تعد الدراما التلفزيونية أحد أهم المضامين التي تُقدَّم عبر التلفزيون، وذلك بسبب ضخامة الجمهور الذي تستهدفه وتنوع فئاته الاجتماعية والعمرية، كما أنها تقوم على الترفيه، وتهدف إلى التسلية والإمتاع، مما يجعلها مادة مُحبَّبة للجمهور ينتظر عرضها ويتفاعل مع أحداثها، كما أصبحت القضايا التي تقدمها مادة خصبة للنقاش بين أفراد الجمهور.

ولذلك تحظى الدراما بنسب مشاهدة مرتفعة باعتبارها مادة رئيسة في القنوات المتخصصة والعامة، وتمثل مصدراً أساسياً لدخل القنوات لكونها مادة جاذبة للجمهور، وبالتالي للمعلنين، فنجد مثلاً تكلفة الإعلان في شهر رمضان تفوق بقية العام بسبب الإنتاج والعرض الحصري للأعمال الدرامية خلال شهر رمضان وشكل (1) يوضح ذلك.

تكلفة 30 ثانية إعلان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تكلفة 30 ثانية إعلان (بـ الألف دولار أمريكي) في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبسبب هذه التكلفة المرتفعة للإعلانات نلاحظ ضخامة الإنتاج الدرامي في شهر رمضان بخاصة، وعلى الرغم من أن نسبة المسلسلات الصعيدية تعد ضعيفة مقارنة ببقية المسلسلات المصرية المعروضة في شهر رمضان، فإن استطلاعات الرأي التي أُجريت على دراما شهر رمضان توضح أن دراما الصعيد تحظى باهتمام ومشاهدة أكبر من بقية الأعمال.

نجد مثلاً أن أفضل ممثل لعام 2014 كان من نصيب الفنان «محمد رمضان» بنسبة 22% عن مسلسل «ابن حلال»، وهو مسلسل صعيدي مقارنة بكل من «عادل إمام وأحمد السقا» نسبة 12% لكل منهما. وفيما يخص نسب المشاهدة نجد أن مسلسل «نسر الصعيد» حقق ما يزيد على 195 مليون مشاهدة خلال شهر رمضان 2018 عبر موقع «يوتيوب» مقارنة بمسلسل «عوالم خفية» الذي بلغ 60 مليون مشاهدة، وهذا بالطبع يدل على شعبية الدراما الصعيدية.

ومما يزيد أهمية دراسة الدراما أن تأثيرها لا ينتهي بانتهاء المشاهدة، فشهرة المسلسلات تقوم على تقييم وتعليق الأفراد عليها، وانتشار مثل هذه المناقشات عن العمل يغير إدراك ووجهات نظر الأفراد حول القضايا التي تطرحها تلك المسلسلات. [1]

لذا فالدراما قادرة على تغيير نمط حياة الجمهور، بل تتجاوز ذلك وصولاً لقبول وتبني الثقافة التي تقدمها [2]، ومشاهدتها تؤدي بالفرد للشعور بالعزلة، وعدم السيطرة على الذات Out-of-control، والتناقض والتطرف Extremis، والشعور بالحدة Intensity، والازدراء والاستخفاف Disesteem، والتبلد Numbness، ومثل هذه التأثيرات ترجع إلى أن الدراما تجعل الموقف يبدو أكبر مما هو عليه في الواقع، وتقوم على الإفراط Over-characterizing في وصف الموقف. [3]

هذا الإفراط الذي تمارسه الدراما وبالأخص الدراما الصعيدية يجعلها تقدم صورة سلبية للصعيد مغايرة تماماً للواقع، حيث الأمية والجهل، والمهن غير الأخلاقية التي تتمثل في الاتجار في الآثار والمخدرات والسلاح [4]. بل إن مشاهدة مثل هذه الأعمال الدرامية تجعل المشاهد يقارن بين الواقع الذي يعيشه وما يشاهده، وهذا له أثر سلبي على درجة رضا هؤلاء الأشخاص عن حياتهم، فالدراسات تؤكد أن من يشاهدون التلفزيون أقل من نصف ساعة يومياً يرضون عن حياتهم أكثر من أولئك الذين يقضون ساعات أكثر أمام التلفزيون. [5]

كما أن انتشار الصور الدرامية في التلفزيون والوسائل الأخرى تؤدي لإدراك المراهق أن مثل هذه الصور قياسية ويمكن تحقيقها والوصول إليها، وتبين للكاتب من خلال تحليل مجموعة الأعمال الدرامية التي تناولت الصعيد وعددها أربعة أعمال: (نسر الصعيد، وسلسال الدم، وابن حلال، وطايع) أنها تعرض مجموعة من القضايا الرئيسة، وهي:

1. تجارة الآثار

ظهرت جلياً في مسلسل «طايع»، حيث تم تناول- وبمبالغة شديدة- كيف تقوم بعض النماذج الفاسدة من الدولة بحماية تُجّار الآثار والتستر عليهم بل ومشاركتهم، كما قدّم المسلسل نموذجاً ضعيفاً لضابط الشرطة الذي لا يستطيع حماية نفسه، فكيف يحمي الآخرين من أفراد المجتمع.

وأيضاً في مسلسل «سلسال الدم» تم التركيز على غياب دور الشرطة بنسبة 90% من مشاهد المسلسل، والتركيز على حياة الخارجين على القانون بنسبة 50% من حلقات العمل (وهذه المعالجة لقضايا حساسة مثل تجارة الآثار، ومعالجة دور وواجب الشرطة في تطبيق القانون غير مقبولة حتى إن حققت هذه الأعمال نسب مشاهدة عالية بين أفراد العينة) مما يجعلنا أمام كارثة، حيث يحضر موضوع تجارة الآثار الذي يبدو أنها أصبحت التجارة الأكثر رواجاً في السنوات الأخيرة في الصعيد.

وتناول تجارة الآثار يأتي في سياق غير منطقي وفق أحداث لا يمكن حدوثها على أرض الواقع، فتاجر الآثار «حربي» في مسلسل «طايع» يجلب بعثة أجنبية للتنقيب عن الآثار، ويُفترض أن الحكومة والشرطة لا تعرف شيئاً عن هذه البعثة، رغم أنه يقيم مخيماً كبيراً لهذا الغرض.

2. صراع عائلات الصعيد

خلال 26 حلقة في مسلسل «نسر الصعيد» يظهر تنافس عائلات الصعيد على السيطرة وفرض الهيمنة بكل الطرق منها ما هو مشروع (مثل استناد عائلة «زين القناوي» للدوار الصعيدي وأن عائلتهم هي أصل قنا) ومنها ما هو غير مشروع (مثل عائلة «هتلر» والتي تستخدم تجارة الآثار وتلفيق التهم واغتصاب أراضي أهل قنا).

مسلسل «سلسال الدم» يركز أيضاً بشكل جلي على صراع العائلات والبرلمان ومنصب عمدة البلد طوال مجمل حلقاته، وبطرق غير مشروعة كالسلب والنهب والاختطاف والإخفاء القسري والحرق وتدمير المنازل وغيرها من مظاهر وأشكال العنف غير المبرر.

3. الثأر

من المسلسلات التي عالجت موضوع الثأر في الصعيد بشكل أبعد ما يكون عن المنطق الصعيدي مسلسل «طايع»، الذي تطرق إلى قضية لا يمكن أن يقبل بها المجتمع الصعيدي، وهي أن يأخذ بالثأر من سيدات وأن تشارك السيدات في أخذ الثأر بنفسها، وخروج الفتاة عن عادات وتقاليد المجتمع الصعيدي وعصيان الوالد بنسبة 70% من إجمالي حلقات المسلسل، والتحريض على القتل والدم وإشراك المراهقين في أخذ الثأر بنسبة 40% من حلقات المسلسل.

4. الفقر

مظاهر الفقر عُرضت بنسبة 100% من مجمل مشاهد وحلقات مسلسل «ابن حلال»، وتم استخدام الفقر دافعاً للانحراف والأعمال غير المشروعة بنسبة 60% من إجمالي الأحداث، كالعمل في الدعارة والانخراط في شرب الخمر والملاهي بنسبة 40% من إجمالي الأحداث، والذي يعتبر معالجة منافية لعادات وتقاليد المجتمع الصعيدي.

5. الإرهاب

تطرقت مسلسلات مثل (نسر الصعيد، وسلسال الدم) لموضوع الإرهاب والجماعات الدينية المتطرفة، ففي العمل الأول «نسر الصعيد» تم تقديم أحد شخصيات المسلسل الصعيدية وهو يكافح ضد الإرهاب في سيناء وذلك على مدار أربع حلقات من إجمالي ثلاثين حلقة، أمّا مسلسل «سلسال الدم» فقد عرض الجماعات الدينية وتطرق لموضوع الثورات وكيف استغل الخارجون عن القانون في الصعيد هذه الجماعات في الهروب من العدالة.

6. الغلبة للأمية

غلبت فئة الأمية (لا يقرأ ولا يكتب) على الشخصيات الرئيسة في دراما الصعيد (في المسلسلات محل النظر في هذا المقال) بنسبة (31.2%)، تلتها فئة المؤهل العالي بنسبة (29.5%)، ثم فئة المؤهلات المتوسطة والعادية بنسبة (22.1%)، وفي هذا دلالة واضحة على رغبة القائمين على دراما الصعيد في إرساء صورة يغلب عليها الجهل بعض الشيء لكي تتسق القضايا التي تقدمها هذه المسلسلات مع المستوى التعليمي للشخصيات أبطال لهذه الأعمال.

الدراما تسلط الضوء على فئة غير المتعلمين وتُعلي من شأنهم من حيث السطوة والنفوذ والثراء، وعلى الرغم من أن أعمال الدراما الصعيدية قد سلّطت الضوء على المؤهلات العليا فإنها قدمتها بشكل سلبي، فعندما ننظر إلى شخصية (طايع) في مسلسل «طايع» فإنه طبيب ولكنه طوال أحداث المسلسل لم يمارس مهنة الطب بخلاف مشهد أو مشهدين، ونجده في بقية المشاهد يتاجر بالآثار ويعمل مع عصابات التهريب، مما يحط من قيمة التعليم أمام الأعمال غير المشروعة.

7. مستويات المعيشة

تناولت الأعمال الدرامية مجتمع الصعيد من حيث الأماكن الطبيعية، والطبيعة الجبلية والزراعية، والتنوع في مستوى المعيشة الذي عكسته في ثلاثة مستويات اقتصادية؛ المستوى الأول: يمثل مستوى اقتصادياً مرتفعاً والذي بلغت نسبته 38.8% من مجموع حلقات الدراما الصعيدية التي يركز عليها المقال (120 حلقة لأربعة مسلسلات صعيدية) حيث يسكن كبار العائلات وأصحاب الأنشطة غير المشروعة في القصور والفيلات، حيث الخدم والحراسة وعديد من مظاهر الترف، فالنسبة الغالبة من الشخصيات الدرامية تنتمي للمستوي الاقتصادي المرتفع، وهذه النتيجة تعكس رغبة كُتَّاب دراما الصعيد في إبراز شخصيات المستوى الاقتصادي المرتفع لما فيها من عوامل الجذب للجمهور، ويغض الطرف عما تسببه هذه المشاهد من خيبة أمل وقلة حيلة المشاهد حيال هذه الفجوة الكبيرة بين الدراما والواقع الذي يعيشه.

8. المهن غير المشروعة

تصدرت المهن غير المشروعة قائمة المهن الخاصة بالشخصيات الرئيسة بالدراما الصعيدية وبنسبة مرتفعة بلغت 68.8%، حيث امتهنت غالبية الشخصيات الاتجار بالآثار والأسلحة والمخدرات وأعمال السلب والنهب والبلطجة والخروج عن القانون ومقاومة السلطات، مما يوضح النظرة السلبية لمجتمع الصعيد في تلك الدراما، مما قد يكون سبباً مهماً يجب الانتباه له في تناقض إدراك الذات وانخفاض مستوى الرضا عن الحياة لدى بعض الفئات.

المراجع
  1. Curran, J., Smith, A., & Wingate, P. (Eds.). (2013). Impacts and influences: Media power in the twentieth century. Routledge.
  2. Aljammazi, D., & Asil, D. (2017). The Influence of Turkısh TV Dramas on Saudi Consumers’ Perceptıons, Attıtudes and Purchase Intentions toward Turkish Products. International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences, 7(1), 206-224.
  3. Lyons, A. (2017). Addiction to drama (Order No. 10601996). Available from ProQuest Dissertations & Theses Global.
  4. فاطمة الزهراء صالح. (2017). اتجاهات الجمهور نحو الصورة الإعلامية لمجتمع الصعيد في الدراما المصرية. المجلة المصرية لبحوث الإعلام، كلية الإعلام- جامعة القاهرة ع (61)، 433- 472
  5. Faghih, N. (2019). Globalization and Development: Economic and Socio-Cultural Perspectives from Emerging Markets (p. 393). Springer.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.