جزء هام من استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بفكرة توثيق مشاهد السخرية.هناك العديد من الصور التي تثير السخرية من فكرة ما وتتخذ شكل النمط الثابت. تستطيع أن تغير آلاف الصور في نفس القالب والنتيجة تظل مضحكة. أحد أهم تلك القوالب هو قالب «التوقع في مواجهة الواقع – Expectations vs reality»يستخدم هذا النمط دومًا فكرة استغلال الحالة الرومانسية للفرد أثناء تخمين أو توقع ما ينتظره في المستقبل، ثم مقارنة ذلك الوضع الحالم بالواقع التعس الذي حدث بعد ذلك؛ كتخيل الزواج مثلًا في صورة سيدة جميلة لا ترتدي سوى قميص رجالي يفترض أنه لزوجها مبتسمة في سعادة بينما تحتوي صورة الواقع على زوج يحمل في يديه العشرات من الأكياس التي تحتوي على حاجيات البيت وبجواره زوجة يبدو على وجهها البؤس والتعب.هذا النمط تحديدًا يثير السخرية من فكرة التضاد الفج، والذي يكون بسبب المبالغة في حلاوة التوقع والمبالغة في بؤس الواقع. أما إذا كان هذا التضاد حقيقيًا بالفعل فلن يكون الأمر مضحكًا على الإطلاق.تخيل نفسك أن توقعك الشخصي للزواج كان بالفعل تلك السيدة الجميلة التي ترتدي فقط قميصك ثم بعد أن تزوجت لم تجد سوى بؤس وتعب وإرهاق فقط. لن يكون الأمر مثيرًا للضحك والسخرية بالطبع بل سيصبح الأمر بالغ الأسى والحزن. وللأسف ذلك ما حدث للجماهير المصرية في تعاملها مع اللاعب «رمضان صبحي».


الجزء الأول: التوقعات الحالمة

في السادس من فبراير/شباط عام 2014 شارك الناشئ رمضان صبحي ذو الـ 16 ربيعًا في مباراته الأولى بقميص النادي الأهلي ضد فريق غزل المحلة لمدة 28 دقيقة. كان الأمر واضحًا، هذا المراهق يملك جرأة غير معهودة ولمسة تبدو عليها المهارة كما أنه لا يبدو من الناحية الجسمانية في السادسة عشر فقط.في الثامن عشر من فبراير/شباط 2016 أحرز رمضان صبحي هدف التعادل لفريقه أمام نفس الفريق قبل انتهاء المباراة بدقيقتين. خلال عامين فقط أصبح رمضان عنصرًا أساسيًا في النادي الأهلي بل ومنقذ الفريق والعامل الأساسي للفوز في بعض المباريات. أصبح مشهد رمضان وهو يلكم صدره بقبضة يده بعصبية محمودة بعد إحرازه لهدف أو صنع آخر، مشهدًا مكررًا ومستساغًا بل ومحببًا أيضًا.خلال عامين فقط أصبح رمضان حديث الجماهير في مصر فيما يتعلق بفكرة المستقبل. مراوغات مهينة للمدافعين وأهداف مؤثرة وإن كانت قليلة نسبيًا، أداء يتسم بالقتالية للثواني الأخيرة ووعي تكتيكي جيد لدوره داخل الملعب. أدوار مختلفة لعبها الشاب بمستويات متقاربة من جناح أيسر لجناح أيمن لخط وسط. على الصعيد الدولي، فاللاعب أصبح ركيزة أساسية ضمن 15 لاعبًا هم القوام الأساسي لمنتخب مصر الأول، خاصة مشاركته بشكل أساسي في تأهل مصر لأمم أفريقيا بعد غياب طويل، سواء في صنع الهدف في «لاجوس-نيجيريا» أو إحرازه في القاهرة، ثم والأهم من كل ذلك أنه كان في الثامنة عشر فقط.لم يكن الإعجاب جماهيريًا فحسب، فالإعلام ومشاهير المحللين والمحترفين السابقين أجمعوا على أننا نشاهد ظاهرة ما. كان الحديث يدور حول حتمية احتراف رمضان. وعن كونه قادرًا على اللعب لأندية القمة في أوروبا، فتلك الظاهرة لا تحتاج أن تتدرج في أندية الوسط حتى تنضج، تلك ثمرة ناضجة ترسل للخارج قبل أن تتعفن هنا في ذلك الهواء العطن. كان الحديث يكثر ويتعاظم حول أن استمرار رمضان في مصر أصبح غير مقبول وسيعطله كثيرًا. استطاع وكيل رمضان أن يجلب له عرضًا من نادي ستوك الإنجليزي وضغط اللاعب على إدارة الفريق ليرحل فهو من المؤكد شعر بحتمية رحيله كما شعر بها الجميع. رحل الشاب مباشرة من الدوري المصري للدوري الإنجليزي.هل كان التوقع بمستقبله رغم جودة المعطيات توقعًا حالمًا ورومانسيًا وساذجًا؟ للإجابة عن هذا السؤال لن ننتقل للواقع بشكل مباشر بل سننتقل للحديث عن ما أغفلناه ونحن نتوقع.


تتمة الجزء الأول: ما لم نراعه أثناء التوقعات

إذا قررت أن تشاهد مباراة محلية بعد مشاهدتك لمباراة أوروبية ستشعر أنك تشاهد فجأة مباراة بالتصوير البطيء. عامل السرعة تحديدًا، بالأخص سرعة الإيقاع الكارثي في مصر والدوريات العربية، يبقى السؤال هنا: ماذا يحتاجه كلاعب يشغل مركز الجناح وهو ما يضعه كعنصر أساسي في تسريع الإيقاع لكي يجاري السرعة الجديدة من حوله؟الإجابة بشكل مباشر هو أن يشارك في المباريات بشكل مستمر، ولا يهم أبدًا الفريق الذي يشارك فيه. ستوك سيتي فريق متوسط ولكنه يلعب في الدوري الإنجليزي، حيث تتنافس 6 فرق في بطولة واحدة بجانب 14 فريقًا متوسطًا. كان الوضع المثالي لرمضان هو فريق صاحب ضغوط أقل يضمن له مشاركات أكثر، وهو ما فعله زميله السابق «تريزيجيه» بعد أن قرر الانتقال للدوري التركي من الدوري البلجيكي لمحاولة ضمان المشاركة.الحديث عن الأخير يجعلنا ننتقل للعنصر الثاني.اللاعب المهاري الذي يخرج من الأهلي نحو الاحتراف يكون في مأزق. تلك حقيقة أظهرها تريزيجيه وأكدها رمضان صبحي من بعده. كان يجب أن نتوقع أن الراحل الجديد سيواجه مأزقًا، مأزق إعادة اكتشاف نفسه كلاعب كرة قدم جيد يحاول أن يثبت نفسه، وليس «رمضونا» الذي يعرفه الجميع، وهو ما يستلزم -للأمانة- مجهودًا نفسيًا كبير، كنا حالمين إذن واصطدمنا بواقع مرير للأسف.


الجزء الثاني: الواقع الصعب

بدأ رمضان موسمه مع ستوك بالشكل الذي عهدناه به، مراوغ جيد، مجهود وافر وقوة جسمانية تليق بالدوري الإنجليزي. حتى أن زميله بالفريق «جون والترز»أثنى على أدائه بعد مباراة أمام ميدلسبره قائلًا: «لقد أرسل رمضونا بعض مدافعي البورو إلى موطنهم».كانت الجماهير في مصر تترقب أيضًا هذا الأداء منتظرة أن ينفجر بطلهم الشاب، إنه ما زال يراوغ كما أنه لا زال يخلق فرصًا للتهديف، ربما فقط يحتاج لدقائق أكثر. إلا أن النتائج وتأزم موقف ستوك لم يمهله الاستمرارية في المباريات. لم يمنحه «مارك هيوز»، مدرب الفريق، دقائق أكثر وبدا أن تلك المحطة لن تشهد لمعانه. إن الواقع كان ينبهنا أننا ربما توقعنا لم يكن محسوبًا بدقة. انتهى الموسم وكان الجميع قد تيقن أن رمضان لن يلمع مع ستوك.أصر على أن يواصل رحلة احترافه مع نفس الفريق بالرغم من عدم تغيير الوضع. ستوك سيتي أصبح أسوء وطريقة اللعب بدأت تتجه نحو التمحور حول «شاكيري» وأحيانًا «خيسي» و«ألين»، إلا أن النتائج تسوء ومشاركات رمضان تقل، أصبحت لدقائق أقل وأداء رمضان نفسه أصبح يسوء، مراوغاته في غير محلها وقراراته مترددة. تأكد الجميع أن ذلك اليافع يتعرض لضغوط كبيرة بعد أن خلع قميص الفريق لإحراز هدف والمرمى خالٍ تمامًا، بعد أن كان يراوغ أربعة لاعبين ويحرز الهدف بوجه مبتسم هادئ.بدأ الواقع في الظهور بوجه قاسٍ بعد أن هبط ستوك سيتي إلى الدرجة الأدنى من الدوري الإنجليزي. بدأت النبرة تتغير، «أبو تريكة» يوجه النصيحة خلال الأستوديو التحليلي بضرورة عودته لمصر. موضحًا أن الشامبيونشيب برفقة ستوك سيكون جحيمًا لرمضان وشخصيته لن تتقبل ذلك. لكن عليه أن يقدم أداءً جيدًا في كأس عالم، لربما قُدمت له عروض من فرق أخرى، فيأتي عرض آخر يراه الجميع كطوق نجاة. فريق هدرسفيلد الذي يلعب في الدرجة الأولى ينهي تعاقده مع رمضان قبل بداية المونديال بأيام.ربما قلت دوافع رمضان فقدم بطولة سيئة للغاية، وربما ما حدث كان أسوء، لقد بدأ في مرحلة فقدان مهاراته الأساسية بمرور الوقت. نسخة رمضان-ستوك الباهتة- أصبحت هي النسخة العادية التي يقدمها دائمًا، أُصيب الجميع بالذهول: إن الواقع أطل بوجه مرعب للجميع لكن ما يبدو مخيفًا أكثر أنه لا أحد فكر فيما هو قادم.


الجزء الثالث: فشل في الطريق ومخرج وحيد

لا أحد يتعلم من الماضي كما يبدو، لم يفكر رمضان في الفريق الذي سينتقل إليه ومدى ملاءمته لإمكانياته، ربما شعر أن وجوده في الــ«بريمييرليج»، والذي كان مهددًا بهبوط ستوك سيتي، هو الغاية من الحياة. انتقل إلى هدرسفيلد ولم يبدأ أساسيًا أيضًا، ثم تعرض لإصابة طويلة ويبدو أنه أقرب إلى الظهور في المباريات القادمة.ولكن ماذا سيقدم فريقه الجديد له من الأساس؟ وماذا يستطيع أن يقدمه هو نفسه لهم؟ لا شيء إطلاقًا، نسخة أخرى من ستوك سيتي وفشل جديد تبدو ملامحه في الطريق. يبقى هنا السؤال الأخير: ما العمل؟المشهد الأيقونة لرمضان هو مشهد وقوفه على الكرة في مباراة الزمالك، إذا كان احتاج لثلاث سنوات من عمره ليمحو هذا المشهد فلا قلق على الإطلاق. كان يجب أن يمحو هذا المشهد من ذاكرته شخصيًا، وعودته للأهلي لن تمحو ذلك بل ستستدعيه ببساطة، خاصة أن فريقه القديم في احتياج شديد له، إنما يحتاج هو أن يشارك في فريق يستعيد معه كرة القدم التي يعرفها جيدًا.لا يهم أبدًا الدوري الذي سيلعب له ولا يهم إطلاقًا مدى ملاءمة هذا الدوري لطموح مشجعي رمضان من مصر، كل ما يهم أن يبدأ في التطور. موسمان أو ثلاثة أو حتى أكثر وسيلمع، سيلمع لمعانًا يليق بأوروبا وسينتقل بعد ذلك لفرق أكبر وستصبح كل ذكريات ستوك وهدرسفيلد والوقوف على الكرة وبانينكا مباراة بوركينا فاسو شيئًا من فترات المراهقة الكروية.