لننحِ انتماءاتنا جانبًا، ولنتجاوز حاجز المهنية مؤقتًا لندرك أننا جميعًا نحب هذا الرجل. يمكنك إنكار ذلك، لكن لو بحثت في مشاعرك فستكتشف أنك تحبه. كمراسل، تريد أن تستمع إلى حديثه. تود أن يستمتع بوقته في إنجلترا. تريد أن تتعرف على آرائه عن التكتيك واللاعبين. تتمنى لو تذهب إلى حفل شواء في منزله، تجلس هناك تدخن سيجارك الخاص بينما هو يشوي شرائح اللحم.

كان هذا جزءًا من مديح «روني بارني»، الصحفي بالجارديان البريطانية لـ «ماوريسيو بوتشيتينو» مدرب نادي توتنهام. لعلك ترى أن ذلك المديح مبالغ فيه، لكن منطقيًّا هم مدينون له بعد أن قدم لهم أهم لاعبين في المنتخب الإنجليزي حاليًّا، هاري كين وديلي آلي. وبعيدًا عن مشجعي توتنهام والمنتخب الإنجليزي، هل حقًّا يستحق «ماوريسيو» كل هذا التقدير، وهو في النهاية يمتلك رصيدًا خاليًا من البطولات؟ وهل يجب أن يقتصر تقييمنا لأي مشروع رياضي على الفوز ببطولة فقط؟

ولأجل «بوتشيتينو» قد يكون علينا أن نرى جوانب أخرى حول كرة القدم، وأن نبحث من جديد في تأثير المدربين، ودورهم في فوز فرقهم بالبطولات.


بوتشيتينو يهتم

الأرجنتيني يحب النظام، يأتي إلى مقر التدريب مبكرًا ليجتمع بطاقمه التدريبي لمناقشة الخطة. أحد المقربين منه أخبر صحيفة التليجراف بأنه يحب ملاحظة الناس من حوله، حتى طريقة مشيهم. يجيد التواصل معهم والترحيب بهم، وبإمكانه توقع ما قد يحدث من مشاكل، وكأنه يمتلك حاسة سادسة. مبالغة أخرى؟ ممكن.

عندما تولى «بوتشيتينو» تدريب نادي ساوثهامبتون، لم يكن قد أتقن اللغة الإنجليزية بعد. لكنه في غضون أسابيع استطاع أن يقدم بيانات كاملة عن كل لاعب، على المستوى الشخصي «Character reference» والفني. لأنه يؤمن بتطوير لاعبيه على المستوى الشخصي.

عندما ذهب «أرلو وايت» – مقدم برنامج inside the mind على شبكة NBC Sports – لإجراء حوار مع ماوريسيو، أخبره بأن لاعبه الدولي الإنجليزي إيريك داير قد مر عليهم قبل ساعة من إجراء الحوار، وصافح كل طاقم البرنامج وسأل كل شخص عن اسمه. استنتج «وايت» أن هذا ما علمهم إياه بوتشيتينو. بالنسبة لمدرب ساوثهامبتون السابق، فإن تطور اللاعبين كأشخاص يوازي تطورهم الفني. وقدرة اللاعب على تطوير موهبته والتصرف كمحترف، تبدأ من احترامه لذاته وللآخرين.

بإضافة هذا التصريح من داني روز عن مدربه، وتصريحات مشابهة من غيره من اللاعبين فإننا ندرك بعضًا من ملامح ما بناه بوتشيتينو في توتنهام.


بوتشيتينو يحاول

يوضح الإنجليزي «ريتشارد كيز» الإعلامي بقنوات beIN Sports في التغريدة السابقة أن ماوريسيو بوتشيتيو قد أنفق في الثلاثة المواسم السابقة ما يزيد عما أنفقه رافا بينيتز مدرب نيوكاسل يونايتد بما يعادل 30 مليون باوند، وبالطبع فإن ترتيب كلا الفريقين في جدول الدوري يوضح الكثير. بالطبع هي محاولة مغلوطة للدفاع عن مدرب توتنهام. فقد تجاهل «ريتشارد» تشكيلة كلا الفريقين عندما تولى كل مدرب مهمته، لكنها مغالطة منطقية تثبت ما قيل سابقًا؛ أن الغالبية تحب بوتشيتينو.

النادي اللندني هو الوحيد في الدوريات الخمس الكبرى الذي لم يدخل سوق الانتقالات الصيفية، ثم أتبعها بعدم دخول انتقالات يناير رغم الإصابات. الكلام أصبح مكررًا، والحجة مجهزة للدفاع عن الرجل الذي يجلس هنا دون الاعتراض على إدارته، وتاركًا المشجعين يتناحرون حول أحقيته بالإشادة.

ولأن الحاجة هي أم الاختراع كما يقولون. ومع مصروفات أقل، أصبح المدرب الأرجنتيني الأكثر مرونة بين أقرانه. تقريبًا يلعب بكل مشتقات 3-4-3 و 4-3-3، بهاري كين أو بمهاجم وهمي أو بمهاجم Target كـ «لورينتي». وبكرة جذابة لا تخلو من أفكار برشلونة، استقطب بوتشيتينو محبي هذا الأسلوب. ثم ضم إلى شعبيته البقية من كارهي برشلونة لأنه يشترك معهم في هذه الكراهية، لوفائه للجار إسبانيول حيث كان لاعبًا ومدربًا.

لا أعرف هل يشعر أيضًا مشجعو توتنهام بأن مدربهم مقصر لعدم حصوله على بطولة؟ أم أنهم مكتفون بالخروج من ظل لندن إلى واجهتها، مع تأمين وضع النادي وتجنب مأساة بناء استاد جديد، اقترب أخيرًا من الخروج إلى النور؟ بنهاية البريميرليج، سينقسم الجدول إلى فائز و 19 خاسرًا، ومن المجحف أن يُحاسب الجميع بنفس المعايير. مهمة المدرب تكمن في الحصول على أقصى أداء من المجموعة، لكن الفوز بالبطولة؟ لمجلة «The Economist» رأي آخر.


كم يبلغ تأثير المدرب مقارنة باللاعب؟

عندما يتم سؤالي عن أقرب صديق لي في الفريق فإني فورًا أختار أحد زملائي. لكن بعد تفكير، أجد أن أفضل صديق لي في النادي هو مدربي.

قررت مجلة «The Economist» الإجابة على هذا السؤال بتحليل بيانات بطولات الدوري على مدى الـ 15 عامًا السابقة. وذلك لإثبات أن احتمالية تحقيق المدرب نجاحًا في ناديه الجديد مماثلًا لنجاحه في ناديه السابق، تشبه رمي قطعة معدنية. وعلى سبيل المثال، انحدار نجاحات المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، لا يعني بالضرورة أنه فقد لمسته، بل إن ما حققه مسبقًا قد يكون للاعبيه دورًا أكبر فيه، أو أنه استنفد ما يملكه من حظ في سنواته الأولى.

تم اللجوء إلى قياس قدرات ومهارات اللاعبين، من أجل محاولة قياس تأثير المدرب. وبالفعل تم جمع بيانات 18 ألف لاعبًا لكل موسم بناءً على قدراتهم في لعبة FIFA إلى جانب تقارير 9 آلاف مشجع. وقبل بدء الموسم، يتم ترتيب جدول الدوري وفقًا لقدرات اللاعبين، مع وجود نسبة خطأ تعادل 8 نقاط. وبمقارنة ذلك الترتيب بالترتيب الحقيقي، يتم قياس تأثير المدرب.

تفيد الأرقام بأن كارلو أنشيلوتي هو أحد أكثر المدربين تخييبًا للظن. ففي ثمانية مواسم من أصل 12، كان يمتلك أفضل اللاعبين في الدوري الذي ينافس به، ومع ذلك فاز باللقب 3 مرات فقط. وبالرغم من ذلك استمر أنشيلوتي في نيل المديح، ونيل الوظائف الجديدة أيضًا، وقد يكون السبب هو فوزه بثلاثة ألقاب لدوري أبطال أوروبا والتي تتطلب عدد مرات فوز أقل من بطولة الدوري.

أكثر المدربين تحقيقًا لـ «Over Performance» هما يورجن كلوب مع بروسيا دورتموند، ودييجو سيميوني مع أتلتيكو مدريد. لكن وفقًا لهذه الدراسة فإن سيميوني يستطيع أن يحسن أداء فريق متوسط بمعدل 4 نقاط، وهو نفس الرقم الذي قد يضيفه اللاعب صاحب المركز الـ 50 في ترتيب الأفضل.

بالطبع يحتل بوتشيتينو مكانة متقدمة في الدراسة السابقة، لكن هذا لا يكفي، وهو يدرك ذلك بالطبع. المنظومة الناجحة بإمكانها المنافسة، والمنظومة الأكثر نجاحًا بإمكانها تحقيق اللقب. فالأموال جزء من المنظومةـ، وتحقيق البطولة في غيابها سيصبح معجزة – كمعجزة ليستر سيتي – والمعجزات لا تخضع لأحد.

عندما استلم ماوريسيو المهمة كان كين يملك في رصيده 3 أهداف بالبريميرليج، اليوم هو هداف كأس العالم. صناعة اللاعبين من الصفر ليست أمرًا هيِّنًا، وإن كان يجب أن يُلام أحد في فشل بوتشيتينو ونجاح مدربين آخرين كفالفيردي، فهو الحظ أو داني ليفي.