هل تستخدم الإنترنت لأكثر من 38 ساعة أسبوعيًا؟

قد يبدو هذا الرقم أقل مما تقضيه، ولكن إذا كانت إجابتك: نعم، فأنت تعتبر مدمنًا للإنترنت، وفقًا لما توصلت إليه عالمة النفس الأمريكية Kimberly Young، عام 1994، والتي كانت أول من انشغلوا بدراسة هذه الظاهرة، وأول من أطلق هذا المصطلح «إدمان الإنترنت Internet Addiction».

إذا تتبعنا مجالات و أنواع إدمان الإنترنت فسنجد أننا بشكل أو بآخر نعاني من الإدمان أو نرتبط بنوع من أنواعه، والتي تنقسم إلى:

1. إدمان جنسي (Cybersexual addiction): المواقع الإباحية.

2. إدمان العلاقات (Cyber-Relationship addiction): بواسطة (Chat).

3. إدمان الدوافع (Net-compulsion): المقامرة والشراء عبر الإنترنت.

4. إدمان المعلومات (Information overload): شراهة البحث عن المعلومات.

5. إدمان الكمبيوتر (Computer addiction): الألعاب والتطبيقات.

6. إدمان (social media): وهو الأكثر انتشارًا وخطورة.


نفسيًا وجسديًا

تبدأ أخطار إدمان الإنترنت بمجموعة أعراض نفسية وجسدية، تؤثر على الفرد اجتماعيًا وأسريًا، وتشمل الوحدة، والإحباط، والاكتئاب، والقلق، والإرهاق والخمول والأرق والصداع، وآلام العمود الفقري والظهر والرقبة، فضلًا عن الإثارة الجنسية والكبت الجنسي، إذا كان إدمانًا للمواقع الإباحية، بالإضافة لمخاطر الإشعاعات والمجالات المغناطيسية الصادرة عن الشاشات والدوائر الإلكترونية، والتي تُعرّض العينين لإجهاد مستمر، قد يصيبهما بالالتهاب والجفاف.

كذلك قد يكون إدمان الإنترنت سببًا في السمنة، وضعف القدرة على القيام بالنشاطات المختلفة؛ بسبب الاعتياد على الراحة والخمول والبحث عن وسائل تقليل النشاط الذهني والبدني، والذي ينتج عنه تأخر في إكمال المهام الحياتية، وإهمال الراحة الجسدية الضرورية، وتأخير مهام العمل، والمشكلات الزوجية، وفقدان العلاقات الأسرية والاجتماعية.


ظهور مرض نفسي جديد

أدى انتشار الإنترنت وهيمنته على الحياة اليومية إلى دراسة العواقب التي قد يسببها الاستخدام المتكرر في التطور الجسدي والعقلي للأشخاص، مما أثرى الأبحاث والدراسات النفسية والمجتمعية، وهذا ما دعا إلى اعتباره مرضًا حقيقيًا، خاصة بعد كثرة الدراسات التي تؤكد أن الإنترنت قد ساهم في زيادة حالات الانتحار.

ونتيجة لذلك كثُر المعالجون، وبدأت مراكز علاج الإدمان في الظهور، بدءًا من عام 1995،بأول مركز أسسته Kimberly Young، ثم انتشرت مراكز وبرامج العلاج عالميًا، بداية بـ(reSTART)، عام 2009، في واشنطن.

ومنذ عام 2013، افتُتحت عيادات «لإعادة التأهيل الرقمي»،كان أولها في بنسلفانيا. وفي 2018، تم إطلاق أول عيادة حكومية لعلاج إدمان الإنترنت والألعاب الإلكترونية، في لندن، تحت إشراف وتمويل الحكومة البريطانية.

وعربيًا، تم افتتاح أول مركز لعلاج إدمان الإنترنت بالجزائر في 2016، و استهدفت الإمارات إنشاء مركز مماثل عام 2017.

ويعمل في هذا المجال معالجون ومدربون متخصصون في علاج هذا الإدمان، كما تتخصص بعض الشركات الناشئة في تحسين الصحة الذهنية للعاملين في المؤسسات والشركات، منها (talk space)، بنيويورك، والتي يعمل بها أكثر من 3000 خبير للتعافي من إدمان الإنترنت، وكذلك (DIGITAL DETOX)، التي تتعاون مع بعض الشركات لمساعدة موظفيها «على إعادة تعريف ارتباطهم بالسوشيال ميديا»، كما توفر بعض الشركات تطبيقات إلكترونية وورش عمل متنوعة؛ لمقابلة خبراء يساعدون على التخلص من «السموم الرقمية».

ويلقى هذا المجال رواجًا كبيرًا، إذ يؤكد أحد المعالجين بمدينة هيوستن زيادة عدد من يطلبون مساعدته لمواجهة إدمان السوشيال ميديا بنسبة 20%، إلى حد أنهم باتوا يمثلون نصف عدد مرضاه تقريبًا.


تجارة رائجة

أصبحت الإنترنت بيئة عمل رائجة في ظل انتشار «الفريلانس» عالميًا، والذي يتوقع بأن يكون اقتصاد المستقبل، مع تزايد أعداد الأشخاص الذين تركوا أعمالهم من أجل العمل «فريلانسرز»، وهو ما ساعد على رواج ظاهرة إدمان الإنترنت.

من ناحية أخرى فإن تزايد تأثير الإنترنت على المجتمع بدا ملحوظًا بشكل كبير؛ فقد نمت التجارة الإلكترونية كثيرًا، وكذلك مبيعات الهواتف المحمولة، وتحميل التطبيقات، وتُحقق مواقع السوشيال ميديا عوائد ضخمة، وتحولت التطبيقات إلى شركات ذات رأس مال ضخم وقيمة سوقية كبيرة، فضلًا عن رواج الدمى الجنسية، والتجارة الجنسية، ورواج النقود الإلكترونية (Betcoin).

وذلك كله في ظل وجود 4 مليارات مستخدم للإنترنت حول العالم فقط، بنسبة حوالي 52% من إجمالي سكان الكوكب، ومليون مستخدم جديد للسوشيال ميديا يوميًا، حتى وصل إجمالي مستخدميها أكثر من 3 مليارات شخص، وفقًا لتقرير موقع Hootsuite لعام 2018.

لكن الجزء الأكبر من الاستثمارات يتم توجيهه للألعاب الإلكترونية، نتيجة إقبال الشباب عليها بشكل جنوني، مما جعل هذا الأمر محل اهتمام شركات التسويق والدراسات الإحصائية، لما تحققه الألعاب الإلكترونية من مكاسب هائلة.

ومن ناحية أخرى، راجت الاستثمارات في عيادات التعافي من إدمان الإنترنت، حيث ينفق الأمريكيون نحو 92 ألف دولار للبقاء بعيدًا عن الهواتف.


جرائم إلكترونية

بعض العاملين في مجال الصحة العقلية يؤكدون أن الإنترنت لا يعزز السلوك القهري فحسب، بل الخطر أيضًا، في ظل التواصل مع أشخاص مجهولين، فضلًا عن أن غالبية الألعاب التي تحقق الرواج تتسم بالعنف وتُرسِّخ الاعتداء والقتل والإرهاب والانتحار في نفوس لاعبيها، مثل:

( Assassin’s Creed- Call of Duty- Medal of Honor- World of Warcraft)، وآخرها لعبتا (Blue Whale)، و(PUBG)، واللتان صاحبتهما جرائم انتحار وعنف متعددة، كانت أحدثها قتل طالب لمعلمته.

وتمثل الجرائم الإلكترونية خطرًا كبيرًا، في ظل رواج ألعاب العنف والقتل، واستجابة الشباب لها، هذا إلى جانب أن الجريمة قد تطورت كثيرًا بعد عصر الإنترنت، فقد أصبحت القنابل والمفرقعات والأسلحة وطرق شرائها وصنعها متاحة للجميع،ويؤكد خبراء أمنين أنه عند تأسيس مباحث الإنترنت بوزارة الداخلية المصرية عام 2002، كان عدد البلاغات لا يتجاوز 7 بلاغات، ثم قفزت لنحو 17 ألف بلاغ سنويًا مؤخرًا.

كما أن الإنترنت بات بيئة خصبة للعديد من الجرائم، مثل الاستغلال الجنسي، والعنف اللفظي والجسدي، واستغلال الأطفال، والدعارة والإساءة والتنمر، والابتزاز والتسلط والعدوانية، والتهديد والترهيب والإهانة والعنصرية، والاحتيال والسرقة والمقامرة، وتوجيه الرأي العام وتفتيت الوحدة وإضعاف الوعي، والتشكيك في الثوابت والأديان والأخلاقيات، والترويج للأفكار المتطرفة والهدامة، والغش التجاري والإعلاني. كما أدى انتشار الإنترنت إلى تغيير تعريف «الفضيحة»، وكثرة حالات ابتزاز الأموال، وسرقة واستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين، هذا فضلًا عن جرائم سرقة وتسريب البيانات، والتي تسببت في اتهام facebook وإغلاق Google+.

وقبل كل ذلك الانتحار أو محاولة الانتحار، فقد تزايدت حوادث الانتحار المسجلة عبر الإنترنت، بسبب انتشار الأفكار والمواقع التي تعزز هذه الفكرة.


استغلال اجتماعي

الاختبارات المعتمدة لإدمان الإنترنت، وكذلك الدراسات التي تتناوله تُظهر بوضوح علاقته القوية بالسلوكيات الاجتماعية المختلّة.

وقد حذّر علماء النفس من أن إدمان الإنترنت أوجد فئة اجتماعية جديدة من النساء أُطلق عليهن «أرامل الإنترنت»؛ بسبب تورط أزواجهن في علاقات عبر الإنترنت تسببت في إهمالهم لزوجاتهم وكثرة الخلافات الزوجية؛ حيث يعد إدمان الإنترنت أحد الأسباب الرئيسية للخيانة التي تهدد الزواج والعلاقات الأسرية، كما باتت السوشيال ميديا سببًا رئيسيًا في كثرة حالات الطلاق.

وقد يفقد الشخص القدرة على التحكم في ميوله العاطفية والجنسية؛ بسبب تسهيل الإنترنت لتلك العلاقات، ورواج المواقع الإباحية والألعاب الجنسية والدمى الجنسية. كما أن الباحثين عن شركاء جنسيين عبر الإنترنت يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا.

هذا إلى جانب أن الكثير من الآباء فقدوا القدرة على مواجهة إدمان أبنائهم للإنترنت، والذي أشارت الدراسات إلى أنه يصيب الطفل بعزلة اجتماعية ومشاكل دراسية، كما يعيقه عن ممارسة الأنشطة والهوايات والألعاب الرياضية، ويزيد من غضبه وعنفه تجاه والديه.

وكل ذلك يهدد بخلق جيل من الأطفال يعاني من الوحدة، وعدم القدرة على تكوين صداقات، مما يؤثر بالسلب على تفاعلهم مع أقرانهم، وبالتالي تدهور مهاراتهم الاجتماعية، الأمر الذي يجعلهم يقومون بسلوكيات عدوانية وانطوائية، مع استخدام مفرط لأساليب الترهيب واستعراض القوة في التعامل مع أقرانهم بدلًا من التعايش معهم بسلام، وهذا ما نراه جليًا في ارتفاع نسب العنف والتنمر بالمدارس، وهو ما سيجعل من الصعب عليهم تكوين علاقات طويلة المدى في المستقبل.

فالشخص يفقد القدرة على التفاعل مع الآخرين، وإجراء المحادثات المباشرة؛ بسبب كثرة استخدام تطبيقات الرسائل، والبريد الإلكتروني للتحدث والتواصل؛ استغناءً عن التحدث وجهًا لوجه، فيغيب التفاعل الاجتماعي، مما يؤدي إلى تأثيرات جسدية تُغير من كيمياء الدماغ والصحة البدنية العامة، وتعتبر طريقًا سهلًا للاكتئاب؛ بسبب ضياع الوقت على أشياء لا تضيف أي قيمة للأرواح.


المجتمع البديل

صارت السوشيال ميديا المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الإنسان الحديث بصراحة ودون خوف في الأمور السياسية والجنسية والقضايا الشائكة؛ وذلك لتفريغ ما يعانيه من إحباط وكبت مشاعر؛ لذا يعيش مدمن الإنترنت في عالم يفصله تمامًا عن حياته الواقعية، وقد يُفقده ذاتيته وهويته وحياته؛ فبعض مدمني الإنترنت يخلقون شخصيات وحسابات تواصل بهويات مختلفة، ويتظاهرون بأنهم أشخاص آخرون، وهو ما يخلق لهم حياة سرية ومجتمعًا موازيًا بديلًا؛ هربًا من الإحساس بضعف الثقة بالنفس، والخوف من الاستنكار والرفض المجتمعي، وعدم القدرة على إظهار تميزهم في الواقع الحقيقي.

ووفقًا لإحدى الدراسات، فإن مدمني التفاعلات الاجتماعية في العوالم الافتراضية قد يعانون من الاكتئاب، ويتراجعون عن التفاعل الواقعي، مما يؤثر سلبًا على صحتهم العقلية.


أين مكمن الخطورة؟

الشيء المقلق في هذا الإدمان هو أننا محاطون بالتكنولوجيا تمامًا، فالأعمال والمعلومات والأدوات والمحال والمطاعم والأفلام والكتب وكل لوازم الحياة متوفرة على الإنترنت في أي وقت، ومن أي مكان تتواجد فيه، وإذا لم تجد صديقًا يشاركك اللعب أو التواصل فجرًا، فهناك شخص على الإنترنت مستيقظ، ومستعد للعب والتواصل.

هذا ما يجعل إدمان الإنترنت مرضًا صعب العلاج؛ فنحن دائمًا محاطون به، ونستخدمه يوميًا.

ويرى أحد المعالجين أن التأثير النفسي للسوشيال ميديا أكثر صعوبة في العلاج مُقارنةً بأنواع الإدمان الأخرى، ويعد أسوأ من إدمان الكحول أو المخدرات؛ لأنه يتضمن قدرًا أكبر من التفاعل، ولا توجد وصمة عار تلحق بمن يعانون منه.

فالمشكلة إذن أن هذا النوع من الإدمان ليس مُجرَّمًا لذاته، ومدمن الإنترنت ليس مريضًا بمقاييس الطب، وليس مجرمًا بأحكام القانون، مما يهدد بوجود مدمنين ومجرمين في منازلنا وتحت جلودنا ينتظرون المساعدة والعون قبل أن يتحولوا إلى مجرمين ومدمنين بلا أمل في علاجهم أو اتقاء شرورهم.

لذا، إذا كنت تلعب ألعابًا إلكترونية بشكل متزايد، أو كنت كثير التسوق عبر الإنترنت، ولا يمكنك التوقف عن التحقق من إشعارات facebook، وصار استخدام السوشيال ميديا يؤثر على حياتك اليومية وعلاقاتك وعملك ودراستك، فلا بد أن تقلق؛ فقد تعاني قريبًا من إدمان الإنترنت، ويمكنك إجراء اختبار إدمان الإنترنت؛ للاطمئنان على نفسك.