في أبريل/ نيسان 2021، ذهب البلجيكي «كيفن دي بروين» لغرفة مفاوضات فريقه «مانشستر سيتي» بمفرده، دون وكيل أعماله، الذي كان يقبع خلف أحد أسوار السجون البلجيكية. كان لدى كيفن مطلب واحد فقط، وهو الحصول على زيادة في راتبه، المثير في القصة، أن دي بروين حصل بالفعل على مبتغاه.

تصلح القصة السابقة للتدليل على عدم جدوى وكلاء اللاعبين. وبالرغم من صدق الرواية تمامًا، فإن قصة الإيطالي «مينو رايولا»- وكيل اللاعبين الأشهر على الإطلاق- كانت على النقيض، فالرجل الإيطالي وبالرغم من كل اللغط الذي دار حوله، فإن معظم لاعبيه كانوا لا يخطون خطوة في حياتهم إلا باستشارته أولاً.

كان رايولا شخصًا مثيرًا للجدل، سواء بسبب الأرقام التي كان يتقاضاها كعمولة جراء انتقال أحد لاعبيه من فريق إلى آخر، أو بسبب حدة سلوكه الذي أثار ضغينة عدد كبير من المدربين، على رأسهم السير أليكس فيرجسون، والإسباني بيب جوارديولا.

رحل رايولا في 30 أبريل/ نيسان الماضي وترك الجميع يتساءل: من الذي سيرث هذا الإرث الضخم الذي خلفه وراءه؟ وهل سيستطيع الحفاظ عليه؟

الإجابة عند بطلة قصتنا، البرازيلية «رافيليا بيمنتا».

هدف بالصدفة من صناعة «ريفالدو»

في عام 1998، أسس اللاعب البرازيلي «ريفالدو» ناديًا يُسمى «Guaratingueta»، كانت المحامية المسؤولة عن تقنين أوضاع النادي فتاة برازيلية تُدعى «رافيليا بيمنتا»، درست القانون في جامعة «ساوباولو»، وتعمل في قسم مكافحة الاحتكار في حكومة الرئيس البرازيلي السابق «فرناندو هنريك كاردوسو»، اتسمت بيمنتا بسبب طبيعة عملها بنهج صارم للغاية، وهو ما رسم شخصيتها الحادة بعد ذلك في عالم كرة القدم.

في حفل افتتاح النادي، أُقيمت مباراة خيرية، دُعيَ إليها أحد وكلاء اللاعبين الذين ذاع صيتهم حينها، وهو الإيطالي «مينو رايولا»، وبالصدفة تعرفت رافيليا على مينو، الذي أبدى إعجابه بذكائها، كما كان يفعل دائمًا بأطباق الباستا وشرائح البيتزا، بعد ذلك لعب هذا التعارف دورًا رئيسيًا في نجاح مشروع وكالة مينو.

وصل الطرفان إلى اتفاق وثيق، يقضي بالاستعانة بخدمات رافيليا في وكالة مينو «One»، التي تقع في مدينة موناكو الفرنسية، وكانت رافيليا واحدة من عدد قليل جدًا من الأشخاص الذين تم الترحيب بهم في الدائرة الصغيرة في الوكالة، والتي لم يكن فيها سوى أشخاص قليلين يعملون بدوام كامل، وهم رايولا نفسه وابن عمه «فينتشنزو »وأبناؤه «ماريو وغابرييل » والسكرتير بالإضافة إلى رافايليا بيمنتا.

ففي كثير من الأحيان، تستعين الوكالة بالكثير من عملها لشركاء مختلفين حول العالم، فمثلاً، إذا كانت بيمنتا تعمل على صفقة في إسبانيا، فإنها ستوظف محاميًا إسبانيًا بدلاً من تعيين محامين ثابتين داخل الشركة. تعمل الشركة أيضًا مع مستشارين خارجيين في قضايا مثل رعاية اللاعبين، وإدارة حسابات التواصل الاجتماعية للاعبين، والانتقال السلس للاعب وعائلته للمدينة التي يقع فيها النادي الذي وقع له.

في ظل الرئيس

عندما رحل رايولا، كان هناك شك حول استمرار الوكالة، التي ظلت لعقود تعمل بفضل سمعته، ودارت التساؤلات حول الهجرة الوشيكة للاعبين، وعن ترقب الوكلاء الآخرين لصيد لاعبيه، ومع ذلك، فقد اقتصرت المسألة حتى الآن على رحيل «روميلو لوكاكو وماركوس تورام»، وكلاهما قررا الذهاب إلى وكلاء آخرين حتى قبل وفاة مينو، والسبب هو سمعة المكان الذي استمر في العمل لعقود، وهو ما يمثل عامل أمان للعملاء، والسبب الآخر والأهم، هو المرأة التي ظلت تعمل في الوكالة في الظل لأكثر من عشرين عامًا، وهي رافيليا بيمنتا.

كانت بيمنتا شريكًا في الوكالة، شاركت في المراحل الرئيسية في كل صفقة لعملائها، كانت هي الشخص الذي يجري الأعمال الورقية بمتهى الدقة، وكانت أيضًا قريبة من اللاعبين وعائلاتهم وتشارك في صنع القرار لهم. وهي أيضًا نائبة الرئيس التنفيذي لمنتدى كرة القدم التي كان رايولا رئيسًا له، بينما كان «خورخي مينديز» نائب الرئيس، وهي حركة من الوكلاء واللاعبين الذين بدا أنهم يتصدون لمحاولات الفيفا للحد من رسوم وكلاء اللاعبين.

نجح رايولا وبيمينتا في صنع علامة تجارية ناجحة في عالم وكلاء اللاعبين، كما كانا شريكين مثاليين، فكان رايولا شخصًا محبًا للأضواء، يسعى أن يكون على الصفحات الأولى لصحف كرة القدم، بينما فضلت البرازيلية البقاء دائمًا في الظل. في الوقت نفسه، كانت رافايليا هي الشخص الذي قاد المفاوضات الصارمة مع أندية كرة القدم، والذي جلب الشهرة إلى وكالة رايولا.

أشارت صحيفة «The Athletic»، نقلاً عن رئيس نادٍ في الدوري الإنجليزي الممتاز لم يذكر اسمه، إلى أن بيمنتا ليست فقط «الشخص الأكثر أهمية في كرة القدم بين أولئك الذين لا يعرف أحد شيئًا عنهم»، ولكنها أيضًا بشكل لا لبس فيه «أقوى مفاوض على الإطلاق في عالم كرة القدم» وأشار أيضًا أنه عندما تجلس رافيليا على طاولة المفاوضات، تترك أنوثتها تمامًا، وتصير محامية محنكة، تعمل حتى النهاية على أكثر تفاصيل العقد التي تبدو تافهة.

كما صرحت مديرة رياضية أوروبية لصحيفة «The Athletic» عن رافيليا بأنها كانت دائمًا الشريك المثالي لمينو، وأن معرفتها بكيفية إجراء العمليات القانونية كانت غير مسبوقة، وكانت على دراية بكل جانب قانوني أو غير قانوني من جوانب عملائها.

مات في القرية ساحر

منذ وفاة رايولا، ظهر اسم رافيليا في كثير من الأحيان في التقارير الإعلامية في إيطاليا، حيث وُصفت بأنها الوريثة، وجدت بيمنتا نفسها أمام مسؤوليات ضخمة، وأمور مُعلَقة كان من المفترض أن يُتمها رايولا، لكنها أتمت ذلك بنجاح منقطع النظير، لتُثبت حقيقة أنها ستكون قادرة على أن تُصبح الوكيل الخارق الجديد لكرة القدم العالمية، وهو ما تجلى في الصفقات الأخيرة التي أُبرمت من خلال الوساطة المباشرة لرافيليا.

كانت بيمنتا هي الشخص الذي تفاوض على التفاصيل الدقيقة لانتقال النرويجي «هالاند » البالغ 51.2 مليون جنيه إسترليني إلى «مانشستر سيتي»، فمع تدهور صحة رايولا في مطلع العام، أصبحت بيمنتا نقطة الاتصال مع المديرين التنفيذيين في المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بصفقة هالاند، وحضرت اجتماعات أساسية لإبرام الصفقة.

كما كانت جهة الاتصال الرئيسية لـ «بوجبا» حيث يسعون لإنهاء الانتقال المجاني لـ «يوفنتوس» بعد انتهاء عقده مع «مانشستر يونايتد». وفي الأسابيع الأخيرة أيضًا، أشرفت على انتقال اثنين من لاعبي أياكس إلى بايرن ميونيخ، وهما المغربي نصير مزراوي، ولاعب خط الوسط الهولندي «جرافينبيرش» البالغ من العمر 20 عامًا.

العمة «رافا» التي جعلت من «بوجبا» «بيكهام» جديد

لا شك أن الفرنسي «بول بوجبا» هو أحد أهم لاعبي كرة القدم حول العالم، لكن وبالنظر إلى مسيرة اللاعب في المجمل، نجد أنه لم يحقق ما يتناسب مع حجم هذه الموهبة التي يحملها، لكنه على النقيض علامة تجارية ناجحة، وأغلى لاعبي العالم حتى عام 2017، ومن أكثرهم جدلاً بسبب قصات شعره الغريبة.

يرجع هذا النجاح التجاري لبوجبا بشكل رئيسي لوكيله مينو رايولا، وبالتبعية إلى رافيليا بيمنتا، فلو نجح بوجبا في إثبات شيء طوال مسيرته حتى الآن، فهو برهنته على نجاح رافيليا بكل تأكيد.

كانت بيمنتا هي المحرك الرئيسي للاعب الفرنسي، يمكنك التأكد من ذلك من خلال الوثائقي الذي طرحه بوجبا الشهر الماضي، والذي يُظهر بيمنتا كجزء أساسي من قرارات بوجبا الإستراتيجية.

يصف بوجبا بيمنتا في فيلمه بأنها «أمه الثانية»، بينما تبدو أحيانًا كمُعلم له أكثر من كونها وكيلة أعمال، تقول بيمنتا عن بوجبا:

بوجبا شيء بنيناه، إنها علامة تجارية لديها رموز تعبيرية، بها أكواب، لديه عروض، لديه قصات شعر ونأمل أن نرفه عن الناس بذلك .

يوضح الفيلم الوثائقي أيضًا، مدى أهمية بيمنتا في مسيرة بوجبا المهنية، تُظهر إحدى الحلقات مكالمة ثلاثية في العام الماضي بين بوجبا و ريولا و بيمنتا حيث تسأل اللاعب عما سيجلب له السعادة حقًا ويتحدث عن الحاجة إلى الشعور بالمشاركة والاستثمار في مشروع ما، وبالطبع يؤمن على كل ما تقوله بيمنتا له.

عودة إلى الظل من جديد؟

من المُتَوقع أنه ستستمر بيمنتا في إدارة الوكالة مع نجلي مينو. فمن الواضح أن البرازيلية لا تلتفت مطلقًا إلى العلاقات العامة والدعاية، كما من الممكن أن تعود كما كانت من قبل في الظل، وسيظهر ماريو رايولا وشقيقه غابرييل في المقدمة، لكنهم يحتاجون في السنوات القادمة أن يتعلموا العديد من الحيل والدقة التي استخدمها والدهم مينو.

ومن الواضح أيضًا أن بيمنتا ستتولى معظم المسؤولية، وستساعد العمة رافا بالتأكيد ورثة رايولا على تحقيق أكبر قدر ممكن من النجاح في العمل، الذي كرست فيه ما يقرب من عقدين من حياتها.

نهايةً، هل تتذكر قصة كيفن دي بروين التي طرحناها في البداية؟ يبدو أن لك سؤالاً وجيهًا لم نجاوب عليه بعد، وهو، هل حقًا يحتاج اللاعبون لوكلاء؟ سنجاوب عليه بالتأكيد، لكنه موضوع آخر ليوم آخر قريب.