قبل عدة شهور كان الحدث الرياضي الأبرز في العالم هو تأجيل المباراة التي تجمع بين ريال مدريد وبرشلونة. تم تأجيل كلاسيكو الأرض كما يسمى لأسباب سياسية خالصة، حيث اندلعت احتجاجات عنيفة في مدينة برشلونة رداً على سجن تسعة من قادة «حركة استقلال كتالونيا» التي باءت بالفشل عام 2017.

لم يكن هذا الحدث فريدًا من نوعه في مباريات الفريقين. دومًا ما تظهر لنا تلك المباراة بصبغة سياسية. الحديث عن ريال مدريد الفريق المفضل للجنرال الفاشي فرانكو في مواجهة فريق برشلونة المقاوم جيش كتالونيا غير المسلح هو حديث تاريخي لم يمت أبدًا.

لكن ليست السياسة وحدها هي قوام تلك المباراة. يملك الفريقان سحرًا خاصًا بهما، سحر يجعل كل لاعبي العالم إلا نادرًا يحلم باللعب للفريقين. يملك الفريقان في قوائمهما التاريخية عددًا هو الأكبر من أساطير اللعبة في تاريخها بالكامل.

أما على الجانب الجماهيري، فقد قدر مشاهدي الكلاسيكو الأخير بنحو 650 مليون متفرج. لا يوجد من يهتم بأمر الكرة ولا يشاهد مباريات الكلاسيكو الأبرز في العالم. أربع صحف يومية مخصصة للناديين بشكل أساسي اثنان في مدريد واثنان في برشلونة. أن تكون رئيسًا لأحد الناديين فأنت أشهر من أي وزير آخر في أوروبا.

الصراع بين برشلونة وريال مدريد باختصار هو صراع الرمزية والهوية والسياسة والتنافس المحموم. لكن فوق ذلك هناك تاريخًا متبادلًا من الخوف والكراهية. لكن الحقيقة تحمل أوجهًا كثيرة ونحن هنا سنتناول وجهًا غير معتاد لحقيقة الصراع بين الريال وبرشلونة.

هذا الوجه الذي قرر الصحفي الشهير «سيد لو» أن يظهره للجميع بالكثير من الأبحاث من خلال كتابه: «الخوف والكراهية في الدوري الإسباني، برشلونة وريال مدريد وأكبر تنافس رياضي في العالم».

سونيول المقاومة في مواجهة برنابيو الاجتياح

بدأ الأمر كله بعد الحرب الأهلية الإسبانية والتي اندلعت عقب الانقلاب العسكري غير المكتمل يوليو 1936 وكانت بين طرفين هما الجمهوريون والقوميون بقيادة الجنرال فرانكو. راح ضحية تلك الحرب الآلاف وأحد هؤلاء الضحايا كان السيد جوسيب سونيول.

كان جوسيب سونيول هو رئيس نادي برشلونة حينئذ حيث تم اغتياله بدم بارد ودون محاكمة باعتباره مناهضًا للقوميين أصحاب الانقلاب العسكري. كان جوسيب هو الخطوة الأولى نحو هذا التعريف الشهير بفريق برشلونة: أكثر من مجرد فريق.

كما يمكن القول إن الكاتب الماركسي الكتالوني مانويل فاسكيز مونتالبان له أكبر الأثر في خلق وصياغة شعور جماهير برشلونة بالهوية المتفردة، حيث تم تعريف النادي على أنه «جيش كتالونيا غير المسلح».

ناصرت برشلونة الجمهوريين فكان رد فرانكو عنيفًا حيث تمت الاستعانة بطائرات حليفه الإيطالي موسوليني لدك المدينة ولم يسلم النادي نفسه بالطبع. وفي أوائل عام 1937 وصل عرض إلى فريق برشلونة بالسفر واللعب سلسلة من المباريات في أمريكا والمكسيك.

حاول فريق برشلونة أن يجعل الجولة غير سياسية، ولكن تم استقبال برشلونة حتمًا كممثلين للجمهوريين والديمقراطية في معركة حامية ضد الفاشية. توصل نظام فرانكو إلى نفس الشيء وهو أن جولة برشلونة كانت رحلة سياسية.

وفي نهاية الحرب الأهلية، تم منع كل لاعب شارك في تلك الجولة من ممارسة كرة القدم لمدة عامين. تم توفير مبلغ مالي جيد من تلك الرحلة تم وضعه في بنك في فرنسا حتى لا تتم مصادرته.

وصل الجيش القومي إلى برشلونة في نهاية يناير 1939 ولم تواجه القوات أي مقاومة من مدينة منهكة ومرعوبة مليئة بالجرحى. سار جنود فرانكو على طول شارع أفينيدا دياغونال واستولوا على المدينة وكان من بينهم عريف متطوع يبلغ من العمر ثلاثين عامًا يدعى سانتياغو برنابيو.

حسنًا من السهل جدًا أن نختصر الحكاية برمتها إلى اسمين سونيول وبرنابيو. الأول قُتل على يد فرانكو والثاني غزا برشلونة كجزء من نظام فرانكو نفسه. لكن القصة لم تكن بتلك البساطة.

مدريد التي لم تكن تنعم بالسلام

خلال فترة الحرب وقبل وقوع مدريد في قبضة فرانكو كان رئيس ريال مدريد هو السيد رفاييل غيرا. لم يكن غيرا مجرد رئيس ناد بل كان عضوًا بارزًا في الحزب الجمهوري الذي ذاق الهزيمة على يد فرانكو. تم اعتقال غيرا رفقة 50 ألف سجين سياسي في مدريد.

كان ريال مدريد خلال فترة الحرب مثل نادي برشلونة تمامًا يوفر خدماته للمجتمع الذين من الواضح أنهم كانوا جمهوريين ومن واجبهم محاربة الفاشية. حسنًا نحن الآن على وشك تحطيم الأسطورة.

التصور الشعبي للحرب الإسبانية خاصة دوليًا هو ما جعلنا نعتقد أن برشلونة هي موطن الثورة والمقاومة ضد الفاشية حيث تبرز العاصمة الكتالونية كمسرح المعاناة والمأساة. وفي المقابل مدريد هي موطن حكومة فرانكو وكأن هدف الحرب كان احتلال الأمة الكتالونية وهو بالطبع ما لم يحدث. هكذا أصبح ريال مدريد فريق فرانكو وضحايا فرانكو هم برشلونة.

الإشارة إلى أن مدريد كانت قاعدة فرانكو خلال الحرب خطأ. التلميح إلى أن مدريد لم تحارب فرانكو أمر مسيء. لم تكن برشلونة أكثر مناهضة للفاشية. حتى أن بعد انتصار فرانكو اقترح البعض نقل العاصمة إلى بلدة مثل بلد الوليد التي كانت ترحب بالقوميين منذ البداية لكن ذلك لم يحدث.

بالعكس توقف نشاط كرة القدم في ريال مدريد فترة الحرب بالكامل. لم يتبق من قوام فريق ريال مدريد قبل الحرب إلا ثلاثة لاعبين فقط بعد فترة الحرب. وبينما كان برشلونة أغنى أندية إسبانيا بفضل الأموال المودعة في الفرنسي كان ريال مدريد من أفقر أندية إسبانيا على الإطلاق.

لكن ماذا تغير حتى وصل الأمر لفوز ريال مدريد بمباركة الدولة بأحد عشر هدفًا ضد برشلونة.

حقيقة المباراة التي تمثل الصراع

كانت علاقة فريق برشلونة بالسياسة الكتالونية طويلة الأمد مما استلزم صدامًا حتميًا مع الدولة قبل وجود فرانكو نفسه. لكن قوات فرانكو كانت تؤوي كراهية مريرة تجاه الانفصالية الكتالونية ومن هنا كان الصدام أقوى.

تم حظر اللغة الكتالونية ومصادرة كتبها وحرقها. كانت القومية الكتالونية موجودة قبل فرانكو وستستمر بعد وفاته، لكن نظام فرانكو أعطى العديد من المشجعين قمعًا ملموسًا يمكن من خلاله تحديد هويته.

احتل الرجال العسكريون مواقع رئيسية في جميع أنحاء أجهزة الدولة وفي جميع المؤسسات الرياضية الكبرى. كان التغيير في طبيعة وهوية أندية كرة القدم الإسبانية مهمًا بشكل كبير. تم استبدال رئيس برشلونة عام 1940 برجل عسكري. رجل كان وفقًا لتقارير الشرطة شخص ممتاز لكنه لم يكن يمثل برشلونة قبل الحرب ولم يكن له علاقة بالنادي من قبل.

تم تحديد الحد الأقصى للأجور للتأكد من أنه لا يمكن لأي لاعب أن يكسب أكثر من ضابط برتبة عقيد، وكان على اللاعب أن يقدم إعلان الولاء للنظام. كما وضعت قواعد صارمة لوسائل الإعلام الرياضية. وكان من بين التعليمات الرئيسية أن الصحفيين لا يستطيعون استجواب حكم بسبب وضعه كشخصية في السلطة بشكل فعال كامتداد للدولة.

في ظل تلك الظروف التي كانت أكبر من ريال مدريد وبرشلونة أنفسهم تمتع ريال مدريد بميزة كبيرة لا يمكن نكرانها وهو تواجده في العاصمة. أزال هذا التواجد الشكوك الانفصالية التي كانت يتسم بها برشلونة وجعل مدريد أقرب ماديًا ورمزيًا من قلب السلطة.

كان هذا بعيدًا عن الملعب حيث استطاع برشلونة إبان حكم فرانكو الفوز على ريال مدريد وتحقيق الألقاب بشكل طبيعي إلى أن أقيمت المباراة التي أصبحت فيما بعد عنوانًا لتلك المرحلة.

فاز برشلونة في مباراة الذهاب بينه وبين ريال مدريد 3-0. اشتكى مدريد من أن الحكم خوسيه فرنانديز سمح للبرشلونة بتسجيل الثلاثة أهداف من أخطاء واضحة لكن الأزمة أن أنصار برشلونة لم يكونوا سعداء بالنتيجة هم الآخرون.

أطلق جماهير برشلونة الصفارات طوال الوقت مما فسره البعض كإشارة إلى تمرد ضد فرانكو فهم كانوا يصفرون ضد الديكتاتورية. فرض الاتحاد غرامة على برشلونة 2500 بيزيتا لكن الأسوأ أنه قد بدأت حملة صحفية إعلامية في مدريد ضد ما حدث.

تم تسليم صفارات صغيرة من الصفيح رفقة التذاكر. أصبح الضجيج غير عادي. تم إلقاء الحجارة على الحافلة وعندما وصلوا إلى الملعب كان الصفير هائلًا.

وخلال المباراة نادرًا ما اقترب حارس مرمى برشلونة من خط المرمى وعندما فعل ذلك كان في متناول أنصار مدريد المسلحين بالحجارة والنتيجة أنه استقبل ثمانية أهداف خلال الشوط الأول. قرر لاعبو برشلونة أنهم لن يخرجوا للنصف الثاني لكن تم تهديدهم بالحبس فخرجوا لاستكمال المباراة التي انتهت بفور ريال مدريد 11-1.

برنابيو المختلف الذي جعل الريال عظيمًا

قررت الحكومة أن ذكر أحداث تلك المباراة قد يؤدي إلي تفاقم العواطف بين مناطق إسبانيا المختلفة وكانت النتيجة عواقب فورية. حيث استقال رئيس برشلونة وفي الوقت نفسه تم الضغط على ريال مدريد لتغيير رئيسهم أيضًا وكان الخيار المثالي هو سانتياجو برنابيو.

كان أول قرارات برنابيو هو إرسال برقية إلى برشلونة لتوسيع روابط المودة والرياضة النبيلة والتنافس بين الناديين. كان وصول برنابيو لرئاسة ريال مدريد بداية حقبة جديدة حيث فرض شخصيته على المؤسسة وخلق هيكلًا جديدًا وشرع في بناء ملعب جديد حمل اسمه في نهاية المطاف.

كان برنابيو الذي شارك في الحرب الأهلية يمقتها للغاية ولا ينسى مشاهد البكاء في برشلونة. لذا كان سانتياجو يحمل الاحترام للجميع وعلى الجانب الآخر كان عبقريًا فيما يتعلق بتعظيم أرباح الفريق.

سيستمر مسلسل الكراهية بين الفريقين بعد ذلك عن طريق الانتقالات والنتائج والصراع يشتعل كثيرًا على أرض الملعب. ستظهر أسماء أخرى في هذا الصراع مثل دي ستيفانو و كرويف وفيجو ورونالدو. ربما سنتناول ذلك فيما بعد لكن ما يهمنا الآن أنه إذا ما ردد أحدهم ثانية أن ريال مدريد هو فريق فرانكو فإننا يمكننا أن نجيب ببساطة أن فرانكو يكرهه الجميع في إسبانيا حتى أبناء ريال مدريد.

أحداث هذا المقال مأخوذة عن كتاب: «الخوف والكراهية في الدوري الإسباني، برشلونة وريال مدريد وأكبر تنافس رياضي في العالم».