على مسرح الأحلام، وفي مباراة الإياب لدور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا لموسم 2003/2004، كانت بداية صعود صاروخ جوزيه مورينيو بواحد من أشهر احتفالاته الأيقونية. كانت النتيجة تشير إلى تقدم مانشستر يونايتد بهدف نظيف، والمباراة في طريقها للنهاية، بصعود اليونايتد وإقصاء بورتو.

لكن في الوقت بدل الضائع قرر تيم هاورد أن يتصدى بشكل غريب لركلة حرة مباشرة، وصفتها صحيفة الجارديان بلمسة من لمسات الحارس الفرنسي بارتيز، تابعها لاعب الوسط «كوستينيا» وأودعها المرمى، لينطلق مورينيو راكضًا بطول الملعب محتفلاً مع لاعبيه بالفوز، ثم أكمل المشوار بالتتويج باللقب.

بعد عدة سنوات، أفصح مورينيو عن رسالة يرسلها له «كوستينيا» بين الحين والآخر، قائلاً له: «أود أن أذكرك فقط أنه لولا هدفي لما أصبحت سبيشال وان».

ذلك اللقب الذي يرى فيه محبوه سببًا لعشق كاريزما المدرب البرتغالي، ويرى فيه كارهوه سببًا لزيادة بغضه. لكن وسط هذه الهالة، حدث سوء فهم بخصوص ذلك اللقب، والأدهى أن السبب الحقيقي الذي يجعل مورينيو يستحقه لم يعلَن حتى الآن.

مولد اللقب

كان موعد ولادة لقب «سبيشال وان» أو الرجل الخاص مع المؤتمر الصحفي الأول لمورينيو في إنجلترا، عند تقديمه مدربًا جديدًا لنادي تشيلسي، تحديدًا في 2 يونيو 2004. كان الدوري الإنجليزي خاضعًا لسيطرة الثنائي السير أليكس فيرجسون وأرسين فينجر، وأراد جوزيه أن يقحم نفسه في السباق منذ اللحظة الأولى.

لدينا لاعبون كبار، و … اعذروني على تكبري، لدينا مدرب كبير أيضًا. أرجوكم، لا تنعتوني بصفة الغرور، لكنني بطل أوروبا، أاعتقد أنني سبيشال وان.
جوزيه مورينيو، عام 2004، في مؤتمر «سبيشال وان»

في سيرته الذاتية، قال فيرجسون إن تلك اللحظة هي التي جعلته يشعر للمرة الأولى بتهديد مورينيو له ولفريقه، وبالفعل حدث ما حدث. الغريب أن مدرب إنتر ميلان الأسبق في لقاء صحفي قريب قال ما معناه أنه لم يقصد ذلك الوصف كما فُهم، أو تصديره للجماهير. تخيل مورينيو المغرور يحاول التهرب من واحدة من أهم لحظاته التاريخية!

وقبل أن تسمع التصحيح، عليك أن تستعد للضحك القادم. قال مورينيو إنه قصد وصف نفسه بسبيشال وان على أنه مدرب كبير من ضمن مدربين كبار آخرين، لكن الصحافة أخذت الوصف في الاتجاه الأكثر سخونة، وكأنه يقصر الوصف على نفسه. واستشهد جوزيه باستخدامه للأداة «a» وليس «the»، وللأسف كلامه صحيح لغويًّا على الأقل، هل ضحكت؟

إن قررت مراجعة التصريح بنفسك فستجد «a» فعلاً، لكن إن بحثت عن «special one» على اليوتيوب، فستجد أن عناوين مقاطع الفيديو التي تخص شبكة «ESPN» و«BeIN Sports» – على سبيل المثال – تستخدم «the».

السبب الحقيقي

بالطبع، قد تكون هذه محاولة للتجرد من بعض التصرفات التي عكرت مسيرة المدرب البرتغالي، أو أنها تصرفات عقلانية تتناسب وشعره الأبيض حاليًّا، لكن في الأخير، يوجد سبب يجعل لقب مورينيو مستحقًا.

أسهل ما يمكن فعله حاليًّا وفقًا لطبيعة النقاشات الكروية، هو سرد أرقام سبيشال وان، التي انطلقت من ذلك الاحتفال على مسرح الأحلام في 2004، إلى الفوز ببطولة الدوري في 4 دول مختلفة، البرتغال وإنجلترا وإيطاليا وإسبانيا، بالإضافة للتتويج بلقبين لكل من: دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.

لكن في بعض الأحيان تكون الأرقام غير كافية، والبحث عن القيمة المضافة يكون أكثر إقناعًا. ليست القيمة المضافة عبر لحظات الفوز لجماهير كل فريق من الفرق التي دربها، لكن ما تم إضافته لكرة القدم بشكل عام.

أعطى جون تيري نبذة عما أضافه مورينيو، عندما أوضح لبرنامج Monday Night Football على شبكة «سكاي سبورتس» أن لاعبي جيله لم يكونوا معتادين على التدرب بالكرة في مرحلة الإعداد البدني، وكي يقنعهم جوزيه بذلك أخبرهم بعدم وجود عازف بيانو يتدرب بالركض حول البيانو.

تقوم العديد من الأندية بتدريبات اللياقة البدنية بشكل منفصل، حيث ترسل اللاعبين لمدة 45 دقيقة مع مدرب لياقة، لكنني لا أومن بهذا، ولست مقتنعًا بالتدرب على المهارات بشكل منفصل. عليك أن تجمع كل هذه الجوانب معًا وتحاكي موقفًا معينًا من المباراة.
جوزيه مورينيو في مؤتمر تدريبي، عام 2005

وهذا بالضبط ما أضافه سبيشال وان لكرة القدم، ما يعرف بالـ «Tactical Periodisation»، والذي يعد من أكبر النقلات النوعية التي حدثت في طريقة تصميم تدريبات كرة القدم.

ما هو الـ«Tactical Periodisation»؟

لنبدأ بالتعريف مباشرة، «Tactical Periodisation» هو طريقة تدريب تستخدمها الفرق الرياضية المحترفة لدمج العمل التكتيكي في كل جانب من جوانب التدريب. أي أنه يرفض الفكرة التقليدية لتدريب كل جانب من جوانب اللعبة على حدة، كما تفعل المدارس القديمة.

ويؤمن معتنقو تلك الطريقة بأن كل تدريب يجب أن يتضمن الأربعة الجوانب: التكتيكي (صناعة القرار)، والتقني (تنفيذ المهارة)، والبدني، والذهني، لكن تظل الأولوية للتكتيك، لأنه من يسمح باستغلال بقية العناصر بشكل جيد.

دعنا نستشهد بمثال ذكره جون تيري لتقريب الصورة، عندما وصف أحد تدريبات مورينيو، والذي كان عبارة عن ثلاثة أو أربعة مدافعين يواجهون خمسة أو ستة مهاجمين في هجمة مرتدة. كان الغرض تكتيكيًّا في المقام الأول، ولكنه تضمن أيضًا سباقات سريعة عالية الشدة، وقفزات وتغييرات في الاتجاه، وغيرها من تدريبات اللياقة.

ما سبق هو الشكل الأبسط لفهم تلك الفلسفة، لكن الوصول له يمر بعدد من العمليات المعقدة، التي تبدأ بتحديد الـ«Game Model» أو النموذج العام، والذي يمكن استنتاجه من إجابة مورينيو عندما حل ضيفًا على «BeIN Sports» وسُئل عن فلسفته، فأجاب: «إنها تعتمد على … ثم توقف». وهو ما يعني مراعاة عدة متغيرات؛ كأفكاره وقدرات اللاعبين، وتاريخ الفريق، ووضعه الحالي، وثقافة المدينة.

Game Model الخاص بفلسفة Tactical Periodisation - جوزيه مورينيو
Game Model الخاص بفلسفة Tactical Periodisation – جوزيه مورينيو

ثم يتم تقسيم ذلك النموذج إلى عدة أفكار: رئيسية، وفرعية، ومتفرعة من الفرعية. تعبر الأولى عن هوية الفريق، غير القابلة للتغيير، مثل الاعتماد على الاستحواذ وتدوير الكرة سريعًا مهمن كان الخصم.

أما الثانية فتحمل بعض التغيير حسب الخصم، مثل بناء اللعب بعودة لاعب الوسط بين قلبي الدفاع لمواجهة خصم يضغط عاليًا، أو بقائه كخيار تمرير في الوسط في حالة خصم لا يضغط. أما الثالثة، فهي أقرب إلى التعليمات الفردية، مثل تغيير المهاجم لتحركاته حسب المساحة المتروكة خلف خط دفاع الخصم.

ويتم دمج هذه الأفكار مع الـ 4 لحظات الرئيسية في المباراة وهي: الهجوم، والدفاع، والتحول من الهجوم إلى الدفاع، والعكس، لأن الهدف كما ذكرنا سلفًا هو محاولة جعل التدريب يحاكي المباراة. وفي الأخير، يتم تدريب اللاعبين على الأفكار مقسمين، ما بين جماعيًّا (11 لاعبًا) أو فرديًّا أو تقسيمهم إلى نصفين هجوم ووسط يتقاطع مع الوسط والدفاع أو ثلاثة أقسام كل خط منفردًا وهكذا.

وإلى هنا سنكتفي بهذه التفاصيل لأنك على الأغلب قد أدركت أن الـ«Tactical Periodisation» ليس مجرد طريقة تدريب، ولكنه محاولة جديدة لفهم كرة القدم بشكل مختلف، مع مراعاة طبيعتها الفوضوية والمعقدة. ورغم أن مورينيو لم يكن مخترع تلك الطريقة، لكنه كان الواجهة الدعائية المثالية لها، وبفضل نجاحاته أصبح لها مريدون.

لكن بقي أن نعرف اسم العقل المدبر وراءها، وهو الأستاذ الأكاديمي بجامعة بورتو بالبرتغال، «فيتور فرايد». وقد قدم أفكاره في منتصف التسعينيات، ثم قام بتطويرها عندما كان مدربًا لأندية بورتو وريو آفي، واستمر لقرابة الـ 35 عامًا في تدريسها بالجامعة.

وتأثر عدد كبير من المدربين بفلسفة «فيتور»، من بينهم: أندريه فيلاش بواش، براندن رودجرز، نونو سانتو، كارلوس كارفخال، ماركو سيلفا، بيب ليندرز (مساعد يورجن كلوب في ليفربول)، لويس فان خال، جوس هيدينك، وبدرجة أقل الثنائي ماوريسيو بوتشيتينو وبيب جوارديولا، لكن كما ذكرنا يظل مورينيو هو أفضل تلاميذه، ولعل هذا السبب غير الرائج قد يكون من وجهة نظرنا كافيًا لمنح مورينيو لقبه، الذي سمى به نفسه في بداية مشواره.