منذ فترة طويلة يُعتبر كل من برشلونة وريال مدريد من الأندية الكروية الرائدة في العالم سواءً على المستوى الرياضي أو في الجانب الاقتصادي. فكلاهما حقق كل الألقاب الممكنة التي أوصلتهما لقمة الهرم الكروي، فهما الناديان اللذان لا يرغب أحد بمواجهتهما، ولكن الجميع يحلم ويريد تمثيلهما. وعند الحديث عنهما، يمكننا ذكر الكثير من الأمور الإيجابية سواء من حيث القدرة المالية المهولة أو في الأداء الرياضي المميز، لكن نادرًا ما يتم التطرق إلى الجانب المظلم لكلا الناديين، وكيف استفاد طرفا الكلاسيكو من القوانين واللوائح الموضوعة من قبل الحكومة الإسبانية واتحاد كرة القدم للوصول إلى المكانة الحالية، بعضهم يتهم الحكومة بمراعاتها ودعمهما، والبعض الآخر يدافع عن أحقيتهما بهذا الاهتمام، فما هو الرأي الصائب وهل هذه الآراء مجرد ادعاءات لا أساس لها؟


الشعب يريد تغيير النظام

لا يوجد شك بأن الدوري الإسباني أحد أفضل الدوريات في كرة القدم بجانب الدوري الإنجليزي، ويعود ذلك إلى وجود مجموعة من أفضل اللاعبين في أنديته، وأيضًا بسبب السيطرة الواضحة على الألقاب القارية والعالمية، لكن رغم ذلك هناك بعض الأسباب التي تعيق وصول الدوري إلى القمة وحسم الأفضلية المطلقة. وربما أبرز الانتقادات التي تواجه الليجا هي غياب التنافسية وانحصار الصراع بين فريقين فقط، ولهذا يطلق عل الدوري بلغة وسائل التواصل الاجتماعي أنه دوري «توم و جيري»، أو كما يسمى إصطلاحًا بـ« two horse race» لأنهما المرشحان الأبرز أو الوحيدين لحصد اللقب دائمًا ولا يوجد فرصة للفرق الأخرى بالفوز.

الكثير من المتابعين يستغربون الفوارق الموجودة بين أندية الدوري الأسباني على صعيد جدول الترتيب، في السابق كنا نرى منافسة محتدة بين طرفي الكلاسيكو من جهة وفالنسيا وديبورتيفو من جهة أخرى. وهذا الأمر غاب منذ عام 2007، فما السبب الذي أدى إلى نشوء هذا الصراع الثنائي واختفاء باقي أندية الليجا عن الواجهة الكروية في إسبانيا؟ ولماذا يوجد في إسبانيا توم وجيري ولا يوجد الأربعة الكبار كما في إنجلترا؟ وما هو الجانب المظلم لطرفي الكلاسيكو؟


ماذا حدث ؟

في عام 2005 تفاوض الريال وبرشلونة مع شركة «ميديا برو» على تسويق حقوق نقل مبارياتهم بشكل منفرد وليس بشكل جماعي كما الحال في النظام المتبع في الدوري الإنجليزي منذ عام 1992. هذه الخطوة أتت بمباركة الاتحاد الإسباني الذي لم يعارض هذا التوجه، وتم الإتفاق على التوزيع الجديد ابتداءً من موسم 2006-2007 بعقدٍ يمتد لـ3 مواسم قابلة للتجديد لمدة 4 مواسم إضافية، ويحصل بموجبه كل من برشلونة والريال على مبلغ 150 مليون يورو سنويًا، أي ما يقارب 1.1 مليار يورو خلال 7 مواسم لكل فريق. عملاقا الليجا اقتطعا الحصة الأكبر من الكعكة وحصلا على إيرادات ضخمة، بينما لم تحصل باقي الأندية سوى على الفتات. جميع الأندية الـ18 تقاسموا نصف الكعكة، أما برشلونة والريال اقتسما نصف الكعكة الآخر مما سمح لهما بالسيطرة المطلقة على لقب الليجا بسبب التفوق المالي الهائل. لأن بيع الحقوق تم بشكل فردي أصبحت عوائد النقل التلفزيوني تُوزَع بحسب شهرة الأندية فقط.

توزيع العوائد التليفزيونية في أسبانيا ومقانتها بالدوريات الأخرى
توزيع العوائد التليفزيونية في أسبانيا ومقانتها بالدوريات الأخرى

على عكس البريمرليج، لا يوجد في الليجا حصة ثابتة يتم توزيعها بشكل متساوٍ، ولا يوجد جوائز ترتيبية للمراكز المحققة، أي أن الريال سيحصل على 150 مليون يورو بغض النظر عن مركزه سواء كان في مقدمة الترتيب أو في مؤخرته، والحال نفسه بالنسبة لبرشلونة. يليهما فالنسيا وأتلتيكو مدريد بـ37 مليون يورو تم رفعها خلال السنين إلى 42 مليون، وأقل الأندية ستحصل على 12 مليون يورو فقط. على سبيل المثال، ملقا يتحصل على 12 مليون يورو سنويًا، حتى في حال تحقيقه لقب الدوري سيحصل على 12 مليونا ذاتها بدون أي زيادة، وهذا الأمر أدى إلى فشل المشروع الاستثماري لأحد رجال الأعمال الخليجيين بسبب شح العوائد المالية.

عوائد النقل للأندية الكبرى
عوائد النقل للأندية الكبرى

الدجاجة التي لا تبيض إلا ذهبًا!

نتيجة لاتساع الفجوة المالية والفنية خلال فترة قصيرة، كان الريال وبرشلونة يسحقان المنافسين بسهولة وبنتائج عريضة، ووصل الأمر إلى التباري بين الناديين من أجل الوصول إلى 100 نقطة. ويعتبر البعض أن قطبي الكلاسيكو قاما ببناء سمعتهما العالمية في الفترة القريبة الماضية على حساب الأندية الأخرى والدوريات الأخرى، فالعقود السابقة للبريمرليج ضمنت عوائد مالية أقل للأندية الإنجليزية مقارنة ببرشلونة والريال، وإذا ما أردنا الحديث عن المدة الزمنية الممتدة من 2007، فنحن نتحدث عن مئات الملايين.

مع مرور الوقت أصبحت مسألة الإيرادات التلفزيونية بمثابة قضية جوهرية وأساسية للأندية الاسبانية، فازدادت الاعتراضات والإضرابات المطالبة بتوزيع أكثر عدلًا وإنصافًا، وكان النقاش يدور حول كيفية إصلاح النظام، فالأندية تحاول زيادة غلتها وبالمقابل قطبا الكلاسيكو متخوفان من قتل الدجاجة التي تبيض لهما ذهبًا، لأن أي انخفاض في الإيرادات يمكن أن يقوض القدرة المالية للناديين وبالتالي إزاحتهما عن القمة.

حتى في موضوع البث ومواعيد المباريات كان الطرفان يحظيان بالتسهيلات، وأبرز الأمثلة على ذلك اعتراض جماهير إشبيلية بسبب تأخير بث مباراتهم أمام ليفانتي نصف ساعة كاملة وذلك من أجل تغطية القنوات للمؤتمر الصحفي لمورينيو وجوارديولا بعد نهاية الكلاسيكو، جماهير إشبيلية رمت المئات من كرات التنس إلى أرض الملعب بعد انطلاق صافرة الحكم، ورفعوا لافتة تقول: «أوقفوا المباراة، مورينيو مازال يتحدث».

بعد سنوات عديدة من الاعتراضات والإضرابات والكثير من الجدل، أتت البشرى السارة لأندية الليجا، حيث توصل الجميع إلى اتفاق يتم فيه بيع الحقوق بشكل جماعي، وتم اعتماد آلية جديدة بدأ تنفيذها منذ بداية الموسم الحالي، لكن هذا التوزيع جاء بشرط واحد يضمن فيه برشلونة والريال الحصول على نفس المبلغ السابق 150 مليون يورو، أما حصص باقي الأندية ستزداد نسبتها مع حقوق النقل الجديدة لتصبح ما يقارب 70 مليون يورو لكل من فالنسيا وأتلتيكو مدريد.


قانون بيكهام 24%

http://gty.im/2148223

على الرغم من أهمية ضرائب الدخل بالنسبة للحكومات باعتبارها أحد أهم مصادر الإيرادات بالنسبة للدول، إلا أن الحكومة الإسبانية كان لها رأي مغاير في عام 2005، حيث تم اعتماد نظام ضريبي خاص يستهدف الأجانب من العلماء ورجال الأعمال الأثرياء، لأن الحكومة الإسبانية كانت تسعى لجذب المواهب الأجنبية في كل المجالات، وهذا التعديل يسمح للأجنبي بدفع 24% كضريبة دخل في حال تجاوز راتبه 600 ألف يورو، وكان القانون يقتضي دفع 45%، وهي النسبة التي يدفعها المواطن الإسباني.

كان أول المستفيدين من القانون هم الرياضيون ولاعبو كرة القدم، والإنجليزي ديفيد بيكهام كان أول من يطبق عليه التعديل بعد تعاقده مع الريال عام 2003، لذلك يطلق عليه قانون بيكهام في الأوساط الصحفية الإسبانية. القانون يسمح للاعب بدفع نسبة 24% لمدة أقصاها 6 أعوام، وكان آخر المستفيدين من القانون قبل إلغائه في 2010 البرتغالي رونالدو والبرازيلي كاكا بعد احتجاج الأندية الأخرى وعلو الأصوات الرافضة له داخل الحكومة الإسبانية، لكن استمر تطبيقه على المنتفعين منه حتى نهاية عقودهم، وتم الانتهاء منه بالشكل الكامل في عام 2015.

لويس أستيازاران- رئيس الدوري الإسباني «2005-2013»

يعتقد كثيرون أنّ هذا القانون ساعد الريال وبرشلونة على التوقيع مع أفضل اللاعبين في العالم وأن هذا الأمر لم يكن في متناول منافسيه في جميع أنحاء أوروبا حتى داخل إسبانيا، فهذا القانون تم تصميمه للأغنياء من أجل اجتذاب النجوم وليس من أجل الفقراء الذين يحصلون على الفتات. حتى الدوريات الأخرى كانت مضطرة لدفع أموال مضاعفة مقارنة ببرشلونة والريال، على سبيل المثال لو كان مرتب بيكهام يصل إلى 10 ملايين يورو سنويًا، فضريبة الدخل التي يدفعها الريال لمصلحة الضرائب هي 2.4 مليون يورو، أما لو كان في إيطاليا أو ألمانيا، فهم مضطرون لدفع 4.5 مليون يورو، مما يعني أن بيئة ريال وبرشلونة لا تسحر النجوم فنيًا، بل ماديًا أيضًا، فهي تمنحهم رواتب أعلى، والأندية الإسبانية ليست مضطرة لدفع الضريبة المطبقة على الإسبان، ولهذا السبب شاهدنا أن معظم انتدابات ريال وبرشلونة كانت من الأجانب أمثال هينري ورونالدو وإبراهيموفتيش. أسطورة ريال مدريد راؤول عبر عن موقفه الرافض لهذا التمييز وقال: «يجب على الجميع اللعب تحت نفس القواعد والقوانين، اللاعبون الجيدون سيستمرون بالمجيء حتى مع إلغاء القانون».


مؤسسة غير ربحية!

إلغاء القانون سيجلب عواقب سلبية جدا، سيمنع الدوري الاسباني من أن يكون الأفضل في العالم، لن نتمكن من الحصول على النجوم كما السابق، وهذا سيؤثر على تواجد المشجعين في الملاعب ومن شأنه أن يجعل الكرة الإسبانية أقل جاذبية للتلفاز والإعلام

في عام 1990 أجبرت الحكومة الإسبانية جميع الأندية باستثناء 4 أندية على إعادة تشكيل النظام لداخلي والتحول إلى شركات محدودة بدلًا من نظام العضوية والاشتراك، هذه الأندية «برشلونة – ريال مدريد- أتلتيك بلباو – أوساسونا». وميزة البقاء على النظام القديم هي ميزات ضريبية على حساب الأندية الأخرى، فبحسب الحكومة الإسبانية فإن الأندية التي تعتمد نظام العضوية هي مؤسسات غير ربحية، وهذا أدى إلى فتح تحقيقات بعد 23 عاما من قبل المفوضية الأوروبية، تم على إثرها تغريم كل ناد بمبلغ 5 ملايين يورو، بينما لم يتم الكشف عن المبلغ المستحق للحكومة الإسبانية طوال هذه المدة.

كرة القدم عبارة عن نشاط تجاري فيه الكثير من الأموال، واستخدام أموال دافعي الضرائب لتمويل أندية كرة القدم سيخلق منافسة غير عادلة، و يجب أن تطبق قواعد المنافسة العادلة على الجميع
مارغريت فيستاجر- مفوضة في الاتحاد الأوروبي

المصيبة الأكبر كانت الضرائب المستحقة على الأندية والتي لم تدفع للخزينة الإسبانية، حيث بلغت الضرائب ما يقارب 690 مليون يورو، كانت حصة برشلونة والريال منها ما يقارب 218 مليون يورو فيما عدا الديون المستحقة للبنوك. على الرغم من كل ذلك، ما زالت الأندية تدفع مبالغ طائلة في تعاقداتها و لم يؤثر هذا على قدرتها الشرائية.

هذا أمر لا يمكن تصوره، نحن ندفع لهم مئات الملايين لإخراجهم من تبعات الأزمة الاقتصادية، و الأندية لا تسدد ديونها
أولي هونيس – رئيس بايرن ميونخ
المراجع
  1. عوائد ريال مدريد و برشلونة من الحقوق التلفزيونية
  2. عوائد النقل في الدوريات الخمس الكبرى
  3. – اعتراض جمهور اشبيلية على تأخير مباراتهم من أجل مؤتمر الكلاسيكو
  4. قانون بيكهام
  5. تصريح راؤول جونزاليس ضد قانون بيكهام