هل يمكن لنا تمويه شكل الحجاب مؤقتًا ليصبح أقل لفتًا للانتباه؟ أليس هذا من الحكمة التي يقتضيها زمن الخوف الذي نعيشه الآن؟

حين أُثير هذا السؤال بصيغ مختلفة – ضمن موجة ردود الأفعال التي أعقبت تصاعد جرائم تنظيم «داعش»، والتي أدت إلى كثرة شكاوى تعرض المحجبات للمضايقات وأحيانًا للاعتداءات في عدد من الولايات الأمريكية – طُرحت إجابات كثيرة عليه ما بين موافق ورافض ومتحفظ، لكنني توقفت أكثر عند سؤال مغاير طرحته الباحثة الأمريكية من أصول أفريقية «دونّا أوستون»، والتي قالت في مشاركة تلفزيونية لها:

إذا كان تمويه الحجاب سيحميني من التمييز والاعتداء، فماذا عن لون بشرتي؟ ما الذي سيحميني من التمييز والاعتداء الذي أتعرض له بسببه؟ [1]

كانت ملاحظة «دونّا» كاشفة عن تلك النقطة العمياء التي تحجب عن مسلمين من خلفيات عرقية مختلفة إدراك طبيعة وتاريخية معاناة السود، بحيث لا يأخذونها في الاعتبار، حتى في تلك اللحظة التي يتعرض فيها مسلمو أمريكا باختلاف أعراقهم لتحديات تتعلق بالتصنيف.

صحيح أن منطق التمييز العرقي واللوني بدائي وأحمق، إلا أنه للأسف حاضر ومخيف، ولا يمكن حتى أن تتحايل عليه في حالات التهديد المباشر، التي قد تضطر البعض إلى محاولات يائسة للتمويه البصري أو الإخفاء، وربما لذلك ستظل مناهضة التمييز ضد السود إحدى أكثر المعارك جذرية ضد الظلم الاجتماعي.

ومن هنا تأتي أهمية قراءة كتاب مثل «مسلم كول: العرق والدين والهيب هوب في الولايات المتحدة الأمريكية»، لسعاد عبد الخبير، الذي يقدم فرصة حقيقية لتتبع خطوط التقاطع والتوتر داخل المجتمعات الأمريكية المسلمة التي ترسمها مواقع ورؤى متباينة – إن لم تكن متعارضة – للعرق والطبقة والقوة.[2]


السود وتفكيك التراتبية العرقية

من أبرز ما يقدمه الكتاب تناوله لفن الهيب هوب الذي يحتل موقعًا مركزيًا في أطروحة سعاد عبد الخبير، ليس فقط كمثال على ثقافة تعبيرية لمقاومة التمييز، ولكن لأنه بالأساس طريقة لتعريف المسلم لذاته اعتمادًا على الانتماء للسود، بدلًا من تخفيف أو تجاهل مثل هذا الانتماء.

يسود تصور عن المسلمين في أمريكا بوصفهم مجتمعًا للمهاجرين بالأساس نتيجة شعور تزايد بعد 11 سبتمبر بأن الإسلام دين دخيل على الثقافة الأمريكية.

تتبعت الكاتبة تأثر فناني الهيب هوب من المسلمين الأمريكيين السود بالإسلام كخطاب مناوئ لنوعين من الهيمنة والتفوق؛ أولهما الهيمنة العرقية للرجل الأبيض، وثانيهما الهيمنة الثقافية والدينية للثقافة العربية والجنوب آسيوية على المسلمين السود في أمريكا.

وقد يظن البعض حين قراءته لهذا الكتاب أنه يقع في المأزق الذي تثيره دراسة الجماعات المهمشة أحيانًا، مما يجعل سعاد عبد الخبير تعارض التفوق العرقي عبر إثبات تميز للعرق الأسود، وهو ما تنبهت له الكاتبة التي عبرت بأكثر من صيغة أنها ترى تأكيد الانتماء للسود بوصفه نقطة انطلاق لتفكيك التراتبية العرقية المفروضة ككل.

يسود تصور عن المسلمين في أمريكا بوصفهم مجتمعًا للمهاجرين بالأساس، ليس فقط بفعل التحول الديمغرافي لكتلتهم مع زيادة موجات الهجرة منذ عام 1965، لكن أيضًا لشعور تزايد بعد 11 سبتمبر بأن الإسلام دين دخيل على الثقافة الأمريكية، وهو ما يترك المسلمين الأمريكيين من أصل أفريقي خارج الكتلة المعبرة عن الإسلام والمسلمين في أمريكا، وبالتالي تتشكل التوترات حول العرق والطبقة والقوة بين المسلمين الأمريكيين حول ما تطلق عليه سعاد عبد الخبير «الفجوة بين الأصليين: الأمريكيين من أصل أفريقي – والمهاجرين».

وهنا لفت انتباهي عرضها العميق لاختلاف أبناء هذه المجموعتين في تعريف كل منهم للإسلام أولًا، ولأمريكا نفسها ثانيًا. فوفقًا لها كان الإسلام بالنسبة لمسلمي أمريكا السود تقليدًا روحانيًا للمقاومة، وناقدًا للولايات المتحدة الأمريكية بهدف إبطال مفعول المنطق العنصري للتفوق الأبيض.

أما بالنسبة للمسلمين الأمريكيين من العرب أو جنوب آسيا فقد رأوا الإسلام كتراث ثقافي وديني، ورأوا أمريكا كأرض للفرص والأحلام المزدهرة، هذه النظرة التي تهدف بالأساس للصعود الاجتماعي والاقتصادي استدعت أحيانًا أن يتبنى هؤلاء الرؤى المهيمنة على المجتمع، وبالتالي تبني الموقف من الطبقات الأفقر التي ينتمي لها كثير من السود واللاتينيين.


النقاط المتقدمة وسلسلة الهروب

في عالم ما بعد 11 سبتمبر، طرحت مفارقة جيلية نفسها على الساحة، حين واجه المسلمون من الأجيال الأصغر على اختلاف أعراقهم معضلة إثبات الانتماء ومناهضة التمييز ضدهم في نفس الوقت.

ومن هنا مثلت تجربة نضال السود ضد التفرقة العنصرية نقطة مرجعية هامة، إذ أنهم واجهوا عبر عقود طويلة المعضلة المزدوجة نفسها، وربما كانت هذه المفارقة الجيلية هي ما أسست عليه الكاتبة رصدها لكيفية تشكل ما أسمته حلقة المسلم كول «Muslim Cool Loop»، إذ تقول بأن الإسلام أعطى لفن الهيب هوب حمولة معرفية لاكتشاف الذات والوعي السياسي للفقراء المنتمين إلى الطبقات العاملة من السود واللاتينيين، وبدوره منح الهيب هوب الشباب الأصغر من مسلمي أمريكا وسيلة لمعرفة ذاتهم، ليعودوا بدورهم إلى الإسلام كما تصوره السود في نضالهم كطريق إلى الـ «مسلم كول».

منح الهيب هوب الشباب الأصغر من مسلمي أمريكا وسيلة لمعرفة ذاتهم، ليعودوا بدورهم إلى الإسلام كما تصوره السود في نضالهم كطريق إلى الـ «مسلم كول».

تقدم لنا الكاتبة تجسيدًا لهذا التصور عبر تجربة جمعية للنشاط الفني والمجتمعي، يحتل الهيب هوب مكانة مركزية ضمن أعمالها، وهي مؤسسة «إيمان IMAN» التي تعمل في الأحياء الفقيرة في شيكاغو – وغالبية سكانها من السود واللاتينيين – مقدمة هذه الأحياء لنا كمجتمعات غنية ثقافيًا بدلًا من كونها مناطق مقفرة، خاصة وقد مارست الكاتبة نشاطًا تطوعيًا منتظمًا ضمن «IMAN» التي تعتبر عملها أمرًا نادرًا في أوساط الجمعيات غير الربحية الأمريكية المسلمة التي يركز أغلبها على هموم الطبقات المتوسطة من المهاجرين من جنوب آسيا والشرق الأوسط.[3]

مؤسسة «إيمان» هي الحالة المركزية التي تدرسها الكاتبة لكنها لا تقدمها بوصفها «يوتوبيا عرقية»، وإنما كنقطة متقدمة لمواجهة التمييز، وهنا يأتي ذكر عمر مختار، الشاب الأمريكي من أصول عربية الذي أدرك اختلاف جمعية «إيمان» عن غيرها، وتأثر بمؤسسها رامي نشاشيبي المناهض للعنصرية ضد السود داخل المجتمعات المسلمة.

مع دخول عمر مختار إلى «إيمان» تعرف على سياق أوسع للنضال ضد التمييز العرقي عبر موسيقى الهيب هوب، وربط بين مفهوم العدل في مجتمعه المحلي، وبين قضايا أخرى داخل أمريكا وخارجها، في حديثه يكشف مختار كيف نجحت تصورات تمييزية ضد السود في التسلل إلى عقلية وممارسات المجتمعات المسلمة.

ومع أنه يقول إن أهله قد يشعرون بكونهم بعيدين عن هذا التمييز، لكنه كثيرًا ما يواجههم بحقيقة أن الاستهداف العرقي يعنيهم أيضًا؛ لأنهم أيضًا مستهدفون به. يحكى عمر عن هروب البيض White Flight من حي Bridgeview بمدينة شيكاغو بعد أن تكاثر سكن العرب فيه، وهو أمر تكرر عبر الزمن في المدن الأمريكية المقسمة بعمق. سبق وأن وصف المناضل الأمريكي الأسود مالكوم إكس سلسلة الهروب لأسباب عرقية[4]، حتى بين الأوروبيين أنفسهم من الحي النيويوركي «هارلم» قبل أن يصبح أغلب سكانه من السود، بل إن هناك إشارات متعددة على هروب الطبقات المتوسطة والعليا من السود التي نمت في العقود الأخيرة من الأحياء التي تكتظ بالطبقات الأفقر من السود واللاتينيين.[5]

في كتاب «كيف تشعر ولديك إحساس أنك مشكلة» للكاتب مصطفى بيومي، نجد أمثلة حديثة على تشظي ممارسات التمييز في لحظات الأزمة، لتنتشر ممارسات الإزاحة العرقية البائسة، بين من لا يفرق التمييز أصلًا بينهم. يعرض لنا الكاتب مشهًدا لجار أمريكي من أصل أفريقي يناوش جاره أكرم، صاحب المحل التجاري والمتوسط الحال، لمجرد أنه أمريكي من أصل فلسطيني، والجار الأسود يحاول بمناوشاته أن يثبت أصالة انتمائه كأمريكي، مقابل التشكيك في نوايا جاره العربي بعد هجمات 11 سبتمبر.[6]

يقول أحد أقارب أكرم للكاتب في اعتراف كئيب: «لقد أصبحنا الآن الزنوج الجدد»، دون أن ينتبه إلى أن مقولته توحي بتجذر أفكار التفوق العرقي واستدماجها، وتكشف عن مأساوية النزاع على موقع أقل بؤسًا ضمن سلسلة التمييز.


التنصل والاستخدام

في فصل آخر من كتابها، تصف «عبد الخبير» التحول النسبي مع بداية الألفية الثالثة، حيث شهدت المؤسسات المسلمة الأمريكية تسامحًا أكبر مع الفنون وبخاصة الموسيقى، ليستخدم الشباب المسلم أحيانًا الإنتاج الفني للمسلمين السود كوسيلة لرفع القيود المفروضة في مجتمعاتهم على الفنون، لكنها تعود وتستعرض الجذور التاريخية لرفض فنون السود داخل المجتمعات المسلمة، باعتبارها فنونًا «غير إسلامية»، فيما وصفته بالتنصل مما هو أسود، مرجعة ذلك إلى تراث حقيقي ومؤلم لاستعباد الأفارقة، امتدت آثاره بأشكال صادمة في مجتمعات الأغلبية المسلمة، التي ما زالت تستخدم كلمة «عبد» لوصف المنحدرين من أصول إفريقية.

تلفت الكاتبة الانتباه إلى أن هناك محوًا لإفريقيا من التراث الإسلامي الممتد، ليبدو الانتماء للسود والتقاليد الإسلامية كأنهما أمران متباينان دونما داعٍ لذلك

تلفت الكاتبة الانتباه إلى أن هناك محوًا لإفريقيا من التراث الإسلامي الممتد، ليبدو الانتماء للسود والتقاليد الإسلامية كأنهما أمران متباينان دونما داعٍ لذلك، وهو ما أتاح في رأيها تصنيف موسيقى السود بأنها «غير إسلامية»، وما يضاعف الأمر سوءًا في الحالة الأمريكية أن المفاهيم التمييزية ضد السود في الشرق الأوسط وجنوب آسيا تراكبت عليها وأُضيفت إليها أفكار التفوق العرقي للرجل الأبيض ودونية السود داخل أمريكا. ورغم أهمية ما عرضته الكاتبة، إلا أنه يحتاج لتفسيرات أكثر دقة، حيث إن التشدد وتحريم الموسيقى والفنون داخل قطاعات من المجتمعات المسلمة لا يقتصر على أسباب عنصرية، فهو موقف عادة ما يتخذ ضد فنون موسيقية أخرى بصرف النظر عن جذورها العرقية.

تلفت الكاتبة الانتباه إلى أن هذا «التنصل» من السود يترافق مع حالة من «الاستخدام» لهم، إذ يتم مثلًا منذ 11 سبتمبر الدفع أحيانًا بمسلمين أمريكيين من أصول أفريقية إلى مقدمة المشهد لتأكيد «أمريكية» المسلمين، ومن جانب آخر يُستدعى الفنانون منهم لجذب الشباب الأمريكي المسلم من أصول عربية وجنوب آسيوية إلى المساحات الدينية التي يتجنبونها، لعل وجود هؤلاء الفنانين يشجعهم على الحضور إليها، وللأسف فإن ثنائية التنصل/ الاستخدام هذه والتي تتخذ أشكالًا مختلفة تسردها الكاتبة، تترك لدى المسلم الأسود إحساسًا بأن انتماءه للسود مجدٍ فقط إذا أسهم في تحسين موقف المسلم/الآخر.

من هنا يأتي نموذج «مسلم كول» ليثير توترًا مع حالة التنصل/الاستخدام، لأنه لا يرى في الانتماء لثقافة السود قطيعة مع التقاليد الإسلامية، بل يسمح بتداخل قوي للشباب على اختلاف أعراقهم وطبقتهم، عبر ثقافة الهيب هوب وتكوين هوية لهم، في مواجهة التمييز ضد السود في المجتمعات الأمريكية المسلمة.


الاستيلاء الثقافي والمقاومة بالتأنق

في موضع آخر، تدمج الكاتبة بين مناهج الأنثروبولوجيا «علم دراسات الإنسان» وأبحاث الأداء الفني في تحليلها لعرض مسرحي قدمته بعنوان «حجاب سارة» يركز على استكشاف نمط سُمي بـ « hijabhood» أو «حجاب الجوار»، حريصة على التأكيد أنها لا تسعى لاستغلال الانشغال العام بما ترتديه المرأة، وأنها اختارت التركيز على «hijabhood» لأنه يستدعي الحديث عن الطبقة والعرق والمكان.

وفي حين تعددت المسميات التي تشير لتجربة السود من الطبقات الأفقر داخل الجيتوهات وما يُعرف بالأحياء الداخلية أو بطون المدن inner cities، تقوم الكاتبة بمراجعة مفهوم «الجيتو» والذي نجد له جذورًا في ممارسات التمييز الديني في أوروبا، لكنه شهد منعطفًا عنصريًا في الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة جعلت «الجيتو» والسود وجهين لعملة واحدة، وكذلك تظهر الـ inner cities كتوصيف للهروب «الأبيض» إلى الضواحي التي تشهد نموًا اقتصاديًا، بينما سحبت الاستثمارات الموجهة للأحياء الداخلية أو بطون المدن.

في العرض المسرحي، تحاول الفتاة الأمريكية سارة أن تقرر نمط الحجاب الذي ستختار ارتداءه بين ما أسمته الكاتبة «الحجاب التقليدي»، «الحجاب المخفف» أو «الحداثي»، وحجاب الجوار أو الـ «hijabhood». ومثلما جاءت حركة «الأسود جميل» Black is Beautiful وشعاراتها في الستينات والسبعينات، كنضال ضد سحق الذات، لتتبنى ضمنها النساء السوداوات استعراض الفخر بكل ما هو إفريقي.

تقول الكاتبة إن النساء المسلمات الآن يستعدن غطاء الرأس الإفريقي باعتباره إسلاميًا أيضًا، في مناهضة لهيمنة الأنماط العربية والجنوب آسيوية من الحجاب، وفي نهاية العرض تختار سارة الـ «hijabhood» لما يحمله من دلالة على الانحياز إلى التغيير الاجتماعي.

ربما يثير هذا الاختيار مفارقة مع ما بدأت به سعاد عبد الخبير كتابها من مناقشة لمفهوم الاستيلاء الثقافي، وهي تحاور السيدة «إسبيرانزا Esperanza» التي تسكن حيًا فقيرًا، وتقابلها فتاة باكستانية من طبقة متوسطة عليا، لتعبر لها عن إعجابها بحجابها وتسأل كيف يمكنها أن تحصل على مثله، تشكرها إسبيرانزا على المجاملة، وتتجاهل سؤالها بعد أن أغضبتها فكرة الاستيلاء على القليل الذي تعتبره ممتلكًا ثقافيًا يعبر عنها، لكن الكاتبة تضع معيارًا فارقًا بين «الاستيلاء الثقافي» وبين تواصل فتيات من أعراق مختلفة مع ما هو «أفروأمريكي» من فنون أو أزياء، بالانخراط ضمن حركة اجتماعية واسعة للعدالة.

لاحقًا تقدم الكاتبة الاستيلاء الثقافي بشكل مختلف -إيجابي هذه المرة- لأنه يقوم في إطار تحدٍ للعنصرية، مفتونة باستيلاء «الأفروأمريكيين» على بعض الرموز وعلامات الرقي الاجتماعي في ثقافة البيض السائدة، التي صنعت لإعادة إنتاج تراتبية عرقية وطبقية، ولهذا بالنسبة للأسود يعد التأنق وشراء ملابس وإكسسوارات راقية وتعديلها لتصبح شيئًا آخر، دلالة على خلاص «الأسود» من استعلاء «الأبيض».

وهنا لا تتخلى الكاتبة أيضًا عن تحدي المركزية الدينية الثقافية للعربي والشرقي، فترى أن الأسود المتأنق يواجه ببدلته الجماليات المهيمنة التي تخلط بين خصوصيات ثقافية من الشرق الإسلامي، مع مفاهيم معيارية للتقوى، قد تدفع الأمريكيين السود مثلًا لاتخاذ الثوب أو القميص والسروال الهندي، كما لو أنه شكل ديني أصيل.


محدودية «مسلم كول» وآفاقه

يمكن النظر لدبلوماسية الهيب هوب في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، كصفقة لمنح الانتماء للمسلمين الأمريكيين.

رغم حشد سعاد عبد الخبير لكثير من الرؤى والتفاصيل داخل كتابها، وتقديمها لأطروحة «مسلم كول» كإطار نقدي للأفكار السائدة في المجتمع الأمريكي، والتي تنتج علاقات قوى غير متساوية، تخصص الكاتبة فصلًا هامًا لإبراز محدودية نموذج «مسلم كول» كإطار نقدي، مستشهدة ببرنامج أقامته وزارة الخارجية الأمريكية، وصفته بدبلوماسية «الهيب هوب»، استخدمت فيه جولات الفنانين الأمريكيين من أصل إفريقي، لتثبيت هيمنة الولايات المتحدة على العالم الإسلامي، وهو أمر سبق استخدامه مع فناني الجاز في الخمسينيات والستينيات، خصوصًا السود منهم، للرد على وصف الاتحاد السوفييتي لأمريكا بأنها دولة عنصرية.

تشير الكاتبة إلى تجذر تناقضات فترة ما بعد حركة الحريات المدنية، حيث تتجاور المكتسبات والخسائر فيما يتعلق بالمساواة العرقية، فعلامات التقدم تتوازى مع استمرار التمييز العنصري المتمثل في فروق فرص الإسكان والصحة والتعليم والعمل والقوانين العقابية وغيرها، لنشهد ما يمكن وصفه بتدجين السياسات العرقية، بحيث تتوسع الحقوق القانونية للمواطنة، في نفس الوقت الذي تُخلق فيه النظم القانونية، التي تجعل تحديد انتماء المواطنين من عدمه، حقًا للدولة، وليس للمواطنين أنفسهم.

لكن محاولات التدجين هذه لا تعني أن المجتمعات العرقية المهمشة توقفت عن الاشتباك كمعارضة، فدراسة تجارب هذه المجتمعات أسست لمفاهيم مثل «المواطنة الثقافية»، والتي يدخل في نطاقها مفهوم «المواطنة المتمردة» التي تشتبك مع الدولة عبر نقدها. وفي حين يستمر سعي المواطنين المحتجين إلى الانتماء، تصير المواطنة ساحة نزاع لصناعة التأثير بين كل من المواطن والدولة، وقد شهدت مرحلة ما بعد اتفاق الحريات المدنية استخدام الدولة للهيمنة المرنة وتوظيفها الرغبة في منح الانتماء للقيام بضم المعارضين لها.

ومن هنا يمكن النظر لدبلوماسية الهيب هوب في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، كصفقة لمنح الانتماء للمسلمين الأمريكيين، لتكون المشاركة في الخارج سبيلًا للحصول على مكافأة الانتماء في الداخل.

تختتم الكاتبة أطروحتها بالتأكيد على أن سردية «مسلم كول» تدلل جذريًا على أن «لحياة السود أهمية». ورغم حساسية وتعقد مناقشة العلاقات البين عرقية والفروق التاريخية والهيكلية، ما بين الهيمنة العرقية للأبيض، والهيمنة الدينية والثقافية للعربي والجنوب شرق آسيوى، اللذين قدمتهما سعاد عبد الخبير كنظامين للتمييز ضد المسلم الأمريكي من أصول إفريقية، إلا أنه يمكن اعتبار «مسلم كول» فرصة حقيقية ليس فقط للكشف عن الرؤى العنصرية المستدمجة ومناهضتها في أوساط مسلمي أمريكا، لكن أيضًا لاستكشاف تلك النقاط العمياء التي قد تغذيها المركزية وثقافة الاعتياد لدى المنتمين لمجتمعات الأغلبية المسلمة.[7]

المراجع
  1. النقاش المُشار له كان ضمن حلقة بعنوان Faith in Times of Fear في برنامج The Stream على قناة الجزيرة الإنجليزية، وكان ضمن ضيوفها باحثة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا Donna Auston، نشرت على YouTube بتاريخ 80/12/2015.
  2. Muslim Cool: Race, Religion and Hip Hop in the United States by Su'ad Abdul Khabeer. NYU Press, 2016.
  3. Inner-City Muslim Action Network» IMAN.«
  4. يروي مالكوم اكس لكاتب سيرتهAlex Haley أن هارلم لم يكن دائمًا حيًا للسود، فقد كان مستعمرة هولندية، ثم قدمت إليه أعداد من فقراء الأوروبيين: أتى الألمان فابتعد الهولنديين، ثم أتى الأيرلنديون ليهرب الألمان، ثم جاء الإيطاليون ليرحل الأيرلنديون، ورحل الإيطاليون حينما سكن اليهود هارلم، ويقول إكس «اليوم، يفر أبناء كل هؤلاء المهاجرين بأقصى ما يستطيعون من أبناء الزنوج الذين ساعدوا في تفريغ السفن المحملة بأمتعة المهاجرين» ص 95 من The Autobiography of Malcolm X as told to Alex Haley (New York: Ballantine Books.
  5. خصصت الناشطة والباحثة Keeanga-Yamahatta Taylor في كتابها From BlackLivesMatter to Black Liberation فصلًا عن الصعود الطبقي لبعض السود الأمريكيين وعلاقته بتزايد أوهام نهاية التمييز العرقي بالولايات المتحدة الأمريكية.
  6. استلهم بيومي عنوان كتابه وإطاره النظري من السؤال الاستكشافي الذي طرحه عالم الاجتماع والمؤرخ الأفروأمريكي W.E.B. du Bois في The Souls of Black Folk: “How does it feel to be a problem?” ليقدم قصصًا واقعية من حياة شباب عرب ومسلمين أمريكيين بعد هجمات 9/11 ويربط بين التفاصيل اليومية للواقع ومفاهيم المساواة والتعاطف.
  7. في إشارة لتصاعد حركةBlack Lives Matter في مواجهة عنف الشرطة والتمييز المؤسسي ضد السود في أمريكا.