وقف يختال لدقائق طويلة أمام المرآة الكبيرة في غرفة المعيشة … «70 كجم،175 سم .. الوزن المثالي في أقل من شهرين!» هكذا تمتم بصوتٍ خفيض، لكنه ممتلئ بنشوةٍ عارمة.

أقنع نفسه بصعوبة أن يغادر من أمام المرآة، ويكف عن تأمل تقاسيم بطنه الشهيرة، التي ظلَّ سنواتٍ يغار من الرياضيين الذين يمتلكونها، ويظن أن دخول الجنة أيسر من امتلاكها في يومٍ من الأيام.

فتح الثلاجة، وأخرج جرعته اليومية من الأدوية. قرص الدواء الحارق للدهون، والذي يتخلص من 1 كجم منها يوميًا. قرص إعادة شد الجلد، حتى لا يترهل مع التخلص المفاجئ من الدهون المخزَّنة تحته. وأقراص (باوركارديو) لامتلاك قلب الأبطال الرياضيين. وأخيرًا القرص الأحب إلى قلبه، قرص (السكسباكسين) المقوي والمُقسِّم لعضلات البطن الأمامية، التي يزهو بها الآن كما لم يفعل بشيءٍ في حياته.

لكن رغم هذا الإنجاز، فهناك ما يؤرق سعادته بما تحقق. إذ ما المتميز في أن يفقد 60 كجم من وزنه في شهرين، بينما كل دوائر أصحابه ومعارفه أصبحوا كذلك! فهذه المجموعة من الأدوية لم تعُد تكلف أكثر من 100 دولار شهريًا، وهكذا أصبح أكثر من نصف البشر يمتلكون (فورمة) الساحل ! بل يعتقد بعض الخبراء أنه مع استمرار هذا، قد تصبح السمنة والترهلات هي الموضة التي يريدها الجميع.

حاول أن ينفض عن ذهنه هذه الوساوس، وعاد إلى مرآته الحبيبة يستمتع بساعات التأمل اليومية التي لا يمل منها أبدًا.

هل انتهى زمن المعجزات؟

نعود الآن إلى أرض الواقع بعد هذه القصة الخيالية التي لا تمُت للحقيقة – للأسف – بنسبة 5%. كلنا نحلم بالرشاقة، والوزن المثالي، ونشعرُ بمزيج من الاحترام والغيرة من القلة التي نجحت في امتلاك هذين الأمريْن، لأسبابٍ أقلها العوامل الوراثية، وأكثرها عوامل البيئة الاجتماعية، والإرادة الشخصية، وإعادة تنظيم نمط الحياة ليكون أكثر صحية وفعالية.

حتى الآن …لم يصلِ العلم والطب إلى ابتكارٍ ما يغنينا عن الجهد في الوصول إلى هذا الهدف. ولذا فما زلنا في أكثر الأحيان أمام المعادلة الأولى التي تحكم الأمر برمَّتِه … إنقاص المدخلات ( السعرات الحرارية التي يحصل عليها الجسم من مختلف الأطعمة ) + زيادة المخرجات ( استهلاك السعرات الحرارية عن طريق الرياضة ) = إنقاص الوزن.

فصَّلنا هذه المعادلة السابقة في مقال (دليلك لحمية غذائية غير مؤلمة )، ويمكن اختصارها في: غذاء صحي متوازن + رياضة معتدلة = إنقاص وزن أدوم، وأحفَظ للصحة.

لكن في حالات محددة، لن يكفينا تطبيق المعادلة السابقة بمفردها، وستطلب الطبيعة معونة الكيمياء، فتدخل على الخط أدوية إنقاص الوزن.

10 أسئلة…

1. متى نكون بحاجة للأدوية؟

هناك خلاف في تفاصيل هذا الأمر. لكن عمومًا يتفق معظم المتخصصين أن هذا لا يكون إلا بعد تطبيق القاعدة الشرعية الطبية الأولى، وهي أن ما يمكن الحصول عليه دون تدخل دوائي أو جراحي، لا يصح الحصول عليه بها. وإذا لزم التدخل، فمن الأقل خطورة، للأكثر خطورة حسب الحاجة والهدف

ولذا، فلا تخرج الأسباب الرئيسية عن:

  • سمنة مفرطة (معامل كتلة الجسم BMI يتجاوز 40) يصعب السيطرة عليها بتعديل الأنماط الغذائية والحياتية بمفردها.
  • وزن زائد ( BMI > 30 ) نحتاج لضبطه سريعًا، لأنه يفاقم حالاتٍ مرضية خطيرة كارتفاع ضغط أو سكر الدم، أو جلطات شرايين القلب .. الخ.

2. هل يمكن أن تُغني الأدوية عن الرياضة وضبط الطعام؟

لا قطعًا … بل دورها تكميلي مساند. ولا تؤخذ إلا من خلال طبيب مختص.

3. هل هناك أدوية تحرق الدهون المخزنة؟

الدهون المخزنة تحت الجلد، هي فائض من السعرات الحرارية عن حاجة الجسم، يراكمه لحين الحاجة إليه. ولذا فجعل الجسم بحاجة إليها ( رياضة أكثر، سكريات ونشويات ودهون أقل ) هو السبيل الأول والأسلم لحرقها.

يتعاطى بعض الناس هرمون الغدة الدرقية (الثيروكسين) لإنقاص الوزن. وهو فعلًا يسبب هذا، لأنه يحفز النشاط الخلوي في الجسم، خاصة أنشطة الهدم catabolism. لكن على حساب عريضة من الآثارٍ الجانبية، كتسارع واضطرابات ضربات القلب، وحدوث الذبذبات الأذينية القلبية التي قد تسبب جلطات بالمخ، وفشل عضلة القلب، وفرط الانفعال العصبي، ووهن العظام والعضلات نتيجة زيادته لتكسير البروتين، واضطرابات في الطمث لدى السيدات .. الخ. فلا يُنصح به إلا للمصابين بنقص نشاط الغدة الدرقية وتحت تحكم كامل من الطبيب المختص.

4. إذًا ما آلية عمل الأدوية المصرَّح بها لإنقاص الوزن؟

هناك عشرات الأدوية، لكن جميعها تتحرك في مساحة محدودة .. إما أدوية لتقليل الشهية للطعام، وأشهرها مجموعة الأمفيتامينات، وهم أشقاء المخدر المعروف. أو أدوية لتقليل امتصاص الدهون، لتقليل السعرات الحرارية المكتسبة، وأشهرها الأورلي ستات Orlistat.

5. كيف تعمل أدوية إنقاص الشهية؟

بعض الأدوية، كعقار الليراجلوتيد liraglutide – وهو من أحدث أدوية علاج السكر – يبطئ حركة المعدة، فيظل الطعام بداخلها مدة أطول، مما يعطي إحساسًا بالشبع.

لكن أغلبها خاصة الأمفيتامينات، تعمل من خلال إحداث تغييرات في المخ، لإنقاص إشارات الجوع العصبية، وزيادة إشارات الشبع، فتقل الشهية. لكن بعض جوانب وتفاصيل عملها ما تزال مجهولة. كما أن أكثرها يزيد نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي، الذي يعمل أساسًا في أوقات القلق والخطر، لزيادة نشاط القلب والغدد، والانفعال العصبي، والنشاط العضلي .. ومن هنا تأتي الكثير من آثارها الجانبية.

ونظرًا لوجود خطر الإدمان، فلا تُعطى إلا لفترة محدودة قصيرة، وتحت إشراف طبي.

6. ما هي الآثار الجانبية لهذه الأدوية سوى خطورة الإدمان؟

هناك الكثير من الآثار الجانبية، فالأمفيتامينات ومشتقاتها قد تسبب ارتفاع ضغط الدم، واضطراب وتسارع نبضات القلب، وفرط الانفعال العصبي، والهلاوس السمعية والبصرية، والتشنجات خاصة البوبروبيون، والأرق، واضطرابات نفسية وتغيرات في الشخصية كالبارانويا والعدائية والعدوانية.

كما أن التوقف المفاجئ عن تعاطيها قد يسبب أعراض انسحاب معاكسة شديدة، كالاكتئاب، والإحساس الدائم بالإرهاق الشديد، واعتلال المزاج .. الخ.

ولذا أكرر أنها لا تؤخذ إلا بوصفة طبيب مجرِّب مختص، ولمدة محددة قصيرة.

7. وبالنسبة للأدوية التي تمنع امتصاص الدهون؟

أشهرها وأكثرها استخدامًا هو الأورليستات Orlistat. وهو يمنع امتصاص دهون الطعام من الأمعاء، عن طريق تعطيل عمل الإنزيمات الهاضمة التي تقوم بتفتيت حبيبات الدهون الكبيرة إلى قطع أصغر وأصغر ليمكن امتصاصها. وبالتالي يتم التخلص من معظم دهون الطعام في فضلات الإخراج.

ويتم تعاطي الأورليستات بالفم أثناء الوجبات المحتوية على الدهون أو خلال ساعة بعد تناولها. وغالبًا ما تكون الجرعة 3 مراتٍ يوميًا. فإذا قمت بالاستغناء عن إحدى الوجبات، أو لم تكن تحتوي على دهون، فلا داعي لتعاطي الجرعة.

8. ألا يغني الأورليستات بهذا عن باقي الجهد في عملية إنقاص الوزن؟

لا بالطبع. فهو مثلًا لا علاقة له بالسعرات الحرارية في السكريات والنشويات، وهي خطيرة للغاية، ويخزن الجسم فوائضها كدهون. وبالتالي إذا زدت من كميات هذه الأطعمة، فلن تحصل على نتيجة، بل قد يزيد الوزن. إذًا فدوره تكميلي بجوار التعليمات الخاصة بالغذاء المتوازن قليل السعرات، والرياضة.

فإذا التزمت مع الأورليستات بباقي البرنامج، ستبدأ في جني الثمرات خلال أسبوعين، وستكون النتائج أدوم.

9. يبدو الأورليستات آمنًا، فهل له آثارٌ جانبية؟

بالطبع له بعض الآثار الجانبية مثل:

  • انتفاخات بالبطن، وتقلصات بالأمعاء نتيجة زيادة حركتها.
  • تغيير في رائحة وقوام البراز نتيجة زيادة كمية الدهون فيه. وقد يصل الأمر في بعض الحالات الشديدة إلى صعوبة في التحكم في البراز نتيجة قوامه شديد الدهنية.
  • من أخطر الآثار الجانبية، منع امتصاص فيتامينات حيوية تُعرف بالفيتامينات الذائبة في الدهون، وهي أ و ك و د و إي ADEK. ولذا يتم تعويضها على هيئة أقراص دوائية تؤخذ ساعتين على الأقل قبل أو بعد الأورليستات.
  • منع امتصاص بعض الأدوية كهرمون الغدة الدرقية ( ليفوثيروكسين ) الذي يعالج نقص نشاطها. ولذا ينصح بتناوله بعد الأورليستات بأكثر من 3 ساعات.

10. بالنسبة لمرضى السكر الذين يعاني أكثرهم من زيادة الوزن؟

تطبق نفس التعليمات العامة مع مراعاة خصوصيتهم.

بالنسبة للمرضى المعتمدين على الإنسولين، فهو يسبب زيادة الوزن، لأنه يزيد الإحساس العصبي بالجوع، كما يزيد نشاط بناء الدهون، ويقلل تكسيرها. ويحتاج الأمر إلى تنظيم غذائي واعٍ، بإشراف طبيبيْ الغدد الصماء والتغذية. وذلك للموازنة بين تقليل السعرات، ومنع تعرض المريض لنقص شديد في السكر، مما يشكل خطرًا على حياته.

بالنسبة للمرضى غير المعتمدين على الأنسولين، يتم انتقاء – بواسطة طبيب الغدد الصماء – مجموعات الأدوية التي تساهم في إنقاص الوزن، أو على الأقل لا تسبب زيادته. وأشهرها الميتفورمين ( المعروف تجاريًا بالجلوكوفاج أو السيدوفاج )، والذي أحيانًا ما يستخدمه بعض أطباء التغذية للمساعدة في إنقاص الوزن حتى لدى غير المصابين بالسكري، لأنه يقلل الشهية للطعام.

وهناك مجموعات دوائية جديدة لعلاج السكري إما تحافظ على الوزن، أو تقلله. مثل الإكسيناتايد، والذي يزيد إفراز الأنسولين في الجسم أثناء الوجبات فقط، فيقلل من آثاره الجانبية على الوزن وغيرها.

الخلاصة

لا مفر من الإرادة .. لا مفر من تغيير العادات الغذائية .. لا مفر من الرياضة .. لا مفر من الطبيب.