من هو عمر النايف؟

عمر النايف زايد، مناضل فلسطيني من مواليد جنين شمال الضفة الغربية عام 1963. التحق في صفوف العمل الوطني الفلسطيني مبكرًا فانضم إلى الجبهة الشعبية في شبابه ثم أصبح أحد كوادرها البارزين في مدينة جنين، نفذ في أواسط الثمانينات عملية طعن بطولية بالاشتراك مع شقيقه الأسير المحرر حمزة النايف، والمناضل سامر المحروم، قتل خلال العملية مستوطنًا إسرائيليًّا.

عاش بعدها النايف حياة المطاردة حتى تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي من إلقاء القبض عليه مع رفيقيه في العام 1986، وقد أصدرت المحكمة الإسرائيلية حكمًا بالسجن المؤبد على المناضلين الثلاثة.

أمضى النايف سنواته الأربع الأولى في المعتقل حتى أعلن في 21مايو/أيار 1995، خوضه إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، واستمر في إضرابه لمدة أربعين يومًا تدهورت بسبب الإضراب حالته الصحية، فتم نقله إلى أحد مشافي بيت لحم في الضفة الغربية، تمكن النايف بعد تحسن طفيف في حالته الصحية من الهرب من المشفى، ومن ثم إلى خارج الأراضي المحتلة.

عاش النايف حتى العام 1995 متنقلًا ومتخفيًّا في عدد من الدول العربية، ثم قرر الانتقال إلى بلغاريا فتزوج هناك، وأنجب ثلاثة أطفال يحملون مع زوجته الجنسية البلغارية، وحصل هو على الإقامة الدائمة في بلغاريا وعاش حياته العادية حتى بدأت مطالبات الاحتلال الإسرائيلي للجانب البلغاري باعتقاله وتسليمه.


المطالبات بالاعتقال والتسليم

ظلت إسرائيل تلاحق النايف عبر مطالبتها للسلطات البلغارية بتسليمه مستندة إلى وجود اتفاقيات جنائية بين الاحتلال والاتحاد الأوروبي تتضمن تسليم مطلوبين.

في ديسمبر/كانون الثاني تقدمت النيابة الإسرائيلية بطلب إلى وزارة العدل البلغارية لاعتقال النايف وتسليمه، بدعوى أن قضية النايف لا تزال مفتوحة أمام النيابة العسكرية الإسرائيلية حتى العام 2020 و ذلك حسب القانون الإسرائيلي، وعليه أصدرت السلطات الأمنية البلغارية قرارًا باعتقال النايف ووضعه رهن الاعتقال لحين النظر في قرار تسليمه إلى إسرائيل.

رفض النايف تسليم نفسه إلى السلطات البلغارية ولجأ إلى مبنى السفارة الفلسطينية في بلغاريا طلبًا للحماية.


عملية الاغتيال

في صبيحة يوم الجمعة 26/2/2016، تناقلت وسائل إعلام مختلفة خبرًا يفيد باغتيال النايف، وصرحت مصادر رسمية فلسطينية بـأن الأسير السابق عمر النايف عثر عليه مقتولًا داخل سيارة في السفارة الفلسطينية في بلغاريا وسط اتهامات للموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء عملية الاغتيال.

وقال السفير الفلسطيني في بلغاريا أحمد المذبوح أن النايف قد عثر عليه داخل سيارة مصابًا بجرح في الجزء العلوي من جسمه، وفارق الحياة بعد نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة البلغارية. وقد نقلت وسائل إعلام عن وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية تيسير جرادات قوله إن النايف لم يصب بالرصاص وإنه قد تعرض للطعن بالسكاكين والضرب بالهراوات.

والجدير بالذكر هنا أن عملية الاغتيال تزامنت مع زيارة رئيس الورزاء البلغاري بويكو بوريسوف برفقة وزير الخارجية دانييل ميتوف إلى إسرائيل بدعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكذلك زيارته لمدينة رام الله واللقاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.


ردود الأفعال واتهامات بالتواطؤ

شقيق الشهيد وهو الأسير المحرر حمزة النايف ذكر شهادته لعدد من وسائل الإعلام حول اغتيال شقيقه بالقول “إن الموظفين في السفارة في بلغاريا، قد تركوا مبنى السفارة جميعًا، بمن فيهم الأمن المكيف بحماية السفارة!، وبقي عمر وحده داخل مبنى السفارة حتى جاء مجهولون، ودخلوا مبنى السفارة بشكل طبيعي، ودون اقتحام، وقاموا بضرب شقيقه بالهراوات والسكاكين عدة طعنات حتى استشهد”.

وأضاف أن الطاقم الأمني للسفارة لم يقدم الحماية مطلقًا، بالتزامن مع محاولات طرده منها، وأشار أن السفير المذبوح قال لشقيقه: “سوف يضعون لك السم في الطعام وسيقتحمون السفارة لأخذك أو قتلك والطيارة تنتظرك لتعيدك إلى إسرائيل”.

الأمين العام للجبهة الشعبية الأسير أحمد سعدات أرسل من محبسه رسالة طالب فيها بتشكيل محاكمات شعبية للقيادات الفلسطينية، التي تواطأت في الجريمة و طالب بإنزال أقسى العقوبات الثورية بحقهم”، ولم يفت سعدات أن يشير إلى قضية اعتقاله، التي تحمل ظروفًا مشابهة، فقال: “إن هذه الجريمة التي تتواطأ فيها السلطة ومخابراتها بشكل مباشر لا لبس فيه، تعيد إلى الأذهان مسلسل ممارسات السلطة وفي مقدمتها اقتحام سجن أريحا”.


السفارة الفلسطينية مسرح الجريمة

أثارت ملابسات اغتيال النايف داخل مبنى السفارة الفلسطينية في بلغاريا جدلًا واسعًا حول دور السفير الفلسطيني في حمايته، و لماذا ترك النايف بمفرده؟، رغم التهديدات الإسرائيلية الجدية باغتياله ومطالبتها السلطات البلغارية بتسليمه.

اغتيال النايف يفتح أيضًا ملف السفارات الفلسطينية، والسلك الدبلوماسي الفلسطيني عمومًا، ومدى قيامه بالدور المنوط به في حمل القضية الفلسطينية إلى العالم، وحماية الفلسطينيين في المنافي وإيوائهم، بعد تحويلها من قبل السفراء والقائمين عليها إلى مقرات «للبزنس» و مكاتب للمخابرات العالمية، وذلك بعد عدد من الفضائح التي لحقت بهذه السفارات، بدءًا من فضيحة بيع منح الطلبة المتفوقين في السفارة الفلسطينية في فنزويلا، بمبلغ سبعة آلاف دولار للمنحة الواحدة، لغير المتفوقين وغير المستحقين لهذه المنح؛ الأمر الذي أدى إلى إلغاء هذه المنح من قبل الحكومة الفنزويلية، مرورًا بفضيحة تحويل السفارة في الهند إلى مكان للاتجار غير الشرعي بالسلاح، الأمر الذي أجبر السلطة في حينه إلى إقالة سفير فلسطين في الهند خالد الشيخ بعد هذه الفضيحة، وكذلك فضيحة اقتحام الأمن الصيني لمبنى السفارة الفلسطينية في بكين للاشتباه بقضايا أخلاقية، وقد تم إبلاغ السلطة بهذا الاقتحام حين اجتمع السفير الصيني لدى السلطة مع نبيل شعت الذي طالبه بعدم إثارة القضية إعلاميًّا حفاظُا على سمعة الفلسطينيين. ولعل أخطر هذه الفضائح ما كشفته حركة حماس عبر وثائق عثرت عليها عقب الحسم العسكري في غزة في العام 2007، والتي تظهر اتخاذ السفارات الفلسطينية كمقرات مخابراتية تقدم خدماتها لكل من هب ودب، وأشهرها التجسس على البرنامج النووي الباكستاني!.

آخر هذه الفضائح هي القضية الماثلة أمامنا ، فاجعة اغتيال الشهيد النايف في قلب السفارة الفلسطينية في بلغاريا، ولعلها لن تكون الأخيرة. كل هذا يطرح السؤال الكبير حول مدى قبول الشعب الفلسطيني باغتصاب تمثيله من قبل مجموعات تساوقت مع الاحتلال، وربطت مصالحها به، وصار وجودها مرتبطًا بالتنسيق الأمني معه، ولو على حساب الدم الفلسطيني.

إن السفارات الفلسطينية، التي ينفق عليها الشعب الفلسطيني من دمه، ومن لحمه الحي، وعلى حساب الحصار القاتل في غزة، وسياسة مصادرة الأراضي في الضفة، والفقر المدقع الذي يحيط بشعبنا في مخيمات اللجوء وفي المنافي، فيما يسكن هؤلاء السفراء القصور، ويتمتعون بالامتيازات والحوافز والبدلات لقتل مناضليه في نهاية الأمر!، أو العجز عن حمايتهم في أحسن الأحوال.

رحم الله الشهيد عمر النايف، وكم تمنيت لو أن الأقدار ألقت به في غزة، إذ أصبحت -على ما فيها- ملاذ المناضلين والشرفاء، والمكان الأكثر أمنًا لكل من تلاحقهم “إسرائيل”، فهي التي تفتح أبوابها لهم وتحتضنهم، ليس بدءًا بمبعدي كنيسة المهد، ولا انتهاءً بمحرري صفقة “وفاء الأحرار”.

سلامٌ على روح الشهيد، ولا نامت أعين الجبناء.