في عام 2015، قررت مجلة «GQ» الأمريكية اختبار معلومات 10 مواطنين أمريكيين عن كرة القدم؛ اللعبة الشعبية الأولى في العالم وليست كرة القدم خاصتهم. كانت الأسئلة مجرد بديهيات، بدأت بسؤال عن النهائي الأكثر مشاهدة في عالم الرياضة، والذي لم يسرح أحدهم بخياله ليتخيل أنه نهائي دوري أبطال أوروبا وليس نهائي البيسبول أو السوبر بول.

بعد ذلك، تم سؤالهم عن عدد لاعبي الفريق الواحد، وعدد دقائق المباراة، ليظهر هؤلاء وكأنهم يعيشون في عالم آخر لا يدركون ما نفعله نحن في عالمنا. حتى أتت الصدمة عندما طُلب منهم التعرف على صورة كريستيانو رونالدو، ليظن أحدهم أنه دييجو مارادونا! بالطبع لم يكن ميسي أفضل حالاً من منافسه البرتغالي، وكان التعرف عليه أمرًا شاقًا أيضًا.

وسط تلك التعليقات الغاضبة والساخرة التي انهالت على الفيديو، تهكم أحدهم بشكل منطقي عندما قال: «لا أستطيع أن أفهم كيف استضافت هذه الدولة كأس العالم»، ومن هذه الجملة تحديدًا سنصحبك في جولة داخل الدولة التي نظمت كأس العالم وهي تسمي كرة القدم «Soccer» وليس «Football»، لعلنا نكتشف من أين أتى ذلك الالتباس؟

كأس العالم 1994

بقدر اندهاش ذلك الشخص في تعليقه على فيديو من إنتاج عام 2015، إلا أنه لا يضاهي اندهاش العالم أجمع يوم الرابع من يوليو عام 1988، عندما تم الإعلان عن فوز الولايات المتحدة الأمريكية بحق تنظيم كأس العالم 1994، متفوقةً على البرازيل والمغرب.

كان العالم في ذلك الوقت قد نسي وجود منتخب أمريكي لكرة القدم من الأساس، حيث لم يتأهل لبطولة كأس العالم منذ عام 1950، بعد واحدة من أقصر الحِقب الذهبية في تاريخ منتخبات اللعبة، بدأت وانتهت في عام 1930 باحتلال المركز الثالث في المونديال (خلف أوروجواي والأرجنتين).

أما عن شعبية اللعبة، فيكفي أن تعلم أن الدوري المحلي الذي مر عليه تيري هنري وبيكهام وزلاتان إبراهيموفيتش، والمعروف باسم «MLS» اختصارًا لـ«Major League Soccer» – انطلق فعليًا في عام 1996، أي بعد المونديال بعامين.

حينها، كان من الصعب أن تصبح لاعب كرة قدم في أمريكا، وإن أردت بدء مشوارك عليك السفر خارجًا.
المدرب الأمريكي «بيتر فيرميس» لمجلة Four Four Two

ورغم كل هذه المؤشرات السلبية، سجل مونديال 94 رقمًا تاريخيًا في الحضور الجماهيري وصل إلى 3.4 مليون شخص، وظلت البطولة عالقة في أذهان المشجعين بعدد من اللقطات الأيقونية كرقصة بيبيتو، وضربة جزاء روبيرتو بادجيو، وهدف السعودي سعيد العويران.

وامتد أثر البطولة لتصبح علامة فارقة في تاريخ كأس العالم، فتحول التنظيم في بلد لا تعرف كرة القدم جيدًا، بداية لمنحه لدول أخرى غير الأسماء المعتادة داخل قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية، فشاهدنا مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، ثم 2010 في جنوب أفريقيا، ثم 2022 في قطر، حتى أتى الدور على أمريكا مرة أخرى في 2026، بالتعاون مع كندا والمكسيك.

لمَ يفضّلون كرة قدم على الأخرى؟

قطعت أمريكا مشوارًا طويلاً من 1994 في انتظار عام 2026، وشهدت كرة القدم زيادة على مستوى الشعبية والعوائد والمواهب التي صارت تظهر بأبرز أندية أوروبا، لكن لم ترتقِ لتصبح اللعبة الشعبية الأولى أو الثانية هناك، لأن المشاعر الأصلية تجاهها ظلت حاضرة، المشاعر التي اختصرها تقرير لـ«بليتشر ريبورت» في الكراهية، وقد تظن للوهلة الأولى أن تلك الكراهية وراء إصرارهم على تسميتها بـ «Soccer» وليس «Football».

أول عائق أمام محبة كرة القدم هو الغطرسة الأمريكية الخالصة. على مدى السنوات الخمسين الماضية، سيطرت أمريكا على العالم اقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا. في ذلك الوقت اعتدنا على أن نكون الأفضل. لا يمكننا أن نفهم أن دولاً مثل البرازيل وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين أفضل منا.

في الواقع، نحن ملتزمون جدًا بالفوز لدرجة أننا قمنا بتصدير رياضاتنا المحلية -البيسبول وكرة السلة وكرة القدم الأمريكية- إلى بقية العالم، مما يسمح لنا ليس فقط بالفوز، ولكن بجني المكافآت المالية من تصدير التفوق.
مقال ?Why Americans Hate Soccer على بليتشر ريبورت

أثرت تلك الغطرسة على الذوق الأمريكي في الإعجاب بالرياضات الجماعية، فهم يفضلون الرياضات ذات النتائج العالية، هجمة هنا وهجمة، مزيد من المجهود يقابله المزيد من الأهداف، بالإضافة إلى وجود الأوقات المستقطعة الكثيرة التي تسمح بالأخذ والرد بين المدربين على مستوى الإستراتيجية (كذلك تسمح بالمزيد من الإعلانات وبالتالي الأرباح).

وعلى هذا الأساس ينظر المواطن الأمريكي إلى كرة القدم خاصتنا على أنها مملة، فعيناه لا تتحمل رؤية نتيجة 0-0، أو مشاهدة مباريات أتلتيكو مدريد رفقة دييجو سيميوني، وعليه كان منطقيًا أن يسمي لعبته المفضلة «Football»، ويتفضل بمنح الأخرى اسم «soccer»، وفي سبيل ذلك سيتحمل سخرية بقية العالم، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن أصل تلك الكلمات، لكن المفاجأة أنه إن فعل، سيكتشف أن كلمة «soccer» ليست من اختراعه.

منشأ الالتباس

تعود القصة إلى ستينيات القرن التاسع عشر، حيث انتشرت الكثير من الرياضات تحت اسم «كرة القدم Football»، وكانت جميعها تُلعب بشكل شعبي في جميع أنحاء العالم وبالطبع في إنجلترا. كان للعديد منها قواعد مماثلة لكنها غير موحدة.

إلى أن أتى يوم السادس والعشرين من أكتوبر عام 1863، حينما قررت مجموعة من الفرق في إنجلترا الاجتماع معًا وإنشاء مجموعة موحدة من القواعد التي سيتم تطبيقها في جميع مبارياتهم تحت اسم «Association Football». وكانت كلمة «Association» هي التي تميز كرة القدم عن لعبة مماثلة -في إنجلترا أيضًا- لكنها تسمح باستخدام اليد، وتعرف باسم الرجبي «Rugby Football»، وبفضل ذلك الاختلاف ظهرت كلمة «soccer» لأول مرة.

في ذلك الوقت، كانت هنالك عادة شائعة في بريطانيا لإضافة حرفي «er» إلى نهاية الألقاب، فعرفت لعبة الرجبي باسم «Rugger»، بينما عرفت كرة القدم باسم «soccer» بعد صعوبة إضافة «er» إلى «Association».

يُقال إن مخترع اللقب هو طالب في جامعة أوكسفورد يدعى «تشارلز وريدفورد براون»، بعد وقت قصير من إنشاء اتحاد كرة القدم عام 1863، سأله بعض الأصدقاء عما إذا كان يرغب في لعب لعبة «Rugger»، فأجابهم على نفس الوزن وقال إنه يفضل «soccer».

ورغم عدم تأكيد تلك الرواية، إلا أن ذلك لم يغير حقيقة اختراع كلمة «soccer» في تلك الفترة على يد الإنجليز وليس الأمريكان، وهو ما أكدته صحيفة New York Times في عددها عام 1905.

ثم بدأ الالتباس مع انتشار كرة القدم من إنجلترا إلى بقية أنحاء العالم، حيث كانت أمريكا واحدة من دول قليلة لم تنتشر فيها كرة القدم بقدر الرجبي، فتمسكوا بتسميتها بنفس ما سماها الإنجليز الأوائل، وأصبح العالم مقسمًا بين الكلمتين كما ترى في الخريطة التالية.

خريطة العالم حسب استخدام كلمتي Football/Soccer

في أمريكا الشمالية، وجنوب أفريقيا وأستراليا هم لا يرون إلا أنها «soccer»، أما في أمريكا اللاتينية وأوروبا وباقي أنحاء الماما أفريكا فهي «Football».

فماذا عن رأيك الآن؟ هل ترى أنها «Soccer» أم «Football»، أم أنك تفضل الاستمتاع بها فحسب بغض النظر عن اسمها؟