وصلت الأمور في برشلونة إلى موجة كبيرة من الكلمات المُكررة. خلال فترة تولي المُدير الفني «إرنيستو فالفيردي»، ساءت الأمور بالقدر الذي يدفع الجميع للتدخل، الكل يُريد أن يُدلي بدلوه في القضية، وطالما أن النتائج كانت على نفس الدرجة من السوء في كل مرة تقريبًا، فكانت الردود والآراء تتكرر بلا تغيير. لم يكن هناك لفظ واحد مُختلف في تلك الأزمة سوى: «رسميًا: تمت إقالة المُدير الفني لفريق برشلونة».

اللحظات الأولى لخليفة «إرنيستو فالفيردي»، «كيكي سيتين» داخل ملعب كامب نو

في منتصف كانون الثاني/يناير من عام 2020، كُسر التكرر أخيرًا، واتفقت إدارة النادي الإسباني مع مُمثلي المُدرب «فالفيردي» على فسخ التعاقد بالتراضي، لتكون الإقالة الثانية فقط خلال 20 عامًا مرت من الألفية الثانية داخل أروقة «كامب نو». قرار طال انتظاره، لكنه حتى حين تحقق لم تنتهِ معه موضة التكرار بالكامل، أو على الأقل، لا ضمان لذلك.

يعلم الجميع أنه بمجرد فسخ التعاقد مع المُدير الفني الإسباني، فإن نصف المهمة قد انتهت، فيما يخص تحسين أحوال الفريق، ذلك لأنه أصعب ما يمكن أن تمر به كشخص عادي، هو أن تشعر بأنك ترى شيئًا في غاية الوضوح، والجميع يرون عكسه تمامًا، والأصعب أن تكون رؤيتهم هي المؤثرة، فلا يتغير في الأمر شيء.

يدور السؤال المُلح الآن حول تلك المُعضلة: إن كان «ميسي» وإدارة النادي قد وجدوا أسبابًا كافية للدفاع المُعلن والصريح عما قام به المُدرب السابق للفريق بالرغم من فضائح روما وليفربول وأخيرًا، أتلتيكو مدريد، فما الضامن الحقيقي ألا تتكرر نفس الأحداث مرة أخرى مع اسم مختلف على رأس القيادة الفنية للفريق؟

كليشيه الدفاع عن «فالفيردي»

فور تعاقد الفريق مع «فالفيردي»، وُضع اسم «باريخو»، لاعب فالنسيا، على رأس قائمة الطلبات للتعاقد، تقدم المدرب الجديد حينها بذلك الطلب بهدف إعادة إحياء ثنائية «فالفيردي-باريخو» التي نجحت في ملعب «ميستايا» لمدة 6 أشهر تقريبًا.

تولى مدرب برشلونة السابق إدارة فالنسيا خلفًا لـ«بليجرينو»، في ختام عام 2012، في ذلك الوقت كان متوسط الميدان الشاب قد شارك في 3 مباريات فقط خلال ما سبق من الموسم المذكور، لكن بمجرد أن تولى «إرنيستو» قيادة الخفافيش، تعاونا في 17 مباراة ممتازة، نجح فيهم باريخو في اللعب كمحور أساسي في رسم 4-3-3، نفس دور «سيرجيو بوسكيتس» مع برشلونة.

عانت إدارة الخفافيش في ذلك الوقت من ضعف اقتصادي بخصوص تطويرات في الملعب وديون متراكمة لسنين سابقة، كان الوضع مهيئًا ليخطف البرسا نجمًا واعدًا يُحبه المُدرب، ويعتقد فيه أنه سيُحسن من منظومة وسط الملعب مع برشلونة، ربما لو كانوا نجحوا في التعاقد معه لانتهى مطاف نهائي كأس إسبانيا 2019 بشكلٍ مُغاير، لكن الحقيقة أن وضع برشلونة اقتصاديًا لم يكن في أفضل أحواله أيضًا.

يعود الاستقرار الاقتصادي على عدة مواضع بالنفع، أهمها مثلًا، أن يجلب الفريق اللاعب الذي يُريد، في الوقت الذي يُريد. كأن تُنهي التعاقد مع «سيري»، «باريخو» وغيرهما، في أوقات مثالية بمقابل مادي مناسب، تلك هي فوائد الاستقرار الاقتصادي المُنعدم في برشلونة.

وان كانت تلك هي الأهمية الضمنية، فالأهمية البارزة هي القدرة الحقيقية للدفاع عن مُدربك ولاعبيك بشكل سليم، أي خلق حقيقة صحيحة من الـ«كليشيه» المنتشر -الكلام المُكرر- الذي لطالما التصق بإدارة النادي وقادة الفريق، بأنهم يُدافعون عما يفعله فالفيردي ويدعمونه أيًا كانت النتائج، لكن الواقع يؤكد أن الوضع في برشلونة لا يسمح لأحد بالدفاع عن الآخر.

من آمن في برشلونة؟

النقطة الآن أنك قد تشعر بتكرار كل ما سبق، لأنه فور إقالة أي مُدير فني يظهر جانب من الجماهير ليدافع عن وجهة نظر ما تخص ذلك المُدرب، ربما تكون غير موجودة أصلًا. وفي حالة فالفيردي، فإنه بشكلٍ أو بآخر قد حُسب على مدرسة الواقعية والبراجماتية، وهم هؤلاء الذين يُقدسون النتائج بلا أي رؤية واضحة لما يدور حولها.

مجمل أرقام ونتائج المدرب الإسباني «إرنيستو فالفيردي» مع فريق برشلونة

وبعيدًا عن أن الفريق المُدافع عن براجماتية فالفيردي قد تخلى عن واقعيته في اللحظة التي اقتربت فيها إقالة المدرب، مُشيرين إلى أن المُباراة الأخيرة له ضد أتلتيكو مدريد في بطولة السوبر الإسباني قد قدم فيها الفريق أداءً يستحق عليه نتيجة أفضل، لكنه لم يكن موفقًا لعدة أسباب، فإن النتائج إجمالًا لا تحمي فالفيردي ولا تحمي غيره.

طلب إرنيستو التعاقد مع باريخو كأول بند على لائحة مطالباته، لأنه كان يسعى لاستغلال أحد أنجح الثلاثيات الهجومية خلال العقد الأخير: «ميسي-سواريز-نيمار»، لكنه قبل أن يهنأ بامتلاكه ثلاثيًا ناريًا، كانت إدارة برشلونة تحتفل برحيل اللاعب البرازيلي إلى باريس سان جيرمان، عن طريق خلق بند جديد في الميزانية يُبرز قيمة رحيله الاقتصادية.

في ظل الإدارة الحالية لفريق برشلونة، يعيش الفريق وجماهيره في حالة اللا ضمانات للجميع. باعتبار أن كرة القدم تحولت إلى صناعة وسوق أعمال بنسبة ضخمة، فإن الضامن الوحيد للاستمرار على حالة ما واضحة، وحماية كل عناصرها: هو الاستقرار الاقتصادي، وفي هذا الصدد تفشل إدارة «جوسيب بارتوميو» بلا أدنى شك.

يعيش «بارتوميو» أوقاته الأخيرة في منصبه على رأس إدارة النادي، في تلك الأثناء تسعى الإدارات لكسب رضاء الجماهير بأي شكل ممكن، وأكثر ما يُعتمد عليه في تلك الفترة هو ميزانية النادي.

في حزيران/يونيو 2019، أخرجت الإدارة التقرير المالي للنادي إجمالًا في حدث يتكرر كل عام، لكن هذه المرة قاموا ببروزة التقرير عن طريق خبر يُشير إلى اقتراب الإيرادات من مليار دولار، لكن بالنظر لتفاصيل التقرير تكتشف أن الإدارة قد اختلقت بندًا في الميزانية لا يُضاف في الأندية الآخرى، وهو بند أرباح بيع اللاعبين.

سبّب ذلك الاختلاق تفاوتًا ملحوظًا للغاية بين كشف حساب ذلك العام والأعوام الأخرى، وحتى كشوف حسابات بقية الأندية، ولا داعي للإشارة إلى أن ارتفاع قيمة ذلك البند يعود إلى القيمة الفلكية لبيع نيمار، في صورة احتفالية الهدف منها خلق هالة من الأمان الاقتصادي المزعوم.

ناهيك عن أحداث مختلفة بروزت فيها إدارة النادي كوارث فنية على الفريق في شكل جلي، الهدف منه محاولة الانتفاع الاقتصادي، لكن بلا طائل، ككارثة ليفربول التي سوّق لها دعائيًا في الفيلم الوثائقي الذي أنتجه النادي عن موسم 2019/2020.

أضف لذلك أن خلال عام 2019، تصدر برشلونة قائمة الأندية الدافعة للأجور حول العالم، متفوقًا على أندية كرة السلة التي اعتادت على احتلال المراكز الـ10 الأولى من تلك القائمة في كل عام.

وفي ظل وجود دين متراكم يُقدر بـ157 مليون يورو، غير محسوب خلاله قيمة الالتزامات التي لا يمكن تجنبها، كقيمة رواتب لاعبين مثل «دي يونج»، قد تتوقع في أي لحظة أن يُضحي النادي بأحد أهم لاعبيه للحفاظ على هيئته الاقتصادية أمام الجمعية العمومية لإدارة النادي، كما فعل ريال مدريد مع «كريستيانو رونالدو».

إذن، نحن أمام حالة دفاع غير آمنين عن أشخاص غير آمنين غيرهم، والآن سيتحول الأمر لتعيين شخص غير آمن جديد في ظروف قاسية لتحقيق شيء يُأمل فيه أن يكون غير مُكرر.

لماذا لم يتم التعاقد مع تشافي؟

وقع الاختيار على المُدرب الإسباني «كيكي سيتين» ليكون خليفة فالفيردي، يمكن الدفاع عن ذلك الاسم بعدة أسباب وعلى رأسها قطعًا أنه أحد الخارجين من عباءة «يوهان كرويف»، لكن عدا ذلك السبب قد تجد مئات التناقضات بين الاسمين اللذين ارتبطا ببرشلونة خلال الساعات التي سبقت إقالة فالفيردي رسميًا.

بدأ السعي أولًا وراء «تشافي» كهدف للاحتماء باسمه وقيمته عند الجماهير، بما يسمح للإدارة البقاء مدة أطول دون سخط صحفي حول دورهم في قيادة الفريق. ما لم يكن متوقعًا أبدًا، أن يرفض نجم الفريق السابق ومدرب السد القطري الحالي، فرصة تدريب فريق طفولته، لكنه قد وضعهم في موقف حرج، يجب إقالة فالفيردي، ويجب الحصول على اسم جديد لقيادة الفريق.

يجب على أي نادٍ أن يسـأل نفسه: كيف أريد أن ألعب؟ وبعد تحديد فلسفته الخاصة، يبدأ من خلالها في اختيار الطاقم التدريبي الذي يساعده على تحقيق ذلك.
تصريح سابق لـ «كيكي سيتين» مدرب برشلونة الجديد

لو حاولت البحث حول أسباب التفاوض مع تشافي ومحاولة تطبيقها على أسباب الاتفاق الفعلي مع كيكي لن تجد أي تشابه، فإن كان الهدف طريقة اللعب، فمن السهل أن تعرف أن تشافي لم يحدد طريقة لعب لنفسه بعد، وكذلك ستجد أي محلل عادي يؤكد لك أن العيوب التكتيكية في دفاع برشلونة، وهي أبرز عيب لديهم، لا تناسب مدربًا ككيكي ستين بالمرة.

الأكيد أيضًا أن سعي الإدارة في ذلك الوقت غير مُبرر بكل الطرق، فمن يتوقع أن تُحدد الإدارة أهدافها بدقة في الفترة ما بين يومي الخميس -يوم هزيمة أتلتيكو الأخيرة لفالفيردي، والإثنين -يوم الإقالة رسميًا؟ وما الذي تغير فعلًا ويمكن وضعه تحت بند كارثة أكثر من هزائم ليفربول وروما؟ يعني: ما الفارق بين صيف 2019 وشتاء 2020؟

ما تُخبره كل الحقائق الآن أن لا شيء مضمون في برشلونة، لا شيء مضمون في الكرة مطلقًا، ولا يوجد مُدرب واحد يأتي باحتمالات نجاحه أو فشله، لكن في برشلونة تحديدًا كل الأمور قابلة للرجوع للخلف، والتكرار اللا نهائي هو سمة طبيعية في إدارة بارتوميو، وكأن الأرض ستنتج في كل مرة ثمرًا مختلفًا لو زُرعت بنفس البذور.