القوانين التي تجرّم التجسس والقرصنة والتجنيد للمنظمات الإرهابية، فإنها تُستخدم عربيًا كقوانين لمنع حرية الرأي والتعبير.

كذلك فإنه من الصعب إنشاء تقارير شاملة عن انتهاك الخصوصية؛ وذلك لعدم وجود بيانات موثوقة وموّثقة لذلك، في ظل التضييق على المنظمات المدنية وغير الحكومية العاملة في مجالات الحقوق والحريات، فضلًا عن أن البلدان العربية لا تهتم بإصدار بيانات رسمية عن انتهاك الخصوصية، وإن وُجدت فإنها لا تتسم بالمصداقية والشفافية أو التوازن بين الحفاظ على الأمن القومي وحماية حقوق الإنسان.

ويمكننا أن نلحظ توسيع استخدام المفاهيم عربيًا؛ فقانون الإرهاب يتم توسيع نطاقه ليشمل التظاهر وأعمال العنف والشغب والتخريب، وقانون الجرائم الإلكترونية الذي يتضمن التجارة الإلكترونية وحقوق نشر المواد التقنية، يتم توسيع نطاقه ليشمل حرية الرأي والتعبير على الإنترنت، ونشر أخبار كاذبة أو متطرفة، والتشهير، وتعكير السلم والأمن العام، والإضرار بالأمن القومي، وكلها عبارات فضفاضة وغير محددة يتم تشكيلها لتتكيف مع الرغبة في السيطرة والتسلط، لدرجة يصعب معها تصور إجراء لا يمكن مقاضاته بموجب هذه القوانين، وكلما تم وضع قانون بشكل أوسع، زاد احتمال استخدامه بشكل أوسع.

وفي يونيو/حزيران 2017، نشرت BBC وثائقيًا بعنوان «أسلحة المراقبة الشاملة»، يكشف عن أدلة تفيد بأن حكومات عربية تقتني أجهزة تجسس إلكترونية متطورة تمكنها من مراقبة مواطنيها؛ من أجل الكشف عن نوايا شعوبها، وهو ما أثّر بشكل ملحوظ على تحركات نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية في هذه الدول.

إجمالًا، فرغم أن الشعور بالأمن والحرية يكون من خلال حماية الخصوصية الشخصية، كما أن الحق في الخصوصية هو بمثابة الأساس الذي تُبنى عليه حقوق الإنسان الأخرى، فإن الشركات تُطوِر تقنيات خبيثة تستطيع اختراق الأجهزة الذكية التي تتصل بالإنترنت (هاتف، كمبيوتر، كاميرا، تلفزيون)، حتى إن كانت لا تعمل أو غير متصلة بالشبكة.

ومع الزيادة المستمرة في مبيعات الهواتف الذكية، ورواج أجهزة التلفاز المتصلة بالإنترنت، وانتشار أجهزة منزلية تعمل عبر تطبيقات الهاتف، وانتشار التطبيقات الصحية التي تكشف عن الأمراض عن بُعد، فإن ذلك كله يعمل على زيادة انتهاك الخصوصية، فالوجه الآخر لتطور التقنية هو تطور التقنيات المضادة التي تسمح بالاختراق.، واسأل نفسك: لماذا وضع مارك زوكربيرج لاصقًا على كاميرا وميكرفون حاسوبه الشخصي، وكذلك مدير الـ (FBI)؟